الرئيسية » مقالات » هروب السفير السعودي!؟

هروب السفير السعودي!؟

اختفاء سفير المملكة في بيروت عبد العزيز الخوجة عند أول تهديد يتلقاه على الساحة اللبنانية في 17 اب 2007 , يظهر النظام الملكي في السعودية وكأنه يود أو يريد تصوير نفسه الواهب الوارث الغني المدلل , الذي لا يرغب سماع غير كلمات الإشادة والإطراء ! . في موقع كلبنان هو دوما قلب الحدث ويستقبل كما يرسل النبض اليومي لواقع حال صراعات النظم العربية والشرق أوسطية متداخلة مع امتداد زمن العولمة وما تتطلبه مصالح واقتصاديات الدول الكبرى من خطط مستقبلية في عالم متحرك متغير , ناهيك عن تواجد ( الجار ) الجنوبي إسرائيل وما يعنيه على اجندة وتحركات بعض الحكام في قتالهم من اجل البقاء مع شعوبهم والزمن والعالم . يبقى لبنان نفسه ذلك الامتداد التاريخي من التعايش القلق بين مكونات وطوائف شعب تتغير نسب أعدادها في داخل البلد المحكوم ديمقراطيا مما يتطلب تعديلات دستورية صعبة تتم إن حصلت بالتراضي والجدل الطويل المضني لتحديث البلد وقوانينه كان آخرها اتفاق الطائف أواخر الثمانينات .
فما الذي حصل اليوم وجعل السفير يشد الرحال عند سماعه بالتهديد المفخخ والذي إن صح فالاحتمال الأكبر أن يقود سيارة الحدث سعودي آخر جاهز عند أول إشارة للتقدم نحو الهلاك وتلك كما تبدو أولى تناقضات الشخصية السعودية بين مستوياتها الرسمية والشعبية .
يتوجب ماتقدم الخوض في ثوابت السياسة الخارجية السعودية المخفي منها والمعلن وكيف تبلورت لديها نظرية البحث عن الأعداء القريب والبعيد منهم خارج حدود المملكة ومشاركة حليف قوي يستطيع هو أن يضرب ويدمر ومده بالمال والسلاح وحتى الرجال أحيانا , ونستطيع هنا البدء من تجربة الثورة العسكرية اليمنية بداية الستينات على نظام الإمامة وإعلان إقامة الجمهورية اليمنية بقيادة المشير السلال وما تبعه من تمرد للقبائل الجبلية وبإسناد سعودي قوي ضد النظام الجديد , ثم وصول القوات المصرية إلى اليمن لحماية النظام الجمهوري الجديد , معلنة بدء الصراع المسلح بين معسكري التقدم والجمهورية , ومعسكر التخلف والرجعية (عطفا على مسميات ذلك الزمان الصحيحة إلى حد كبير ) قادت الحلف الثاني السعودية بارتماء كامل في ألحظن الغربي الأمريكي من كافة النواحي العسكرية والسياسية والاقتصادية , نكاية بالتحالف القوي والهش أحيانا بين مصر والاتحاد السوفيتي ومن هو على نفس الخط من دول التقدم العربي , لم يختلف النظام السعودي من حيث الجوهر عن نظام الإمامة في اليمن الا من حيث وجود الثروة النفطية الكبيرة التي سمحت له ولا زالت بإضافة قشرة حضارية مدنية لايستطيع استيعابها او الجزء الأكبر منها المكون الاجتماعي الداخلي للشعب السعودي أحادي الثقافة والمتخلف مدنيا مقارنة بدول عربية أخرى , لاتمتلك سيل الإمدادات المالية التي وفرها البترول كالسودان والمغرب مثلا , كالتعامل مع قضايا المرأة التي لاتستطيع في السعودية وفي القرن الواحد والعشرين الخروج إلى الشارع دون حجاب كامل او قيادة سيارة ! ناهيك عن مسألة الحقوق الانتخابية التي يكون حديثها ولحد اللحظة باستحياء ومحدودية حتى على الرجل , فمن أين يمكن للقوى الحية والفاعلة في المجتمع اختراق نظام الوراثة والإمارة والأسرة الواحدة الحديدي , واندماجه الكامل اقتصاديا ضمن النظام الرأسمالي العالمي وتوجهاته بما يضمن له استمرار الأمن والاستقرار الداخلي على طريق تبادل المنفعة النفط مقابل البقاء للنظام , وعدم التدخل الجاد في شؤون ساحته الداخلية .
ميز النظام السعودي ومن وراءه إمارات الخليج إلى حد كبير , أعداءه من أصدقائه ولنتصور إننا الآن في العام 1965 وحرب اليمن على أشدها تنهك الاقتصاد المصري من جانب وتحرك الراكد وبذور التنوير في المجتمع القبلي السعودي , ولعبت الموارد والتحالفات دورها الفعال في إدارة الصراع بين بيروقراطية مصرية محدودة الإمكانات , ونظام ريعي نفطي يعلم إن المعركة هي تقرير مصير بالنسبة له وان نظاما يقوده عبد الناصر وشعاراته يجب أن يحجم أو تزال عناصره الراديكالية , إضافة إلى الدخول الإسرائيلي على الخط بدء من الاختلاف مع الأردن حول قضية المياه مرورا بالمناوشات مع سوريا , وتصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية خلق أعباء متزايدة للقيادة المصرية , أضعفت إسنادها العسكري وخططها في اليمن , دفعها للتفاوض السري أولا مع القيادة السعودية ثم الانسحاب بعد العام 1967 وما شهده من هزيمة مذلة لقوات الأنظمة العربية , كل ذلك وضع السعودية في موقف القوي والمسيطر ماديا ضمن النظام الحاكم العربي بشقيه الرجعي والتقدمي وما تلاه من تسميات اجتمعت في قمة الخرطوم في العام 67 نفسه بعد الهزيمة لتكرس واقعا جديدا أساسه الاعتراف المتبادل للأنظمة مع بعضها , مهما استجد من اختلاف في التحالفات والمواقف , وتخصيص مبالغ مالية سنوية ضخمة تكفلت بها السعودية ودول الخليج لمصر خاصة , منهية صراع الإخوة والتناقضات الداخلية لمصلحة ديمومة الأنظمة , وما تلاه من ارتفاع أسهم السعودية وانتقالها من الدفاع إلى الهجوم مرتدية عباءة الإسلام السياسي المحافظ و المتشدد وبقبضة حديدية مغلفة بقفاز حرير بالضد الكامل من كل مسعى تقدمي تطوري للمجتمعات العربية عدوها الأول والقريب ومن المعسكر الاشتراكي عدو أصدقائها وصديق أعدائها , وبدأ في فترة السبعينات جني أولى الثمار بتراجع وتنحي القوى الراديكالية داخل الأنظمة والمجتمعات العربية لمصلحة قوى تميل للأفكار اليمينية والمحافظة , وكان الاقتصاد الإنتاجي هو الضحية الأولى وتراجعت خطط التنمية لصالح قطاع الخدمات والاعتماد على المساعدات الخارجية ويبدأ تسلق الفئات الطفيلية في المجتمع إلى مفاصل السلطة والنفوذ فارضة الأفكار المحافظة , وهذا ماسعت إليه وشجعته السعودية ليتكون النظام العربي الموحد الجديد . ماتبقى هو الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي الظهر الساند الحقيقي للتقدم والتنوير وبقية القصة معروفة , حيث تم نقل الثقل الأساسي لصراع الوجود العربي ضد إسرائيل وعدوانيتها إلى جبال أفغانستان وكهوفها حيث (جهاد) السعودية الحقيقي والمشترك آنذاك مع الولايات المتحدة ضد الكفر والإلحاد الشيوعي السوفيتي , وترك المقاومة الفلسطينية تواجه مصيرها منفردة في لبنان الثمانينات , وتنحرف تحالفات حركة التحرر الوطني والقومي العربية عن خطها الأصيل وتتحول مصر إلى دولة قطرية بعد اتفاقات السلام مع إسرائيل , ليخلوا الجو العربي للفكر والمال السعودي وتوابعه الخليجية ولا يبقى أمامهم من عدو غير الإنسان العربي العادي ليحرفوا تفكيره الواقعي وينقلونه إلى عالم الغيب والتشدد والاستهلاك بدل الإنتاج , بعد ان سيطروا تقريبا على اغلب مفاصل الإعلام المقروءة والمرئية لتغذية فكر متخلف محافظ من النمط المتوافر وحيدا داخل المجتمع السعودي .
وقد تكون الحرب العراقية الإيرانية المثال الأكثر وضوحا للسترتيجية السعودية في المبادرة لإشغال وتدمير الأعداء الخارجيين قبل انتقال أفكارهم وأذاهم إلى الداخل السعودي , حتى لو تطلب الأمر إدخال الأساطيل الأجنبية المنتظرة الفرصة الى مياه الخليج العربي .
وحتى لا نذهب بعيدا جدا نعود الى السيد الشاعر والسفير عبد العزيز الخوجة , والاهم السياسة السعودية تجاه لبنان بعد نجاح مؤتمر الطائف في العام 1987في تسجيل صفحة جديدة مكتوبة ومتفق عليها بين القوى الفاعلة للطوائف اللبنانية منهية رسميا اقتتال دام استمر لأكثر من خمسة عشر عاما برعاية العربية السعودية وهو مايسجل لها فخرا لايستطيع احد نكرانه , كما بدأت لها مساهمات واسعة في الأعمار , ومحاولة مد الجسور مع فئات الشعب اللبناني التي اصطدمت بوحدانية التفكير السعودي الدائم وذلك بحصر التعامل السياسي عند طائفة واحدة رغم تواجد فئات لبنانية مختلفة النتمائات للعمل في المملكة , حتى تم تصوير الأمر وكأنه وراثة للتركة الناصرية ومصادر النفوذ المصري المنكمش عن لبنان , المشكلة هنا ان النمط السعودي لايمكنة ان يشكل بديلا لحركة سياسية فكرية متعددة القراءات كالناصرية تعاطيها سياسي قبل ان يكون طائفي مع الشعب اللبناني , كما ان دولة حضارة وتاريخ ومدنية كمصر , تعاملها لاينحصر مثلا بتجار لبنان واستيرادا ته النفطية بل مع الفن والثقافة والإعلام والصناعة كما هو مع الأحزاب والطوائف والمرجعيات , ولكن بروز لبناني ذكي وشاطر استطاع ان يمتن ويطور الدور السعودي في لبنان وهو مافعله السيد رفيق الحريري , الوطني اللبناني الأصيل الذي شكل حتى لحظة استشهاده الرابط الديمقراطي لقوى الاستقلال اللبناني تجاه أي احتواء أو نفوذ أجنبي سواء من العدو الإسرائيلي المحتل , او الشقيق السوري المهيمن , مع اختلاف التعاطي والتعامل , فهل أوفته السياسة السعودية حقه ووقفت بجانبه تماما في لحظات الشدة تجاه المنافسين والأعداء , او في محاولاته المتكررة بالخروج من اسر الطائفة إلى فضاء الوطن خاصة مشاريع أعمار الجنوب المهمل تاريخيا , وإعانة أهله في سبيل خلاصهم من طوق التخلف والجهل بعد زوال الاحتلال , ولكن محدودية التفكير السعودي او بالأحرى اختلاف أهدافه منعته من توفير الدعم اللازم لمشاريع الحريري الواسعة الوطنية الإصلاحية , ليصبح غالبا هو وتياره في موقع الضعف تجاه الهيمنة السورية ومؤيدوها في لبنان , حتى وهو في موقع رئاسة الوزراء , فالسعودية ليست لها طموحات الحريري في لبنان وديمقراطيته الكاملة ضمن السيادة والاستقلال أهداف هي ابعد مما تريده دولة العائلة الواحدة المالكة السعودية , كما ان تواجد ونفوذ النظام السوري يشكل احتواء وفرملة للإشعاع اللبناني الذي جربته المملكة وباقي الأنظمة العربية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي حين أصبحت بيروت قبلة المتنورين العرب ومنهم أبناء السعودية , إذن لامشكلة في تقاسم النفوذ بلبنان للسعودية مع نظام هو جزء من تركيبة الحكام العرب دائمي خدمة الشعب أباء وأبناء , ولكن الدخول الإيراني على الخط هو المشكلة والتزامه طائفة معينة منافسة زاد الأمر تعقيدا خاصة بعد العام 2000 وتحرير الجنوب اللبناني , وتصاعد طموحات التحالف الجديد القديم الإيراني السوري وامتداداته وتوابعه في العراق بعد السقوط 2003 ولبنان وفلسطين , اصهر السعودية وكأنها المنافس او المعرقل لمشروع الحلف الجديد وبناء أسسه في العراق ولبنان لذا توجبت الإزاحة خاصة وقد بدت المملكة شاءت ام أبت في موقع الداعم لتطور الديمقراطية وقواها الناهضة في العراق ولبنان .
في العراق حوصر التواجد الرسمي للمملكة من سفارة ومؤسسات وأشخاص وهرب الجميع عند أول ضربة وشعور بالخطر , تاركين الساحة بأكملها لغيرهم , وتحولوا إلى تأييد مادي لقوى طائفية معينة كبديل للتعاون السابق مع قوى ليبرالية متنورة (أياد علاوي كمثال ) وانتقلوا إلى التراشق الإعلامي وتحميل الاحتلال الأمريكي مسؤولية الأخطار التي تخلوا هم عن مواجهتها .
العودة إلى لبنان تشير إلى نقطة الحسم بالنسبة للسوريين على الأقل وهم يشاهدون مايعتبرونه القوى المناهضة لهم تلتف حول الحريري وتطالب برحيلهم العسكري والاعتراف بلبنان الحر كيان قائم بذاته فكانت الضربة الأولى بتفجير موكب الشهيد رفيق الحريري إيذانا ببدء صراع الهيمنة الكاملة وضربات ماتحت الحزام والذي تحول بفعل التظاهرات والإرادة الشعبية اللبنانية بمساندة دولية وعربية مصرية سعودية الى تراجع وانسحاب عسكري للقوات السورية من الأراضي اللبنانية , تلاه فوز قوى الاستقلال بأغلبية المقاعد النيابية لبرلمان 2005 , فهل استغلت السعودية الفرصة ومعها معسكر الاعتدال العربي , مصر والأردن أساسا لدعم وتثبيت هذا الخيار الديمقراطي وحمايته من مخططات وأدوات المعسكر الآخر بكافة الإمكانات والوسائل , أم الاستمرار بالسياسات الخجولة وترديد شعارات التوافق , بواسطة الجامعة العربية وأمينها العام عمرو موسى , تاركة قوى الغالبية الديمقراطية تدفع الثمن يوميا حرب أعصاب وتخويف واغتيال لرموز فاعلة , وصولا إلى تحريك عناصر مسلحة للتمرد داخل المخيمات الفلسطينية , ولكن القوى الديمقراطية بدت مستعدة للمواجهة وتحمل التضحيات وحتى الوصول إلى حافة النصر , فماذا عن الحليف السعودي وقد انتقل القادة السوريون من التلميح الى التصريح العلني بنهاية الحقبة السعودية في الشرق الأوسط وفشل سياستها كما أعلنها السيد فاروق الشرع , بما معناه محاصرة واحتواء وحتى إنهاء ماتبقى من نفوذ وجاءت الترجمة في لبنان كما أسلفنا بارعاب السفير الشاعر الخوجة , ليغادر مسرعا , وكأن حياته اغلي من حياة سمير قصير او الجميل او تويني !وغيرهم وضاربا المثل لسطحية الالتزام مع الصديق والحليف , كما حصل في العراق وهروب التمثيل الدبلوماسي .
هل تحتاج ثوابت الدبلوماسية السعودية إلى مراجعة ؟ وهي تحاول لبنانيا على الأقل وضع البيض كله في سلتها ؟ ولا تفهم ان أساس الديمقراطية هو صراع وغالب ومغلوب ولكن ليس بالسلاح ولكن بالخيار الحر لغالبية الشعب , والمهزوم لايقتل ولا يرمى في السجون ولكنه يعود الى الشعب مستفهما , كما إن التراجع عراقيا ولبنانيا وحتى فلسطينيا أمام النفوذ الإيراني , لايكون علاجه دعم طائفة واحدة حليفة بوجه بقية الشعب بل بإسناد الخيار الشعبي الديمقراطي العدو الطبيعي لنفوذ دولة شمولية كإيران . تهرب من التنمية الداخلية غير المفيدة لبنية النظام , بالبحث عن معارك وامتدادات خارجية . العلة هنا أيضا وكما أسلفنا في الداخل السعودي المتخم بالتخلف ولكنه يواجه الحائط المسدود ولا يعدم وجود متنورين على محدوديتهم يودون له الانتقال الى الجانب الاخر .
وافضل مايمكن اضافته كخاتمة للمقال ماكتبه السيد يوسف الكوبليت في جريدة الرياض السعودية في تاريخ 28 – 8 – 2007
( حتى الآن لاندري ماهي العلة بأن يبتكروا أجهزة الكومبيوتر وتتسع عندنا كتب الخرافة وقراءة البخت , ويتوسعوا بالكشوفات الطبية , ونخالفها بالأوهام والطب الشعبي , ولدينا حاجة هائلة للكهرباء والسيارة وأدوات التبريد والتسخين , وكل الاحتياجات التي تحولت من الرفاه إلى الضرورات الأساسية كالهاتف والتلفزيون والطائرة , ثم ندعو عليهم بالفناء لأنهم جلبوا ألينا المفاسد .) .