مرارة العلقم في افواهنا وفي افواه الكثير من الناس او الاقل ممن يمتلكون الحد الادنى من الشعور الانساني ويتألمون لمناظر الموت الجماعي والخراب والدمار الذي احدثته التفجيرات الاخيرة التي طالت ابناء المجمعات السكنية في قضاء سنجار والتي ادت الى سقوط (810) بين قتيل وجريح ومفقود لا يزال البحث جاريا عنهم , وهم ليسوا اول الضحايا الذين سقطوا ولن يكونوا آخر الضحايا في العراق الجديد الذي حلمنا فيه ان يكون الفقراء والشرفاء والمواطنون البسطاء اول من تتبدل احوالهم وتتغير حياتهم بعد ازالة النظام السابق الذي كان ليله طويلا على العراق والعراقيين .
لكن يبدوا ان ان ضحايا النظام السابق على ضخامة عددهم وفداحة الجرائم التي ارتكبت معهم ربما سيفسحون المجال لضحايا النظام الجديد في العراق لكي يتقدموا عليهم في طابور الضحايا والمتضررين , حيث يتواصل ومنذ اربع سنوات مسلسل القتل والخطف والاعتداء والنهب والفساد اليومي الذي خرّب كل ما بقى او كان قائما بعد تغير الاوضاع في العراق .
ما حدث في سنجار هو جزء من مسلسل يجري ومنذ عدة سنوات لفئات وطبقات عديدة من ابناء الشعب العراقي ولكن كل بشكل واسلوب وسبب خاص يختلف عن غيره , فمنذ اكثر من عامين يتعرض كورد الموصل الىحملة تصفية وخطف وقتل وتهجير جعلت عشرات الآلاف منهم ( ان لم يكونوا بمئات الآلاف ) مهجرين ونازحين في القرى الارياف المحيطة بالموصل بل واصبح الآلاف منهم بلا مأوى ولا سكن في المخيمات والاحراش المحيطة القريبة من تلكيف وخبات ودهوك , وذات الحال جرى لعشرات الآلاف من الشبك الذين اجتمع عليهم سببا القومية والمذهب واصبحوا هدفا للقتل والاختطاف , وكان للأيزديين الحصة الاكبر من الاعتداءات والانتهاكات التي جعلتهم اسرى وسجناء في المجمعات القسرية التي بناها النظام السابق وتعرضوا الى حصار خانق منذ اكثر من ستة اشهر بحيث منعت عنهم مواد البطاقة التموينية والغذاء والدواء والنفط والغاز وعين الامر ينطبق ايضا على المسيحيين والصابئة وغيرهم من باقي مكونات الشعب العراقي من السنة والشيعة والعرب والكورد والتركمان الذين وجدوا انفسهم في دوّامة من الحروب والنزاعات الطائفية والقومية والعشائرية التي غيرت وجه العديد من المدن والمناطق بحيث جعلتها ذات لون او شكل واحد يرفض التعددية والتنوع الذي تسير عليه طبيعة الاشياء في الحياة .
(ضحايا بلا حدود) هو حال العراقيين الذين نشرت عنهم صحيفة “الاندبندنت ” البريطانية في عددها الصادر يوم 17 آب تقريرا بعنوان (“أزمة طبية في العراق”) ينبه إلى حلول كارثة انسانية في العراق في وقت يتزايد فيه هرب الاطباء والممرضين من العنف الذي يعصف بحياة العراقيين.
وقالت الاندبندنت ان “العراق يتعرض حاليا الى كارثة انسانية بسبب النزوح الجماعي للكوادر الطبية التي تهرب من البلاد بسبب تصاعد العنف اليومي والفوضى المزمنة”.
وذكرت إن تقريرا صدر عن منظمة “اوكسفام انترناشونال” يبين ان تناقص اعداد الاطباء والممرضين يحطم النظام الطبي ويضعه على حافة الانهيار وانه كشف ان العديد من المستشفيات والمرافق الطبية والتعليمية في بغداد فقدت ما يصل الى 80 % من اعضاء الهيئات التدريسية”.
ويقول التقرير ان “العراق يعاني من ازمة انسانية مهولة وكبيرة وغير معلنة لا تتعلق بكوارث التفجيرات اليومية انما بملايين الناس الذين هم في حاجة ماسة للمساعدة الطبية والانسانية”.
وأضافت الصحيفة ان “الأطفال كما هو الحال في معظم الصراعات هم من بين الفئات الاكثر تضررا في المجتمع فمعدلات سوء التغذية بين الاطفال في العراق مرتفعة بالفعل وتصل اليوم الى 28 %. واكثر من 11 % من الاطفال يولدون ناقصي الوزن أي بنسبة ثلاثة اضعاف منذ بدء الحرب”.
وأضافت ” بينما كان التركيز الدولي المباشر على العنف المستمر تتواصل معاناة البلاد من النزوح الجماعي في داخل وخارج البلاد .. وانه بعد أربع سنوات فان اكثر من 43% من العراقيين يعانون من الفقر المدقع ونحو نصف السكان يعانون من البطالة”و ان “من بين اربعة ملايين عراقي يعتمدون في معيشتهم على المعونة الغذائية فان 60 % منهم فقط يحصلون على نظام التوزيع الحكومي وبنسبة انخفاض مريعة بلغت 96 % عما كان عليه الحال قبل ثلاث سنوات.”
وتقول الصحيفة ان “هناك دليلا آخر على التفسخ يتمثل في اعداد اللاجئين الكبيرة الذين فروا من البلاد والمشردين في داخلها حيث أن هناك أربعة ملايين عراقي فروا من منازلهم نصفهم هربوا الى خارج العراق والباقى يعيشون في مخيمات النازحين في الداخل التي غالبا ما تفتقر الى ابسط المرافق”.
وقالت ان” اخر الارقام تبين ان 32 % منهم لا يحصلون على حصص غذائية و 51 % يحصلون على الطعام بنحو متقطع”. وتقول الصحيفة ان “كثيرا من الذين فروا هم من الاختصاصيين الذين توجهوا الى الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين ادعتيا بناء دولة ديمقراطية ومستقرة في عراق ما بعد صدام ومن بين اولئك الفارين آلاف من الاطباء والممرضين واساتذة الجامعات والمدرسين ورجال الاعمال ومن بينهم أيضا مهندسو مياه من الذين ساهموا في الحفاظ على بنية العراق التحتية من الانهيار منذ حرب الخليج الأولى وسنوات طويلة من حصار امريكي وبريطاني على اساس عقوبات فرضتها الامم المتحدة.”
وفى هذا الشأن قالت إن “عدد العراقيين الذين لا يحصلون على ما يكفى من امدادات المياه قد ارتفع من 50 الى 70 % في السنوات الاربع الماضية و 80 % منهم يفتقرون الى المرافق الصحية الكافية”.
وتتابع الصحيفة ان “دجلة والفرات وهما من أكبر الانهار في الشرق الاوسط وكانا مصدر رزق لمساحات كبيرة من الأراضي يعانيان من التلوث الشديد بسبب تصريف مياه المجاري غير المعالجة وكنتيجة لذلك كانت هناك زيادة كبيرة في اعداد المصابين بامراض الاسهال وان شعب العراق له الحق المكرس في القانون الدولي في ان يحصل على المساعدة المادية التي تلبي احتياجاته الانسانية وحمايته لكن هذا الحق يجري التغاضي عنه.”
ان كل الارقام والنسب والتفاصيل اعلاه والتي قد يختلف البعض حول دقتها او طريقة تقديرها الى ان الواقع الموجود في العراق وحال الكثير من المناطق المنكوبة التي تحتاج الى تقديم الاغائة وخطط طوارئ لتوفير الخدمات والغذاء والدواء لكن انعدام الامن والتهديدات الدائمة بالخطف والاغتيال والتفجيرات والاعتقالات وعدم توفر الخدمات الاساسية من الماء والكهرباء يجعل الكثير من العراقيين اعضاء في منظمة او جمعية جديدة هي منظمة ( ضحايا بلا حدود ) دون ان يكونوا مكلفين بدفع رسوم او توفر شروط العضوية كما هو حال منظمات ( مراسلون او اطباء بلا حدود ) !!!