*تعريف الكتاب:
الجمعيات والمنظمات والاحزاب الكوردية في نصف قرن 1908-1958 كتاب عراقي جديد صدر قبل فترة قصيرة لمؤلفه الدكتور عبدالستار طاهر شريف الذي عرف كاتبا سياسيا الى جانب اختصاصه في حقل علم النفس التربوي. ويعكس لنا هذا الكتاب من عنوانه فرصة متاحة للقارىء في العراق بخاصة وفي الاقطار العربية بعامة للاطلاع على صفحات مطوية من تاريخ الشرق الاوسط والعراق. فالفينا انفسنا نطالع في السنوات الاخيرة كتبا ودراسات تنشر وتعضد. ربما كان نشرها قبل عقود من السنوات ضربا من ضروب المستحيل وشكلا من اشكال اللعب بالنار.
والحقيقة بعد ان انتهيت من قراءة هذا الكتاب وقفت على مقدار الجهد الذي بذله الباحث في توثيق الحركة التحررية الكوردية ضمن حدود البحث أي خلال نصف قرن من الزمان. فوضع القارىء امام وثائق وحقائق ليس من السهل الحصول عليها وجمعها ليقف من بعد وقفة محلل ومفسر بين سطور هذه الوثيقة او تلك، ولقد كانت مساحة البحث واسعة فشملت العراق وتركيا وايران وسوريا وهذه هي الفصول الاربعة الاساسية للكتاب.
اهداف البحث
يوضح الدكتور عبدالستار طاهر شريف في مقدمة كتابه اهم اهداف بحثه وهو الحفاظ على تاريخ وتراث نضال الشعب الكوردي في نصف قرن يدفعه الى ذلك القلق المشروع حول من يهدد التاريخ في العالم الا وهو مشكلة التحريف والتزييف اكثر من ذي قبل باعادة كتابة تاريخنا، ولقد ادى الباحث دوره في هذا المجال ومن زاوية حساسة وخطيرة الا وهي زاوية اعادة كتابة تاريخ الجمعيات والمنظمات والاحزاب الكوردية. هذا التاريخ الذي تعرض ومازال يتعرض لاكبر عملية تشويهية وتحريفية- كما يذكر المؤلف- عن قصد او عن جهل من مؤلفين كورد او اجانب.
والحقيقة فان الكتاب يعد اول مصدر جامع للنضال المنظم للشعب الكوردي يطبع بعد ثمانين عاما من تأسيس اول منظمة كوردية وهي جمعية تعالي كوردستان التي اسست عام 1908 في مدينة استانبول.
ومما يلفت الانتباه ونحن نقرأ هذا الكتاب اننا لم نجد في قلم الكاتب ما يوحي باقل نأمة واوهى اشارة تنم عن مجاملة او تعصب او تحيز انما بدا في كل سطر من سطور جهده موضوعيا جريئا في تحليلاته وتعليلاته للجوانب المشرقة في هذه التنظيمات السياسية من جهة ولجوانب الاخفاق والتعثر من جهة اخرى، وطبيعي انه ليس من السهل على المرء وفي مثل دراسة كهذه ان يحافظ على هذا القدر الذي لمسناه من الموضوعية العالية في هذا الكتاب، في وقت علينا ان لاننسى ان الكاتب ليس انسانا محايدا وانما عرف بوصفه احد المساهمين في الحركة القومية الكوردية منذ الخمسينيات وعايش هذا الخضم المرتطم من الصراعات السياسية وتقاذفته الاحتدامات الكوردية المعروفة، لذا كنت اتوقع ان المس بعض اشكال التميز او التطرف في دراسته سلبا او ايجابا هنا او هناك، ولكن الذي تراءى لي حقا في هذه الدراسة الحس العالي من الموضوعية والنزوع الواضح نحو الاكاديمية التي حضت في الرغبة حقا. لان اكتب تعريفا بهذا الكتاب.
يحاول المؤلف في مقدمته ان يقف وقفة صريحة ازاء اسباب اخفاق العديد من الحركات التحررية في كوردستان والتي تمثلت بمنظمات وجمعيات مختلفة. من تحقيق اهدافها، فهو فضلا عن اعتقاده ان الفئات البرجوازية قد لعبت دورا في تقويض اعمال هذه المنظمات وعدم تحقيق اهدافها عن قصد او عن غير قصد، فانه يضعنا امام سبب اخر الا وهو ضعف الحال التنظيمية في كثير من هذه المنظمات التي وقعت ضمن ساحة هذا البحث.
والحقيقة فاننا نرى تداخلا او علاقة جدلية بين العاملين اللذين يضعنا الدكتور عبدالستار طاهر شريف امامهما في تشخيصه لاخفاق عدد من هذه الجمعيات والمنظمات السياسية. يحاول البحث في الفصل الاول من هذا الكتاب القاء الضوء على تاريخ الجمعيات والمنظمات والاحزاب في كوردستان تركيا ويؤرخ لذلك العام 1908 بدءا بولادة اول تنظيم يجسد نضال الشعب الكوردي، حيث قامت اول جمعية سياسية كوردية أي (جمعية تعالي كوردستان) وكان من مؤسسي هذه الجمعية امين عالي بدرخان والفريق شريف باشا والشهيد عبدالقادر شمزيني الذي اعدم في ديار بكر والداماد ذو الكفل باشا وغيرهم.
الحزب الديمقراطي
ويذكر مؤلف الكتاب نشاطات الحزب الديمقراطي الكوردي والذي سمي ايضا بجمعية الاستقلال وسمي حينا بالنادي الكوردي في بعض المصادر. ومن خلال المذكرات التي تقدم بها هذا الحزب، الى دول الحلفاء في اذار 1920 فضلا عن الاسهامات المباشرة لرئيس هذه الكتلة السياسية السيد عبدالقادر الشمديناني في مؤتمر السلام بباريس، ويوضح المؤلف على صعيد الانشطة الخارجية ردود الفعل الايجابية للمنظمات الكوردية انذاك من موقف رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج العام 1920 ازاء القضية الكوردية، حيث صرح في مجلس العموم البريطاني بحق الشعب الكوردي في التحرر من السلطنة العثمانية. ويضعنا امام نص البرقية المرفوعة الى لويد جورج من قبل رؤساء المنظمات السياسية الكوردية وهم يعبرون عن امتنانهم بمناسبة تصريحه العادل ازاء القضية الكوردية وقد وقع على البرقية السادة الاتية اسماؤهم:
امين عالي-نائب رئيس الرابطة الكوردية المركزية.
ممدوح سليم-السكرتير العام للحزب الديمقراطي الكوردي.
صبري-رئيس المنظمة الطلابية (هيفى) الكوردية.
كمال فوزي-باسم الصحافة الكوردية
ويتطرق المؤلف الى اول تنظيم كوردي نسوي وهو جمعية التعالي لنساء الكورد التي اسست في استانبول العام 1919، وكان من اهدافها تطوير المرأة الكوردية وتأمين حياتها الاجتماعية وتقديم الدعم والعون للاطفال اليتامى والارامل الكورد بسبب تعرضهم للتهجير والتنكيل. ثم يضعنا المؤلف امام النص المترجم للنظام الداخلي لهذه الجمعية النسوية وقد تضمن النظام الداخلي لها 46 مادة والحقيقة فان النظام الداخلي لهذه الجمعية النسوية يدل دلالة واضحة على نضج ووعي تنظيمي عال وتحت عنوان (الاوضاع في كوردستان) ضمن هذا الفصل يحاول الباحث ان يرسم صورة موضوعية لواقع القضية الكوردية انذاك، وهو يدخل مدخلا تحليليا في تعامله مع القضية الكوردية فيعود بالقارىء الى الوراء، الى ثورة الامير بدرخان التي قادها ضد النظام العثماني المتسلط في نهايات النصف الاول من القرن التاسع عشر، وقد تصاعدت حركته الثورية الى مستوى قدرته على قطع علاقاته مع الباب العالي وضرب النقود باسمه ثم لم تلبث ان سقطت الامارة البدرخانية ودخلت القضية الكوردية بعد ذلك مدخلا جديدا، حيث اعتمدت العمل التنظيمي التوحيدي، ويعلل المؤلف اسباب حمل هذه المنظمات الشعارات المتطرفة بسبب سياسة التمييز والاضطهاد التي اتبعت مع الشعب الكوردي، والتي سدت امامه السبل للعيش دون تمييز او اضطهاد.
ويعطينا المؤلف صورة موضوعية حول اهم حزب كوردي ظهر خلال العقد الثالث من هذا القرن في تركيا وهو حزب خويبون والذي اسس على اثر فشل ثورة الشيخ سعيد بيران. وكان اهم هدف لهذا الحزب هو التصدي لسياسة التتريك انذاك بعد ان تنكرت للعهود التي اعطيت للكورد قبل اسقاط الحكم العثماني، والحقيقة فان هذا الحزب في جوهره جبهة قومية اتحدت في حزب واحد قوامها اربع منظمات هي: منظمة تقديم كوردستان ومنظمة كوردستان ومنظمة الامة الكوردية وجمعية الاستقلال وقد عقد المؤتمر الاول لهذا الحزب في لبنان واتخذ لنفسه من مدينة حلب مقرا. لكنه لوحق من قبل السلطات الفرنسية فاتجه الى اسلوب التسلح وبث روح الثورة في الكورد مرة اخرى. فكانت نشاطاته بمثابة التهيئة والاعداد لثورة ارارات المشهورة التي قادها الجنرال احسان نوري باشا.
يخصص المؤلف الفصل الثاني لنشوء التنظيمات السياسية الكوردية في كوردستان العراق ويمهد لذلك بمقدمة موجزة هي في الواقع امتداد سريع للفصل الاول. بعدها يؤرخ المؤلف لاول جمعية كوردية في العراق وهي جمعية كوردستان التي اسست في مدينة السليمانية عام 1922 وبرئاسة مصطفى عزيز باشا ياملكي، ثم يعدد اسماء اعضاء الهيئة المؤسسة موضحا الهدف الاساسي من قيام هذه الجمعية وهو تأييد الشيخ محمود الحفيد في السليمانية. ويشير الى جريدة بانكي كوردستان: نداء كوردستان لسان حال هذه الجمعية.
لقد كان المؤلف موفقا في توضيح الابعاد التي ساعدت على قيام هذه الجمعية مع توضيح مجمل نشاطاتها السياسية واكد على ابرز نشاط سياسي خارجي لها وهو المذكرة التي بعثت بها الجمعية الى عصبة الامم في 1 / 10 / 1924 والتي عارضت فيها المطالب التركية في ولاية الموصل وانكرت وجود اية علاقة بين الكورد والترك سوى علاقة الدين.
ويستعرض المؤلف الجمعيات والمنظمات والاحزاب الكوردية التي تلت الجمعية الاولى التي ذكرناها توا والتي اتسمت بتشجيع وتبني البرجوازية الوطنية لها، وقد ضم هذا الاستعراض الجمعيات التي كانت تعنى بالنواحي الادبية والثقافية الى جانب اهتماماتها السياسية او لنقل تلك المنظمات التي كان يغلب عليها طابع التثقيف. فيذكر الجمعية الادبية الكوردية مع القاء المحاضرات اليومية ثم بدأت تتخذ لنفسها، اتجاها سياسيا، اما في رواندوز فقد نشأت جمعية ادبية لنشر اللغة الكوردية والتعريف بالتاريخ الكوردي ثم اتخذت لنفسها ايضا طابعا سياسيا فحوربت من قبل السلطة انذاك.
ويستمر المؤلف في استعراضه لعدد من الجمعيات التي كانت تظهر ثم لاتلبث ان تتلاشى لتحل محلها جمعية اخرى مثل كومه لى لاوان-جمعية الشباب، والجمعية الكوردية الاصلاحية التي اسست بعد انقلاب بكر صدقي وكومه لي برايه تى- جمعية الاخوة وجمعية الاخوة وجمعية فدائي الوطن وجمعية ئازادي كوردي-الحرية الكوردية- وصولا الى نشوء اول حزب في كوردستان العراق وهو حزب هيوا (الامل).
ويحاول الباحث استقراء نشوء هذا الحزب من خلال اتصاله ببعض الشخصيات السياسية العاملة في الحركات الوطنية والقومية ومن خلال اطلاعه على الادبيات ذات العلاقة وبعض الوثائق يتوصل الى كيفية نشوء هذا الحزب والاسلوب الذي انتهجه وما اعتوره من مشكلات داخلية اصابت فيه صدعا وما احاطت به من ظروف سلبية ومن الاشخاص الذين وردت اسماؤهم في تقصي الباحث المباشر وغير المباشر عن مسيرة هذا الحزب أي ممن اعتمد المؤلف عليهم مباشرة او بصورة غير مباشرة في القاء الضوء على نقطة الشروع في مسيرة هذا الحزب هم السادة مكرم جمال الطالباني وصالح الحيدري ومصطفى ناريمان وكريم الزند.
وعلى ما يبدو فان منشأ هذا الحزب كان في اربيل اذ قامت مجموعة من الطلاب ذات الاتجاه القومي بتشكيل منظمة قومية وكانت تسميتها الاولى (داركه ر) أي الحطاب ثم تطورت وسميت (هيوا) وكان المؤسسون الاوائل هم السادة مصطفى العزيري ويونس رؤوف وجلال قادر وحسن عبدالصمد واحسان الحاج احمد باقجه جي ومن اعضائها النشيطين كما يذكر المؤلف رستم عبدالجبار.
ولان هؤلاء الشباب لم يكونوا معروفين في الاوساط الكوردية والسياسية كما يذكر المؤلف فقد حاولوا البحث عن شخصية قيادية معروفة بماضيها القومي ومتمتعة برصيد سياسي واجتماعي فوقع الخيار على المرحوم رفيق حلمي الذي ترأس الحزب.
ويتحدث المؤلف عن شخصية رفيق حلمي ثم عن اتجاهات هذا الحزب ومعاداته للفاشية والقاعدة الواسعة التي استطاع ان يكونها ونشاطاته التي بدأت تمتد الى كوردستان ايران لاقامة جسور تنظيمية بيد ان الخلاف دب في صفوف قادة هذا الحزب وانتابته صراعات اليمين واليسار حتى انفصل الجناح اليساري عنه وبقي الجناح اليميني ضعيفا لايقوى على البقاء فقرر حل الحزب ولاينسى المؤلف التأكيد على دور الاستعمار وعملائه في القضاء البطيء على هذا الحزب بعد ان وجدوا فيه ما ينبيء عن قدرات جماهيرية هائلة اذ يذكر المؤلف ان الاستعمار وضع نصب عينيه القضاء على هذا الحزب مهما كلف الامر فبدأ بتخريب الحزب من الداخل وتفكيكه مشعلا نار الخلاف بين جناحيه اليساري واليميني الى ان تمكن من القضاء على الجناح اليساري الذي كان يمثل الاغلبية الساحقة من الاعضاء الوطنيين والتقدميين.
ثم يستعرض المؤلف اراء ووجهات نظر بعض المعنيين ممن عايشوا الحزب وعاصروه محاولا رسم الصورة الحقيقية لواقع هذا الحزب ونهجه وما احاط به من ظروف ثم ينتقل بالحديث الى حزب شورش وظروف تشكيله بعد انحلال حزب هيوا الذي اصدر من بعد حزب شورش بيانا من اجل تأسيس حزب لجميع التقدميين الكورد باسم حزب رزكاري كورد (حزب التحرر الكوردي) وقد اعتمد المؤلف في هذا الموضوع بشكل رئيس على مذكرات الاستاذ صالح الحيدري.
ودون نص بيان حزب رزكاري كورد الصادر عن الهيئة التأسيسية والذي تضمن تسع نقاط والموقع باسم الهيئة التنفيذية لحزب رزكاري كورد (حزب الجبهة الوطنية الكوردية الموحدة في العراق) ولنا هنا ان ننتقل نقلة سريعة في عرضنا لهذا الكتاب فقد اسهب المؤلف في معالجته للظروف التي احاطت بحزب شورش ورزكاري كورد والبيانات الصادرة انذاك وصولا الى المؤتمر الاول للحزب الديمقراطي الكوردي الذي انعقد في شهر اب 1946 في بغداد وكان اعضاء المؤتمر نحو 32 مندوبا يمثلون احزابا منحلة -حزب رزكاري كورد وحزب شورش المنحلين فضلا عن بعض الاشخاص ممن حضروا المؤتمر بصفة مراقب ممثلين عن الحزب الديمقراطي لكوردستان ايران، وممن حضر المؤتمر انذاك كما يذكر المؤلف السادة صديق الاتروشي ونوري شاويس وعلي حمدي وقد عقد هذا المؤتمر في دار (سعيد فهيم).
يتناول الباحث هنا احدى المشكلات التي طرحت في هذا المؤتمر وهي مسألة حل فرع الحزب الديمقراطي لكوردستان ايران والذي كان يزاول نشاطاته في كوردستان العراق في السليمانية بالذات وضرورة انضمامه الى الحزب الديمقراطي الكوردي الوليد في العراق ويرى المؤلف ان اسباب الحل هذه كانت وجيهة لان الحزب الديمقراطي لكوردستان ايران كان شعاره انذاك النضال من اجل ترسيخ وتطوير الحكم الذاتي لكوردستان ايران ضمن المملكة الايرانية ولم يشمل منهاجه بقية اجزاء كوردستان، أي بعبارة اخرى لم يكن هذا الحزب يناضل من اجل كوردستان العراق بينما كان نشاطه في العراق، بيد ان ممثل هذا الحزب أي الديمقراطي الكوردستاني الايراني اعترض في حينه على حل فرعه مالم يحصل على موافقة اللجنة المركزية لحزبه وغادر المؤتمر.
وقد جرى في الجلسة الختامية للمؤتمر انتخاب اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب وقد تم انتخاب خمسة عشر عضوا للجنة المركزية اما المكتب السياسي فقد انتخب من اعضاء اللجنة المركزية خمسة اعضاء، كما تقرر في ذلك المؤتمر اصدار جريدة الحزب (رزكاري).
ويحدثنا المؤلف في هامش الموضوع عن تطور الصحافة الحزبية من رزكاري الى خه باتى كوردستان الى جريدة خه بات (النضال) الذي صدر العدد العلني الاول منها في 4 نيسان 1959، أي بعد اجازة الحزب رسمياً بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958.
يضعنا المؤلف امام منظور الاستاذ صالح الحيدري الذي يقف موقف ناقد محلل لنقطة الشروع في الحزب الديمقراطي الكوردستاني اذ يعتقد ان الحزب الديمقراطي الكوردستاني في منطقه الاول تعاطف مع بعض العناصر المتمكنة عشائرياً مكونا منهم فرعا عشائريا ووصل الى قمة الحزب ممثلون عنهم ويعتقد ان هؤلاء كانوا نقطة ضعف في البارتي (أي في الحزب الديمقراطي الكوردي)، اذ يقول الاستاذ الحيدري (ان وجودهم افسح مجالا للاقطاع لممارسة نفوذه داخل البارتي ومحاولة ابعاده عن المعارك الطبقية وحصر كفاحه بالمسائل القومية فقط) والحقيقة لسنا في معرض الرد على رأي الاستاذ الحيدري ولكن بايجاز نقول ان الصورة التي يريدها الاستاذ الحيدري للبارتي في ظروف الاربعينيات تبدو صورة فيها شيء من الطوبائية أي فيها ابتعاد عن الواقع الاجتماعي والعشائرية لكوردستان. فنحن نعتقد ان انضمام الشيخ لطيف الشيخ محمود الحفيد وكاكه زياد وبعض الاغوات من عائلة دزه يي المتمكنة في اربيل دعم الحزب. فعندما ينخرط الى الحزب شخصيات – متمكنة ماديا وعشائريا الى حزب يتحدى السلطة والسلطة جائرة استعمارية او هي اداة بيد الاستعمار نقول هنا يجب ان لانتسرع في القرارات وان نكون اكثر تدقيقا في طبيعة هذا الحزب القومي وطبيعة الظروف التي احاطته وان لاننظر الى الموضوع بالمنظار الطبقي التقليدي، فالحزب كان بحاجة الى وقود مادي وبشري وفي المجتعمات العشائرية غير المتعلمة اللاعمالية لايمكن ان نحظى بالوقود الا بمن كان في يده الوقود وعود الثقاب، وحتى الحركة لا بل الثورة القومية العربية في مطلع هذا القرن والتي حققت للامة العربية انجازات سياسية قومية وكيانات ودولاً لم تتخل او تتجاهل دور البرجوازية الوطنية لابل ان تقاليد الامور ودفنها كانت بيد شيوخ ورؤساء قبائل وعشائر اوسع بكثير مما لدينا في مجتمعنا الكوردي. وهذا لايعني اننا مع الاقطاع ابدا وكم كنت اتمنى لو ان الاستاذ الحيدري اشار الى منطق الضرورة واحكامها فهذا اكثر التصاقا بالواقع، وعلى أي حال فالحديث هنا طويل ولكن باختصار كان البارتي يبحث عمن يرى في الكورد امة في حين كان يقف بعض دعاة التقدمية في الاربعينيات موقف المشكك المتردد في ان يكون الكورد امة او حتى ان يكون شعبا له خصوصية وقضية متميزة ويقودنا المؤلف من بعد الى الظروف العصيبة التي احاطت بانعقاد المؤتمر الثاني الذي انعقد في اذار عام 1951 في دار المرحوم علي حمدي ببغداد وقد كانت الغاية من المؤتمر انتخاب اللجنة المركزية ثم ينتقل الى المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي لكوردستان العراق الذي انعقد في كانون الثاني 1953 في مدينة كركوك سرا. ثم يتابع المؤلف مسيرة الحزب وعلاقته بالمنظمات الحزبية الاخرى ويحلل الظروف التي احاطته حتى عام 1958. ويعتبر المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني العراقي من المؤتمرات المهمة التي تمثل انعطافة واضحة في حياة (توجيهات الحزب فقد اكد في مؤتمره هذا على مسألة تأميم النفط وبناء الصناعات الثقيلة في العراق مع تأكيده على التحالف الستراتيجي مع المعسكر الاشتراكي وبصورة خاصة مع الاتحاد السوفيتي مطالبا الغاء المعاهدات والاتفاقيات المعقودة مع الاستعمار البريطاني ورفع الحزب شعار اسقاط الحكومة الملكية وتأسيس جمهورية ديمقراطية شعبية مع المطالبة بتحقيق الحكم الذاتي للشعب الكوردي ضمن الجمهورية العراقية ويشير المؤلف الى ما كتبه البروفيسور بوخارد برنتيس الاستاذ في جامعة مارتن لوثر في مدينة هالة بالمانيا الديمقراطية حول المؤتمر الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني) قرر الحزب بناء تنظيماته باعطاء الاهمية والعمل الدعائي بين الجماهير وان ما يجلب الاهتمام بصورة خاصة مشروع المنهاج قائلا ويستطرد معددا النقاط الاساسية في المنهاج قائلا: اسقاط النظام الملكي وتأسيس جمهورية والتعاون مع المعسكر الاشتراكي والحكم الذاتي للشعب الكوردي في الجمهورية العراقية واصلاح زراعي ضروري وتأميم النفط ثم يؤكد بوخارد على نقطة جوهرية في المنهاج وهي تأكيد الحزب على ان حركته جزء من الحركة التحررية العراقية. نقرأ في الفصل الثالث بحثا عن الجمعيات والمنظمات والاحزاب في كوردستان ايران ويوضح الباحث في البدء جغرافية كوردستان ايران الاقليمية والبشرية ثم ينقلب قلمه في مطلع العشرين في كوردستان ايران.
لقد ربط الباحث بين الحركة القومية الكوردية في ايران ومجمل الحركة الوطنية للشعوب الايرانية انذاك. أي في مطلع القرن العشرين موضحا دور الشعب الكوردي في الثورة الدستورية.
ان اول منظمة كوردية اسست في ايران كما يوضح المؤلف هي جمعية ثقافية اقامها المرحوم عبدالرزاق بدرخان في مدينة خوي العام 1913 وكان اتجاهها ثقافيا تعليميا. وقد تبرع الناس بالاموال من اجل اقامة مدرسة تعنى باللغة الكوردية والثقافة الكوردية، وفعلا افتتحت هذه المدرسة في تشرين الثاني 1913 وسط احتفال جماهيري واسع في مدينة خوي، ويستدرك المؤلف الى ان جمعية اخرى كانت قد قامت في 1912 وهي جمعية جيهانزانى- معرفة العالم- وجمعية استخلاص كوردستان يواكب المؤلف من بعد في كتابه مسيرة منظمة (ز.ك) مشيرا الى الظروف التي احاطت بها وابرز المنعطفات في مسيرتها. فالجيش السوفيتي كان قد عسكر في شمال ايران والشعب الكوردي في ايران يتوخى ان يلعب الاتحاد السوفيتي دورا في دفع القضية الكوردية مما جعل هذه المنظمة ان توافق على قبول القاضي محمد والذي كانت تخشاه في نفس الوقت بسبب جماهيريته اذ يشير المؤلف الى ان بعض اعضاء هذا التنظيم كان يرفض قبول القاضي محمد الذي اذا ما انضم الى التنظيم فانه سوف يكتسح بعض القياديين لما يتمتع من سمعة وقاعدة جماهيرية عريضة وهذا ما حدث فعلا من بعد ولكن كما يبدو فان انضمامه لا بل قيادته لهذا التنظيم كان في حينه ضرورة اقتضتها طبيعة الظروف السياسية انذاك، وفعلا بدأ القاضي يحول هذه المنظمة من جمعية الى حزب ثم اصبح رئيسا لهذا الحزب أي الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وقد اختلف قوام اللجنة المركزية لهذا الحزب عن قوام جمعية (ز.ك) التي هي مختصر (كومه له ى زيانه وه ى كوردستان) أي جمعية بعث كوردستان.
ويشرح لنا المؤلف الظروف التي انجبت هذه الجمعية او هذا التنظيم المتواضع في بدايته والذي تطور من بعد فتوسعت نشاطاته ويستشهد المؤلف بوجهة نظر (ايكلتون) الذي يؤكد على سعة النشاط الاعلامي والدعائي لهذه الجمعية ففي العام 1944 توسعت تنظيماتها حتى شملت شمال كوردستان وصولا الى شمال مينادوب وحتى الحدود الروسية وقد اتخذت هذه الجمعية طابعا جماهيريا ناقدا للاقطاع والرجعية ولذا نجد قيادتها نجحت في البداية محاولة تحويلها الى حركة شعبية واسعة النطاق.
ويعتقد المؤلف في كتابه بوجود علاقات تأثيرية بين الحركة القومية الكوردية في ايران والحركة القومية في تركيا فقد اثرت الاخيرة على تنشيط الوعي القومي في كوردستان ايران وجرت اتصالات بين الحركتين، ابان ثورة ارارات التي سبق ان جاء ذكرها والتي كان يقودها الجنرال احسان نوري باشا. في الفصل الرابع والاخير من الكتاب تناول المؤلف المنظمات الكوردية في سوريا، وقد اشار قيام جمعية خويبون في كوردستان سوريا وجعلت من الحسكة مقرا لها، كما اشار المؤلف الى قيام عدد من الاندية تحت واجهات ثقافية ورياضية بيد انها في الواقع كانت تعمل من اجل بث الدعوة للنضال القومي الكوردي حتى ان هذه الاندية اخذت تصدر الصحف والكتب والمجلات الخاصة بالشؤون الثقافية الكوردية وتاريخ الشعب الكوردي وقد استطاعت ان تفضح الاعمال البربرية بحق الشعب الكوردي في تركيا انذاك.
ويعتمد المؤلف على تقرير الحزب الديمقراطي الكوردي اليساري في سوريا في تقييمه للظروف التي احاطت بـ(خويبون) التي توقفت عن نشاطها عند بداية الحرب العالمية الثانية ثم ينساب قلم المؤلف في مواكبة تطور الحركة القومية الكوردية في سوريا الى العام 1956، حيث ظهرت جماعة الشباب الكوردي الديمقراطي وكان مركز هذه المنظمة القامشلي ويبدو ان هذه المنظمة كانت تمهيدا لقيام حزب كوردي طليعي في سوريا وفعلا اسس الحزب عام 1957 برئاسة الاستاذ نورالدين زازا، وقد اجرى هذا الحزب بعض التغييرات في اهدافه وتسميته لنفسه فقد اصبح بعد فترة يسمى بالحزب الديمقراطي الكوردي وتخلى عن بعض الاهداف العريضة الى التركيز على الشعب الكوردي في سوريا وكان من ابرز اعضاء هذا الحزب فضلا عن رئيسه نورالدين زازا. عثمان صبري وحميد درويش. ينهي الكاتب بحثه القيم بعدد من الوثائق والنصوص المصورة التي تعتبر بحق ثروة في التراث السياسي لشعبنا الكوردي ومنظماته المناضلة وفي ختام تعريفنا لكتاب الدكتور عبدالستار طاهر شريف نرجو له كل التوفيق في خدمة التاريخ النضالي للشعب الكوردي في زمن ترفل فيه الاقلام الكوردية بكامل حريتها لان تعيد كتابة تاريخها.
*نشر هذا التعريف في متن الكتاب المنوه عنه تعريفاً به وفي طبعته الثانية.