عبد الحسي دريويش(تصغير درويش)كبير في عيون أصحابه ورفاقه ولداته،مناضلا صلبا ومكافحا عنيدا،عرفته عن قرب وعملت معه وأنا في سن مبكرة،وعرفت الكثير من مواقفه الوطنية،كان شعلة من الحماسة والأندفاع الى حد التهور،لم يهن في أحلك الظروف وأصعب المواقف،وقد جلب له شاربيه الطويلان،عداء القوى الأمنية وأصبح شوكة في عيونهم، لم يتمكنوا من أذلاله فكان جريئا لسنا يكيل لهم الصاع صاعين،مقداما لم يعرف الأستكانة أو الرضوخ حتى آواخر أيامه،وله مواقف تذكر وتشكر،جعلت منه معلما بارزا يضرب به المثل في الصمود والمبدئية العالية،أعطى للحزب وقته وماله وأشرك عائلته في كل المهام الحزبية،في التبليغات،وتوزيع المنشورات،وجلب البريد،والتحرك في الأوساط النسوية،وكان يحاول مد يد العون لرفاقه بأقراضهم ما يحتاجون أليه من مال رغم علمه بعدم أمكانية سداده وتشغيل العاطلين منهم في محل الندافة،وله الأيادي البيضاء على الكثيرين ممن زاملوه ورافقوه و عملوا معه .
وكان شعلة من النشاط الحزبي،لا يردعه المطر،أو يعيقه الحر،أو يخيفه الخطر أو يمنعه بعد المسافة،فتراه متنقلا من مكان الى آخر،ومن قرية الى أخرى،وقد تمكن من خلال علاقاته التجارية مد الأواصر النضالية لأماكن بعيدة في أعماق ريف القاسم،وعرف بعلاقاته الحميمة المتميزة مع رفاقه،العلاقات البعيدة عن أطماع الدنيا،المشبعة بالروح الرفاقية العالية،وكان لنشاطه التنظيمي المحموم أثر لا زلنا نتلمس آثاره في من عاد الى التنظيم،فالكثيرين منهم كانوا في تنظيماته،أو ممن كسبهم للحزب،تحلى بالجرأة المنقطعة النضير والروح الأقتحامية التي لاتحسب للعواقب أي حساب،شديد في التصدي لمن يحاول الأساءة أو النيل من الحزب،برده المقنع ،أو سبابه المقذع،ولا يتورع عن أستعمال عضلاته في الدفاع أذا لزم الأمر،لذلك كان رأس الرمح،والسيف القاطع الذي يحسب له ألف حساب،وكان لأسمه الحركي دلالته الواضحة على ماهيته،فقد أختار أو أختير له أسم (فولاذ) وكان فولاذا ومقداما في كل شيء ،لم يثنه ما أثنى الأخرين من ضعف في التحمل،أو قابلية على الصمود، أو تخاذل وأستخذاء،لذلك على كثير ما أعتقل،وذاق من حبوس،لم يدل بأعتراف على أحد،أو يفشي سرا من أسرار الحزب،بل ظل أمينا،عصيا على المحققين رغم العذاب البدني الذي تتهاوى أمامه أعتى النفوس.
وبعد فشل التجربة الجبهوية،وما آلت اليه الأمور أخذ نصيبه الوافر من الحبس والمضايقة والحرب النفسية القاتلة،فلم يهن وظل ذالك الشيوعي المخلص المنافح عن حزبه ومبادئه العظيمة،وعندما قام صدام بشن حربه على أيران ،كان الأول في قائمة المهجرين،فداهمت القوى الأمنية داره في ساعة متأخرة من الليل،وأقتادوه الى المعتقل،وسفرت عائلته الى أيران،وأنقطعت أخباره على علمنا بحتمية نهايته لما يحمله أزلام النظام المقبور من حقد على هذا المناضل الجريء.
وقام رجال الأمن بالأستيلاء على محلاته وأثاث بيته وبيعت داره لزبانيتهم بثمن بخس،وبعيد سقوط النظام عادت زوجته الكريمة أم شذى وحاولت أسترجاع دارها والمطالبة بحقوقها ولا تزال في صراع مع الروتين الحكومي القاتل،وهذا هو التكريم اللائق من الحكومة العراقية لمن ناضلوا وكافحوا فكان جزاؤهم النكران والجحود.
ولكن نم قريرا في قبرك،فستكون عائلتك بين ظهرانينا،نحتظنها ونرعاها وندافع عنها،كما هو ديدننا في الدفاع عن كل العراقيين،وحسبك أن البراعم التي زرعتها أثمرت وأرتفعت أغصانها فينانة تعانق السماء،وهاهو الشباب الحر،يرفع الراية الحمراء عاليا في ربوع العراق الحبيب.