ذكرى الشهادة الخالدة جواد هماوندي ، ليلى قاسم ، آزاد، نريمان ، صباح ،حسن
مرت هذه الأيام ذكرى أعتلاءهذه الكوكبة البطلة من شبابنا الكردي المجاهد خشبة المجد والخلود ، أنها كانت الخلية النضالية الأولى للحزب الديمقراطي الكردستاني التي أخذت على عاتقها مسؤولية أعادة التنظيم السياسي الحزبي و السري بين صفوف الطلبة والعمال ممن آثروا البقاء وتحدي النظام الفاشي البعثي في معقله بغداد . يعلم من عاصر فترة الأربعة سنوات لهدنة أتفاقية آذار(1970_1974) مدى أنفتاح جماهير شعبنا الكردي وتفائله بنهاية الصراع العسكري مع النظام العراقي البائد متأملا في بدأ صفحة نضالية سلمية جديدة،وقد بدأت التنظيمات السياسية والنقابية الكردستانية العمل السياسي العلني في مدن العراق، ألأمر الذي أدى الى كشف مناضليها بل وحتى أختراقها من قبل أجهزة القمع العراقية ،وبعد انهيار الأتفاقية وتملص النظام العفلقي من استحقاقات بنودها ودخول اليسار واليمين الشوفيني العربي في تحالف تآمري ضد شعبنا الكردي وحقوقه المشروعة، أجبر الكثير من المناضلين والمناضلات ترك المدن واللجؤ الى الأراضي المحررة من كردستان خوفا من تعرضهم للبطش والتنكيل .
ألتقيت بالشهيد جوادعدة مرات وكنا اصدقاء قبل ان نصبح رفاق درب . كانت تربطه بالوالد علاقة نضالية ضمن التنظيم العمالي حيث كان يعمل طباعا في شركة الزيوت النباتية ، وكنت احاول حضور الاجتماعات التي تعقد عندنا في الدار واستمع بابهار لشاب في مقتبل الثلاثين من العمر، مثقف ماركسي _ لينيني يتكلم العربية بطلاقة يحاوربهدوء ، ذو وجه نوراني احمر بشوش . في آخر اجتماع لهم انزوينا انا وأياه كعادتنا بعد كل أجتماع نتناقش في امور كثيرة ، هذه المرة بدأ الشهيد جواد بالسؤال ،مارايك بما يحدث؟ ، وكانت الأمور قد ساءت بين قيادة الحركة التحررية الكردستانية والنظام البعثي الصدامي ، قلت له” ما يزيد الطين بله ان جماعتك أصطفوا مع البعثية ” وكنت اقصد الجبهة التي انشاءت آنذاك بين البعثية والشيوعيين و الشهيد كان شيوعيا قبل ان ينضم الى صفوف البارتي . قال فالنذهب الى طريق الشعب ونقدم أحتجاجنا على ما يكتبوه من تظليل وافتراء لتشويش الشارع العراقي وتحريضه على الحركة الكردية . بعدها بأيام التقيت الشهيد أمام دار مطبعة جريدة طريق الشعب في منطقة القصر الأبيض مع مجموعتين عمالية بصحبته وطلالبية بصحبتي ودخلنا الدار وكانت للشهيد كلمة عتاب وتذكير بمبادىء لينين والثورة البلشيفية وحق الشعوب في تقرير المصير ولكن دون جدوى ، فالحزب الشيوعي آنذاك كان ينظر لصدام ككاسترو العرب وللحركةالتحررية الكردية بأنها عميلة وذات قيادة رجعية .
أفترق الرفاق وسادت بغداد بل العراق بأسرة موجة من الخوف والترقب والتشنج في جميع مرافق الحياة، افواج من الشباب والعوائل الكردية تركت المدن والتحقت بالثورة ، حيث كانت تظاهرة جماهيرية شعبية لا مثيل لها، تجلت فيها روح الوحدة والتضامن النظالى لدى مجمل شرائح المجتمع الكردستاني . ولكني فوجئت بالشهيد جواد مساء أحد الأيام الأخيرة من شهر آذآر ينتظرني أمام المستنصرية، قلت له ماذا تفعل هنا المفروض انك في كردستان فالوالد التحق وأكد ذهابك معه ، فأذا به يبتسم أبتسامته المشرقة الهادئة ويقول بمزح الحزب لا يقبل بالكوردي الذي لا يعرف يتكلم كوردي في كردستان وأعادوني مفلس الى بغداد . مشينا ذلك المساء من المستنصرية الى دارنا في بداية شارع الكفاح من طرف ساحة النافورة مرورا بباب المعظم وشارع الجمهورية. أخبرني عن لقائه بأعضاء لجنة محلية بغداد للحزب حيث أنتقل مقرها الى الأراضي المحررة وأنه كلف بأعادة تشكيلات التنظيم السري في بغداد مع ستة رفاق آخرين لم يذكر لي أسمائهم سوى أسم الشهيده ليلى قاسم .
سهرنا تلك اليلة معا ، وضح لي اسلوب العمل السري والأتصال الفردي الخيطي كما كان يسميه الشهيد وكيفية اختيار الأسماء الحركية وتصنيفاتها ، وكتب بيانا سياسيا بخط يده روعة في الأسلوب والصياغة الأدبية الثوريه يحث فيها الشبيبة للأنخراط في صفوف الحزب ويحذر من التيارات الخائنة التي بدات تعمل مع النظام وبالأخص شخص كان يدعى ابراهيم نسيت أسمه الكامل ، وأستنسخناها معا بخط اليد عدة نسخ لتوزيعه بين صفوف من نعرفهم من الكرد . وطلب مني تحضير قائمة باسماء الطلبة ممن قرروا البقاء في بغداد والبدأ بجمع التبرعات المالية ، خرجنا في الصباح وأفترقنا على أمل اللقاء بعد أسبوع .
أذكرها للتأريخ أعجبت بالتجاوب الكبير من الشبيبة الكردية في بغداد ، فالأسبوع الأول أستطعنا أعادة اكثر من سبعون طالب وطالبة من طلاب المستنصرية الى تنظيم البارتي ، ولا ضير ان اذكر اسماء من ترك أثر كبير في نفسي بمواقفهم الشجاعة ،الطالبات جيمن ، سه وزه ، أميرة ، اديبه ومن الشباب رزاق ، علي ، توانا ، سيف ، صادق الذي تبرع بمبلغ الستون دينارا التي مسكت مع الشهيد جواد وأعلنت عنها الزبانية البعثية في التلفزيون على انها مبالغ كبيرة ، وكانت المهام الأولى للشباب استنساخ البيان وتوزيعه . وبذلك التحدي الكبير استطعنا أرباك ألأتحاد الوطني وكر جهاز الأمن البعثي يضاف اليها الظربات القوية والموجعة من قبل البيشمه ركة الأبطال في جبال كردستان والفراغ الكبير الذي خلق في مجمل مؤسسات الدولة ارهبت صدام وبكر وزبانيته وهزت عرش البعث مما جعلها تهيج كلكلب المسعور لتنهش بلحوم العزل من ابناء شعبنا ، ولكي ترهب وتنشر الذعر في قلوب الشعب كانت تلفق التهم بالشباب وتصدر احكام الأعدام وتخرجهم على الملىء.
أستمر التنظيم بنمو بثبات بين الشبيبة غير آبه بالمخاطرالتي تحيطه ، الى أن جاء اللقاء الاخير مع الشهيد الخالد جواد ، بعد عناق قال لي لا ترتبك فأنا مراقب قلت مازحا لماذا تعانقني أذا انا لاأعرفك ولاتعرفني . أخبرني بعدها انه قادم للتو من كردستان وانه ألتقى بعضوي اللجنة المحلية محمد ومنذر وأن الثاني أكد على ضرورة البدأ بالكفاح المسلح في بغداد ، رفضت مباشرة وقلت له بغداد ليست ساحة لمعركتنا ! وماذا تقول انت ؟ لم يجب وبدت الحيرة ظاهرةعليه وغير الموضوع وشكى بأنه مشتاق لأبنه الذي لم يلتقيه منذ فترة لأن والدته أخذته للبصرة بعد انفصالهما . وكنا قد وصلنا الى ساحة النافورة قلت تعال نركب الباص للذهاب الى عندنا فقد انتقلنا من هذا البيت الى منطقة بعيدة . قال لنأجل ذلك الى لقائنا القادم قلت وماذا عن طلب منذر ، أجاب لا تخاف أفكارنا متقاربة، الى اللقاء في السبوع القادم لأعرفك على ليلى فقد لا نلتقي بعدها ويستمر أرتباطك معها ……
صدق حدسك ياشهيد الكرد وكردستان ، فلقائنا الأخير لم يكن فيه أمل للقاء آخر، بل حتى انه خلى من العناق والوداع ، تسمر ناظري في التلفاز حيث الشهيد جواد ورفاقه يدلون بأعترافات أمليت عليهم من قبل جلاوزة النظام المجرم ، تهم ملفقة كعادة آل البعث عند اصطياد فرائسهم . كان ذلك في بداية شهر مايس في الثاني او الثالث منه لا اتذكر بالتحديد من سنة 1974 ، وبعدها بعشرة ايام نفذ الاوغاد حكمهم الجائر بأعدام هذه الكوكبة البطلة دون محاكمة ولا دفاع ، فألف الف تحية وفاء لأجسادكم الطاهره ياشهداء مجد كردستان ،جسارتكم… تضحياتكم … صمودكم ….ألهمت الآلاف للسير على نهج صرخاتكم وانتم تعتلون خشبة الأنعتاق كردستان أوالموت ….والكفاح مستمر لكسر قيود ظلم الكرد في كل مكان .