الثروة النفطية ،، ثروة زائلة ،، فكل التقديرات تؤشر على أن عمر النفط في العراق والمنطقة لم يتبقى له غير 60 ــ 70 عاما في أحسن الأحوال ،،، وخلال تلك الفترة سيتلاشى النفط من سلطنة عمان والكويت والأمارات وإيران وبالتتابع القليل زمنيا ،، ثم السعودية فالعراق …هذا إذا استثنينا استكشافات بدائل الطاقة النفطية والتي يرى معظم الخبراء أن العام 2030م سيشهد انقلابا واضحا في هذا المجال ،،كذلك إذا استثنينا منطقة حوض بحر البلطيق النفطية التي يشار اليها بأنها ستكون بديلا منافسا وبقوة لنفط الخليج من حيث جودته ورخص تكاليف استخراجه ونقله للدول الصناعية في أسيا وأوربا مع وفرته الهائلة ….
وبما سيترتب على ذلك بعد ثلاثين عاما على الأقل ،، من متغيرات سياسية غاية في الخطورة،، ومتغيرات في مراكز القوى الاقتصادية ،، سيكون العراق تلقائيا ضمن دورة التغيير ، تلك ….
وسترجع دول المنطقة والكيانات السياسية إلى أصولها الجغرافية وسيتحدد نشاطها الاقتصادي وفق بيئتها ومناخها الجغرافي ،، وبما أن العراق أفقر الدول من ناحية استفادته من المكاسب المادية للثروة النفطية مقارنة بدول المنطقة الأخرى لحد ألان ،، فأنه سيكون بذلك أول المتساقطين بين دول المنطقة من حيث تراكم رأس المال والقاعدة الصناعية والحركة التجارية العالمية ،، الا أنه إلى جانب إيران وتركيا وسوريا سيكون إقليما زراعيا مهما في المنطقة ،، بل ربما سيكون ( سلة غذاء الخليج والحجاز ) بحكم التجاور والقرب مما يجعله مغناطيسا جاذبا لرأس المال من تلك الدول ……..
وإذا تمكنا من بناء تصوري لتلك السنوات القادمة ، وهي بلا شك قادمة ، فأن العراق ، سيكون موجود بلا شك في تلك المرحلة الزمنية القريبة القادمة ؛ بشكل من ثلاثة أشكال ، اما عراق واحد متوحد واما عراقين أو ثلاث ،، تأسيسا على النوايا السياسية الحالية ….
إذا كان العراق أكثر من عراق
ومع تصور آخر يكون قاب قوسين أو أقرب إلى الحقيقة الصادقة منه إلى التوقع المستقبلي ؛ فأن آبار النفط العراقي سواء في كركوك أو في الجنوب ستكون آخر الآبار الحية في المنطقة،، وستكون بالتأكيد ( مطمعا حيويا ) للدولتين السعودية والإيرانية وان كانت الكفة الإيرانية هي الأثقل وزنا بهذا التصور ،، هذا إذا سلمنا بحقيقة أن المنطقة يومئذ لن تحظى بالرعاية الدولية والحماية والاهتمام الاميركي والغربي كما هي الآن،، لأنها منطقة لا نفع منها ولا فائدة ترجى منها ،، ولا تأثير لها إلا ضئيلا على حركة الصناعة الغربية ؛ يوم ذاك .. وبذا فأن العراق المقسم سيجابه بكياناته القزمية المنفردة ،، مصيره وحده لتلك الدولتين السائرتين نحو التعملق العسكري والاقتصادي والسياسي في المنطقة ،، فنفط كركوك بالتأكيد سوف لن تستطع حمايته من النواجذ الايرانية الحادة، أي كونفدرالية ولا أي دولة ستستحدث في تلك الاصقاع قادرة على ذلك ،، وكذلك نفط الجنوب بغير قادر على ذلك لمواجهة فكي التمساح السعودي الايراني ،،،، حتى وان فكرت تلك ( الكونفدراليتين ) بعظيم السلاح فأن الامر سيكون غير مجديا من الناحية الاقتصادية فليس من المعقول أن تشتري شبكة بألف دولار لتصطاد بها سمكة بمئة دولار لمرة واحدة …….. خاصة إذا تيقنا تماما أن الحماية والاهتمام الاميركي والغربي قد فقد شهيته في تلك المنطقة كما قلت سابقا ….
وفي الجانب الزراعي وهي العودة الطبيعية للعراق لما بعد عصر النفط ( القادم وبلا شك ) فأن التقسيم الكونفدرالي أو الكياني السياسي المستقل ،، سنكون أمام التصور الآتي : بما أن عماد الزراعة في العراق الحالي من شماله الى أقصى جنوبه يعتمد اعتمادا كليا على نهري الفرات ودجلة فأن وسط وجنوب العراق سيمر بمراحل من تاريخه قاسية جدا ، هذا اذا عرفنا أن الأقليم أو الكيان السياسي في شمال العراق ( اعالي دجلة ) وفي غرب العراق ( اعالي الفرات ) سيعتمد اقتصاده على المردود المالي الزراعي فأنه ( كتحصيل حاصل ) سيقيم مشاريعه الاروائية من تلك المياه وبالتالي سيضطر ( حتى وان لم يكن متعسفا ) سيضطر الى حسر المياه لديه بأقصى طاقات الاستفادة ،، ولن يردعه أحد سوى الاقتتال الدموي المهول بين أهالي وسط وجنوب العراق من جهة وبين أهالي الشمال والغرب العراقي كل على انفراد ،، وستدفع كل الاطراف العراقية المتشاققة ثمنا غاليا جدا ،، فالحكم يومئذ لنزعة البقاء ،، وغريزة الهروب من الموت جوعا ….. هذا اذا تيقنا أن الاهتمام والحماية الاميركية والغربية فقدت لذتها وشهوتها نهائيا من المنطقة بعد نفاذ نفطها أو بعد أن لن يصبح ذو فائدة مهمة …
ولعل المهتم من الشعب للمستقبل البعيد تقريبا ،، والذين معظمهم سيشاهدونه لكون الفئة الشبابية في العراق ،، تفوق النسب من الفئات العمرية الكبيرة ألآن ،، لعلهم قد يدركون أهمية بقاء العراق واحدا ،، يمضي نحو الانصهار والعرقنة ،، لتكوين قوة بشرية مجتمعة كبيرة ( كردية وعربية وتركمانية ) ذائبة في المياه العراقية تكون في أي وقت جبهة متراصة تدافع عن حياتها ،، من الجهات الثمان للعراق ،، تدافع عن ما تبقى من نفطها ( الذي بددته السياسات الغير سوية طيلة ثمانين عاما دون أن يجني منها الشعب غير الجوع والقتل والنفي والخوف ) والاستفادة من عوائده لبناء قاعدة وركائز لاقتصاد عراقي زراعي ،، كون العراق من (كاني ماسي ـ زاخو ) الى ( أم قصر ـ الفاو ) مرورا بغربه وشرقه ، اقليما زراعيا متصلا وواحدا لايمكن فصله ، بحكم قانون نهريه وشطه في البصرة ،، وان توزيعه زراعيا على دول المنطقة المجاورة ( التي لاتستخدم عبارة شكو ماكو ) وتوزيعه دينيا أو مذهبيا ، أوتوزيعه قوميا ( سواءا كانت كوردية أو عربية ) والذين ( لايرتبطون بنا الا ببقايا الثقافة العثمانية وبأحلام التاريخ الماضي التي أفلت ) سيكون محققا وستكون نتائجه كارثية اذا لم نتسارع للكف عن تلك الافكار البليدة التي لايفكر بها احد في الألفية الثالثة ” غيرنا ” ولا يروج لها أحد لها في زمن التعايش الاقتصادي ” غيرنا” نحن الذين نريد المستقبل من خلال التقدم الى الخلف” هذا اذا آمنا وأقتنعنا تماما أن عصر النفط كان حالة استثنائية مر في حركة التاريخ العراقي دون أن نستفاد منه ،، وأن عصر النفط في العراق ومنطقة الخليج ،، شمسه باتت في طريقها للأفول ……………………………………