في مثل هذه الأيام وقبل سبعة وعشرين عاما اقدم النظام الفاشي المقبور على جريمة بشعة يندى لها الجبين حينما اقدم على تسفير وتهجير الكورد الفيليين وعلى أوسع نطاق في حملة هستيرية شعواء تم فيها ابعاد اكثر من ثلاث مئة الف كوردي فيلي الى خارج الحدود الى جانب مصادرة اموالهم وممتلكاتهم وودائعهم ووثائقهم وبوسائل وحشية لم تراع منها اية حقوق انسانية لامرأة او طفل او شيخ وجرى رميهم في حقول الالغام المزروعة على طوال الحدود العراقية – الايرانية كتعبير حي لنوعية العلاقة ما بين البلدين والتي كان وقودها الكورد الفيليين على امتداد هذه العلاقة المتأزمة على طوال الخط.
وتعكس هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان اولاً والمواطن ثانيا طبيعة الانظمة الشوفينية العنصرية التي انطلقت من تلك الارضية ومن سموم الدولة القومية العنصرية كي تقيم على جماجم واشلاء المواطنين امبراطورية المجد المزيفة لطخة العار الابدي الذي لا يمحى..
ان استهداف المواطن بشتى الحجج والذرائع كان جوهر السياسات الحكومية وخاصة ضد الكورد وضد الاطياف المذهبية الاخرى فالايديولوجية الفاشية التي استحكمت وحكمت في عقول النخب الحاكمة كانت تأبى النمو الطبيعي لكل تضاريس العراق الانسانية والطبيعية كمصدر للثراء الاجتماعي والفكري والانساني وتحاول بشتى السبل صهر المكونات الاجتماعية العراقية بقوة الحديد والنار والتي شكلت ادوات الدولة المعول الاساس في تهديم البنى الفكرية والاجتماعية غير مبالية بأية نتائج أنية او مستقبلية تجر على البلاد الكوارث.
فالافكار الشوفينية وكما اثبتها سير صيرورتها التاريخية تقبع في أضيق نطاق من العقل البشري بحيث لا تعد ترى من الامور (ابعد من أرنبة الانف).
ان استهداف الكورد الفيليين جرى لأسباب سياسية واقتصادية وقومية فهم باعتبارهم موقع المواجهة الاول مع السلطات الشوفينية كانوا دوما عرضة للقمع البوليسي اذ لم يكن هذا الموقع المتقدم بمعزل عن النضال القومي التحريري فقد شكلت نضالاتهم امتداداً طبيعا لنضالات الشعب الكوردي وكانوا عمقا سوقيا استراتيجيا نوعيا لحركة التحرر الكوردية تمدها بالقوة المادية والمعنوية.
وكان لاسهاماتهم ابلغ الأثر في هذا الاتجاه وحيث يشير الرئيس البارزاني واضحا الى ذلك بقوله “ان قلمي يقف عاجزا عن وصف تضحيات هذه الشريحة من الكورد” فضلا عن انهم اصبحوا امام موجة سياسة التقليل العددي الذي مارسته النخب القومية الشوفينية المدعومة بقوى الهيمنة العالمية آنذاك.. وتعرضت مناطقهم كجزء من الشريط الحدودي الجنوبي لاقليم كوردستان الى ابشع حملات تعريب وتطهير عرقي وتغير ديموغرافي في بنيتها السكانية ويمتد ذلك الشريط من سنجار ومرورا بخانقين وكركوك وانتهاءً بمندلي وبدرة وتوابعها وما يجاور تلك المناطق التي اثبتتها الاحصائيات العراقية الرسمية والتي كانت تستهدف الكورد اساسا باعتبارهم اغلبية في تلك المناطق.
ومع بدء سياسات التهجير الداخلي والخارجي مطلع ثلاثينيات القرن المنصرم بدأت اعداد الهجرة تكبر وتنمو فيما تتوسع عمليات الاستيطان العربي محلهم حيث العشائر الوافدة بأمر السلطات بعد توفير المشاريع الاروائية والخدمية وتقديم الامتيازات المختلفة في حملة لدفع المكونات العراقية الى الاقتراب واثارة النعرات والاحقاد وهو مما اضعف الهوية الوطنية العراقية الى ابعد حد.
وتشير الاحصاءات اللاحقة الى تغير النسب بشكل ملحوظ ومع كل هذا ظلت نسبهم اعلى من نسب بقية المكونات التي ارتفع معدل النمو السكاني لها على حساب الكورد وبدافع الاستيطان والتهجير هذه المعادلة التي اورغت ذلك الشريط الذي ذكرناه.
وتزامن مع كل تلك الحملات حرمانهم من العمل الحكومي الرسمي لأسباب واعتبارات ليس أقلها كونهم تبعية رغم ان تلك تهمة باطلة الصقت بالكورد الفيليين زوراً وبهتانا لكونهم من سكنة العراق الاصليين ويضرب تاريخهم في العمق الى الآلاف من السنين شيدوا خلالها الامارات والدويلات وتعد مناطق شرق دجلة موطنهم الرئيس وهو ما دفع الزعيم عبد الكريم قاسم الى ذكر ذلك امام الوفد الكوردي الذي زاره في تشرين الاول من عام 1958. وأدى حرمانهم من العمل الحكومي الى العمل التجاري وغيرها من المهن الحرة واستطاعوا احتلال مواقع متقدمة في التجارة والاقتصاد خاصة بعد النزوح اليهودي من العراق كما مثلوا ثلث اعداد التجار في الغرف التجارية العراقية في الستينيات والسبعينيات الامر الذي يؤكد قوة دورهم الاقتصادي ومتانة الوضع المادي وهو مما دفع الانظمة الفاشية الى التفكير في الاستحواذ على ممتلكاتهم واموالهم وخاصة انهم اصحاب تاريخ ناصع في الحركة التحررية الكوردية خاصة والحركة الوطنية العراقية عامة.
ويشير الرئيس البارزاني الى ذلك بقوله ” ان الحكومات كانت تبغي من وراء ذلك اضعاف الثورة الكوردية ومصادرة اموال هذه الشريحة الكوردية وخلق مشكلات للحكومة الايرانية).
واليوم وفي العراق الجديد لم تتغير اوضاعهم برغم السنوات الاربع التي مرت ومايزالون يعاملون معاملة الاجانب الامر الذي يؤشر اختلالاً واضحاً في فهم واسلوب العمل الديمقراطي بعد
ان اكدت الحقائق التاريخية والموضوعية المستنتجة من تاريخ العراق ضرورة هذا المبدأ في الحياة السياسية كيما تصبح الطريق سالكة للبناء والنمو والتطور وازالة التناقض التاريخي المستديم في الحالة العراقية.
وبرغم المناشدات المستمرة للحكومة ورئيسها بشخص السيد نوري المالكي ومناشدة السيد وزير الداخلية الا ان الحال تشير الى تعثر الحالات وضياع المناشدات مثلما تعثرت في فترة سابقة مسألة تطبيع الاوضاع في المناطق الكوردستانية المستقطعة وفقا للمادة (140) من الدستور ولا ندري هل هناك بد لاعادة المفاهيم والافكار الشوفينية السابقة واعادة النفخ فيها من جديد بعد رفع الظلم والحيف من المكونات العراقية يجب ان تكون الارضية التي ينطلق منها لبناء عراق ديمقراطي وفدرالي حقيقي.
ومن الامور المثيرة للعجب ان هذه الافكار والرؤى ما تزال قائمة وبرغم الهزال الواضح في بنية الدولة ترى ماذا سيكون الحال لو كانت الدولة طويلة الذراع واليد.
نكرر بالمناسبة مناشدتنا السابقة للحكومة العراقية بضرورة حل مشكلات هذ الشريحة من الكورد وبما يعزز مسيرة العراق الديمقراطي الفدرالي ونأمل ان لا يكون اليوم أشبه بالبارحة.