الرئيسية » مقالات » مبادرات لتخفيف معاناة المهجرين

مبادرات لتخفيف معاناة المهجرين

يحاول العراقيون المستقلون، وسياسيا واقتصاديا، المقيمون في المنفي، ان يجدوا ويشجعوا أية بادرة امل تنبثق لمساندة الاهل في العراق وللتواصل ودعم المهجرين قسرا، خصوصا وقد ازدادت اعدادهم لتتجاوز، خلال فترة زمنية قياسية، مجموع عدد المهجرين والمنفيين في تاريخ العراق المعاصر على اختلاف حكوماته وحكامه. للكتابة عن بعض اوجه مساندة المستقلين الناشطين للاهل علينا ان نقر اولا بان عدد المستقلين سياسيا قليل والمستقلين اقتصاديا أقل، اما اذا تحدثنا عن النساء الناشطات المستقلات من بين مجموع العراقيين فسنجد انفسنا نتحدث عن القليل جدا، واسباب ذلك كثيرة قد اتعرض اليها مستقبلا.
وقد بادرت مجموعة من العراقيات الناشطات، منذ عام تقريبا، بتشكيل تجمع أطلقن عليه اسم ( تضامن: من اجل عراق مستقل موحد)، يواصلن من خلاله عملهن مع المنظمات البريطانية المناهضة للحرب والداعية الى خلاص العراق وصيانة وحدته الوطنية. ويتميز تجمع (تضامن) عن باقي المنظمات النسوية العاملة في داخل وخارج العراق بانه:
أولا: ليس مجسا من مجسات الاحزاب السياسية.
ثانيا: انه تجمع يدعم حق الشعب العراقي في الحياة.
ثالثا: يركز التجمع علي فضح التضليل الاعلامي المصاحب لكل ما يحدث في العراق وخاصة التضليل الانثوي الناعم لمنظمات المجتمع المدني التي تتعامي عن ذكر الارهاب كسبب أساسي في مأساة الشعب العراقي وبضمنه المرأة التي فقدت الغالي والثمين.
رابعا: يهتم التجمع بقضايا المرأة باعتبارها جزءا لايتجزأ من قضية الشعب العراقي ككل واحترام حقوقها وكرامتها كمواطنة خلافا لمعظم منظمات النسوية التي باتت برامجها واهدافها محصورة ومقتصرة على تعديل المادة الفلانية الخاصة بالمرأة من الدستور او زيادة حصة النساء في البرلمان أو (تأنيث لغة ديباجة الدستور الذكورية)، في الوقت الذي سبب فيه الارهاب قتل ما يقارب المليون مواطن، وتم فيه تهجير وترحيل اربعة ملايين عراقي من بيوتهم وبات طموح المرأة العراقية الأول، وحسب تصريح نشر في تقرير منظمة الصليب الاحمر الدولي أخيرا، على مساعدتها في رفع جثث القتلي من الشوارع ودفنها. من بين نشاطات تجمع (تضامن) التواصل مع ممثلي البلدان العربية والاسلامية فضلا عن العمل في المحيط البريطاني، وقد صب اللقاء منذ يومين، مع أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى ضمن هذه النشاطات، وكان سبب اللقاء، بالتحديد، معاناة المهجرين قسرا المتناثرين في البلدان العربية وخاصة سورية والاردن.
وقامت عضوات ( تضامن) بتسليم الامين العام مذكرة بحثية تضم جملة مقترحات عملية حول مسؤولية رعاية المهجرين العراقيين قسرا لحين عودتهم الى بيوتهم. وقد اتيحت لي فرصة الاطلاع على المذكرة التي اعتقد بانها يمكن ان تكون برنامجا ناجحا، اذا ما نفذ، وقد تفتح طريقا جديدا وفق منظور لم يتم التطرق اليه سابقا لمأساة المهجرين والي ان يتم استقلال العراق بشكل كامل.
وحرصت عضوات (تضامن) في المذكرة على الابتعاد عن العموميات والتنظير والمغالطات المألوفة حاليا والاكثر من ذلك كله تسمية الاشياء باسمائها الحقيقية ومن منطلق مبدئي ثابت وهو ان الحكومة عليها واجب رعاية المواطنين وان حقوق المواطنين غير قابلة للانتزاع او المقايضة، خاصة اذا كانوا ينتمون الى بلد غني بموارده وثرواته مثل العراق وقد تهالك على نهب ثرواته وبالمليارات كل حثالات الارض.
تتطرق ورقة المقترحات اولا الى المتطلبات المعيشية العاجلة استنادا الى معلومات منظمات الأمم المتحدة عن حجم كارثة المهجرين العراقيين قسريا داخل العراق وخارجه، والتدهور السريع في حياتهم بعد إستنفادهم لمدخراتهم، والمشاكل التي تعانيها الدول المضيفة.
ورغم نفور المهجرين العراقيين والدول المضيفة، وأولها سورية والأردن، من إعتبارهم لاجئين، لئلا تتكرر مأساة الشعب الفلسطيني، فأن مستوجباتهم أصبحت، بمرور الزمن، لا تختلف عن اللاجئين، وهذه المستجوبات يجب أن توفر بصرف النظر عن التسميات التي تطلق عليهم، وحسب المستويات التي تستخدمها الأمم المتحدة على الأقل.
ويترجم ذلك بأستحقاقات مالية يستلم جزءا منها المهجرون أنفسهم والقسم الآخر الجهات المحلية الراعية لهم، لسداد تكاليف المدارس والمستوصفات والخدمات المعيشية الأخرى. ثانيا، تشير الورقة الى مسؤولية الحكومة العراقية.
حيث يقترح التجمع على الجامعة العربية أن تتبني قرارا مبدئيا يبيّن بوضوح الوضع القانوني للعراقيين المهجرين قسرا، بأعتبارهم قبل كل شيء مواطنين عراقيين، وأن مسؤولية الحكومة العراقية تجاههم لا يمكن التخلي عنها، فحقوق المواطن واحدة وملزمة للحكومة اينما كان محل اقامة المواطن.
وقد صرحت الحكومة بمثل هذا المبدأ لكن الخطوات العملية له لم تتضح بعد. ويقترح التجمع أن تضع الجامعة العربية آلية لمتابعة الأمر تبدأ بملف بأسماء المسؤولين العراقيين والمراسلات والإتفاقات معهم وسير تنفيذها.
وتناول المقترح الثالث مسؤولية مجالس المحافظات العراقية حيث يتبع ذلك أيضا أن حقوق المهجرين في الرعاية الأجتماعية يجب أن تكفل من قبل المحافظات العراقية التي إضطروا الي هجرها قسريا.
أي أن مسؤولية المحافظات تجاه مواطنيها لا تتوقف عند هجرتهم القسرية، مخافة أن يكون ذلك سابقة خطيرة في تواطؤ أجهزة المحافظات في التطهير الأثني والديني والطائفي. وبالتالي فأن تكاليف السكن الإضطراري والخدمات الطبية والتعليمية خارج المحافظة، سواء داخل العراق وخارجه، تقع على ميزانية المحافظة، التي تخصص حسب نسبة السكان فيها. أن آلية متابعة مسؤولية المحافظات هذه تقع على عاتق الحكومة وان اقترح التجمع أن يكون ملف المسؤولين والأتفاقات المبرمة مفتوحا كي يتسني للمواطنين المطالبة بحقوقهم من موظفي المحافظات ومجالسها كي لا تضيع المسؤولية.
كذلك فأن المحافظة سيكون لديها حافز الحفاظ على مواطنيها وإستحقاقاتهم، ناهيك عن الكفاءات التي يمتلكونها والتي تفيد جميع السكان، وعن المسؤولية الأخلاقية تجاه الجيران والأقارب.
رابعا، يقترح التجمع وتحت بند أطلق عليه اسم التكافل بين المحافظات العراقية أن يتم تشجيع المهجرين خارج العراق على الإنتقال الي المحافظات الآمنة داخل العراق، في ملاجئ حضارية أو قرى اغاثة مزودة بالخدمات الاساسية. وذلك بأن تقوم المحافظات الآمنة بأقتطاع التكاليف من المحافظات الأصلية لحين عودة المهجرين اليها.
ومن الواضح أن تثبيت هذا المبدأ فيه فائدة كبري نظرا لأن نظام الخدمات التعليمية والصحية والأدارية واحد في العراق، ولسهولة محاولات العودة الى مناطق السكني الأصلية.
على سبيل المثال، أن يتم استيعاب أكبر نسبة ممكنة من المهجرين الموجودين الآن في سورية والأردن في محافظات اقليم كردستان الامنة وحساب تكاليف ذلك ضمن مؤسسات الحكومة المركزية مثلما سيكون الأمربطبيعة الحال لو حدث وتعرضت محافظات اقليم كردستان العراق لكوارث طبيعية أو غزو أجنبي سيجبر بعض سكانه على الأنتقال الى بغداد وبقية المحافظات العراقية.
ان ضعف استجابة المنظمات العالمية والعربية نابع من خضوع معظمها للخطاب السياسي للدول المانحة والحكومات المحلية مما يجعلها غير قادرة على التحرك والمبادرة حتى في القضايا الأنسانية العاجلة.
لذلك تتشابه أوضاع اللاجئين العراقيين مع مأساة غزة، ومثلها تجويع السكان في المدن والمناطق العراقية المحاصرة.
ولعدم تمكن بعض المنظمات من التحقق من مطالب اللاجئين بشكل مباشر، أرسل وفد ( التضامن) الى الجامعة العربية بعض المطالب اليومية والملحة للاجئين العراقيين في سورية والأردن للتقليل من مشاكلهم الآنية ومنها الطلب من الحكومة السورية تمديد الاقامة للمواطن العراقي الى ستة اشهر بدلا من الثلاثة.
والطلب من الحكومة الأردنية تخفيض الغرامة التى يدفعها المواطن العراقي المقيم بشكل غير رسمي في الأردن من دينار اردني عن كل يوم الى نصف دينار، وايجاد حل فوري لقضية الجوازات واصداراتها المحدودة.
ان معاناة المهجرين جزء من مأساة شعبنا كله، والثمن الذي يدفعه في طريق الحرية. ولعل ما يميز هذا الوضع هو بروز المبادرات التي تحاول تخفيف المعاناة وتنظيم الذات بالتعاون مع الدول المضيفة، والتحسب لما قد يأتي. وهذه المبادرات علي جميع المستويات الشعبية هي خط الدفاع الأخير للمجتمع العراقي، كما هو حال أهلنا في المدن العراقية المحاصرة.