مركز الإتصالات الإعلامية ( ماتع) الحلقة الثانية
نشرت الكثير من الوثائق الكارثية عن انقلاب 8 شباط 1963، وصلتها بالجهات الاجنبية وأصبح الامر معروفا للجميع، هل من جديد في هذا الامر؟ ـ في الحقيقة لم ينشر الكثير من وثائق خفايا الانقلاب والقوى التي كانت تخطط له وتلك التي كانت تسانده على جميع المستويات بصورة مباشرة او غير مباشرة داخليا وخارجيا وحتى تباطؤ الزعيم في عزل الضباط المتآمرين وخضوع مثل هذه العملية الخطرة الى الاجراءات الروتينية وليس الاجراء الاستثنائي. والجديد في الامر يتمثل باعترافات بعض اقطاب النظام بشأن ما اطلقوا عليه”التدخلات ” التي انصبت على العلاقات الدولية في الانقلاب، وأعني بهم طالب شبيب وهاني الفكيكي وكذلك الخط الثاني من قادة الانقلاب وكتابه.. في الوقت نفسه اعترافات الكثير من مسؤولي المخابرات المركزية الاميركية وتبنيهم للانقلاب واعترافهم بالتخطيط له.. وقد نشرت هذه الاعترافات وترجمت الى اللغة العربية.. ومنها ماترجمه (د. حامد البياتي) عن الانقلاب في الوثائق البريطانية.. وقد سبق لقوى المعارضة اعادة نشر مثل هذه الوثائق في الخارج، وبرهنت فيما حوته على صلة الانقلاب بالقوى الدولية، وبدوري نشرت فصلاً كاملاً عن هذا الموضوع في كتابي الموسوم (عبدالكريم قاسم في يومه الاخير).. والانقلاب التاسع والثلاثون المنشور في بيروت عام 2003، قبيل سقوط النظام السابق، كما يمكن الاشارة الى كتاب حسن السعيد (نواطير الغرب). وما تطرق اليه حسن العلوي بشأن هذا الموضوع.. هذه الكتب وغيرها اكدت هذا الارتباط بالقوى الخارجية حتى امست ، وفق مؤشراتها، حقيقة معترفاً بها. o أسماء كانت ملء العين والسمع في العهد القاسمي.. وهي: كامل الجادرجي-سلام عادل-الجواهري-حسين جميل-ناجي طالب-.. ما الذي يمكن ان نقوله عنها بعد ان تجردت الاحداث من حساسيات السياسة ونحو ذلك؟ ـ الجادرجي: واحد من اهم الشخصيات السياسية في عراق القرن العشرين ومن اكثرهم مطالبة بالديمقراطية البرلمانية والدعوة للاصلاح الاجتماعي التدريجي. وقد مهد للتغيرات الجذرية من واقع فلسفته الحياتية، أظهر موقفاً سلبياً من الثورة وقيادتها.. من منطلقات انوية ذاتوية، اكثر من كونها ذات ابعاد فكرية.. وما اشيع عنه من عدم تعاونه مع الضباط الاحرار تدحضه وقائع عديدة حيث ساند حركة الضباط الاحرار اثناء مرحلة الملكية وأيد (الثورة) المصرية ووافق على استيزار بعض من زعماء الحزب الوطني الديمقراطي وغيرها من الادلة.. كلها شواهد تدحض هذه الفكرة. وقد تناولت هذا الموقف في دراسة نشرت في جريدة الوفاق في لندن قبل نحو 10 سنوات. وبقدر ماهو ديمقراطي، داعية للاصلاح لكنه مهد السبيل لوأد الثورة قبل استكمال مهماتها. سلام عادل: شخصية سياسية ناضجة، برزت في عنفوان النضال السياسي الذي خاضته الحركة الوطنية العراقية.. ومنها الحزب الشيوعي.. وقد لعب دوراً ايجابياً في وحدة الحزب ورسم سياسته بعيداً عن المغامرة السياسية المتطرفة كما كان منظماً ذا اهمية بحيث استطاع استقطاب المتنافسين وتجميد صراعاتهم الذاتوية. وعلى النطاق الحزبي لعب دورا مهماً في تحشيد قطاعات واسعة من الجماهير الشعبية.. لكنه لم يتمكن من التغلب على كبح اندفاعاتها العفوية اللا مسؤولة.. كما انه لم يستطع رسم وتحديد العلاقة الواضحة بينه وبين قائد الثورة، ولا مع القوى القريبة منه.. امتاز بالشجاعة واستشهد مدافعا عن مبدئيته وعن قناعاته الشيوعية.. ناجي طالب: واحد من اعضاء الهيئة العليا للضباط الاحرار ذو اتجاه قومي مشوب بالنزعة الدينية المحافظة لم يترك اثراً واضحاً على الحركة السياسية وحركة الضباط الاحرار ولم يكن منافساً لقطبيها الكبيرين قاسم ورفعت الحاج سري.. كما انه لم تشهد له مواقف، خاصة في العهد الجمهوري الاول.. وكان شخصية غير مؤثرة.. كما انه لم يكن له لون حزبي معين . محمد مهدي الجواهري: شاعر العرب الاكبر .. كان معتداً بنفسه الى درجة النرجسية الجميلة العالية، يتصادم شعراً مع الاكابر.. عفوياً في ردود افعاله.. يتبنى التناقضات ويتنافر مع تشعباتها.. دافع عن المضطهدين ومدح بعض المضطهدين.. رحل وفي نفسه غضاضة من الزعيم قاسم.. وهو غير محق حسب قراءتي لمواقفه.. وكانت مذكراته تطفح باللامنطقي واللامعقول. لقد حقد على الزعيم حقداً يثير التساؤلات.. حتى انه ذم الثورة وانضم الى الجوقة المعادية لها.. من منطلقات ذاتوية بحتة. انه اسطورة العراق الحديث ويجب التمييز بين الجوانب الادبية والسياسية، الواقعية والمثالية. حسين جميل: احد المناضلين السياسيين في عراق القرن العشرين، وأحد رجالات القانون الذين ناضلوا من اجل تغيير المجتمع العراقي.. وهو احد ابرز قادة الحزب الوطني الديمقراطي الذين لعبوا دوراً سياسياً في الخمسينيات ومطلع الستينيات.. كان رجلا اصلاحيا في خط تفكيره وغالبا ماكان يصطدم بمؤسس حزبه. صمت قبل رحيله.. o في خضم غياب مدرسة لكتابة تأريخنا المعاصر، هل يود الباحث الناصري بيان المنهج الذي اختطه في كتابته لتأريخنا الحديث، يرون فيها ابتعادا عن الحيادية في تقييم قاسم وعهده ماهو رأيك في ذلك؟ ـ ان هذا الرأي صحيح جدا وأؤيده ومنطلقي في ذلك ان الباحث مهما كان حياديا لابد ان تفرض ذاته البحثية على المواضيع التي يتناولها بالدراسة، مؤيدا ومعارضاً، لانه لايوجد باحث مجرد وموضوعي بالتمام.. فان وجد مثل هذا الباحث فهو بالتأكيد ليس منا نحن معشر البشر.. لكن الاختلاف يكمن في نسبة او محدودية فرض الذات (الذاتية) على موضوع البحث من جهة وآراء الباحث الفلسفية من جهة ثانية.. ففي تناولي حدثا مهم مثل ثورة 14 تموز.. لم اتناولها بذاتها فحسب، بل بالمواضيع الاجتماعية/ السياسية/ الفكرية.. التي انتجتها ودرجة قربها من مصالحي الفردية والجمعية. من ثم فأنا منحاز لها مسبقا.. لكن هذا الانحياز يجب ان لايفقد بوصلة البحث ومعرفة السلبيات وهذا ينطبق على ما قمت به عند دراسة شخصية قاسم.. وغيرها من المواضيع ذات الابعاد الانسانية.. انا بطبعي منحاز لها.. ومنهجي مستقى من اهداف هذه الابعاد، مستخدما ما امكن من ادوات البحث ومقولاته وقوانينه مستهدفة ليس تغيير هذه الظواهر، بل العمل على تغييرها ما امكن كل من موقعه في عملية الانتاج الاجتماعي والمعرفي. كما ان منطلقي في الدراسة هو الدراسة التأريخية والمنطقية في آن واحد.. اذ انطلق من العلاقة الجدلية لدراسة الظواهر في سياق سيرورتها التأريخية المقترنة بالمنظومة المنطقية وهناك أدوات مساعدة في فهم هذه السيرورات.. في اطار علاقاتها الجدلية بين: العام والخاص، الموضوعي والذاتي، التأريخي واللاتأريخي، الضرورة والصدفة، المطلق والنسبي وغيرها. أنطلق من هذه المنظومة من المقولات الفلسفية وقوانينها العامة ضمن الرؤيا الطبقية وعلاقاتها المتشابكة والمعقدة في حراكها العام المطلق او النسبي لبعض مكوناتها. في الوقت نفسه اني استعين بالمناهج الاخرى من البحث باعتبارها ادوات تساعد في تفهم ماهيات الظواهر. من هذه المناهج.. المنهج الاحصائي، والوصفي، التحليلي وغيرها. ـ في كل مرحلة او حقبة من الزمن ستنبثق بالضرورة قوى اجتماعية تختلف عن سابقاتها اذ لها تصوراتها ورؤيتها وكذلك اهدافها المستنبطة من ماهيات هذه المرحلة او الحقبة.. خاصة اذا اقترن هذا التحول بالحرية النسبية للباحث في التعبير عن قراءته للواقع الجديد. من هذا المنطلق فان المرحلة الحالية وماتتضمنه من مهام جديدة ومن صراعات بين قوى اجتماعية مختلفة، ومافرضه الاحتلال من اجندات ومصالح وغيرها من الظروف، ستتيح للباحث التفكير بحرية نسبية وهذا لايشمل الكتابات التأريخية وحدها بل جميع مجالات المعرفة خاصة الاجتماعية منها.. وسينقسم الباحثون فيما بينهم في قراءاتهم ودراساتهم بعيدا عن المنهج الشمولي الواحد.. وهذه حالة صحية جدا فان لم تبرز بحدة فيجب اشعال جذوتها حتى تتكامل الرؤى في نسبيتها. اما بصدد المشاريع الجديدة.. فهي سوف تتمحور في الاتجاه نفسه الذي احاول التخصص فيه.. وهو ثورة 14 تموز وعبدالكريم قاسم.. ودراستهما ضمن تكاملها الجدلي باعتبارهما صيرورة حضارية تعبر عن مرحلة نوعية سواء في العلاقات الاجتماعية وتطورها ام القيادة السياسية وواقعيتها. لقد شوه عبدالكريم قاسم بوضعه قائدا للثورة وغيب دوره، وحتى انصاره لم يفهموه الا كونه عنصرا وطنيا نظيفا وهنا لايكفي ولم يستوعبوا الابعاد الحقيقية لقاسم وتاسيسا على ذلك فاني بصدد انجاز دراسة موسعةلجزءين عن (ماهيات سيرة قاسم) اتناوله ضمن صيرورات التطور التي حدثت في العراق سواءً من خلال الافكار المساواتية التي تأثر بها ام من خلال المؤسسات العسكرية ودورها ام من خلال حركة الضباط الاحرار.. في الوقت نفسه سيكون هنالك فصل عن (دور الفرد في التأريخ – قاسم نموذجا).. ضمن هذه التفاعلات حاولت ان اتتبع المسارات (الرئيسة) في حياته حتى نستطيع فهم التأريخ العراقي، لانه لايمكننا فهم التأريخ الا من خلال افراده او لاعبيه الاساسيين.
o كما هو معلوم، ان نظرة المؤرخ لما يحدث في عراق اليوم، هي-بلاشك- غير نظرة السياسة التقليدية لها،فما هو استشرافك لعراق المستقبل بعد التداعيات الخطيرة التي المت بعراقنا الحبيب؟ ـ ارجو منك ايها العزيز ان تصحح هذه النظرة الخاطئة.. اني لست مؤرخا بل باحث وكما لايخفى عليك فالفرق بينهما كبير. المنطقة برمتها.. والعراق قلبها، مقبلة على تغييرات جذرية جديدة، ستنهار ضمنها مفاهيم وأساطير، قوى اجتماعية ورؤى فلسفية.. في تصوري ان البلد سيمر بمرحلة صراعات، آمُل أن لاتكون عنيفة، بين اكثر من تيار، وستكون هنالك تحالفات تتغير بأستمرار وهذا ناجم عن عدم التبلور الطبقي. وفي كوننا نمر بمرحلة انتقالية غير مستتبة ابعادها الاقتصادية وطبيعة توجهات السياسة في ظروف صراع المصالح الدولية ضمن اطر القطب الواحد وتناقضاته. اللااستقرار الامني ستخف حدته لكن المعاضل الاقتصادية والاجتماعية وتحديد العلاقات بين المركز والاطراف ستزداد قوة.. حلها مرهون (بالوئام الطبقي) بين القوى الاجتماعية لفترة زمنية معينة، لحين الخروج من الازمة الراهنة..
*الدكتور: عقيل الناصري مواليد 1944، الناصرية . بكالوريوس في العلوم الاقتصادية، جامعة بغداد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1967، دكتوراه في الاقتصاد- معهد بليخانوف للاقتصاد الوطني، موسكو 1979 استاذ مساعد في جامعة وهران/ 1979-1987. مشارك في عدة مؤتمرات عراقية، عربية وعالمية. من مؤلفاته:
1- الجيش والسلطة في العراق الملكي 1920-1958.
2- عبد الكريم قاسم في يومه الاخير، الانقلاب التاسع والثلاثون.
3- مؤسسات القمع في عراق البعث.
4- من ماهيات السير لعبد الكريم قاسم- الجزء الاول.
5- الفئات الوسطى والثورات الوطنية 1986.
6- قراءة اولية في سيرة عبد الكريم قاسم.
التاخي