من المفارقات التي تواكب المجتمعات حديثة التكوين، ظهور اختلالات في اسس العلاقة التي تحدد اولوياتها السمات الطبيعية لنشوء الدولة. والدولة كنظام سياسي تفعل ادواتها جملة من العوامل المساعدة التي تشكل الركائز الاولية في تحديد المقومات الفاعلة للشكل السياسي للسلطة. وبقدر ما تكون السلطة فاعلة ومؤثرة وتمتلك الشروط الموضوعية في تحديد اسس العلاقة المشتركة مع الشعب من خلال تعميق سمات المواطنة بين كل المكونات الاساسية في المجتمع التي تشكل جزءاً اساسياً من البنية الاجتماعية والسياسية والثقافية وهذا الحراك المتعدد تنمي اتجاهاته وتفعلها المواد الدستورية في الشعور الوطني بان الجميع متساوون في الحقوق والواجبات وتكفل الدولة الناشئة هذه الحقوق وتأسس لها المقومات التي تنمي اطرها عرى العلاقة المشتركة بين السلطة والشعب. من خلال ذلك قد تختلط الموازين في تحديد اشكالية التبعية في التاثير على القرار السياسي المرتبط بصورة رئيسة مع الاتجاهات العامة التي حددتها ظروف الاستقلال السياسي وهذا الربط الجدلي قد يقود احيانا الى صراعات تفعل مدياتها عوامل مترابطة متصارعة في اهدافها العامة. وتؤدي القوى الخفية وتنمي اساسيات هذه الصراعات، وقد تبرز على السطح عوامل كانت كامنة مع ارث الواقع الاجتماعي والسياسي وهذه تشكل بصورة او باخرى احدى اشكاليات عدم التقاء المصالح بين القوى السياسية التي تسعى لاحداث التغيير في البنية المجتمعية، وبين القوى الرافضة للتغيير.
وتشكل هذه المساحات بمدياتها العامة، حالة من النمطية في الرفض لكل اشكال التطور الذي يرسي عوامل المعرفة وينمي اسس التحضر في النظرة المتوازنة للحقوق الاساسية للافراد، من خلال سلوك مقنن يرسي مقومات التخلف والجهل والتبعية ومن خلال احتواء عوامل الفطرة والطبيعة الانسانية التي تحتكم الى العفوية المصداقية في العلاقة المشتركة مع الاخرين.
قد يثار اكثر من سؤال: عن ما هية القوى الخفية التي ترسم وتحدد اتجاهات العالم.. وترسي وفق عوامل مضطربة نتوءات تقترب وتبتعد مدياتها وتخلق صراعات متعددة الاوجه وتضع العوائق المصطنعة، من خلال الاستحواذ على القرار السياسي الدولي.. لربما يحتاج الى اكثر من وقفة يضطلع من خلالها المعنيون في خفايا ودهاليز السياسية الدولية ومنعطفاتها الحادة. والمنطلقات التي حددت ابعادها العوامل الزمنية التي تتفاعل مع يقظة وتطلعات الشعوب حديثة التكوين في المضي قدما لارساء مقومات ولادة دولة ناشئة. فالانتقال من مرحلة التبعية الى نيل الاستقلال قد يشكل لدى الاخرين حالة من اضطراب المصالح بين الدول التي سعت وخلال مراحل تاريخية لغرض هيمنتها الاقتصادية والسياسية والثقافية وبين الشعوب التي تفتقر الى اساسيات بناء الدولة الحديثة.
يبدو ان هذه المعايير باتت تشكل جزءاً جوهرياً واساسياً من حقيقة صراع الارادات المتعدد الاوجه… ويتطلب فهما مستوعبا للحقيقة التاريخية التي اتخذت اطراً ومسارات اضفت عليها السمات الاولية لمفهوم التبعية الفكرية والاقتصادية والسياسية وامكانية الغاء المقومات الحقيقية للعوامل التاريخية لدى الشعوب.
ان هذه العوامل الضاغطة تشكل امتداداً طبيعياً يلقي بظلاله في استمرارية التناقضات لدى المجتمعات الحديثة التكوين.
ان الغاء العوامل التحديثية التي تساعد وترسي معالم المعرفة في النظرة المتوازنة الى الحياة بانها تشكل ينبوع العطاء من خلال اسس الابداع لدى الفرد وغرس شجرة الالفة والمحبة والارتقاء بالسمات الحية في المشتركات العامة للطبيعة التكوينية للانسان.. كلها جزء من اشكالية التبعية والهيمنة… وهذه المقومات باتت تشكل احدى المسؤوليات المضافة في التعامل مع تداعيات الواقع في استيعاب مديات وابعاد السياسة الدولية ومصالحها المتعددة في هذا البلد او ذاك من خلال خلق مرتكزات تنمي عوامل المواطنة وترسي معالم الحياة العصرية وتهذب الذات لدى الفرد من خلال تفاعله مع هذه المعطيات ولو بحدود نسبية بقدر ما تستوعب القيادات السياسية لدورها الاساس في بلورة افق وطي مشترك يساعد على نمو الوعي المجتمعي من خلال وتائر متصاعدة لنمو الهوية الوطنية من خلال اعلام موحد يمتلك الاهلية في الطرح الموضوعي المشبع بعوامل الفطرة واليقظة الوطنية ويتعامل بمصداقية مع كل الاشكاليات التي تعترض مسيرة البناء الديمقراطي.
ان هذه التداخلات في الرؤى المتعددة… مازالت تلقي بظلالها في العلاقة بين طرفي المعادلة… الدولة الناشئة واستحقاقات الاخرين، ان هذا المعترك الخطير يتطلب فهم واستيعاب اللعبة السياسية الدولية والتعامل بحنكة ودراية واعتماد المناورة الذكية في الكيفية التي يمكن من خلالها الانتقال بالتطور العام في المجتمع ومدى تفاعله مع المستجدات.
ويبدو انه قدر الشعوب في التخلص من الاستبداد والطغيان والانتقال من مرحلة الى اخرى في التصدي الحذر لكل اشكاليات التبعية والوصاية على مقدراتها.
التآخي