كأن الجبل انشق وفتح فاه وتركه فاغراً في هذا الاخدود المخيف مستمرا الى مركز اللوحة المستطيلة افقيا ومن هذه النهاية الاخدودية، انبثقت غابة كثيفة كأنها جدار عمودي استمرت الى الجانب الايمن باتجاه الزاوية اليمنى، وبهذا عالج الفنان الزاوية اليسرى لخلق توازن ثابت في لوحته بمجموعة من الاشجار ايضا، الا انها تبدو اقل كثافة، تتخللها بيوت متشابهة ذات سطوح حمراء خلقت انسجاما حركيا متوازيا مع النهر المنحدر النابع من الجبل وبأتجاه الزاوية اليسرى كذلك اختار الفنان زاوية عالية وكأنه يرسم الوادي المكون من طبيعة خالصة وطبيعة مصنعة وكأنه يقف على قمة الجبل المقابل وما يجلب النظر مجموعة من البيوت التي تتشابه تصاميم هندستها كأنها موحدة ذات سقوف حمر جميعها، خلقت تناقضا لونياً مع الالوان الباردة المتكونة من حشائش واعشاب وجزء من الاشجار الباسقة والمنظر يوحي وكأنه يمتلك امتدادا من اطرافه وجوانبه خاصة، لا حدود له والملاحظ ان اللوحة لا يوجد فيها (مركز سيادة)، فالاهتمامات منصبة في ارجائها دون تركيز شديد على اي جزء من اجزائه ولولا الجبل الذي عولج بألوان وكأنه (نصف الظل) او ضوء خافت في الزاوية العليا اليمنى مكونا مساحة مهمة، لكان البعد الثالث، ملغايا ومهملاً، الا ان المعالجة المذكورة ابعدت الجبل قليلا الى العمق مما ساعد على تحقيق نوع من البعد الثالث.
ساعد لون السماء الرصاصي البارد والمسطح، والتي تكون النهاية العليا للمنظر، على تقوية الاحساس بحركات الفرشاة وتوزيع الالوان في بقية اجزاء اللوحة، نظراً للفرق بينهما وسهولة المقارنة بين التقنية المسطحة الهادئة والطابع الحركي بينهما.
ونتيجة المقارنة والتدقيق، نكتشف تأثيرات الفنان الفرنسي (بول سيزان)، بخاصة في مجموعة دراساته ومناظره عن (جبل فيتوار) وفناننا صديق احمد لم يقلد طريقة سيزان، الا انه استفاد بحكمة من مراحلة التكعيبية وتأكيده على الاشكال من خلال التركيز على الحدود الخارجية لها، ويرى الباحث ماذكره في كيفية تلوين البيوت ذات السقوف الحمر، وبعض التضاريس وتكوينات الجبال.
يخلو المنظر من البشر تماماً، الااننا نستشف من حجم البيوت العلاقة ونسبة الجبل الهائل مع مكوناته وبالرغم من التشخيصات التي ذكرناها، الا ان اللوحة توحي فضلا الى ذلك بطابع الدراسة السريعة او تسجيل انطباع سريع، وقد تكون هذه المهمة هي التي حددها الفنان للوحته وهي تنتمي الى بيئة كوردستان العراق وطبيعة جبالها الا ان البيوت المتشابهة خلقت شعورا بنوع التكرار الزخرفي والهندسي، كان من الممكن استلهام طريقة بناء القرى الكوردية ذات التكوينات الاكثر جمالا وطبيعية من الناحية الانشائية وتتسلق الجبل الى اجزاء عالية منه وتتحول سطوح البيوت الى فناءات الدور التي تعلوها، بأيقاعات جميلة ومتميزة لكوردستان العراق ومع كل ما ذكرناه، لا يمكن ابعاد الاسقاطات الروحية والمعالجة التلقائية في تشكيل العلاقات اللونية وامتزاج واستخراج القيم الضوئية والمنظر الخطي واللوني ولا ينكر ان اختيار الفنان لهذا المنظر من كوردستان العراق يدل على انسجام روحي واضح مع قيمة الموضوع المرسوم واعجابه ببيئة وطبيعة كوردية عراقية.
* المصدر: جماليات الطبيعة في كوردستان العراق للدكتور محمد عارف.

