*- إني أسمح لنفسي أن أبدي ملاحظاتي وأستميح كل مناضلي الحزب الديمقراطي الكردستاني والشعب الكردي الذين مارسوا أدوارهم في تلك الفترة عذراً لأن أقول وبصراحة بأنه كان خطأً كبيراً السماح للسلبيات بالتغلب على الإيجابيات في العلاقة مع عبدالكريم قاسم، مما ساعد على تمرير مؤامرة حلف السنتو وعملائه في الداخل والشوفينيين وإحداث الفجوة الهائلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وعبدالكريم قاسم. فمهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب أن لا ننساه نحن الكرد أبداً. لا شك أنه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين وكان التعامل معه ممكناً لو أحسن التقدير. يُتَهَمّ عبدالكريم قاسم بالإنحراف والديكتاتورية، أتساءل هل من الإنصاف تجاوز الحق والحقيقة؟ لقد قاد الرجل ثورة عملاقة غيَّرت موازين القوى في الشرق الأوسط وألهبت الجماهير التواقة للحرية والإستقلال وشكل أول وزارة في العهد الجمهوري من قادة وممثلي جبهة الإتحاد الوطني المعارضين للنظام الملكي ومارست الأحزاب نشاطاتها بكل حرية. ولكن لنكن منصفين ونسأل أيضاً من انقلب على من؟ إن بعض الأحزاب سرعان ما عملت من أجل المصالح الحزبية الضيقة على حساب الآخرين وبدلاً من أن تحافظ أحزاب الجبهة على تماسكها الذي كان كفيلاً بمنع عبدالكريم قاسم من كل إنحراف، راحت تتصارع فيما بينها وبعضها تحاول السيطرة على الحكم وتنحية عبدالكريم قاسم ناسية أولويات مهامها الوطنية الكبرى إني أعتبر أن الأحزاب تتحمل مسئولية أكبر من مسئولية عبدالكريم قاسم في ما حصل من انحراف على مسيرة ثورة 14 تموز (يوليو) لأن الأحزاب لو حافظت على تماسكها وكرست جهودها من أجل العراق، كل العراق ووحدته الوطنية الصادقة، لما كان بإمكان عبدالكريم قاسم أو غيره الإنحراف عن مبادئ الثورة. إن عبدالكريم قاسم قد انتقل إلى العالم الآخر، ويكفيه شرفاً أن أعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة. واضطروا إلى أن يشهدوا له بالنزاهة والوطنية رحمه الله. لم أكره عبدالكريم قاسم أبداً حتى عندما كان يرسل أسراب طائراته لتقصفنا، إذ كنت امتلك قناعة بأنه قدم كثيراً لنا، كشعب وكأسرة لا يتحمل لوحده مسئولية ما آلت إليه الأمور. ولا زلت أعتقد أنه أفضل من حكم العراق حتى الآن.
مسعود البارزاني
زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، فصل عن ثورة 14 تموز 1958، من كتاب: البارزاني والحركة التحررية الكردية