الرئيسية » الملف الشهري » (هربيجي) كورد وعرب رمز النضال

(هربيجي) كورد وعرب رمز النضال

العنوان هو لإنشودة وطنية جميلة كتب كلماتها الراحل زاهد محمد وأداها ولحنها الفنان الكبير احمد الخليل بعد قيام الجمهورية العراقية الخالدة وكان لهذه الانشودة وقعاً جميلاً مؤثراً في نفوس العراقيين بكل اطيافهم وقومياتهم فتفاعلوا معها وتغنوا بها ورقص على انغامها المحتفلون حتى في الأعراس والمناسبات الخاصة لأنها كانت تعبر عن واقع معيش لوحدة وطنية صادقة ارست دعائمها ثورة 14 تموز المجيدة وقائدها الزعيم الوطني الخالد عبد الكريم قاسم.
المعروف ان تاريخ الكورد يعود إلى اكثر من خمسة آلاف عام حيث عاشوا على ارضهم المسماة (كردستان) او (وطن الكورد) وما يؤكد هذه الحقيقة ورود اسم الكورد (الميديون) في الكتب القديمة ولهذا فإن وجود الكرد على اراضيهم هو ثابت تاريخياً حيث كان تركيزهم في اقليم الجبال (ميديا).

اما الكرد الفيليون فإنهم جزء من الأمة الكردية حيث يؤكد الكثير من المؤرخين انهم احفاد العيلاميين أو الكوتيين في وسط وجنوب العراق ومناطق تركزهم في: بدره، جصان، خانقين، مندلي، زرباطية ومناطق اخرى في انحاء متفرقة من العراق.
لقد كان الكورد منذ القدم من الشعوب الودودة المحبة للخير والسلام لكن هذا الشعب المسالم عانى ما عانى من الظلم والاجحاف والتهميش. وعليه فقد كافح اخواننا الكورد طويلاً قبل اندلاع ثورة 14 تموز من اجل نيل حقوقهم المشروعة مثلما ناضلوا جنباً إلى جنب مع اخوانهم العرب وباقي الاقليات من اجل قيام حكم وطني مستقل وعادل تعيش في كنفه جميع اطياف العراق بمودةٍ واخاء، وفي سبيل ذلك اضطر الكثير من الاكراد للجوء إلى المنافي هرباً من الاضطهاد والملاحقة وكان في مقدمتهم الاب الروحي للحركة الوطنية الكردية المرحوم الملا مصطفى بارزاني القائد الذي فضّل ان يبقى معظم ايام حياته جندياً متمنطقاً سلاحه متنقلاً بين هذا الجبل وذاك الوادي وتلك القرية مفضلاً مخاطر الحياة النضالية وقساوتها على حياة القصور والرخاء والدعة من اجل قضية ومن اجل قيم ومبادئ آمن بها.
وبعد قيام الجمهورية بفترة وجيزة تم اصدار الدستور المؤقت لسنة 1958 وقد جاء بمادته الثالثة “يقوم الكيان العراقي على اساس التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم. ويعد العرب والاكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة الوطنية”. كما اصدرت الثورة عفواً عاماً عن الاكراد فعاد المنفيون إلى بلادهم وكان في مقدمة العائدين من الاتحاد السوفيتي الملا مصطفى بارزاني وشقيقه الشيخ احمد حيث استقبلا استقبالاً رسمياً وشعبياً حافلاً في الخامس من تشرين الأول 1958 ثم عاد بعدئذ معظم الثوار الاكراد إلى العراق وتوثقت العلاقة الرسمية والشعبية بين العرب والكورد كما التقى الزعيم عبد الكريم قاسم المرحوم الملا مصطفى لمرات عديدة وكان يحضر بعض لقاءاتهما السيد مسعود بارزاني وكان لا يزال في حينه طالباً في المرحلة المتوسطة. كما حصلت موافقة الحكومة الوطنية على استئناف نشاط الحزب الديمقراطي الكردستاني في عام 1960 ونشط الحزب في حينه واصدر صحيفته المركزية (خه بات) إلا ان الحاقدين على العراق ووحدته عملوا ما في وسعهم لبث الفرقة والخلاف ودق اسفين بين العرب واخوانهم الكرد فحدثت بعض الاعمال المسلحة المؤسفة خاصة بعد ايلول 1961، وفي شتاء 1962 – 1963 سادت فترة هدوء بين الطرفين واصدرت الحكومة عفواً عاماً شاملاً عن جميع الاكراد من اجل رص الصفوف وحفاظاً على الوحدة الوطنية وعلى الرغم من حالات المد والجزر التي كانت تشوب العلاقة بين حكومة 14 تموز والقيادة الكردية بعد ايلول 1961 إلا ان حبل الود لم ينقطع نهائياً بين الطرفين لوجود سلامة النية ولكون الزعيم الشهيد عبد الكريم قاسم كان يحب ابناء شعبه دونما تمييز. ويحز في نفسه نزف الدم العراقي الطهور كردياً كان ام عربياً.
وبوطنيته الصادقة المعروفة يؤكد الرئيس جلال طالباني تلك الحقيقة فيقول في بيان لمناسبة الذكرى 48 لثورة 14 تموز “ونحن نسترجع ذكريات ثورة تموز بوصفها محطة اساسية في المسيرة السياسية لبلادنا ليس بوسعنا إلا الإشادة بدور زعيمها عبد الكريم قاسم الذي صفِّي بوحشية وغدر. والذي برهن بعد رحيله المفجع على عصاميته ووطنيته ونظافة يده ودفء قلبه دون ان يخلف وراءه شروى نقير”.
اما الرئيس مسعود بارزاني فقد اكد ذلك بوفاء نادر في كتابه الموسوم (بارزاني والحركة التحررية الكردية) حيث يقول عن الزعيم عبد الكريم قاسم “مهما يقال عن هذا الرجل فإنه كان قائداً فذاً له فضل كبير يجب ان لا ننساه نحن الكرد ابداً، لاشك انه كان منحازاً إلى طبقة الفقراء والكادحين وكان يكن كل الحب والتقدير للشعب الكردي وكان وطنياً يحب العراق والعراقيين” ويستطرد قائلاً:
“ان عبد الكريم قد انتقل للعالم الآخر ويكفيه شرفاً ان اعداءه الذين قتلوه بتلك الصفة الغادرة فشلوا في العثور على مستمسك واحد يدينه بالعمالة أو الفساد أو الخيانة واضطروا ان يشهدوا له بالنزاهة والوطنية”.
لقد اكد الزعيم الشهيد مراراً وتكراراً على الاخوّة والوحدة الوطنية الصادقة ففي خطابه الذي ارتجله في كنيسة مار يوسف يوم 19 تموز 1959 “اننا ابناء هذا الوطن مهما اختلفنا ان كنا من التركمان أو الاكراد أو العرب أو كنا من الملل الاخرى فإننا اخوة كنا نعيش في هذه الارض الطيبة منذ آلاف السنين وما زلنا نعيش فكان اجدادنا في الماضي قد قاتلوا العدو معاً وجابهوا الصعاب والملمات معاً ونحن احفادهم كتب الله لنا في هذا العهد ان نتحرر من ظلم الاجنبي ومن ظلم الظالمين الطغاة”.
فما احوجنا اليوم إلى سلامة النية ونقاء السريرة ونبذ الاحقاد والضغائن واحترام حقوق الغير واشاعة ثقافة المحبة والتسامح وان نتعلم كيف نحب لغيرنا ما نحبه لانفسنا وان لا نغمط حقوق الآخرين.
لقد اختار اخواننا الكرد الفيدرالية طواعية واقر ذلك المجلس الوطني الكردستاني في 4 تشرين الاول 1992 اختاروا البقاء والاتحاد ضمن الوطن الواحد وتحت خيمة العراق لكون هذا الاتحاد الفيدرالي هو في صالح عموم العراقيين بعربهم واكرادهم وتركمانهم وجميع الاقليات الاخرى. كما ان الدستور العراقي الدائم ضمن حق العراقيين جميعاً في اختيار الفيدرالية ان رغبوا بذلك.
لقد اختار الكورد الاتحاد في وقت كانوا فيه منفصلين عن حكومة النظام المباد لإيمانهم بالعراق الموحد. وفي احدى المداخلات الصحفية الممتعة برر الرئيس طالباني بحنكته السياسية اختيار الكورد للفيدرالية وليس للانفصال بأسباب منطقية مقنعة اهمها: (إن العالم في كل مكان يتجه إلى التحالفات والاتحادات كما ان الوضع الدولي عموماً والاقطار المجاورة للعراق بشكل خاص يرعبها قيام دولة كردية ما يسبب مشاكل مستمرة لها فضلاً عن ذلك فإن الفيدرالية تحقق مصلحة افضل للشعب الكوردي مثلما فيها مصلحة العرب والتركمان وجميع الاقليات).
لقد جربت الفيدرالية في العديد من اقطار العالم المتقدم مثل: سويسرا والمانيا والنمسا وغيرها فكانت عاملاً محفزاً على تطور تلك الاقطار وتقدمها وسعادة شعوبها.
فلنتخلص من ظلم بعضنا لبعض ولتتوحد قلوبنا ولنشترك في السراء والضراء ولنكن دوماً جسداً عراقياً واحداً اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلطالما كانت كردستان مأوى للمظلومين وملاذاً للوطنيين الشرفاء من سائر الاطياف والقوميات الذين ضاقت بهم ارض العراق على رحبها ونحن ألم تدم قلوبنا مآسي حلبجة والانفال والتي راح ضحيتها آلاف الابرياء؟ وكأني بالمفكر الراحل السيد هادي العلوي قد عبر من منفاه عن مشاعرنا جميعاً برسالته حينذاك إلى اطفال كردستان والتي قال فيها:
“ايها الطفل الكردي المحترق بالغاز في قريته الصغيرة أو على فراشه أو في ساحة لعبه، هذه براءتي من دمك اقدمها اليك معاهداً اياك الا اشرب نخب الامجاد الوهمية لجنود العصر الحجري ولا امد يدي إلى احد من انظمة العصر الحجري اقدمها لك على استحياء ينتابني بالخجل منك ويجللني شعور بالعار امام الناس اني احمل هوية الطيار الذي استبسل عليك. وليت الناس اراحوني منها حتى يوفروا لي براءة حقيقته من دمك العزيز. انا المفجوع بك الباكي عليك في ظلمات الليل الطويل في زمن حكم الذئاب البشرية الذي لم نعد نملك فيه الا البكاء اقبلها مني أيها المغدور فهي براءتي اليك من هويتي”.
فلنتحد قلباً وقالباً ولنضع عراقنا الحبيب في حدقات عيوننا وفي سويداء قلوبنا ولنعد لوطننا العظيم هيبته، وطن الانبياء ونحن نحتفل بأعياد الربيع بأعياد نوروز البهية بأنشودتنا الخالدة “هربيجي كورد وعرب رمز النضال”.
عراق الغد