(صوت العراق)
ان التواجد الفيلي في بغداد ليست مسأله جديدة وطارئه, فهم يعتبرون ركنا اساسيا من أرکان المجتمع البغدادي, كما ان هناك تواجد فيلي في مناطق الوسط والجنوب, و قسم من هذه المناطق هي كورديه في الأصل, تم تعريبها تدرجيا. نستنج من هذا كله انهم جزء مهم من نسيج وثقافه واقتصاد المناطق التي سكنوها, وهم ليسوا غرباء عن المنطقه, فقد سكنوا هذه المناطق منذ القدم, وخاصه مدينه بغداد, وجلبوا معهم عاداتهم وتقاليدهم واغنوها, وتأثروا بالببئه المحيطه بهم سلبا وايجابا حالهم حال اخواننا العرب القادمين من جنوب وغرب العراق الذين سكنوا بغداد بحثا عن فرص افضل للعيش. لكن المفارقه تكمن في ان العربي احتفظ بثقافته وعاداته و إنتمائه القومي بينما الكوردي الفيلي اجبر على الانخراط في عمليه التعريب المبرمجه من قبل السلطه بشعور او بدون شعور.
ان الشعور القومي وحب الوطن والشعور بالانتماء اليه واجب مقدس, وليس حكرا على احد, ولا يمكن المساومه عليه بحجج واهيه وسخيفه, وهذه الامور من البديهيات التي لاتقبل الجدل, ومتفق عليه من قبل جميع اطياف المجتمع العراقي, فترى العربي يتفاخر بعروبته وبعمقه العشائري الاستراتيجي اينما وجد, والتركماني يعمل المستحيل من اجل عدم الابتعاد عن المظله التركيه, لكن للاسف لم نرى هذا الشعورعند شريحه واسعه من الكورد الفيلين وخاصه في السنين الاخيره التي اعقبت عمليه التغير, وان وجد فهو ضعيف، وخير دليل على ذلك نتائج الانتخابات الاخيره التي بينت ضياع الصوت الفيلي بين القوائم المختلفه, وهي ننتيجه مخيبه للامال بالطبع، وكانت متوقعه نظرا لعدم وجود سياسه واضحه لدى اغلب الجهات التي تدعي تمثليها للكورد الفيليه, ولعدم فهمهم لاصول اللعبه السياسيه, مما سبب احباط كبيرا لنا نحن الکورد الفيلية. هذا الفشل والاحباط يمكن تداركها في المستقبل, لو بدأنا بمراجعه انفسنا, ودراسه اسباب الفشل, وايجاد اليات جديده للعمل السياسي والتخطيط للمرحله المقبله بشكل علمي بعيدا عن التجاذب الحزبي و العشائري والمذهبي وحتى الشخصي.
مشكله الكورد الفيليه هي مشكله الانتماء وليست الهويه, فالهويه معروفه ولا يمكن المزايده عليه, اما الانتماء اصبحت مشكله حتى لقسم من المثقفين للاسف, فقبل الخوض في حلول القضيه الفيليه يجب ان نحدد انتماءنا اولا, هل نحن كورد، شيعه، مستعربين, مستفرسين؟ هذا هو السؤال المهم ويجب تحديد الاجابه عليه, فاذا عرفنا انتماءنا حينئذ يمكن ايجاد حلول مناسبه و منطقيه ومعقوله لقضيتنا, اما اذا ارتضينا بهذه الوضعيه الهلاميه, تاره مع الكورد وتاره مع الشيعه وتاره مع العرب, بهذه الطريقه في التفكير سوف يضيع الخيط والعصفور.
للاسف هناك بعض من الكورد الفيليه يحاولون اظهارالفيليين كأنهم مله ذو خصائص ذاتيه خاصه, و لا ادري ما هذه الخصائص الخاصه, فاذا تعمقنا في مسائل الخصائص والديمغرافيه والجغرافيه للكورد الفيليه وخاصه منذ استلام البعثيه للسلطه وتسفيرهم للفيليه, سوف نرى نشوء خصائص و ثقافات جديده للكورد الفيليه تبعا للبلد المهجر او المهاجر اليه, فثقافه وخصائص الفيلي في اوربا هي ليست نفس ثقافه الفيلي في العراق او ايران, فاذا آمننا بتقسيم الكورد على اساس الخصائص الى كوردستانين(الذي ينقسم بدوره الى سورانين وبادنانين) وفيليين, وكورد شمال جبل حمرين وجنوب جبل حمرين, فالامور سوف تصل بنا الى نشوء مصطلحات وتكتلات جديده للكورد الفيليه طبقا لهذا النهج في التفكير, فسوف نجد انفسنا امام مصطلح الاكراد الفيليه في بغداد, والاكراد الفيليه في واسط , والاكراد الفيليه في ايران, والاكراد الفيليه في اوربا, والاكراد الفيليه في الداخل وفي الخارج , لان لكل منطقه خصائص وثقافه خاصه بها, هل يعقل ان نمشي وراء هذا النهج؟
لايمكن اختصار مأساتنا بهذه السذاجه, فاذا كنا في بغداد او اي بقعه اخرى , فان هذا لا يعني الابتعاد عن اصولنا وجذورنا, ولا يمكن التفكير في الابتعاد عن اخواننا في الدم الكورد في اي بقعه من كوردستان. فاذا كان الكورد الفيليه يعيشون في وسط ديمغرافي وجغرافي يختلف عن ظروف كوردستان, فهذا لا يبررعدم التواصل مع اخوتنا في الدم والنسب, كذلك لايمكن قطع صله القربى والانتماء الى كوردستان ارض ابأنا واجدادنا. فاذا استسلمنا لاصحاب نظريه البعد الجغرافي والتوزيع الديمغرافي, لتنازلت تركيا عن دعم التركمان, وتنازلت ايران عن دعم الشيعه العرب, وتنازلت البلدان العربيه عن دعم سنه العراق . يجب ان نضع امام عيوننا هذه الحقيقه, و هي ان كوردستان هو عمقنا الاستراتيجي وان الكورد الفيليه جزءا لا يتجزأ من النسيج الكوردي, فالمنطق والعقل يقولان لا يمكن الابتعاد عن جسد الام, مهما اختلفنا في بعض التوجهات مع هذا الطرف او ذاك, او ان كان لدينا بعض المواقف من هذه الجهه او تلك, فهذه الامور ثانويه يمكن التغلب عليه بسهوله. كما يجب ان لا ننسي ان الكثير من هذه التوجهات والافكار يتغلب عليها لغه العاطفه على العقل في اكثر الاحيان, واحيانا اخرى يتغلب عليه الطابع شخصي, وهذه الامور تأخذنا الى مجرى اخر لا يعرف احدا عقباه غير المتربصين لنا من الشوفينين و الحاقدين على شعبنا الكوردي. ان هذا التفكير السطحي في التعاطي مع قضيه الكورد الفيليه سوف يؤدي الى الحاق ضرر كبير بقضيتنا وفقدان اتجاه بوصلتنا الصحيح.
يجب ان يتذكر اخواننا الفيليه بأننا نعيش ظروف غير طبيعيه في العراق الجديد المتشنج والمليئ بالاستقطابات, و هذه الظروف يفرض علينا الاتحاد و نبذ روح التفرقه, وان لا نتقوقع على انفسنا, لاننا مهما عملنا بصوره فرديه او مستقله, يبقى تأثيرنا على الساحه العراقيه ضعيفا, و لا يمكننا تحريك ساكن. كما يجب ان يتذكر اخواننا الكورد الفيليه باننا بنظر الكثير من الشوفينين العرب تبعيه ايرانيه لحد يومنا هذا, و لا يعتبروننا مواطنين درجه اولى , بل رعايا دوله اخرى, و هم ينتظرون الفرصه المناسبه للسيطره على السلطه وتسفير ما تبقى من الكورد الفيليه, فهم لم ينسوا مواقفنا المشرفه من القضيه الوطنيه العراقيه والكوردستانيه. فلا تتفاءلوا بالعراق الجديد كثيرا, و لا تعقدوا امالا في استرداد حقوقنا المعنويه و الماديه كامله, بل يجب ان نكون حذرين في كل خطوه نخطوه, لكي لا نعيد مأساة التسفير و التهجير و القتل و المقابر الجماعيه و اسقاط الجنسيه و مصادره اموالنا المنقوله و غير المنقوله التي حدثت في العراق العربي , كما ارجو ان لا نعيد عقارب الساعه الى الوراء, و لنستذكر تجاربنا المره مع الحكومه الايرانيه الشيعيه التي حرمتنا من ابسط حقوق المواطنه المشروعه, و اتمنى ان لا نقع في الفخ مره اخرى ونكون ضحيه من جديد, لكن هذه المره بثوب ديمقراطي .
ان قسما من أسباب فشل الكورد الفيليه في تأسيس احزاب قويه تمثلهم يعود للفيلين انفسهم, و قسم اخر يعود للوضع العراقي المتشابك والمعقد, كذلك هناك تقصير من قبل الاحزاب بصوره عامه, و اسباب الفشل عند الفيلين معروفه, منها انقساماتهم الفكريه و المذهبيه والعشائريه, كذلك هبوط الوعي الثقافي عند شريحه واسعه منهم. ليس هناك اية صعوبة في تشكيل حزب, فقد تأسست عده احزاب للفيليه, لكن هل استطاعت هذه الاحزاب ان تستقطب الفيليه و تفرض اجندتها على الساحه العراقيه؟ الجواب بالطبع لا, اذن لماذا التفكير بتشكيل حزب كوردي فيلي جديد في هذه المرحله؟ حيث ان التجربه برهنت فشل كل الاحزاب التي تأسست تقريبا, و هذا ليس تقليل من شأن الاحزاب لكن هذا هو الواقع المر, فالحزب الجديد لا يحل المعضله, بل يعقدها. اذن نحن بحاجه الى سياسه جديده وليس الى حزب جديد يكون عبئا ثقيلا علينا .
لقد افلح الفيليون في تأسيس جمعيات, نوادي, مجالس, حسينيات, احزاب صغيره ووو…, وهذا دليل على رغبتهم في ابراز قضيتهم, إن هذه المحاولات تحتاج الى عمليه صقل وتخمير لتعطي النتيجه المطلوبه. نحن امام واقع لا يمكن تجاهله, يجب الاعتراف بالطيف السياسي الفيلي كما هو, و التعامل معه على ضوء المعطيات الموجوده, و لا يمكن تهميش اي طرف مهما كانت توجهاتهم وانتمآتهم . ان اولى الخطوات التى يجب ان نفكر بها في هذه المرحله هي استيعاب هذه الجمعيات, النوادي, المجالس, الاحزاب الصغيره ووو….. , في اطار كيان واحد, كأن يكون كتله او ائتلاف او تحالف او تجمع فيلي سميها ما شئت, و تنظيم انفسنا بشكل يلائم ومتتطلبات المرحله الحاليه. فهذه الخطوه تعتبر خطوه تمهيديه لنا لنتعلم مبادئ الحياه السياسيه, كذلك خطوه هامه لدخول الحياه السياسيه, و فرض اجندتنا على الساحه السياسيه العراقيه. كما يمكن استثمار هذا التجمع الجديد في لم شمل الفيليه في اطار عام يكون القاسم المشترك هو انتمائنا القومي, اما التوجهات الفكريه والمذهبيه فهذا شأن شخصي و حاله صحيه لا غبار عليه و لا يتعارض مع تأسيس مثل هذا التجمع.
فاذا نجحنا في تشكيل هذه المظلة للفيلين, نكون قد ساهمنا في لم الشمل الفيلي و ترتيب بيتنا من الداخل, هذا يعني نجاحنا ايضا في كسب الاصوات الفيليه الى جانبنا, و سوف يضمن لنا ما لا يقل عن 10 ـ15 مقعدا في الانتخابات القادمه و هذه المقاعد عدد لا يستهان به, و تمكننا في تمثيل الفيليه بشكل يناسب و حجمهم الحقيقي, و سيكون بيدنا ورقه رابحه و ضاغطه نستطيع فرض رؤانا واجندتنا على الساحه السياسيه العراقيه, و على الاحزاب والائتلافات و التحالفات السياسيه القادمه للنضمن حقوقنا في العراق الجديد. اما مع من سوف نتحالف, فهذا متروك للكتل المنزويه تحت هذه المظله و مدى تأثيرها في فرض اجندتها, مع الاخذ بنظر الاعتبار ان كل الكيانات السياسيه العراقيه تدورفي المدار القريب من توجهاتها الثقافيه و التاريخيه وحتى الجغرافيه. فلنعمل ونمشي على خطاهم, خطى العربي السني المتحد مع اخيه العربي السني ضمن جبهه التوافق لعلمهم بان قوتهم في اتحادهم, كذلك ترى العربي الشيعي يتحد مع اخيه العربي الشيعي ليكونو ائتلافا كبيرا, كذلك الحال بالنسبه لتركمان فلهم جبهتم المتكونه من عده احزاب. اذن الكل يتحرك ضمن مجموعه متحده قريبه الافكار والرؤى وهذا هو التفكيرالصحيح.
اذا اراد الكورد الفيليه ان يكتب النجاح لقضيتهم, يجب ان يكون تحركهم وتحالفاتهم ضمن البيت الكوردي العام برأي الشخصي المتواضع , لان ليست هناك أية جهه تقدم الدعم و تسمح بتشكيل كيان سياسي للكورد بدون شروط في العراق الحالي المليء بمخابرات العالم . فالافضل للمرء ان يكون عميلا لشعبه بدلا من يكون عميلا لدول الجوار ومخابرات المنطقه, و الافضل للمرء ان يتسكع على ابواب اخوانه في الدم بدل من ان يتسكع على ابواب الجهات الحاقده على الشعب الكوردي وعلى ابواب مخابرات دول المنطقه. هذه المرحله الحساسه في تاريخ شعبنا يتطلب منا ان نبذل قصارى جهدنا لرص صفوفنا و سد الثغرات امام تلك الجهات التي تحاول المتاجره بقضيه الكورد الفيليه, سواء كانت هذه الجهات داخليه او اقليميه.