الرئيسية » مقالات » ألا يتعظون بتجارب الغير !!؟؟

ألا يتعظون بتجارب الغير !!؟؟

 (1)
المرحلة لا تسمح كثيراً بتقليب صفحات الماضي، لكن من لا يتعظ بتجارب الغير التي باتت تاريخاً، سيكون مصيره كمن يحاول مسك الهواء براحتيه، الماضي القريب لتاريخ الكورد الدموي فيه الكثير من العبر والتجارب، يمكن للعاقل أن يتعظ به، ففي عام 1970 أبان إعلان إتفاقية 11 آذار بين قيادة الحركة الثورية الكوردية والحكومة العراقية لحل المسألة الكوردية حلاً سلمياً راهن حزب البعث على الاقتتال الكوردي ـ كوردي ــ أي بين الحركة الكوردية، والكورد الجحوش الموالين للسلطة ــ حيث تصورت الحكومة العراقية آنذاك بأن تبادر قيادة الثورة الانتقام من هؤلاء الكورد الخونة، وستكون هي في المحصلة النهائية ” الملاك !!! ” لفض النزاع، ومن ثم فرض وإملاء شروطها كما ترغب، لكن حكمة قيادة الثورة وعلى رأسها الزعيم الخالد الملا مصطفى البارزاني أدركت خطورة القيام بمثل هذا العمل، فبادرت بإعلان العفو الشامل عن جميع الجحوش والخونة الكورد، وسحبت بذلك البساط من تحت أقدام حكومة البعث .
وبعد ذلك التاريخ بأكثر من عقدين ونصف العقد، بادرت قيادة الجبهة الكوردستانية عام 1991 بإعلان عفو شامل أيضاً عن جميع الجحوش والعملاء الكورد، ونتج عن تلك المبادرة الحكيمة ضم قوى كوردية مسلحة لا يستهان بها إلى صفوف المنتفضين ” أنتفاضة آذار 1991 ” لدك مقرات الأجهزة الأمنية الصدامية على اختلاف مسمياتها في كوردستان وتنظيف الإقليم من رجس هؤلاء المجرمين الذين أذاقوا أبناء شعبنا الويلات .
وبعد إعلان المنطقة الآمنة من قبل مجلس الأمن لحماية الشعوب القاطنة في إقليم كوردستان من بطش صدام، وتشكيل الحكومة الكوردستانية، وإعلان الفدرالية من طرف واحد وتسلم مهام إدارة الإقليم من قبل أهاليها، ذاق الكورد طعم السلطة وحلاوة الجلوس على الكراسي المريحة، فلم يمر سوى أقل من عامين على ذلك حتى أندلعت حرب أهلية ” كوردية ـ كوردية ” أستمرت حوالي أربعة أعوام، وأشتهرت تلك الحرب شعبياً بين الكورد ” معركة الكمارك ” نسبة إلى الحصول على إيرادات الكمارك عبر معبر إبراهيم الخليل، الحدود الدولية بين العراق وتركيا “، وبعد أربعة سنوات من حرب ضروس راح ضحيتها خيرة الشباب الكوردي، وحطمت البنى التحتية لاقتصاد الإقليم المنهار أساساً، توصل الطرفان ـ الحزب الديمقراطي الكوردستاني ، والإتحاد الوطني الكوردستاني ـ إلى قناعة مفادها ، أن لا بمقدور أحد طرفي المعادلة القضاء على الطرف الآخر للاستفراد بالسلطة والتحكم بمقدرات الشعب الكوردستاني منفرداً.
فجاءت المصالحة لتحط حداً للنزيف الكوردي، وبعدها توالت الأحداث عراقياً وأقليمياً ودولياً كما هو معروف للجميع أنتهت بسقوط الصنم، والكورد أصبحوا رقماً صعباً في المعادلة العراقية والأقليمية مستفيدين من تجارب الماضي الدموي، ليبدأو بوضع اللبنات لإعمار كوردستان وأنتشال شعبه من تاريخ دموي استمر لعدة عقود .
لماذا هذه المقدمة ؟
خلال الشهر الفائت مرت المنطقة بثلاث أحداث كبرى . أولها: تكملة تفجير مرقدي الأمامين العسكريين في سامراء وما تلتها من أحداث دموية ونزيف جاري لليوم . ثانياً: صب الكثير من الزيت على النار اللبنانية المشتعلة منذ طرد القوات السورية من لبنان لتصل إلى مسألة عصابة ما يسمى بفتح الإسلام . ثالثاً: الحرب ــ الفلسطينية ـ الفلسطينية ــ في غزة .
عراقياً … لا يمكن لأي إنسان عاقل وحتى المجنون أن يتصور أن يصل بلدنا العراق إلى هذه الحالة التراجيدية، أن ما يحدث من مجازر لأهلنا في العراق فوق قدرات العقل البشري، لا يمكن لنا أن نصدق ما نرى وما يذاع وما يقال وما نسمع عن الأساليب الرهيبة في الانتقام والتشفي من الآخر. ومن هو هذا الآخر ؟؟ أنه أبن العراق .. أنه صرخة النواب قبل أكثر من أربعين سنة :

” آنه .. آنه يا فلان التكلي منهو أنته
آنه بن شعب العراق العيب نوخ تحت ذلته
آنه بن هاذي المضايف
آنه بن ذيج الطوايف
آنه ضيم العراق
ترعرعت بيوت ذلته ــ من قصيدة الحجي المفهوم ــ
(2)

ما أنفكت الفضائيات العربية الرسمية الصراخ والولولة والشكوى من الميليشيات ” الشيعية ” التي تمارس التعذيب والقتل على الهوية، وغيرها من الجرائم المنظمة، وخاصة في بغداد . لكن دعونا نرجع قليلاً إلى الوراء ونستذكر تفجيرات الحلة، ومثلث الموت ” اللطيفية ـ المحمودية ” بين بغداد والحلة وقطع رؤوس الأموات في التوابيت المنقولة إلى مقبرة السلام في النجف الأشرف، وآلاف التفجيرات والمفخخات التي طالت المدنيين من عمال وكسبة من شيعة على،” أي من هؤلاء الذين وصفهم النواب، من ولد الخايبة ” . حدث كل هذا وسط صمت فضائيات العهر السياسي العربي، ليس هذا وحسب، بل بادرت بالتصفيق والتهليل ” للمقاومة الباسلة !!! ” ضد المحتل الأمريكي، وحدث كل هذا أيضاً قبل أن تتسلح بعض الفئات الشيعية للدفاع عن نفسها وعن طائفتها من عدو غادر معروف للعراقيين، وهم خليط من عتاة الطائفيين البعثيين بتحالف مع أقذر وأوسخ فكر عقائدي على مر التاريخ ” القاعدة ” لا يتورع عن سلك أنجس الأساليب للوصول إلى مآربها، إلا وهي السلطة والتسلط على رقاب الجموع البشرية التي لا تبغي من الدنيا غير العيش بكرامة والحلم برغيف خبز وشربة ماء هنية …. هذا الفكر الذي يبدو قد دُرب وأُحتظن من قبل جهات غيبية !!! أحتفظت به على مدى العقود الماضية وربما لقرون لأطلاقه في الزمان والمكان المحددين حسب مشيئة الحاكم بأمره، والحاكم هنا يمكن أن يكون أقليمياً أو آتي من خلف البحار والمحيطات، لكن المحسوس والملموس من نتائج أفعالهم وقراءة أفكارهم بأن المنطقة برمتها مقبلة على حرائق وبراكين لا تخمدها مياه النيل والفرات وبردى …. لا نبرر هنا لما تقوم به بعض الفئات المحسوبة على شيعة علي المعروفة بوطنيتها ونخوتها وعروبتها الأصيلة الممتدة إلى بطون القبائل العربية في اليمن والجزيرة العربية .
ما نعنيه هنا هو أن كل ما يقال عن محاربة المحتل الأمريكي هو كذب وهراء وخديعة، وما يحصل في العراق اليوم هو حرب بالوكالة … حرب .. لو حاولنا استقراء مفرداتها وعناوين خطاباتها، وأدواتها الشيطانية، لَلمحنا عقل معاوية أبن أبي سفيان رابض خلف كثباان الرمال الصحراوية تنفح سمومها صوب العراق، ولمسنا رعب الأنظمة المحاذية لحدودنا، من العراق المنتفض من تحت رماد القرون المظلمة، ولرأينا عورات حكام دول الجوار المتبجحة بأنظمتها الديمقراطية جداً !!!! ، ولسمعنا طقطقة عظام ركبهم المتخاوية تحت ثقل عمالاتهم لدولة يدعون أنها محتلة لبلد للعراق، ويجب إخراجه عنوة، ولوجدنا عقليات متعفنة شكلتها جرائم الحجاج الثقفي، ورسمتها ريشة أبو ناجي ” الإنكليز ” وصقلتها فترة طويلة نسبياً خلال الحرب الباردة بين القطبين الغربي والأمريكي ـ السوفياتي الذي اندثر تحت صقيع سيبيريا .
(3)
لم يحدث في التاريخ القريب أن تكالبت كل هذه القوى على إجهاض الحلم العراقي الجميل المنساب مع خيوط الشمس، ولم يحدث أن جابهت شريحة من البشر عدو مهما كان متغطرساً، لا يقبل إلا بالأبادة الكاملة ومحو الأثر من على الوجود كما هو عليه الفكر السلفي الظلامي ضد كل ما هو شيعي، كل القوى المختلفة والمتحاربة على مر التاريخ البشري، وجدت في الحوار والتفاوض وسيلة للألتقاء في منتصف الطريق أو حتى في ربعه، إلا الفكر السلفي الذي لا يسمع غير هدير وزوبعات الفتاوى المتبخرة من بطون قبور منظريهم ومفكريهم الذين أوصموا محبي أهل البيت بالروافض .

(4)
ليست لدينا خيارات كثيرة، بل أنه خيار واحد فقط ، هو سحب البساط من تحت أقدام هذه العصابة الحاقدة المتشبعة بماض غير مشرف، ففي العراق لا السنة باستطاعتهم القضاء على الشيعة، ولا الشيعة يستطيعون القضاء على السنة، ولا أي طائفة أو قومية بإماكانها محو أثر الآخرى، قدرنا أن نعيش معاً، كما هو قدر الفلسطينيين العيش معاً ، وكذلك اللبنانيون بجميع طوائفهم أن يعيشوا معاً .

العراق كبير، وخيره وفير ، ويسع الجميع …. والعاقل من أتعظ بكبوات وهفوات غيره .