الرئيسية » مقالات » هل فلسطين على شفا حرب أهلية؟

هل فلسطين على شفا حرب أهلية؟

يشغل هذا السؤال” هل فلسطين على شفا حرب أهلية؟” بال الملايين من سكان الدول العربية, ومنها فلسطين, والعالم وهم يشاهدون المأساة الفلسطينية, اقتتال “الأخوة الأعداء” في الشوارع والحارات وموت المزيد من البشر الفلسطيني بأساليب تذكرنا دون أدنى ريب بالعمليات الإرهابية التي تمارسها قوى القاعدة التكفيرية وقوى البعث الصدامية المهزومة في العراق, اختطاف, تعذيب, قتل, هجوم على مقرات الأحزاب, ضرب بقذائف وبالمدفعية على دور سياسيين مسئولين, تفجير سيارات … وغيرها من الأعمال الشريرة التي تشدد التوتر الداخلي ولا تخدم القضية الفلسطينية وتنهك الشعب الفلسطيني وتسقط قدرته على مقاومة الاحتلال وانتزاع حقوقه المشروعة.
وقد تطورت الحالة في هذه الأيام إلى حد غزو قوات “حماس” للمقر المركزي لقيادة “فتح” في غزة والسيطرة عليه, مما دفع بقيادة فتح إلى توجيه إنذار بأنها ستترك الحكومة والمجلس التشريعي, مما يعني احتمال بدء قتال أكثر شراسة على السلطة في فلسطين, وبما يعني إضعاف القوى السياسية وقدرة المقاومة على إيجاد حل سياسي مناسب للقضية الفلسطينية. والأسئلة المشروعة كثيرة تلك التي تفرض نفسها وتستوجب الإجابة الصريحة عنها دون مجاملة أو تستر على أي عامل من تلك العوامل الفاعلة في القضية الفلسطينية وعواقبها السلبية الحادة عليها وعلى منطقة الشرق الأوسط, ومنها : ما السبب وراء هذا التوتر والنزاع المتفاقم في داخل فلسطين, إذ استثنينا السبب الرئيس, وأعني به وجود المحتل الإسرائيلي منذ 40 عاماً على الأرض الفلسطينية؟ ومن المسبب لهذه المعارك الدائرة حالياً؟ وإلى أين تتجه المسيرة الراهنة؟ وهل من حل لهذه المشكلة؟
لا شك في أن قيادة وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية ونواتها الأساسية وقوتها الرئيسية “فتح” قد أصيبت خلال سنوات النضال الطويل بالكثير من علل الحكومات العربية القاتلة, ومنها الترهل في أجهزتها البيروقراطية والبقاء في المناصب سنوات طويلة والخدر السياسي والفساد المالي والإداري والمنافسة بالمناكب وتكوين الولاءات الضيقة والتبذير المالي للمساعدات والتبرعات التي كانت تصل إلى منظمة التحرير الفلسطينية وغياب الحرص على تلك الأموال …الخ. وقد أدى هذا الموقف إلى تراجع شعبية وثقة المواطنين بالمنظمة وبفتح على نحو خاص. ولكنها لم تفقد تماماً ثقة وتأييد جمهرة ما تزال واسعة نسبياً من المجتمع الفلسطيني, حيث فازت حماس بأكثرية المقاعد واحتلت الموقع الأول وشكلت الحكومة الحالية. وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة في فلسطين خير دليل على ما أقول. وفي العام 1979 وصلت قوى التيار الإسلامي السياسي الشيعي المتطرف إلى السلطة في طهران مما ساعدها على العمل لتصدير إعلام الثورة الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية, كما تسنى لقوى إسلامية إيرانية بعمل مباشر من الحكومة الإيرانية على تشكيل أو دعم أحزاب سياسية إسلامية في كل من لبنان (حزب الله, الذي خرج من رحم حزب أمل) وفي ودول أخرى, وفي فلسطين مباشرة (حماس) من قبل السعودية, إذ كانت الخميرة الفعلية لحزب حماس في فلسطين قوى جماعة “الأخوان المسلمون”حيث تسنى للسعوديين تكوين تلك النواة وفق النهج الوهابي المتطرف في فلسطين والذي نما على حساب أخطاء فتح وقوى أخرى في منظمة التحرير الفلسطينية.
ولا شك في أن التدخل العربي والإسلامي في شئون فلسطين وقواها السياسية قد أدى إلى تشكيلات فلسطينية كثيرة باسم المقاومة وإلى انتقال الصراعات والنزاعات العربية والإسلامية التي تدور في ما بين الدول العربية والإسلامية إلى الساحة الفلسطينية في الداخل والخارج. وكانت الخطورة الأساسية في الداخل بطبيعة الحال. ومن تابع خلال العقود الثلاثة الأخيرة تطور الحركة الفلسطينية ومنذ أحداث الأردن ولبنان وما بعدها يدرك الدور الذي لعبته الدول العربية على نحو خاص, ومنها العراق وسوريا وليبيا, وفيما بعد إيران, في مزيد من التخريب والتفتيت في الأوضاع الداخلية للمقاومة الفلسطينية. ولا تزال ولاءات الكثير من المنظمات الفلسطينية مرتبطة بأحزاب أو دول عربية تعتمد عليها في تمويلها وتدريبها وتعبئة القوى لها وفي رسم سياساتها في آن واحد. وهي الكارثة التي تعاني منها الحركة الفلسطينية في المرحلة الراهنة.
لقد كان الخط السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية قد اتخذ نهجاً واقعياً ابتداء من نهاية الثمانينات وباية العقد الأخير من القرن العشرين, وكان في الإمكان تحقيق نجاحات معينة لحل المشكلة وإسقاط الذرائع القبيحة التي تتستر خلفها إسرائيل لإبقاء احتلالها للأرض الفلسطينية والمناطق العربية الأخرى المحتلة. وقد حصل في السنوات الأخيرة تحالف سيئ بين الحركة القومية العربية اليمينية المتطرفة والتيار الإسلامي المتشدد والمتطرف من جهة, وتحالف بين إيران وسوريا وبعض القوى السياسية الإسلامية والقومية المؤيدة لها من جهة أخرى, التي ترفض أي حل موضوعي, بل تريد الاستمرار في الصراع وتطبيق الشعار الذي رفعه محمود أحمدي نجاد, الرئيس الإيراني الأكثر تطرفاً وعنصرية وديماگوجية, شعار “إزالة إسرائيل من الوجود”, الذي لا يختلف عن هوس مقارعة دونكيشوت للطواحين الهوائية بسيفه الخشبي وحصانه العجوز والممصوص.
هذه القوى السياسية والدول تمارس سياسة تكتيكية قصيرة النظر وقاصرة عن رؤية الواقع واتجاهات تطور العالم وشئون المنطقة, وبالتالي تخلق إشكاليات جديدة للشعوب العربية عموماً ولكن للشعب الفلسطيني على نحو خاص. وهذه القوى والدول تعتقد بانتهاج عدة أساليب في المنطقة, وهي:
1. إبقاء الوضع السياسي متوتراً إلى أقصى الحدود لممكنة في جميع دول المنطقة وحرمانها من الأمن والاستقرار.
2. إثارة المعارك السياسية والعمليات الإرهابية حيثما أمكن بهدف زعزعة الوضع أو الوصول إلى السلطة, وهذا الأمر نشاهده بوضوح كبير في كل من العراق وفلسطين ولبنان حيث تنشط قوى الإرهاب الدولي الإسلامية السياسية المتطرفة والتكفيرية بالتعاون مع قوى قومية يمينية متطرفة وقوى بعثية صدَّامية ودول مثل إيران وسوريا, وأحياناً ليبيا, إضافة إلى جماعات دينية وقومية سياسية في عدد من الدول العربية المجاورة على نحو خاص. ومن أجل ديمومة عدم الاستقرار والعمليات الإرهابية تستمر هذه القوى والدول بإرسال السلاح والعتاد والأموال والانتحاريين والمقاتلين إلى هذه الدول والمناطق. وقد كشفت الأحداث الأخيرة عن نقل السلاح من سوريا إلى العراق ولبنان وكذلك نقل أسلحة إلى فلسطين من مناطق حدودية مختلفة, إضافة إلى نقل السلاح والعتاد والأموال والمخدرات من إيران إلى العراق ومن قبل قوى متنوعة.
3. إشاعة التذمر وعدم الثقة بقدرة الحكومات في هذه الدول على حماية نفسها وأمنها والتحضير لحرب أهلية فعلية عبر استغلال الطائفية السياسية, كما هو الحال في كل من العراق ولبنان, أو الصراع بين حماس وفتح في فلسطين.
4. تعطيل القدرة والحياة الاقتصادية في هذه البلدان وتدمير البنية التحتية وزيادة مصاعب السيطرة على الوضع السياسية وتأليب المزيد من البشر غير السياسي على الدولة أو ضد قوى معينة باعتبارها مسئولة عن كل ما يجري في هذه الدول.
5. مواصلة توجيه الصواريخ اليائسة نحو إسرائيل, وهي تشبه عمليات صدام الجنونية في حرب الخليج الثانية, وقتل الأبرياء فيها, مما يدفع بإسرائيل إلى مزيد من العمليات المضادة التي تقود إلى موت المزيد من الناس الأبرياء أيضاً. والحصيلة هي استمرار دوامة العنف المتبادل. ولكل يرف أن عدد قتلى العرب عشرات أضعاف عدد قتلى الإسرائيليين, ولكن المتطرفين في حماس والجهاد الإسلامي أو غيرهم يصرون على مواصلة هذا القصف الجنوني الذي لا يساعد على حرمان القوى اليمنية في إسرائيل الذريعة في استمرار احتلالها ومواصلة استكمال بناء الجدار العازل وفرض الحصار!
إن هذه القوى, وفي مقدمتها تنظيم القاعدة وتنظيمات إسلامية علنية ولكنها مماثلة في الجوهر, ومن ورائها إيران وسوريا, تعتقد بقدرة إيران وسوريا, مع امتلاك الأسلحة الحديثة والسلاح النووي, الذي تسعى إيران إلى امتلاكه خلال السنوات القليلة القادمة, وجيوش جرارة ومتطوعين, على خوض حرب ناجحة مدمرة لإسرائيل, وبالتالي إنهاء وجودها من خارطة الشرق الأوسط! وهذا التفكير الطفولي المتطرف والجاهل لأوضاع العالم والمنطقة سيقود المنطقة إلى المزيد من الصراعات النزاعات وسيقود إلى خسارة جديدة للأرض الفلسطينية وإلى هروب المزيد من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة, كما يحصل اليوم في غزة باتجاه مصر, وبالتالي ستكون هناك موجة ثالثة جديدة من المهاجرين العرب الفلسطينيين من فلسطين لترك الأرض للمحتل الإسرائيلي تحت شعار قاتل هو “إنهاء إسرائيل!”.
نعود للإجابة عن السؤال الرئيسي الأول فنقول: نعم إن فلسطين على شفا حرب أهلية تمارسها الفصائل المسلحة ضد بعضها الآخر وأن حماس وراء التشديد والتصعيد, ولكنها ستشرك الشعب كله فيها, وعلينا أن لا نخفف الأمر ونقول بأن الأمر مجرد خلاف داخل البيت الواحد, كما يفعل البعض من الفلسطينيين أو العرب الراغبين في التصعيد بصورة غير مباشرة أو بحسن نية. وليست فلسطين وحدها تعيش هذه المحنة, بل لبنان والعراق أيضاً, وستكون هناك دول أخرى بهذا الوضع إن سمحنا للأمور أن تسير بهذا الاتجاه المخالف للعقل والمنطق والمحفوف بكل المخاطر. وعلينا أن نتذكر بأن سباقاً جديداً للتسلح آخذاً بالتفاقم بدأ من جديد منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط, إذ ازداد إنتاج العالم من الأسلحة وازدادت مبيعات الدول المنتجة للسلاح إلى منطقة الشرق الأوسط ودول آسيوية وافريقية أخرى بنسبة كبيرة, وهي على حساب عملية التنمية وعلى حساب بؤس وفاقة وجوع وحياة الفئات الكادحة ومستقبل هذه البلدان . (التقرير السنوي لسپري/ استوکهولم).
لا أدري إن كان بين قيادات هذه القوى والدول من يعمل لصالح إسرائيل دون أن نتعرف عليه؟ لا أدري إن كان العرب يدركون اليوم ما يراد لهم من محن ومطبات وموت من جانب قوى الإسلام السياسي المتطرفة والدول الإسلامية والقومية المتطرفة؟ لا أدري إن كان العقل العربي ما زال يزحف في نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر في حين أن العقل العالمي قد تقدم نحو نهاية العشرية الأولى من القرن الحادي العشرين؟ وسبب هذا الشك والقلق عندي يكمن في هذا التفكير غير المنطقي والعاطفي الذي المسه وأعيشه يومياً عند نسبة عالية من السكان العرب في منطقة الشرق الأوسط وقواه السياسية, إذ أن كل المعطيات تشير بما لا يقبل الشك إلى أن اتجاه الأوضاع بالمحصلة النهائية يسير بسرعة غير اعتيادية لصالح إسرائيل ولصالح خسارة المزيد من الأرض العربية والناس العرب في فلسطين أو يسحقهم الموت على أيدي الإرهابيين العرب والمسلمين أنفسهم, إضافة إلى مشاركة القوى اليمينية المتطرفة في إسرائيل التي تريد إنهاء الوجود الفلسطيني أصلاً, وهو كابوس مماثل لكابوس إنهاء إسرائيل الذي يسيطر على القوى العنصرية المتطرفة في الجانبين.
إن الشعوب العربية وشعوب المنطقة كلها تحتاج إلى رؤية جديدة غير متطرفة للواقع, إلى رغبة صادقة وقدرة في العيش بسلام وأمن واستقرار, بحاجة إلى اعتراف متبادل بالوجود والحقوق بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني, بحاجة إلى حوار وجلوس متقابل حول طاولة المفاوضات بالنسبة إلى المشكلة الفلسطينية أو مشكلة الجولان أو مزارع شبعا أو غيرها من المشكلات داخل كل بلد أو في ما بين الدول, بحاجة إلى مساعدة الآخرين في تنظيم وتحريك الحوار والمفاوضات المباشرة من جانب مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية, بحاجة إلى علم وفن في معالجة هذه المشكلة عبر المفاوضات المباشرة من الوسطاء الدوليين, بحاجة إلى نظام أمني مشترك لمنطقة الشرق الأوسط يبعدنا عن العنف والتسلح والسلاح في حل المشكلات القائمة, بحاجة إلى الخلاص من قوى الإرهاب والحلول الإرهابية لمشكلاتنا في المنطقة.
إن المشكلة الفلسطينية, رغم الاحتلال والجدار والحصار, قابلة للحل, ولكن علينا كسر حلقة العمليات العسكرية المتبادلة والاتهام المتبادل ببدء العمل العسكري. علينا التحرك بهذا الاتجاه وإلا فعقاب الزمن سيكون قاسياً على من يتأخر في إدراك ضرورة الحل السريع والعادل للمشكلة الفلسطينية وعلى جميع دول المنطقة والعالم, شاء الإنسان أم أبى!
13/6/2007 كاظم حبيب