منذ مدة ليست بالقصيرة، ونحن بصدد نوع من السجالات والنقاشات والاجتماعات، بين المكونات الحزبية الكردية في سوريا، الهدف منها، كما يتم الترويج لها، هو الوصول إلى صيغة خطاب سياسي مشترك، ضمن رؤية مشتركة، بغية التمهيد والتأسيس لمرجعية كردية، تمتلك مقومات التمثيل السياسي لقضية الشعب الكردي في سوريا ..
ودون شك، أن هذه الحلقة قد أخذت الكثير من الجهود والاجتهادات، ودارت حولها الكثير من المراهنات والتكهنات، بحيث أنها أصبحت هي الأخرى، مادة للحديث ضمن أوساط، لها صلتها بمفردات الحالة السياسية الكردية، واستطاعت أن تملأ الفراغ الذي هو من نصيب الأداء السياسي الحزبي، إلى جانب أنها أدت دورها في إلهاء الأجسام الحزبية/القاعدية عن واقع الحال التي تعيشها الأداء الحزبي، وهي منهمكة ومنشغلة في مصير الرؤية، بين من يراهن على هذا الشكل، ومن يرى الصواب في غيره، وبين من يقف على نتيجة اجتماع القيادات بتحميل هذا الطرف أسباب الانتكاس، ومن يحمل الطرف الآخر أسبابه، وهكذا إلى أن توصلنا إلى حالة يمكن القول من خلاله، كما يروج لها، بأن الرؤية المشتركة أصبحت من الإنجاز قاب قوسين أو أدنى ..!.
ولو حاولنا استرجاع ذاكرتنا؛ لوجدنا أن مثل هكذا حالات، أو ما يمكن تسميتها بالنموذج المتبع في إدارة الأزمة الحزبية الكردية، قد رافقت الأداء الحزبي في أكثر من انعطافة، أو في أكثر من مرحلة كانت الحركة الحزبية مطالبة فيها بإبداء الرأي والموقف، وأخص هنا بالذكر، مرحلة انعطافة آذار وكذلك اغتيال الشيخ الخزنوي، بمعنى آخر، نستطيع القول؛ أن هكذا ممارسات تشكل في جوهرها نوعاً من التهرب من الاستحقاقات المفروضة على كاهل الحركة الحزبية، وهذا لا يعني بأن الفكرة ( الرؤية أو المرجعية ) مرفوضةً أو نحن بمنأى عنها، بقدر أن الحديث عن هذا التوجه يعني أن هناك إرادة سياسية باتجاه لملمة الوضع الحزبي الكردي، ومد جسور التواصل بين الأوصال المتقطعة، مع أنني – وكما قلت في مقال سابق – على قناعة شبه تامة، بأن الهدف من المرجعية لم يعد له وجود، خاصةً بعد أن تغيرت مفردات المعادلة السياسية في المنطقة، وتحديداً في البلد، بعد أن تم إفراغ دلالات الهبة الآذارية من مضامينها، وذلك على الصعيد السياسي / الحزبي، وما لحقت بفكرة المجموع التي انطلقت حينها من نكسات وانتكاسات ..
وحتى لا ندخل في تفاصيل الأمور، ونستدعي الإبليس إلى حيث لا مصلحة لنا فيه، نقول، بأن فكرة الرؤية السياسية كمفهوم وكشكل من أشكال التلاقي، انطلقت إبان إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، وقد حاولت حينها أطراف بأخذ زمام المبادرة ودعوة الحركة الحزبية إلى الإبداء عن رأيها تجاه قضية الشعب الكردي، وكيفية توظيف هذه القضية ضمن السياقات الوطنية، ونحن ما زلنا نتذكر كيف أن تلك المبادرة تمت تطويقها، حين أبدت الجبهة استعدادها في تبني الفكرة، وكيف طرحت على التحالف لتكون النتيجة تعديلات في الرؤية التي تقدمت بها الجهة المبادرة وإفراغها من المحتوى الذي جاءت الرؤية من أجلها، وبالنتيجة كنا أمام رؤيتين، أحدهما جاءت من قبل آزادي صاحبة المبادرة، والتي تمت تبنيها فيما بعد من قبل لجنة التنسيق، والأخرى من قبل الجبهة والتحالف ..
ولو حاولنا أن ندقق في الإرادة التي تحاول الجهات الحزبية أن تعبر من خلالها عن نيتها في لملمة الحالة السياسية/ الحزبية، لكان لنا أن نستدعي ما تعانيه هذه الجهات نفسها ضمن أدائها السياسي/التنظيمي، وما تعانيها من مشاكل وإشكاليات لا تؤهلها لأن تقود مشروعاً بحجم ما تطرحها، لأن المنطق يقول؛ إذا كانت هذه الجهات فاقدة لأدوات التعامل ضمن زوايا البيت الداخلي، فكيف لها وبما هي عليها من حال، أن تتعامل خارج البيت مع الوسط والمحيط، وهذه حالة عامة تعانيها مجمل الأطر الحزبية، هذه من جهة، ومن جهة أخرى، وحسب ما نلمسها من وقائع أو ما يتناهى إلى مسامعنا من معلومات، فإن العائق أمام الوصول إلى إنجاز الرؤية تكمن في مسألة الإعلان عنها من قبل الأطراف المتفقة حولها، أو التريث حيالها إلى حين انعقاد المؤتمر القومي الكردي، وهنا يتبادر إلى أذهاننا سؤال لا بد من الإجابة عليه : إذا كانت الحركة الحزبية عاجزة عن تبني موقفها وطرحها إلى الشارع في صورة مشروعها السياسي، فكيف لها أن تمتلك القدرة في دفع الشارع إلى الالتفاف حولها، وهي – الشارع – لا تمتلك تصوراته عن الآفاق التي توصلت إليها هذه الحركة فيما بينها، أوليست الحركة – كما هي تدعي – تمثل الشارع، وإن كنت على قناعة بأن لرأي الشارع وخاصة النخبة منه رأيه الذي يجب أن يكون في موضع التقدير والاحترام، ثم من يضمن أن بإمكان هذه الحركة أن تنجز فكرة المؤتمر القومي، أليست حرية بها أن تعلن مشروعها إلى الشارع كخطوة أولى ومن ثم العمل من أجله عبر التواصل مع الشارع والاتصال به ..
أعتقد، ومن خلال حالات الشد والمد حيال فكرة الرؤية والمرجعية، أننا أمام حالات جديدة من الاحتقانات داخل الأطر الحزبية، وقد تظهر ملامحها في صورة مختلفة، والخشية أن نحمل فكرة المرجعية أو الرؤية مسؤولية ما قد ستؤول إليها الحالة الحزبية، وهنا تكمن مصيبتنا، وعندها نفتقد مرةً أخرى إلى المصداقية في التعامل مع الذات أولاً والشارع ثانياً وأخيراً ..