الرئيسية » مقالات » العرب الوافدون هم الشهود الصادقون على ويلات الكرد

العرب الوافدون هم الشهود الصادقون على ويلات الكرد

من المعروف أن النظام السابق كان يعتمد فرض الامر الواقع في سياساته الاستراتيجية الهادفة الى فرض الهيمنة القومية والطائفية والحزبية والايدولوجية، وشمل هذا النمط من السياسة جميع مجالات الحياة في العراق بما فيها مسألة معالجة قضايا القوميات في العراق، وانطلاقاَ من تلك السياسة تبنى النظام سياسة صهرالقومية الكردية في بودقة الامة العربية بمفهومها البعثي، ووضع خطة استراتيجية شاملة لتحقيق ذلك الهدف مستهدفة الانسان و الارض على حد سواء واعتمد اليات قمعية في التنفيذ وخطاباَ ديماغوغياَ في التسويق الاعلامي والسياسي. وأن واضعي تلك الاستراتيجية وضعوا اولويات لها واصبحت كركوك وفقاَ لاجندتهم في مركز تلك الاستراتيجية، حيث بدأوا وبشتى الوسائل و الحجج طرد الكرد والتركمان من كركوك، منذ بدايات السبعينيات ومن ثم استغلوا في منتصف ذلك العقد فشل الثورة الكردية بعد اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه ايران حيث منعوا العوائل الكردية الملتحقة بالثورة من العودة والسكن في بيوتهم وقراهم في كركوك وبدأ النظام بعد ذلك بحملة واسعة لنقلهم وظيفياَ الى محافظات الجنوب والوسط الغرب ومحافظات السليمانية واربيل ودهوك واستولت السلطات على بيوتهم وعقاراتهم، واستعمل النظام الترهيب والترغيب لاجبار المرحلين الى تلك المحافظات للبقاء هناك. وفي نفس الوقت صعدت حملة جلب العوائل العربية من الوسط والجنوب الى كركوك ومنحهم الامتيازات السخية للبقاء والسكن فيها وخطت وزارة الزراعة هي الاخرى خطوتها لتوزيع الاراضي الزراعية الشاسعة في كركوك والبلدات المرتبطة بها عن طريق العقود الزراعية على الوافدين، ومن المعروف ايضاَ أن النظام المباد وبعد انتصاره المشين على الثورة الكردية صعد حملة طرد الكرد ونقل العوائل العربية الى كركوك وبنى شبكة واسعة من المستوطنات خارج المدينة لتلك العشائر العربية الوافدة من الجنوب والوسط، وحملة طرد الكرد والتركمان واسكان العرب فيها استمرت بوتيرة متصاعدة حتى التاسع من نيسان 2003، وجدير بالذكر أن النظام السابق تبنى سياسة همجية جديرة بالسخرية حيث عمل بشتى الطرق والوسائل لاجبار الكرد والتركمان على تغيير قوميتهم الى القومية العربية، وكل تلك المسائل موثقة، فنتيجة لكل تلك الاجراءات التعسفية الشوفينية المعروفة في الادب السياسي في العراق بالتطهير العرقي فرض النظام امراَ واقعاَ جديداَ في كركوك وبلدات وقرى متعددة اخرى في الموصل وديالى وصلاح الدين وكركوك واربيل حيث اصبحت تلك المدن والقرى والبلدات ذات اغلبية عربية ساحقة، والغرض من تحقيق ذلك معروف لدى الجميع لانه بالتأكيد الهدف من تحقيق ذلك كان سياسياَ بشكل مطلق وذلك لغرض التغيير الديموغرافي في كركوك ومناطق اخرى في كردستان العراق.
أن استراتيجية الصهر القومي كانت لها ابعاد نظرية في فكر البعث ومنذ تأسيسه على يد ميشيل عفلق وان فكر البعث العفلقي كما هو معروف مبني على النظرية العنصرية الداعية الى انكار وجود القوميات في الوطن العربي بمفهومه العفلقي وأن الاسس النظرية للنظام السابق كانت تبرر جميع الاستراتيجيات التخريبية التي اعتمدت في العراق كدولة وكمجتمع سياسي، بمعنى اخر أن السياسات التي اعتمدت لتحقيق التطهير العرقي في كركوك ومدن اخرى كمقدمة للصهر وتخلص من القوميات التي كان يعتبرها البعث مهاجرة بلا ارض ولا وطن في العراق ليست ردود افعال تجاه الانتفاضات والثورات والمشاريع التحررية للشعب الكردي بل كانت استراتيجية بعيدة المدى.
كيف يجب أن نتعامل مع الامر الواقع الذي فرضه النظام السابق بهذا الخصوص؟ هل سنترك الامر الواقع كما هو مخطط له أن يستمر في تفاعله السلبي على جميع الاصعدة؟ هل من الصواب أن تبقى اثار التطهير العرقي تضرب الوفاق الوطني المفقود في العراق؟ هل أن الحفاظ على الامر الواقع المفروض في كركوك يعتبر احقاقا للحق؟
ومن جانب اخر هل أن التعاطي مع مثل تلك المشاكل العقدية بعقلية الشعارات الاستهلاكية التي يروج لها بعض الساسة والبرلمانيين يعتبر سياسة قويمة لاعادة بناء العراق وفقاَ لمفاهيم متناقضة مع المفاهيم النظرية لميشيل عفلق؟ و هل من الصواب ان يترك بعض الساسة العنان لمفردات عاطفية تتحكم بالقضية كما اطلقتها البرلمانية صفية السهيل في تنظيراتها وتفسيراتها للمادة 140 من الدستور حينما قالت: لست مع من يعالج التطهير العرقي بالدعوة لتطهير عرقي؟ هل أن المادة الدستورية المشار اليها تتبنى التطهير العرقي أم انها تعالج أخطر مشكلة خلقتها سياسات البعث؟
أن مشكلة التطهير العرقي في كركوك و مدن اخرى بحاجة الى فهم استراتيجي بعيد عن المزايدات السياسية، مشكلة تحتاج فهمها كما هي دون المحاولة للتستر والحفاظ عليها لان الحفاظ على الامر الواقع الذي فرضته سياسات الصهر القومي تتعارض وبشكل لا لبس فيه مع التعريف الدستوري لدولة العراق.
وبهذا الخصوص أن الكثيرين من العوائل العربية الوافدة الى كركوك وشخصيات تلك العشائر التي اجبرها النظام السابق المشاركة بدون ارادتهم في تنفيذ سياسة التطهير العرقي ضد الكرد لهم فهم ادق واكثر واقعية و اكثر حرصاَ على مستقبل العراق والاخوة الكردية العربية من بعض هؤلاء الساسة الذين لا هم لهم الا كسب الاصوات وأن كان على حساب مستقبل العراق. أن الشخصيات العربية من الوافدين في كركوك اثبتوا خلال مؤتمرهم في الخامس عشر من الشهر الجاري في كركوك عمق وواقعية فهمهم للمشكلة لانهم شهود صادقون على المظالم والويلات التي تعرض لها الكرد والتركمان ويرفضون أن يكونوا من الظالمين، وبالتأكيد أن موقفهم هذا تجسيد انصع للشيمة العربية التي ترفض الظلم في بداياته وفي نهاياته. 

الاتحاد