الرئيسية » مقالات » العقلية العسكرتارية

العقلية العسكرتارية

ــ الفرق بين العقلية المدنية التي تؤمن بالحوار والنقاش والالتقاء في منتصف الطريق، والعقلية العسكرتارية التي لا تؤمن بغير الحل العسكري، وقوامه العنف والحروب والويلات والكوارث، يكمن في كلمة واحدة فقط .
ــ عندما تدق الباب على المسؤول العسكري لا ينطق بكلمة تفضل، بل يقول أدخل، وفي مضامين ومعاني وتفسيرات الكلمتين ” تفضل ـ وأدخل ” تكمن ماهية وخلاصة البعد الثقافي والنفسي بين رجل الدولة المدني والعسكري .
ــ في كل زمان ومكان بقي العسكري يؤمن بلغة العنف والانتصار على ” العدو !!” وتعليق النياشين على صدره، وأن كانت هناك شواذ في التاريخ ” ديغول ” مثلاً فهي أيضاً تصب في خانة الحصول على آخر نيشان يزين بذلة ستعلق في تابوت الدواليب قبل التقاعد .
ــ في أواخر الحرب العالمية الثانية كانت النخب السياسية اليابانية تميل إلى الاستسلام والقبول بخسارة الحرب ” الأمر الواقع ” لكن جنرالات الجيش الياباني أبت ذك وفضلت الاستمرار في الحرب والمقاومة، فكانت ــ هيروشيما ـ وكزاناكي ــ مما يدل أيضاً على العقلية العسكرتارية الأمريكية التي أختارت الخيار العسكري لإنهاء الحرب .
ــ أستمرت الحرب العراقية الإيرانية ثماني سنوات، دون إيجاد مخرج سياسي لإنهاء تلك الحرب العبثية، لأن قادة الطرفين كانوا يتمتعون بعقلية عقائدية عسكرتارية، ويحملون في ذات الوقت أرث الماضي الدموي على مدى قرون عديدة، على الرغم من أنهم لم يكونوا عسكريين بالمعنى الحرفي للعسكري .
ــ أزمة المفاعل النووية الإيرانية وتخصيب اليورانيوم بين الإدارتين الأمريكية ومن ورائها العالم الغربي، والإيرانية، وصلت حداً ، يرعب جميع قوى الخير والسلام في أرجاء المعمورة.
ــ للآن يتضح من التعنت والمناورات السياسية والدبلوماسية الإيرانية بأنها تنتهج سياسة حافة الهاوية، ومن ثم الرضوخ في آخر فرصة ممكنة لشروط المجتمع الدولي للحفاظ على قوام السلطة الوحيدة في العالم ” ولاية الفقيه ” إلى أبعد قدر ممكن لترسيخ وتثبيت حكماً أنتهى من يوم قضاء صلاح الدين الأيوبي ” بطل الإسلام سنياً !!! ” على حكم الخلافة الفاطمية في مصر ــ بغض النظر عن الزمان والمكان وأسلوب الحكم ــ أما الاستمرار والإصرار على تحدي القوة الوحيدة اليوم التي تتحكم بأكثر من ثلثي العالم يعني ضرب إيران بعدة قنابل نووية محدودة، حيث أن أمريكا تدرك حتمية خسارة المواجهة في أي حرب تقليدية مع إيران .

ــ أما بالنسبة للعراق، فأن المتحكم الوحيد بما يجري على أرض الرافدين هي العقلية العسكرتارية فقط ولا شئ آخر، مهما قيل ويقال في ذلك .

ــ القضية الكوردية في تركيا، هي قضية أكثر من عشرين مليون إنسان يطالب بحقوقه السياسية والثقافية، فبدلاً من الحل السياسي والتحكم للعقل ومائدة المفاوضات، نجد بأن العقلية العسكرتارية التركية لا ترى حلاً لهذه القضية غير لغة العنف والتصريح المعلن بإجتياز الحدود العراقية والقضاء على مقاتلي حزب العمال الكوردستاني وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وكأن هذه القضية محصورة فقط بهؤلاء المقاتلين .

ــ فبينما تحاول القوى المعتدلة في لبنان خلاص الشعب اللبناني من بريق الشعارات وعرض العضلات والمزايدات، والسير بالبلد إلى شواطئ الأمان والتعامل مع التحولات السياسية العالمية بعقلانية، نرى بالمقابل العقلية العقائدية العسكرتارية لحزب الله اللبناني المدعوم سورياً وإيرانياً، لا يرى حلاً غير لغة السلاح والتبجح بالسيادة الوطنية وما شابه ذلك من شعارات مارستها دول عديدة ومنها العراق، فكانت النتيجة خراب البيوت والكوارث والويلات .
ــ وفي الصومال هذا البلد الذي يعاني من الحروب الأهلية والمجاعة على مدى عقود، والغنية بثرواتها النفطية غير المستخرجة، وبشواطئها الممتدة على طول البلد، تبرز قوى سلفية ” المحاكم الإسلامية ” لتزيد من معاناة المواطن الصومالي، والعودة به إلى قرون التخلف والقبائلية، وكل ذلك لا يبتعد كثيراً أو قليلاً عن لغة العقلية العسكرتارية التي تتحلى بها هذه القوى السلفية التي جلبت وستجلب الويلات لدول المنطقة لعدة عقود مقبلة .

ــ منذ دخول دولة السودان كعضو في جامعة الدول العربية عام 1955 وهي تعاني لليوم من حرب أهلية نتيجة العقلية العسكرتارية، المتشبثة بالعروبة والإسلام ــ وطز بمشاعر وعقائد وتطلعات الآخرين ــ ويقيناً سيقسم السودان إلى عدة دول إن بقيت على إصرارها العبثي تحت واجهة شعار السيادة الوطنية المزيفة .
ــ وليس حال سوريا المستقبلي بأفضل من سابقاتها التي اختارت التعنت والسباحة ضد التيار.
ــ عندما تهب العواصف تقتلع كبرى الأشجار وأقواها، والحكمة تكمن في تقليد السنابل في أحلى تجلياتها الراقصة، فهي تتمايل وتنحي لمرور العاصفة كي لا تكسر، ومن ثم الاستقامة ثانية .

ما لكم يا أصحاب الشرق … هل فقدتم الذاكرة !!؟؟؟ للتاريخ عبر ودروس .