الرئيسية » مقالات » مَنْ يتحمل مسؤولية عودة البعثيين إلى الواجهة من جديد؟

مَنْ يتحمل مسؤولية عودة البعثيين إلى الواجهة من جديد؟

30 أيار 2007

تتسارع الأنباء الواردة من المصادر الأمريكية من جهة، وحكومة المالكي من جهة أخرى، عن المساعي الجارية لإعادة عناصر بارزة من الوجوه البعثية إلى الواجهة من جديد، بالإضافة إلى السعي لإلغاء قانون اجتثاث البعث، وطرح مشروع المصالحة، وإعادة الأجهزة الأمنية التي نكلت أبشع تنكيل بكل العناصر الوطنية المعارضة للدكتاتورية، وإعادة رموز كبيرة من ضباط الجيش في العهد الصدامي إلى الخدمة من جديد، كما سبق أن أعيد إلى الواجهة العديد من العناصر المحسوبة على حزب البعث في السلطتين التنفيذية والتشريعية في الوقت الذي يمارس العديد منهم قيادة النشاطات الإرهابية في البلاد .
فقد ذكرت تلك الأنباء أن حكومة المالكي تجري حالياً مفاوضات مع ممثلي عزت الدوري القطب الثاني في نظام الدكتاتور صدام حسين الذي كان يشغل منصب نائب رئيس ما يسمى بمجلس قيادة الثورة المنحل، والذي لا يقل إجراماً عن سيده صدام ، بل كان الأداة المنفذة لتلك الجرائم جنباً إلى جنب مع كل المجرمين أمثال علي حسن المجيد وبرزان التكريتي وأشقائه وطه الجزراوي، وغيرهم من أدواة الجريمة التي كانت تمارسها دولة البعث الفاشية .
* فلماذا جرى ويجري كل هذا النكوص عن آمال وأحلام الشعب العراقي في التخلص النهائي من النظام الصدامي الدكتاتوري الفاشي، وإقامة نظام ديمقراطي جديد يحترم حقوق وحريات الإنسان ويصون كرامته؟
* لماذا تجري الاستهانة بتضحيات الشعب خلال العقود الأربعة الماضية من أجل التحرر من سلطة الطغيان البعثي الفاشي، ويجري العمل على عودة عقارب الساعة إلى الوراء، ليس فقط وكأن شيئاً لم يكن ، بل لقد تجاوز التدهور الحاصل في البلاد أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وخدماتيا بمراحل كبيرة عما كانت عليه في السابق، وأدى بالتالي هذا التدهور إلى تحويل حياة المواطن العراقي إلى جحيم حقيقي لا يطاق، حيث يدفع الشعب كل يوم فاتورة الحرب الأمريكية على العراق المتمثلة بدماء وأرواح المئات من المواطنين الأبرياء وحيث جرى ويجري تهجير وهجرة عشرات الألوف من العراقيين كل يوم للنجاة من طغيان قوى الإرهاب البعثي وأعوانهم من عناصر القاعدة، من جهة، وطغيان قوى الإسلام الطائفي عبر ميليشياتها من جهة أخرى؟
* على مَنْ تقع مسؤولية هذا النكوص عن طموحات الشعب العراقي والعودة به إلى ذلك العهد المظلم ، بل إلى عهد اشد قتامة ؟
ليس من العسير على كل باحث حصيف يتتبع مجريات الأحداث في العراق أن يتوصل إلى المسؤولين عن هذه الحالة المأساوية، وإلى هذا التحول في مسيرة بناء العراق الديمقراطي الجديد!!، وباعتقادي أن تلك المسؤولية يشترك فيها أطراف ثلاث :
1 ـ المسؤولية الكبرى تتحملها الإدراة الأمريكية بالنظر لدورها الأساسي في عملية غزو العراق وإسقاط النظام الدكتاتوري الصدامي، بدعوى تحرير الشعب العراقي من طغيان ذلك النظام المقبور، والذي يجري اليوم إحيائه من جديد، بكونها الدولة المحتلة للعراق رسمياً وفعليا، بعد أن استحصلت قراراً من مجلس الأمن يشرعن هذا الاحتلال .
لكن قوات الاحتلال هذه تركت الحبل على الغارب فور إسقاط النظام لقوى الإرهاب الفاشية، والعناصر الإجرامية التي أطلق سراحها الدكتاتور قبيل سقوط نظامه ، والتي تقدر بعشرات الألوف من العناصر الخطرة، لتعيث في البلاد تخريباً وتدميراً ونهباً للممتلكات العامة كافة، وكان أهمها المتحف الوطني العراقي الذي كان يضم أنفس الآثار التي لا تقدر بثمن، ونهب البنوك، وحصرت اهتمامها بحماية وزارة النفط فقط ، ولم تلاحق أعوان النظام الصدامي الذين اقترفوا من الجرائم بحق الشعب والوطن ما لا يمكن حصرها.
لم تعر قوات الاحتلال الاهتمام إلا لقائمة ال55 من قيادات السلطة المسقطة تاركة لتلك العناصر البعثية ، بعد أن وجدت نفسها في مأمن من الملاحقة، إلى إعادة تنظيم صفوفها، والقيام بحملة نهب منظمة لأسلحة الجيش العراقي التي تتجاوز 8 ملايين قطعة من مختلف الأصناف الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بالإضافة إلى الكم الهائل من العتاد الذي كانت تجهزه هيئة التصنيع العسكري، فإذا أضفنا إلى ذلك الخبرة العسكرية والتصنيعية لقوات الجيش، والشرطة والجيش الشعبي وفدائيي صدام وجيش القدس، ومنتسبي هيئة التصنيع العسكري ، وإذا اضفنا كذلك عشرات المليارات من الدولارات التي نهبها النظام الصدامي طيلة سنوات حكمه الممتدة لخمسة وثلاثين عاماً، عند ذلك نستطيع أن نحدد القدرات الهائلة لأيتام النظام الصدامي مادياً وتسليحاً وتدريبا، وخبرة تصنيعية لتجهيز السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة، وهم الذين فقدوا الفردوس الذي عاشوا في ظله خلال تلك السنوات الطويلة. وتعلمنا تجارب التاريخ أن القوى المسقطة من الحكم تصبح أشد شراسة مما كانت في الحكم بعشرة أمثالها.
ما كان للإدارة الأمريكية أن تحل الجيش بذلك الأسلوب الخاطئ والمتعجل، ولا كان لها أن تفسح المجال واسعاً للقوى الصدامية أن تعيد تنظيم صفوفها، وتتسلح بكل أنواع الأسلحة، وتستقبل كل يوم المئات من العناصر الإرهابية السلفية المجرمة عبر الحدود السورية والسعودية والإيرانية لتفجر نفسها في مشاهد مرعبة تغرق الشوارع والطرقات في مختلف المدن العراقية بالدماء البريئة للمواطنين، وتستمر في تصعيد جرائمها البشعة التي باتت اليوم عملية التصدي لها مستعصية على قوات الاحتلال، وقوات الحكومة المشكلة حديثاً والتي تم إغراقها بالعناصر الطائفية التي لا تدين بالولاء للعراق، بل إن ولائها المطلق لأحزابها الطائفية، ولدول الجوار التي تتولى رعايتها وترتبط بها بوشائج شتى.
ومما زاد في الطين بله إقدام الإدارة الأمريكية على أقامة نظام حكم طائفي في البلاد، وفسح المجال واسعاً لأحزاب الإسلام السياسي الطائفي بتشكيل المليشيات العسكرية المسلحة لدى كلا الطائفتين الشيعة والسنية، وتسليم السلطة لأحزاب الإسلام الطائفي الشيعي، ومحاولة الحاكم المدني الأمريكي بريمر إبعاد أبناء الطائفة السنية عن مراكز السلطة كان عاملاً حاسماً في تشجيع العناصر السنية المرتبطة بالنظام الصدامي على امتشاق السلاح والغوص في العمليات الإرهابية الوحشية البشعة .

2 ـ استئثار أحزاب الإسلام الطائفي الشيعي بالسلطة في مجلس الحكم والحكومات التي تشكلت فيما بعد، وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت بصورة متعجلة دون تهيئة الظروف المؤاتية لها، حيث رزح الشعب العراقي خلال أربعة عقود لنير نظام قمعي متوحش حرم الشعب خلاله من أي من الحقوق الديمقراطية ، وفرض عليه نمطاً واحداً من التفكير القومي الفاشي المعادي لسائر الحقوق والحريات الديمقراطية، وزاد في الطين بله زج النظام الصدامي البلاد بحروبه الإجرامية الكبرى المعروفة لدى الجميع، وبالحروب الداخلية ضد الشعب الكردي في كردستان العراق، وضد عموم الشعب العراقي أبان انتفاضة آذار 1991، وتسببه في فرض الحصار الجائر على الشعب العراقي لثلاثة عشر عاماً عجافا، شديدة القسوة ، بحيث تعتبر بمقاييس الحروب أشنعها، وأشدها تأثيراً في تخريب البنية الاجتماعية، فقد أوصلت الشعب العراقي إلى حالة من اليأس الشديد للخروج من تلك المحنة إلا بالتوجه نحو التدين وطلب العون من الله.
واستغلت الأحزاب الطائفية الشيعية هذه التوجه الديني لدى أبناء الشعب لتستخدمه سلاحاً فعالاً في حملتها الانتخابية، واستخدمت كذلك التخلف والنكوص الذي حل بالمجتمع العراقي خلال تلك الحقبة السوداء من تاريخ العراق لإقناع المواطنين البسطاء بلزوم التصويت لأحزابها كي تنال رضا الله والأئمة وتنال الجنة !.
كما أن الكثير من المواطنين أبناء الطائفة الشيعية قد صوتوا لتلك الأحزاب بعد الذي نالهم من طغيان نظام صدام وحزبه الفاشي الذي اجبر الكثيرين منهم على الإنضام لحزب البعث فيما سبق، فكان تصويتهم للطائفة، ولم يصوتوا على برامج حزبية معينة، وها هي الجماهير الشعبية بدأت تتفتح أذهانها، وتدرك خطأ خياراتها الانتخابية بعد الذي حل بالبلاد على أيدي هذه السلطة وأحزابها الطائفية .
ومما زاد في تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد لجوء ميلشيات الأحزاب الطائفية الشيعية إلى الاقتصاص من العناصر البعثية خارج القانون والمحاكم، وشنت هذه المليشيات حملات اغتيالات واسعة ضد الضباط والطيارين منهم بوجه خاص ، والعناصر البعثية المعروفة بوجه عام، مما دفع بالجانب الثاني المتمثل بعناصر حزب البعث، وقوى الإسلام الطائفي السني إلى استغلال هذا الفعل بردة فعل موازية، حيث مارسوا وما زالوا يمارسون عمليات الاغتيالات والسيارات المفخخة والعبوات والأحزمة الناسفة لإيقاع اكبر عدد من الخسائر البشرية في صفوف المواطنين الأبرياء، وتدمير أقصى ما يمكن من الممتلكات العامة والشخصية، والحيلولة دون أي إمكانية لإعادة بناء العراق من جديد، وإجبار السلطة على تخصيص معظم الدخل الوطني لمكافحة العمليات الإرهابية، مما يحول في نهاية الأمر دون إعادة بناء العراق، ويؤدي إلى تدهور الوضع المعيشي للشعب.
ومن جانب آخر كان التغلغل الإيراني في العراق، والعلاقات الوثيقة التي تربط أحزاب الإسلام السياسي الشيعي بحكام طهران، وبالخصوص كون المليشيات التابعة لهذه الأحزاب على ارتباط وثيق بالنظام الإيراني تسليحاً وتمويلاً وتدريباً، وتمادي هذه المليشيات في أعمال القتل والاغتيالات، وتحويل الحسينيات إلى مراكز عسكرية لها دفعت الإدارة الأمريكية إلى التفكير في المخاطر التي يمكن أن تلحق بمصالحها في المنطقة جراء الهيمنة الإيرانية على العراق ، فبادرت إلى السعي لخلق نوع من التوازن بين قوى الإسلام الطائفي الشيعي والقوى البعثية والطائفية السنية، وبدأت تمارس الضغوطات الشديدة على حكومة المالكي لإعادة البعثيين إلى الواجهة من جديد في مختلف مرافق الدولة بدءً من الحكومة والبرلمان والجيش والأجهزة الأمنية وسائر مرافق الدولة الأخرى

3 ـ الأخطاء الناجمة عن خيارات الأحزاب القومية الكردية للتحالف مع أحزاب الإسلام الطائفي الشيعي ، وبشكل خاص مع المجلس الأعلى بزعامة عبد العزيز الحكيم، بدافع إسناد وتأييد فيدرالية كردستان، فالحكيم كما هو معروف لدى الجميع يسعى حثيثاً لتشكيل ما دعاه بفيدرالية الوسط والجنوب، والتوجه نحو أقامة دويلات طائفية في العراق، ومن أجل تحقيق هذا الهدف سعى للتحالف مع الأحزاب القومية الكردية.
وهكذا قام التحالف بين الطرفين، وتخلت الأحزاب القومية الكردية عن حلفائها الحقيقيين المؤمنين حقاً وصدقاً بحقوق الشعب الكردي، وإقامة الفيدرالية في كردستان على أساس الحفاظ على وحدة الشعب والوطن العراقي، وفي يقيني أن هذا التحالف ليس سوى تحالف وقتي مصلحي لا يلبث أن ينقلب أصحابه على الشعب الكردي.
إن من المؤسف حقاً أن أقول أن الأحزاب القومية الكردية لم تتعلم الدرس من تحالفها السابق مع البعثيين والقوميين الذين تآمروا على ثورة الرابع عشر من تموز وقائدها الشهيد عبد الكريم قاسم ، وباركوا انقلاب 8 شباط الفاشي عام 1963 ضناً منهم أن البعثيين هم أكثر ديمقراطية وإيماناً بحقوق الشعب الكردي من قاسم، لكن أولئك القوميين العنصريين لم يمهلوا الشعب الكردي وقواه السياسية سوى أقل من أربعة اشهر ليشنوا حملة تنكيل شعواء بالشعب الكردي ، ويحرقوا الحرث ويقتلوا النسل.
إن سياسة حرق المراحل، وخلق جو من التعصب القومي لا يخدم القضية الكردية بل يزيدها تعقيدأ، هذا بالإضافة إلى خلق رد فعل معاكس لدى العناصر القومية المتطرفة في الجانب الآخر، والذين يستغلون هذه الأخطاء لخلق جبهة معادية للشعب الكردي بين صفوف المواطنين البسطاء .
إن الحرص على الأخوة العربية الكردية وسائر القوميات الأخرى هي حجر الزاوية في تحقيق أماني الشعب الكردي وسائر القوميات العراقية الأخرى، وإن السبيل إلى تحقيق آمال وطموحات الشعب الكردي مرتبط كل الارتباط بتحقيق طموحات إخوتهم أبناء الشعب العراقي بكل فئاته وأطيافه وقومياته وأديانه، هو الديمقراطية ، ولا سبيل غير الديمقراطية التي تستطيع بها مكونات شعبنا تأمين كافة الحقوق والحريات العامة والخاصة، وتؤمن الحياة الرغيدة لمجموع الشعب عندما يحل الأمن والسلام في ربوع العراق، ويجري التنافس الديمقراطي الحر بين قواه السياسية على أساس احترام الرأي والرأي الآخر، وإبعاد الدين عن الشؤون السياسية، وفصله عن الدولة ، فزج الدين في السياسة يفسد الدين والسياسة معاً.