الرئيسية » مقالات » احابيل السياسة واجندات دول الجوار

احابيل السياسة واجندات دول الجوار

ايران لا توضح ماذا تقصد باتفاقية الحدود .. اتفاقية الجزائر الملغاة ام اتفاقية جديدة
تركيا تخشى قيام دولة كوردية وتلوح بالاستيلاء على الموصل
سوريا تريد ان تكون لاعبا اساسياً في اللعبة العراقية


ما الذي تريده دول الجوار من العراق ..؟ وماذا يريد العراق من دول الجوار ..؟
سؤالان تتناسل منهما اسئلة كثيرة تبحث عن اجوبة واضحة ومحددة تسد جزءاً كبيرا من حب الاستطلاع والرغبة في المعرفة سواء من باب تحديد الموقف الملائم ام من باب معرفة الحقيقة المجردة .
ابتداءً لابد من الاشارة هنا الى انه ليس من يخطىء تشخيص حقيقة ان العراق الان لايريد غير تأمين حدوده، ومنع تحول اراضي دول الجوار الى ممرات او معسكرات تدريب او محطات سيطرة وتحكم او نقاط تموين وتمويل ومنافد اتصال بالاخرين في انحاء العالم .. او مصدر تهديد والتلويح باستخدام القوة بديلا عن الحوار او القيام بشكل منفرد او ثنائي او جماعي بتنفيذ اجراءات تمس المصالح العراقية او السيادة العراقية دون ان يكون موجودا وباستغلال الحالة الاستثنائية التي يعاني منها الان . باختصار شديد هذا هو كل مايريده العراق من دول الجوار وهو مستعد من اجل ذلك الى الدخول في محادثات وحوارات بشكل مباشر والتضحية بكل شيء للوصول بالقضية الى فضاء التعاون النزيه والمثمر لصالح الطرفين . والان ماتريد دول الجوار من العراق ؟ في الواقع فشلت وتفشل كل قنابل الدخان في اخفاء الاهداف التي تتضمنها اجندات دول جوار العراق . ولسنا في حاجة هنا الى التذكير بتصريحات ومواقف واقوال وادوار اضطلعت بها تلك الدول، اوضحت بما يكفي للتدليل على حقيقة ان لهذه الدول اهدافاً ثنائية بعضها يتعلق بالعراق والبعض الاخر يتعلق باميركا . بالنسبة للعراق، يمكن تكثيف الابعاد السياسية بشدة للنظر فيما افصحت عنه المتغيرات الدولية المؤثرة على الثوابت الاقليمية التي تمثلت في اوج تحولها السياسي في العراق بعد نجاح حكومة المالكي في تحقيق التوازن المطلوب في سياق تأكيد ايجابية التعاطي مع مفردات الموقف في العراق ولاسيما في ما يتعلق بالمصالحة الوطنية وتغير الخطاب السياسي للقوى المعارضة من الحدة والشدة الى اللين والقبول بمبدأ الحوار وفشل الرهان على الحرب الطائفية وتقسيم العراق وتفتيت وحدته الوطنية وتقويض امكانياته وقدرته على الحفاظ على وحدة ترابه وشعبه .
ان احد اهم هذه الابعاد هو ان هذه الدول بدأت تتحدث بصوت مسموع بمطالب وصفتها بانها ضرورية ومهمة وانه يجب التوصل حولها الى اتفاق وتوافق يتوقف ارساء العلاقات مع العراق على اساس حسن الجوار والعلاقات الطيبة القابلة للتعاون والتطور فايران مثلا ، تريد احترام اتفاقية الحدود وتقسيم المياه مع العراق، غير انها لم تفصح عما اذا كانت تقصد باتفاقية الحدود التي ينبغي احترامها هي اتفاقية الجزائر التي الغيت من قبل الجانبين العراقي والايراني برغم رجوع العراق عن قرار الالغاء . ام انها تتحدث عن اتفاقية جديدة تريد التوصل لها عبر محادثات على ان تحترم هذه الاتفاقية ولايصار الى الغائها تحت اية ظروف ويمكن التوصل الى اتفاقية تكون مضمونة من قبل مجلس الامن الدولي .
طبعا لايمكن القول ان مطلب ايران هذا ليس ضروريا وهو امر ملح وينبغي اسدال الستار وبشكل نهائي على مسألة النزاع الايراني العراقي حول الحدود، والتوصل الى ترتيب يحسم هذه القضية والى الابد بما في ذلك مسألة مياه شط العرب. وهذا ينطبق ايضا على العلاقات العراقية الكويتية والمطالب الكويتية التي تتركز على خلق الاستقرار النفسي لدى الكويتيين وانهاء المزاجية في التعاطي مع القضية الكويتية فالكويت دولة لها سيادة وقد حققت مصيرها بنفسها ولاداعي ابدا لاستخدام هذه القضية كورقة توت يخفي البعض بها نوازعه وميولة غير الطبيعية . فالسعي الى توثيق العلاقات وتمتين اواصر المحبة وفتح ابواب العمل المشترك البناء لخلق الرخاء والسعادة للشعبين الكويتي والعراقي وتدعيم فرص استثمار الجهد والطاقات والقدرات المالية والبشرية والمكانية والزمانية في تحقيق انطلاقة حضارية جديدة . الاردن هو الدولة المجاورة الوحيدة التي كانت وباستمرار رئة العراق التي يتنفس بها، بيد ان ذلك ليس هو الحال البعيد عن الاختناقات او سوء الفهم فكثيرا ماتحدث ازمات يجري تداركها بالحكمة والموعظة والدفع بالتي هي احسن . السعودية لها مواقف هي عبارة عن محصلة لتاريخ العلاقة بين العراق وبين السعودية وهي ترى ان العراق قريب من افقها السياسي وحنينها لشعارات لم تحظ بامكانية الصيرورة ويجعل البصرة والزبير والناصرية والسماوية وبادية السماوة مرابع تذكر باحلام لم تتحقق . الى جانب ذلك فهي ترى ان سيطرة الشيعة على الحكم في العراق تشكل تهديدا يهندس لوضع جديد في المنطقة يحول العراق الى منافس اقليمي قوي للممكة العربية السعودية ولدول مجلس التعاون الخليجي وقد يغير من معادلات توازن القوى في المنطقة لصالح ايران رغم ان هذا الاحساس بدأ في الاونة الاخيرة يميل الى الاعتدال بعد ان اتضح لها ان الميل الشيعي لايران لن يكون بالكيفية ولابالشكل الذي كان متصورا في ضوء ماقدمته المعلومات المبالغ بها المقدمة من قبل بعض القوى التي تنتمي الى (السنة) اسميا .
اما بالنسبة لسوريا فالاجندة طويلة وعميقة وضخمة فسوريا سعت وتسعى الى جعل العراق عمقا ستراتيجيا لها. هذا العمق الذي خسرته على نحو مأساوي خلال حكم صدام ، فبدلا من ان يسهم التطور الكبير الذي طرأ على الاقتصاد العراقي خلال السبعينيات في رفاه سوريا وتحريك الركود الذي طبع الاقتصاد السوري فان صدام عمد الى اقفال خط النفط العراقي السوري معتمدا خطا بديلا يمر عبر تركيا ثم حول جميع المستوردات العراقية التي كانت تستخدم ميناءي طرطوس وبانياس السوريين الى ميناء العقبة الاردني والموانئ العراقية فهي تريد اصلاح ما افسده صدام والتوسع في التعاون في جميع المجالات الانمائية والتجارية والصناعية وغيرها . كما هي تريد من العراق ان يحمي ظهرها في عملية التفاوض مع اسرائيل لاعادة الجولان . وهي تريد كذلك ان يظل العراق سوقا للبضائع السورية التي تواجه منافسة حادة من قبل البضائع الاسوية، وهي تريد كذلك تنسيقا وتكاملا سياسيا واقتصاديا مع العراق ولاسيما في مجال القضية الكوردية والشرق الاوسط الجديد وامور مهمة اخرى . الاتراك يريدون اشياء كثيرة واكثر حدة، فهم ضد المشروع الكوردي بمعظم تفاصيله واهم نقاطه قيام دولة كوردية وضم كركوك لكوردستان العراق وتحجيم الشيعة ودعم التركمان واعطاؤهم دورا، مؤثرا ومهما والتلويح بالاستيلاء على الموصل والغاء اتفاقية 1926 الخاصة بولاية الموصل ومن ضمنها كركوك والتحكم بمياه الفرات ودجلة ..الخ؟ اذن الغطاء السياسي للعلاقات العراقية ودول الجوار محتدم باكثر من صعيد ديني وطائفي وجيوستراتيجي ويخفي الكثير من الاجندة الدبلوماسية التي استطاعت ان تتخطى مراحل خطيرة من النزاع الظاهر والخفي بين هذه الدول والعراق . واذا ما اضيف الى ذلك موقف هذه الدول من الوجود الاميركي في العراق تبدو المحصلة النهائية اكثر دراماتيكية فرغم ان جميع دول الجوار وبلا استثناء ترتبط باميركا بمستويات من العلاقة تتراوح مابين التحالف الاستراتيجي والصداقة وغيرها . وهي تخضع بشكل او باخر للاستراتيجية الاميركية سواء بتفاصيل العمل ام بالنوايا والتصرف غير ان الاجتياح الاميركي للعراق جعل هذه الدول تتعامل مع الحدث العراقي بباطنية فهي من جهة تظهر لاميركا تعاونها معها وهي جزء من التحالف الذي قاد عملية التغيير في العراق واسقاط النظام الصدامي، ومن جهة اخرى تدفع بكل مالديها من امكانيات لوجستية ومخابراتية من اجل دعم وتشجيع وتحريض المسلحين للقيام باعمال ارهابية وهي تفعل ذلك للاسباب الاتية :
1- الخشية من التحولات الديمقراطية في العراق وماتحمله هذه التحولات من نذر مخيفة لانظمة قسم منها استبدادي والاخر دكتاتوري وثالث مابين بين . والغرب يطالبها باصلاحات من اجل ان تكون جزءا من عالم اليوم حيث تتصاعد وتيرة التمتع بحرية التعبير في العالم مع احترام الاخر مع حقوق الانسان .
-2وجود اميركا في العراق اخاف ويخيف دولا مدرجة ضمن محور الشر، وهي ترى انها مستهدفة من قبل اميركا التي تكثر في العادة من تلميحات واشارات تحمل هذه المعاني وعليه فان ايران تبنت طريقة (اتغدى بها قبل ان تتعشى بي) .
-3سوريا التي ترى انها مهددة بالوجود الاميركي في العراق كانت ومازالت وستظل تحاول امتلاك اوراق الوضع في العراق بحيث تكون هي اللاعب الاساسي في اللعبة العراقية وبالتالي امتلاكها لقرار ايقاف نزيف الدم او عدمه . والسبب في هذه الرغبة لايعود الى خوفها من اميركا وحسب بل يعود الى سعيها للسيطرة على العراق وصياغة وضعه السياسي ونظامه الاداري وفق الرؤية السورية شيء من ذلك تعمل لتركيا من اجله، لاسيما ان الموقف الاميركي في العراق لايثير اية مخاوف تركية سوى في مجال الحماية التي يتمتع بها الكورد والتي تشكل عنصر ازعاج غير مقبول لتركيا.
هنا لابد من ان نتساءل : ترى ما الذي قدمه مؤتمر شرم الشيخ للعراق؟ ابتداء للمؤتمر جملة فوائد اساسية بالنسبة للعراق تتوقف على العراق كيفية الحصول عليها . ومن بين تلك الفوائد وجود دول اخرى ليس لها اجندات تنطوي على الاضرار المباشرة كالاعضاء الدائميين في مجلس الامن وبعض دول الاتحاد الاوربي واليابان وهيئة الامم المتحدة ومنظمات اقليمية ودولية اخرى . وسيعمل هذا الوجود الدولي عمل (الفرامل) لدول الجوار التي كانت تتمنى ان يكون الاجتماع مقتصرا عليها لتظل الحلقة المفرغة (البيضة من الدجاجة ام الدجاجة من البيضة) مع استمرار نزف الدم العراقي .
ان التاريخ لن يرحم دول الجوار على مافعلته بالعراق وشعب العراق . وستقرأ شعوب هذه الدول يوما تفاصيل المؤامرة السوداء التي اضطلعت هذه الدول في تنفيذها ضد العراق وعلى نحو لم يسبق له مثيل وعندها ستدرك هذه الشعوب حجم الدمار الذي لحق بالعراقيين لاسباب فيها الشيء الكثير من الحقد والكراهية والميكيافيلية مع التخلي غير المسبوق عن كل قيم الجوار والدين والانسانية والتشفي الظاهر والمستتر لما وصل اليه العراقيون من دمار وخراب وقتل وابادة وكيف ان احابيل السياسة واساليبها الوسخة نزلت ببعض دول الجوار الى درك العمل ليل نهار من اجل ادامة حمامات الدم بالتمويل المادي والسلاح والمعلومات الاستخباراتية والمرور والاقامة وغيرها !!!
التآخي