الرئيسية » الآداب » الاساطير التي ارتكز عليها الادب العالمي حقيقة ام خرافة ؟

الاساطير التي ارتكز عليها الادب العالمي حقيقة ام خرافة ؟

يظن بعض الناس ان الاساطير ليست سوى (حكايات تروى في ليالي الشتاء)لاهدف لها سوى التسلية وتمضية الوقت على انها خرافة ليس فيها من الواقع شيء … بينما استطاعت ان تكون الاعمدة الخالدة التي اصبحت الجذور التي ارتكز عليها الادب العالمي .
ورافقت الاسطورة الانسان منذ القدم , وما من امة ارتفع شأنها الا ولها اساطير سواء كانت الهية ام بطولية ام غرامية ولا شك ان كل هذه الاساطير قائمة على اساس من الحقيقة ونشأت مع نشوء الانسان . الا انه في خضم غروره لاينسى ان محاولاته للوصول الى الكواكب ومحاولات اخرى اكثر تطوراً لمعرفة اسرار الكون وهي ذروة عالية من ذرا الحضارة , وحقيقة الاساطير انها علوم عصر ما قبل العلوم , حيث عاش الانسان مرة حياة بدائية محاطة بمئات الاخطار والاسرار .
وما ملأ راسه من تلك الخوارق , وايمانه بوجود قوة مسيطرة خارقة عاقلة ذات قدرة اسمى من قدرة كل العناصر والكائنات , وبدأ يتامل تلك القوى ويعمل على استرضائها بتقديم الضحايا والقرابين , وطفق الانسان ينسج حولها القصص ويتناقلها جيلا بعد جيل , ومن اقدم الاساطير هي اساطير الخلق وكيف جاءت الكائنات على اختلاف صورها واشكالها لتعمر الكون , امثال المجتمع الالهي , وقصة الطوفان والابطال الخوارق ومجتمع الجن والسحر والسحرة وتشابه الاساطير .اذن فالاسطورة عادة هي قصة الاعمال التي يقوم بها احد الالهة في العقائد القديمة او احدى الخوارق الطبيعية تبدو فيها محاولات الانسان لتفسير علاقاته بالكون والعالم او تفسير وجود العادات والنظم الاجتماعية او الخصائص المميزة للبيئة التي يعيش فيها خالق الاساطير نفسه , وهي في هذه الحالة تنطوي على فهم دين معين بالنسبة للشعب الذي رواها .
والفلكلور والحكايات القديمة او القصص الشعبية تروي تراث البشرية في اطوارها الاولى من عادات وعقائد وقصص وفن في حكايات بدائية لها اصلها الاسطوري بلا شك ولها ايضاً قيمتها الفنية والجمالية الخالصة . اما الحكايات القديمة فهي قصص وقعت احداثها في اماكن حقيقية وتتعلق بأشخاص حقيقيين والفرق بين الحكايات والاسطورة . نرى ان الاسطورة دراسة للصور البدائية الاولى للدين , وان الحكايات الشعبية القديمة دراسة للعقائد والعادات البدائية التي مازالت تمارس حتى اليوم , وان العلاقة بين الاساطير والدين . وان علوم الاساطير تنطوي على الوان كثيرة من الدراسات والاديان فرع من العلوم الدينية او الفلسفة . في حين ان علم الاساطير يبحث بالاساطير وحدها الخاصة بالاجناس المختلفة , وفي الاساطير ايضاً تسمع عن مولد الالهة وطبيعتها وخلق الارض والاسباب البدائية التي دعت الطقوس الدينية .
فالاساطير بشكلها الحقيقي تعتمد على الاديان . فهي تفسر الالهة والبشر والكون والعادات ونظم المجتمع ومحاولات للتوفيق بين قصص الالهة والابطال وبين الافكار الدينية التي لها عند الناس قداسة , ولم تعد تتناسب والافكار الدينية التي ظهرت فيما بعد برغم كل المحاولات في ربطها بالافكار الحديثة نجد ان اليونانيين كانوا يعدون القصص الخاصة بمعارك الالهة تعبيرا رمزياً عن الصراع بين المبادئ , وان المصريين كانوا في غاية الحيرة لان كثيراً من الهتهم كانوا يرسمونها في صور حيوانات , وبعد ان تقدمت الحضارة اخذت الشعوب تظهر اساطيرها الوطنية او القبلية من الخرافة المسيطرة عليها . لذا فالانسان البدائي فسر حقائق الكون بخياله اكثر من عقله . فالخيال فيها اقوى من العقل . فالخوارق والمعجزات التي تنظمها اساطير الانسان البدائي تبدو بالنسبة لنا غريبة مملؤة بالخرافة لاتعدو ان تكون بالنسبة للانسان البدائي تجارب عادية في الحياة . لذلك نرى ان قصة مولود الاله (زيوس) في الاساطير الاغريقية يعد مثالاً بارزا لانتسثار العنصر الخرافي بصورة واضحة في القصص الاسطورية لشعب راق يمتاز بموهبة شعرية كشعب الاغريق الذي كان يعبد فيه يعبدون فيه الهة على هيئة حيوانات . اذ كان الانسان البدائي يعيش في صراع دائم ايضاً مع قوى الطبيعة او في صراع دائم مع العمالقة والحيوانات , وكانت لديهم القدرة على التنكر في صور حيوانات وهو ذات ما عكس به هوميروس افكار الاغريق في عصره . يقول الدكتور (تيلور)في كتابه (الحضارة البدائية) حين كان ذهن الانسان في المرحلة الاسطورية يعجز عن تفسير اية ظاهرة , ولا يجد لها سبباً مقنعاً . كان يخترع اي قصة معينة هذه هي الحقيقة . كما قال الدكتور (لانج) لقد كان الناس في العصور القديمة يؤلفون قصصهم تبعاً لنظرتهم الخاصة للاشياء واسلوبهم في تفسير الامور وهذا وضع طبيعي لانهم لم يكونوا يفكرون على اساس المبادئ التي يضعها الباحثون في العصر الحديث امامهم عند تفسيرهم لهذه الامور . يقول الكتور (مويللر) ان الانسان البدائي لم يفكر كما نفكر نحن بل لم يكن يفكر بالطريقة التي نتصور نحن الان وهذه هي حقيقة فالاساطير في الشرق كثيرة مثل الاسطورة الفرعونية في مصر والاسطورة الاغريقية والاسطورة البابلية والاشورية اي اساطير الامة العراقية,والانسان يفكر بالاشياء الغامضة التي تحيط به . وان لكل شيء حوله ذات الصفات التي له , وافترض ان للجماد روحاً وللنبات روحا وللالهة روحاً فهي تتصرف تماماً كالانسان تحب وتكره وترضى وتغضب وتفعل كل ما يفعله هو نفسه واستمر الانسان في صراعه العنيف مع الطبيعة ومع الحيوانات ينتصر فيه الانسان مرة والطبيعة والحيوان مرات فما كان لدى الانسان سوى وسائل بدائية بسيطة ساذجة للنزول بها في معترك هذا الصراع الرهيب .
ولم تعد وسائل الحرب العادية البسيطة تكفي ذلك الانسان وهو يصارع قوى اشد منه واقدر . فبدأ يتصور بخياله كائنات تستطيع بقواها الخارقة منازلة اعدائه ومن خلال خيالاته . بدأ يستعين بأصحاب الخوارق . فيما لم يستطع ان يفعله بنفسه , فصور انصاف الالهة يستمدون قواهم من السماء . وصور ابطالا خارقين تتمثل فيهم مظاهر القوة عند الحيوان ومظاهر الجبروت عند الالهة , ومن هنا ظهر جلجامش وانكيدو و عند البابليين , وهرقل عند الاغريق ومثالهم كثيرون في عالم الاساطير وهي لون رائع من الوان الادب الممتزج بالتاريخ .

التآخي