16/05/2007
لكل قانون أو قرار حكومي أسباب موجبه خلفها أهداف تمثل مصالح فئات أو طبقات تنفذها آلياتها السياسية ، فالأنظمة غير الديمقراطية تهدف من خلال إصدار القرارات والقوانين لخدمة وحماية مصالح من تمثلهم وبالعكس فالأنظمة الديمقراطية تتخذ القرارات أو تصدر القوانين لحاجة الأكثرية ولخدمة مصالحها وليس مصلحة فئة صغيرة من الشعب، هذه هي القاعدة العامة ولكن في الوقت نفسه لكل قاعدة شواذ وهذا ما حصل عندما أصدرت حكومة السيد المالكي قراراً اعتبرت فيه 3 / 10 / 1932 عيداً وطنياً فإنها شذت عن القاعدة العامة المتعارف عليها لأنها تدعي أنها تمثل الأكثرية من المواطنين العراقيين بينما القرار يخدم مصالح فئة صغيرة وليس الشعب العراقي لا بل يخدم تلك المصالح الاستعمارية القديمة والجديدة، فهل رحب أكثرية العراقيين بقرار حكومة السيد المالكي بالإعلان عن العيد الوطني الجديد في 3 / تشرين الأول / 1932 وإلغاء العيد الوطني الذي اقر سابقاً وهو يوم 14 / تموز / 1958 ؟ وكيف تستطيع حكومة تدعي الديمقراطية بمفردها وبدون السلطة التشريعية التي تشرع القوانين والقرارات كالعيد الوطني أو العلم الذي يمثل الدولة وغيرهما أن تصدر قراراً بهذا الشكل ولا تراعي مزاج أكثرية الرأي العام العراقي؟ هذا الإلغاء الذي لم يستطع حتى النظام الشمولي اتخاذه فوراً بعد مجيئه للسلطة على الرغم من تحيده وتهميشه بعد ذلك .
لا نعرف ما هي مآثر العيد الوطني الجديد لتاريخ قديم في مكان وزمان يختلف كلياً عن السابق في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ألا قضية يتيمة واحدة ضم العراق إلى عصبة الأمم المتحدة ثم قيام بريطانيا بمسرحية منحه الاستقلال الشكلي المربوط بمعاهدة 1932 التي نصت على نهب ثروات البلاد على الطريقة الاستعمارية البريطانية. أما الحديث عن مناقب يوم 14 تموز 1958 فطويل ولا يستطيع أحدا وبخاصة أعدائه المزايدة على مآثرها العظيمة التي نختصر أكثريتها، فهي حررت العراق وثرواته الوطنية من براثن الاستعمار وفي مقدمتها الاستعمار البريطاني وأخرجته من حلف بغداد العدواني وحررت نقده من تبعية الجنيه الإسترليني وحررت 99,5% من أراضية في مجال اتفاقية النفط بإصدار قانون 80 والكثير من وأصدرت العديد من القوانين والقرارات التي تخدم أكثرية مصالح الشعب العراقي وغيرها المآثر الأخرى..
في الواقع أمام هذا الإلحاح الغريب من أجل طمس الحقائق ومحاولة مسح معالم ثورة 14 تموز فإننا نستغرب كيف مرر القرار بدون احتجاج ومعارضة القوى الوطنية والديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني واتحاد نقابات العمال ومئات المثقفين، ولماذا هذا الإهمال والصمت الذي أطبق على اتخاذ مثل هكذا قرار تقف بالضد منه الأكثرية وتعتبره معادياً وغير ديمقراطي ..إلا اللهم بعض المقالات والأصوات الخافتة مثل الذي يطلب المساعدة ولكن بينه وبين نفسه.
عشرات من الاستفسارات والأسئلة ومنها ــ منْ يقف خلف إصدار هذا القرار بهذه الغفلة من الزمن؟ ومنْ الذي جرت المساواة معه وعليه؟ وما هي الأهداف التي تكمن خلفه؟ ولماذا اختير هذا الوقت والجميع مشغولين بالخطة الأمنية وخراب البلاد ؟ إلا أن شيئاً واحداَ يدل وبدون أي شك أن هذا الإلغاء حقق أمنية لطالما تمناها الذين أضرت مصالحهم والذين كانوا يقفون بالضد من 14 تموز وجهدوا كي ينتقموا من رموزها ومن شعب تموز وجيشه ومن اليوم نفسه منذ انقلاب 8 شباط 1963 وقد تكللت مساعيهم بالنجاح لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وكأنهم بهذا الإلغاء انتصروا وحققوا ما يريدون .
لقد صدر القرار أمام صمت غريب وعدم اعتراض بل على ما يظهر مباركة البعض من القوى السياسية والدينية التي ترى في ثورة 14 تموز نبراساً تهتدي به الأجيال القادمة حيث تشحذهم بالواعز الوطني المعادي لنزعة التبعية والاستعمار وتذكرهم دائماً بقيمة الثورة وأسبابها ومنجزاتها وهو ما يؤرقهم ويقلق مضاجعهم ولهذا فان تبديله بيوم آخر لا تعرفه الأجيال ولا تعرف مآثره ستخدم مصالحهم باستمرار وتجعل الشعب العراقي ينسى ذلك التاريخ العظيم الذي كان فاصلاً بين عهدين مختلفين ، عهد التبعية الاستعمارية والأحلاف الاسترقاقية وعهد تحرري ذو نزعة وطنية أنهى التبعية للاستعمار وجعل الوطن حراً مستقلاً وحرره من القيود التي كانت تستعبد شعبه وتنهب خيراته الوطنية . ولكن هيهات لأن ذلك اليوم، يوم 14 تموز 1958 أصبح جزء من تاريخ العراق الحديث لا يمكن لأي قرار أو قانون محوه لأن التاريخ لن يرحم مزوريه ولنا أسوة بالنظام الشمولي الذي حاول أن يشوه ويغير الكثير من المعالم التاريخية لمصلحته الذاتية لكنه أصبح في مزبلة التاريخ.
إننا ندعو وبكل إخلاص كل الخيرين من أبناء شعبنا العراقي الوقوف ضد هذا القرار واعتباره قراراً لا يخدم مصلحة الشعب والوطن والعودة لتثبيت يوم 14 تموز كعيد وطني للعراق .