منذ جريمة استخدام السلاح النووي في أواسط القرن الماضي من قبل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية وحتى أواخر الثمانينات لم تُقترف جريمة بشعة طيلة هذا الزمن إلا على أيدي النظام ألبعثي الذي كان يحكم العراق قبل نيسان 2003.
حيث استخدمت الأسلحة الكيماوية ضد شعب كوردستان من أقصى شرقها والى أقصى غربها في عمليات مخزية أطلق عليها أسم ( الأنفال ) معتبرا هذه الحملات غزوات دينية على الكفار والمشركين ومتشبها بما كان يحصل في صدر الدعوة الإسلامية في التعامل مع الكفار وأموالهم وأراضيهم وأعراضهم، حيث أباح ذلك النظام لقواته وميليشيا حزبه ( الجيش الشعبي ) كل كوردستان أرضا وشعبا وأموالا، واعتبرها غنائما وسبايا، في واحدة من أقذر أنماط السلوك البدائي حتى في عصوره القديمة.
وفي سابقة لا مثيل لها من التعتيم والتضليل الإعلامي والمعرفي ما لم تعرفه كل شعوب الأرض بما فيها تلك البدائية، ساهمت فيه معظم الدول العربية والإسلامية ودول أوروبا الشرقية ودولة دكتاتورية البروليتاريا التي ذبحها نظام بغداد ألف مرة، في تستر بشع ومخزي على أفضع جريمة من جرائم الابادة الجماعية والتطهير العرقي في التاريخ المعاصر ضد شعب بأكمله.
لقد ابتدأ شعب كوردستان ثوراته وانتفاضاته ضد الاستعمار والأنظمة السياسية التي كانت تحكم أجزائه الأربعة منذ بدايات القرن الماضي ومنها كوردستان العراق، وبصرف النظر عن طبيعة القسوة التي كان يستخدمها العدو مع الثوار ومع الشعب في محاصرته له، إلا إنهم أي تلك الأنظمة لم تستخدم أسلحة ذات تدمير شامل أو ابادة كلية كما حصل منذ استلام البعثيين للحكم في العراق بداية الستينات من القرن الماضي، فلقد كانوا أول من استخدم النابالم وبراميل البنزين والأسلحة المحرمة والأكثر فتكا، وهم الذين مارسوا عمليات حرق القرى وابادة المدنيين ونهب ممتلكاتهم منذ عام 1963 وحتى عودتهم ثانية في عام 1968.
لقد شهدت الأعوام الممتدة من 1963 ولغاية 1968 تطورا بشعا في أساليب الحرب التي كان يستخدمها الجيش العراقي ضد قوات البيشمه ركه وعوائلهم وقراهم.
ففي مراكز المدن والبلدات انتشرت زمر من ميليشيا ما يسمى بالحرس القومي التي شكلها حزب البعث في بداية شباط 1963، من أعتى رجال العصابات والقتلة والمنحرفين من شقاوات الليل، مع مفارز من عناصر الأمن والاستخبارات العسكرية كي تقوم بعمليات قذرة من الاختطاف وعمليات التصفية والاغتيالات الفردية التي طالت المئات من المدنيين وخاصة من موظفي الدولة نساءً ورجال ممن لم يكونو موالين لحزب البعث ومتعاطفين مع الثوار البيشمه ركه وثورة شعب كوردستان.
وخلال عدة أشهر غصت معتقلات ودهاليز مقرات حزب البعث وميليشياته بالمئات وربما الآلاف من أبناء وبنات كوردستان والذين تم تصفية غالبيتهم أثناء التعذيب، بينما اغتالت عصابات أخرى من عصاباتهم العشرات في الشوارع والأزقة كما يحصل اليوم في بغداد والموصل وكركوك.
ويتذكر البغداديون جيدا إنتاج البعثيين ليوم واحد من المقتولين غدرا بعد انقلابهم في شباط 1963 بأكثر من ألفين وخمسمائة جثة ملقاة في الأزقة وعلى أرصفة الشوارع من الشيوعيين والديمقراطيين الكوردستانيين والكورد الفيليين والآخرين من الوطنيين العراقيين.
وفي جبهات القتال وميدان المعركة بدأت طائراتهم باستخدام قنابل النابالم وعمليات حرق القرى الواسعة، في أول ممارسة لسياسة الأرض المحروقة التي كانت القوات الأمريكية تستخدمها في فيتنام، بل والأكثر من ذلك بشاعة وبدائية، هو استخدام مادة البنزين في رشها على القرى والبساتين برمي عبوات منها ومن ثم قذفها بالقنابل وحرق أكبر مساحات ممكنة من الأرض والبشر والحيوان، وبالذات في فصل الصيف مع نضوج المحاصيل الحقلية من الحبوب وغيرها.
وللبحث صلة…