كاتب وباحث وصحفي
الشهادة اسمى معاني البطولة واجلها فالقول المأثور المتداول (الجود بالنفس أقصى غاية الجود) يحمل معاني ودلالات عميقة الغور ذلك ان التضحية بالنفس تقف خلفها قضية اكبر منها وذات صلة بالمصالح العريضة للناس وعندما تصبح القضية في اطار الوطن والحقوق القومية المشروعة فان تلك التضحية تعبر عن فهم ووعي حقيقي بالدور الذي تؤدي الشهادة في تحقيق تلك الاهداف المشروعة مثلما تعزز القدرات الجماهيرية والشعبية وتمدها بالعزيمة والدعم المعنوي المنقطع النظير كيما تسير الدماء في عروق الثورة وتلك هي قضية الانتصار ونقطة الحسم التاريخي في الموضوع. في الثالث عشر من ايار من عام 1974 اقدم النظام الطاغوتي المستبد على جريمة بشعة على طريق جرائمه وسجله المعزز بالخزي والعار حينما اعدم في هذا التاريخ مجموعة من الشباب الكورد بينهم تلك الشهيدة ليلى قاسم التي تعد جريمة اعدامها اول جريمة اعدام لامرأة لاسباب سياسية في التاريخ المعاصر ومن الجدير بالذكر ان النظام فبرك لندوة تلفازية على غرار تكراراته السابقة مع قوى سياسية بهدف التعرية لكنه تفاجأ هذه المرة بصلابة هذه الامرأة الحديدية التي اكدت مشروعية نضالها في سبيل قضية شعبها الكوردي المضطهد التي سيشهد التاريخ عاجلا ام اجلا بانتصار قضيتها العادلة بعد غبن تاريخي طال او قصر.
ونضال هؤلاء الشباب يأتي ضمن نشاطات شملت الساحة البغدادية في موجة تعبئة جماهيرية اذ كانت السلطة المقبورة تعتقد ان اتفاقية الجزائر السيئة الصيت قد مهد لها وللابد تصفية الحركة التحررية الكوردية ومحوها من الوجود اولا وترقين الوجود القومي للكورد ثانيا لكن نضالات الكورد بينت ان ما تتصوره السلطة الغاشمة هو مجرد اوهام سرعان ما تتبخر وتنكسر مشاريعها على صخرة الصمود الاسطوري للشعب الكوردي وهي مؤشرات اقلقت السلطة التي شرعت بابتكار ابشع وسائل القهر والقمع التي تفننت في صناعتها من اجل مصادرة ارادة الشعب الكوردي فالمعروف ان كل الاعيب السلطة والبعث والنفخ والنفح الايديولوجي المنظر بابعاد نفسية ونفعية لم تنفع مع الشعب الكوردي وقواه الواعية والمناضلة. لقد سطر اولئك الشهداء صفحات تاريخية ستظل شامخة في ذاكرة الشعب الكوردي كونها مشعلا اخر على طريق الحرية وسط محنة صعبة وقاهرة مر بها الشعب الكوردي حيث ان مؤامرة الجزائر خلقت بلاشك اجواء من القلق والبلبة والاحباط لدى الكثير من الكورد لكن الدور التاريخي لقيادة التحرر الكوردية وتفهمها لطبيعة الصراع مع السلطة الغاشمة وامتلاكها خزيناً معرفياً هائلاً على خلفية عقود النضال الطويلة والتفاعلات الديناميكية مع الواقع الموضوعي التي كشفت جوانب الحركة والحركة المتضادة وما تفرزه من مؤشرات تعكس نوعية النقلات التكتيكية وتحالفاتها المتغيرة لقد عكست تضحيات الشهداء عن عمق الاستعداد النفسي والتضحية بالغالي والنفيس من لدن الشعب الكوردي في سبيل انتصار قضيته العادلة ونيل حقوقه.
ان حجم تلك التضحيات في ظل تلك الظروف الحالكة وانواع واشكال التآمر المحلي والاقليمي على القضية الكوردية يعطي زخما يخترق في مدياته اعداد الشهداء في سوح النضال ومن هنا وصف الاخ المناضل الرئيس البارزاني تلك التضحيات بقوله: (ان قلمي يقف عاجزا عن وصف تضحيات تلك الشريحة من الكورد وفي مقدمتها ليلى قاسم ورفاقها. (ان تلك الارادة عكست قناعات الشعب الكوردي بضرورة النضال بلا هوادة رغما عن ارادة السلطة الغاشمة وفي تلك الفترة لوحت السلطة ايضا بعرض المغريات للعديد من الكورد الذين ظلت صلابتهم ابعد من ان تنالها محاولات البعث الفاشي الا قلة قليلة مدمنة على حياة الدعة المتوارثة وتلك سنة جرت في كل الاقوام والامم فهم فراعنة الشعوب والامم وجزء من دولاب الضيم الطاحن للعشرات والمئات والالوف من قوافل المناضلين الذين وهبوا حياتهم من اجل حياة الاخرين اولئك المناضلين هم الذين يمنحون الحياة المواصلة والتعلم على حب الناس وحب الخير. فتحية الى اولئك الشهداء والى كل شهداء الكورد وكوردستان والعراق وكل حر شريف يبحث في قضية الوطن والحرية والناس.
التآخي
الرئيسية » الملف الشهري » في الذكرى الثالثة والثلاثين لاستشهاد ليلى قاسم ورفاقها – الوعي والشهادة واستمرار مقومات النضال