الرئيسية » مقالات » عن إبراهيم حسّوو مجلّة (قلق)

عن إبراهيم حسّوو مجلّة (قلق)

” لا حالة للشّعر إلاّ بالشّعر” عماد الحسن

إلى غرفتي في عامودا يأتي ابراهيم حسّو فيجد قصيدة لعماد الحسن تركها عماد قبل أن يذهب لخدمة العلم. القصيدة تتحدّث في إحدى مقاطعها عن الوجبة التي يأكلها التي هي خالية من اللّحم ومن الممكن أن تحوي قليلا من البيض حيث تقول لي أمّه بعد ذلك: نحن لا نأكل اللّحم، نربّي الدجاج والديكة ويأتي سليم بركات يضعها في رواياته ويبيعها للأوربيّين غاليا أو إذا كنت عاشقا سنعطيك بعض البيوض، تقعد عليها لعدّة شهور في عزلتك في عامودا التي أعرفها وأنت من عائلتنا فتشفى من العشق الذي في الأصل لا أريد لك أن تشفى منه وإلاّ ستكفّ عن زيارة القامشلي بعد سنوات العزلة ولن تتعرّف على الشاعرين منير دبّاغ وابراهيم حسّو. منير دبّاغ هو ديك قصيدة النثر في القامشلي وإبراهيم حسّو هو السرياليّة بصيغة الكورد ودجاجاتهم. كيف سأقعد على بيض الدّجاج يا أمّ عماد الحسن! سأصدر مع ابراهيم حسّو مجلّة قلق قريبا. هل قلت أنك ستقعد على بيض الدّجاج!؟ لا أتذكّر هذا، إنّما قلت، ينبغي أن تشتري قفصا وتقفل على نفسك فيه في عامودا، فتستطيع القضبان أن تتكفّل في أن تكتب عصارة الحبّ الفاشل عندك وعند ولدي وشاعري عماد الحسن. يا أمّ عماد الحسن، أريد أن أترك قلبي المثقل من زيارات القامشلي بالأثواب البيضاء والصّفراء لأمينة عندكم في بريفا. ألا تستطيعون نشره على السلّم كي ينقّط يرقانه ويجري بعدئذ ألمه في السّهل في الربيع. بلى، في العام الماضي فعلت الأمر نفسه بقلب ابني الموسيقي جبّار، يعزف الآن في الأعراس فترقص الفتيات في أمّ الرّبيع وموسيسانا وبعض الجداء والحرمل يميل على القبور.
عماد الشّعر! اكتب كي يزورك الطائرُ البنيّ الذي ليس له أقفاص ولا أشجار ولاطيور ولاجناح غامق أو فاتح ويرتمي بعباراته فوق صفحات مجّلة قلق التي سنصدرها اليوم، يكتب ابراهيم حسّو. وأنا أهرول إلى غرفة أبي أحضر الدكتيلو من ماركة أولمبيا وأدقّ الحروف الأولى من المجلّة:
مجلّة قلق، مجلّة شهريّة أو سنويّة تصدر كلّ خمس سنوات، لا تهتمّ بأيّ شيء. السعر 500 ليرة سوريّة. رئيس التّحرير- ابراهيم حسّو، سكرتير التّحرير: عبدالرحمن عفيف( شاعر كردي، يقيم في ألمانيا، مدينة برلين). آنذاك لم نكن كلانا نعرف أنّني سأقيم في مدينة هانوفر بعد عدّة سنوات وتكهّناتنا وقعت على مدينة برلين حيث لها بريقٌ اسميٌّ أكبر من مدينة هانوفر. أقصد علينا أن نبدّل الكثير من التكهّنات التي أجريناها في مجلّة قلق حيث بيع العدد الأوّل بألف ليرة سوريّة بدل السّعر المعروف وابراهيم حسّو دخل السّجن لسنتين كاملتين بسبب من إصدارها، على الخلاف من توقّعاته وتوقّعاتي أيضا حيث كنّا نتوقّع له فقط يومين من السّجن بعد هروبي من سوريّة بسبب هذه المجلّة المقلقة للشّارع والنّاس.
أزور القامشلي لألتقي بصديقي الشّاعر ابراهيم حسّو ولكي أخرج من العزلة التي فرضتُها على نفسي في مدينة عامودا. في القامشلي تصيبني صدمة حضاريّة من الضّوء المشعّ والشّوارع النظيفة في مركز المدينة. أرى أفواج النّاس في السّوق وأيضا الفتيات يتمشّين بفساتينهنّ وبناطيل الجينز. في عامودا السّوق مقتصر على الرّجال والحمّالين والأحصنة والعربات، هذا حين كانت هناك عرصة. آه كم ظلمتُ نفسي في عامودا ودفعتها إلى هذه العزلة الفظيعة لشهور ولم أنجز إلاّ قصائد قليلة ولن ينشرها أحد كمثل سابقاتها.
عبارة إبراهيم حسّو يخطّها فأراها على ورقة بعد أن قرأ قصيدة عماد الحسن ودعوته لي لحضور أمسيته في المركز الثّقافي أو في إحدى الأقبيّة السريّة في القامشلي التي يسمّيها بباريس الشّرق القديم. أقصد عبارة الطّائر البنيّ وبعدئذ سألت زوّار غرفتي التي شهدت الاصدار الأوّل لمجلّة قلق: مَن يعرف ما المقصور بالطّائر البنيّ الذي ليس له أقفاص وطيور وأصدقاء ولا جناح؟. كان ابراهيم حسّو يريد أن يصف ذلك الطّائر بمواقدهِ الأوكسجينيّة الذي أخذته إلى تحت سرير أمينة حين تمارس الجنس مع زوجها، يستمع إلى التأوّهات ويبكي لتخرج أمينة وتحمل الطّائر ذا الريش البارق في الحوش وتأخذه إلى أشجاره وجناحه وأصدقائه وربّما مصائده وقالت السيّدة الألمانيّة التي كنت في سريرها أتلذّذ بحمرة وجهها وفخذيها: هذه أنا المرسومة على غلاف” نجوم مؤلمة تحت رأسي” وليست أمينة. ونظرت إلى المرأة التي رسمها عبدلكي وهي تحمل الطير الغرابي وإلى جسد المرأة في سريري. فعلا، كيف عرفت أيّها الملوّن “هانولورا”!؟ امرأة قادرة أن تحمل الطّيور أمثالي على سفينة قطن جسدها وأنا أضع منقاري السفلي فيها وأحرّك ببطء وبسرعة. كيف، وأمينة لا تستطيع أن تحمل الطيور وقطن جسدها يحترق أيضا مع طيوره في صفحات مجلّة “سورمي” بدلا من مجلّة قلق. والخطأ الكبيرالثّاني الذي اقترفه ابراهيم حسّو الذي سمّا مجلّته بمجلّة سورمي التي تعني القلق باللغة الآشوريّة.
كانت أمينة قد تزوّجت وصديقنا شاعر الرّيف عماد الحسن يؤدّي خدمة الجيش والآخرون من شعراء عامودا يناقشون موضوع القصيدة العاموديّة والأفقيّة. القصيدة الأفقيّة في القامشلي والعاموديّة والتفعيليّة في مدينة عامودا حيث كلمة عاموديّة تعني كلمة الشّعر باللغة الكورمانجيّة وباللهجة العاموديّة التي ستخترعها وتؤسّس لها مجلة قلق. أزور مدينة القامشلي أحيانا، عاصمة البلاد الكورديّة في جمهوريّة سوريّة، خاصّة حين أعزل نفسي عن المجتمع لعدّة شهور وأفكّر فقط في أمينة والتّفكير هذا يبدأ يكوّن نفسه بذاته، وتخرج القصائد من باطن الأعشاب التي أراها أو تخرج القصائد من الرّيح تضرب كيسا ما. كان عليّ أن أزورالقامشلي كثيرا بدل هذه المرّات النادرة ولكنّني أراجع نفسي. ينبغي لنا أن نمتلك القليل من الأحلام لكي نستطيع أن نستمتع بها وأيضا: أنا هو الوحيد الذي يعرف القامشلي لأنّني أعزل نفسي في الشّهور الطويلة وآتي لأتفجأ بالنّاس، أرى حركة وأرى الضّوء بدل ظلام عامودا. نذهب أنا وابراهيم حسّو إلى بيت منير دبّاغ. أنا أعرف أن بيت أمينة هناك وأنّ أمينة تلبس فستانا من الأبيض أو الأصفر وتخرج إلى السّطح تنظر إلى محطّة المحروقات والرّيح لاتلعب بشعرها. فجاّة نمشي ثلاثتنا بعد أنْ انضمّ إلينا منير دبّاغ في شارع الكورنيش، أرى من بعيد عدّة فتيات بفساتين طويلة بألوان صادمة من الأبيض والأخضر والأحمر والأصفر. ألمح أمينة بينهنّ. لكن، إنّها ليست أمينة. أمينة فوق السّطح بالقميص الأبيض وربّما تصنع الشّاي وتفكّر بالحنفيّة في الصفّ العاشر في المعسكر، أقصد أقكّرأنّها تفكّر بالحنفيّة التي تجري بالقربِ من مكتب المدير في الصفّ العاشر في الصّيف. الماء الذي كتبته في جريدة نضال الفلاّحين. لا، هذا الفستان الأصفر ليس أمينة، أمينة لها فستان وقميص آخر.
نركب أنا وإبراهيم حسّو باص البولمان من مدينة القامشلي متوجّهين إلى دمشق، نحمل في حقائبنا مئة عدد من مجلّة قلق التي غيّرنا اسمها إلى “قلق القلق” بعدئذ، أي بعد أن تمّ حظر الاسم الأوّل فبدّلناه وصار سورمي سورمي أي بالآشوريّة قلق القلق. نذهب إلى الوحدة العسكريّة التي يخدم فيها الشّاعر عماد الحسن في مدينة درعا. في جيبي الأسئلة التي أعددناها لإجراء الحوار معه. حين نصل، لا يكون عماد في الثكنة بل يقول الجند الآخرون أنّه في دبّابته يتجوّل في الحدود. ويشير إلى دبّابة بعيدة. نمضي أنا وابراهيم إلى تلك الجهة. نصعد إلى الدبّابة وفوق سطحها نبدأ بطرح الأسئلة:
– كيف الشّعر في الجيش والدبّابة؟
– الوقت قليل، لهذا لا أذهب إلى استراحة طعام الظهر، آكل بعض البندورة والخيار والأفكار على ظهر الدبّابة وأكتب بعدئذ شعرا عن سكاكر نوروز وبذلات فتيات معهد المعلّمين في القامشلي وأيضا أحاول الاجابة على الاسئلة الكونيّة.
– نعرف بخصوص وجبتك المفضّلة من البندورة والخيار والأفكار. ألم تصبح لحميّا، تتناول اللّحوم في الجيش والقسوة؟
– أصطاد بعض طيور اليمام والقطا ولكنّني لا آكلها بل أرميها للضباع التي تأتي وتتبوّل على وجوه الجند فيتبعونها عبر الحدود إلى اسرائيل. أرميها للضباع فتنشغل بها ونكسب جنودنا وقوّة جيشنا.
– كيف تنظر إلى حالة الشّعر السوري وأي الشّعراء تقرأ لهم في الدبّابة؟
-الشّعر السوريّ يحتاج أن يتخلّص من الأبطال الزعرانين ويعود إلى بداياته عند حامد بدرخان ورياض الصالح حسين وطه خليل. أقرأ بعض مخطوطات موجة جديدة من شعراء عامودا تتلمذوا على يد عبداللطيف الحسيني في مدرسة المعرّي وهم أيضا غارقون في تقليد قاموس سليم بركات وبورخيس الأعمى. لا حالة للشّعر إلاّ بالشّعر في رأيي.
نعطي عماد الحسن 1000 ليرة سوريّة مكافأة الحوار وهو ثمن العدد الأوّل من مجلة قلق التي كانت لاتزال تسمّى قلق وليس قلق القلق. في العدد الجديد بالإضافة إلى الحوار مع الشّاعر عماد الحسن تضمّ المجلّة حوارا حيّا عن الشّعر الكورديّ المكتوب بالكورديّة مع جكرخوين الذي زار عامودا وأمضى ليلته في بيت الشّاعر عبدالمقصد الحسيني وهناك نداء من رئيس التّحرير ليرسل له أحد الشّعراء المعروفين بعلاقاته الواسعة مع النساء والشّاعرات بعض الشّاعرات من القامشلي ليغسلن جواربه ويصنعن القهوة لسكرتير التّحرير الذي صار كثير النّوم في ألمانيا. يغضب هذا الشّاعر المعروف بالنساء والشّاعرات ويقول:
– أؤكّد لكم، سأضرب رئيس التّحرير وسكرتيره في شوارع عامودا والقامشلي، إن عادا إلى هذه الأشياء في عدد آخر من مجلّة” قلق” أو “قلق القلق” كما سمّيت بعدئذ ودخل من جرّائها رئيس التّحرير بجواربه القذرة لثلاث سنين إلى السجن والسكرتير النائم فرّ إلى بلاد الجرمان!

• إبراهيم حسو و عبد الرحمن عفيف من مؤسسي مجلة ( قلق ) الشعرية التي ظهرت في بداية الثمانينات في منطقة عامودا السورية و قد صدرت منها ثلاث أعداد و قد صادرته الأمن السوري و لم تأخذ دورها الثقافي نظرا للظروف الصعبة التي كانت تعيشها هيئة التحرير .
• عماد حسن من الشعراء الكرد الذين يكتبون بالعربية و له أكثر من خمس مجموعات شعرية و كان له دور في توزيع المجلة و الترويج لها .