الحادثة الارهابية الاخيرة التي وقعت بالقرب من وزارة داخلية إقليم کوردستان مع ما حملته من معان و”رسالات”ضمنية واضحة و بليغة موجهة من قبل أکثر من طرف، طغى عليها جانب أهم و بالامکان أن نسميه خطيرا، وهو بروز مسألة إخفاق و قصور هذه الوزارة من جديد على الساحة.
وقد کان لتوقيت الانفجار و حجمه و(المکان)المحدد له، ثلاثة رسائل موجهة للسيد وزير الداخلية الکوردي قبل أي شخص آخر، وقطعا أن کل قطرة دم و کافة الخسائر المادية التي وقعت تقع على عاتقه وهو بالتأکيد سوف”يتنصل”من هذه المصيبة کما تنصل من حادثة سرقة”متحف أربيل”في وضح النهار و کذلك من حادثة التفجير الارهابية المشهورة في أربيل والتي ذهب ضحيتها الکثير من الضحايا کان من بينهم مسؤولين بارزين. ويومها إرتفعت الاصوات المطالبة بأن يقدم”هذا الوزير”إستقالته من منصبه کإعتراف منه بتحمل المسؤولية الاخلاقية لذلکما الحدثان الخطيران في شکلهما و محتواهما، لکن لم يتم شيئ من ذلك وإنما طالعتنا التشکيلة الوزارية لحکومة الاقليم بعد توحد الادارتين بالوزير نفسه متربعا على کرسي وزارته التي يظهر إنه سوف يستمر في الجلوس عليها حتى يوم توديعه لهذه الدنيا والتي ستکون إما عن طريق طيب الذکر و مخيف الطلعة”عزرائيل”أو عن طريق تفجير إرهابي من المحتمل جدا أن يکون في عقر داره و من المتوقع جدا أن يلاقي حتفه في سريره!
صحيح أن البعض سوف يحاولون الانبراء للدفاع عن السيد الوزير و يأکدون من أنه لم يقصر و قد حاول کل جهده لکي يقطع أيادي الارهاب و الارهابيين عن الاقليم، لکن تحدث دوما “فلتات” وتکون دوما هناك”ثغرات”و يجب أن لانحکم عليه بهکذا أعمال ونترك الجوانب الايجابية الاخرى، لکن مثل هذا الدفاع”المتعفن”الذي تفوح من ثناياه رائحة الفساد يتناقض تماما مع کل تلك الخطط و البرامج الطموحة التي أعلنتها و تعلنها حکومة إقليم کوردستان لعکس صورة حضارية مشرقة لتجربة الاقليم سيما من ناحية ترسيخها للمفاهيم الديمقراطية، ففي النظم الديمقراطية لن يبقى أي مسؤول في منصبه مهما قدم من خدمات إذا ماحدث خطأ کبير و فادح”حتى و إن کان غير مقصودا”. ولعل ماحدث لمستشار المانيا الاسبق”ويلي براندت”أثر إکتشاف أن إثنين من الذين يعملون في مکتبه هم عملاء لألمانيا الشرقية، يومها قدم السيد براندت المعروف بخدماته الجليلة التي قدمها لألمانيا(الغربية)إستقالته من منصبه وتحمل برجولة و مبدأية وزر ذلك الخطأ. لکن المشکلة، أن وزير داخلية إقليم کوردستان مصر على البقاء في منصبه ويصر أکثر على تحدي کل القيم و المعايير الديمقراطية. وهذا الامر”أي بقاءه في مرکزه کوزير”هو بحد ذاته يشکل نقطة ضعف قوية لن يکون الوزير لوحده مسؤلا عنها فقط.
کما إنه من المفيد جدا هنا أن نشير الى حقيقة هامة أخرى، وهي أن تلك الخسائر الناجمة عن التفجير و بطأ عمليات الاسعاف و الطوارئ تشير في حد ذاتها الى جانب آخر في المشکلة وهو ان مسألة الاهتمام بطب الطوارئ و الکوارث في کوردستان مازال قاصرا سيما وأن تأثيرات الانفجار الذي إمتد الى مديات واسعة أبعد بکثير من نقطة الانفجار تشير الى أن هناك خلل ما في قضية تشييد الابنية، ولاسيما وأن العديد من شرکات البناء الترکية المعروفة و المشهورة بسعيها لتحقيق أکبر الارباح و من أقصر الطرق، تهيمن على الکثير من مشاريع البناء في أربيل تحديدا. هذه الشرکات لاتولي أية أهمية للنواحي الامنية و العلمية في البناء و لو حدث زلزال”لاقدر الله”في أربيل، فسوف تکون تلك الانفس المحشورة في تلك الابنية الترکية “التصميم و البناء”مهيأة لأن تلاقي حتفها بکل سهولة من دون أن تکون هناك أية فرصة متاحة لها بالنجاة من الموت.
لکن، ومهما تحدثنا، فسوف نعود الى أصل الموضوع والى جوهر القضية، وهو، هل سيعترف السيد الوزير هذه المرة بمسؤوليته و يقدم إستقالته من منصبه، ويکون بذلك قدوة في دفع العديد من الوجوه التقليدية الکوردية”الوزارية” الاخرى التي مل الناس منها لکثرة بقائها في مناصبها؟ أم إنه سوف يعطيها”الاذن الطرشة”کما يقول المثل العراقي الدارج، الارجح هو إنه سوف يبقى في منصبه و قطعا لن أتفاجأ لو سمعت يوما نبأ حدوث تفجير إرهابي في دار السيد الوزير نفسه!!