بدأت معاناة ومشاكل الكورد الفيلية منذ تأسيس دولة العراق بعد الاحتلال البريطاني وإصدار قانون الجنسية رقم 42 لعام 1924 الذي كتبه الانكليز والذي أهمل تماما ألتبعية العراقية بتقسيمه مواطني الدولة الحديثة ألتأسيس إلى تبعية لدولتين أجنبيتين مجاورتين هما تركيا (التبعية العثمانية) وإيران (التبعية الإيرانية) وقسم العراقيين إلى مواطنين من درجات متباينة على أساس هذه التبعية. استغلت الحكومات المتعاقبة على دست الحكم في العراق هذا القانون لأغراض سياسية بحتة ولاضطهاد شرائح من المجتمع العراقي (مثل الكورد الفيلية من مواطني العراق) ولملاحقة الناشطين من الكورد الفيلية في صفوف بعض القوى السياسية العراقية (مثل الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الحزب الشيوعي العراقي) وبذرائع لا تمت للقانون بصلة مباشرة.
واستخدمت الدولة ذلك القانون أيضا كأداة في سياستها الخارجية خاصة أوقات سوء وتأزم العلاقات مع هذه الدولة المجاورة أو تلك. حاول الشهيد الزعيم عبد الكريم قاسم تصحيح الغبن الذي ألحقه قانون الجنسية بشرائح كبيرة من المجتمع العراقي إلا أن انقلاب 8 شباط 1963 انقلب على ذلك الإصلاح بتشريع قانون الجنسية رقم 43 لسنة 1963 الذي كان أسوء من سابقه وأكثر غبنا تجاه شرائح عراقية كبيرة.
ثم جاء البعث ألصدامي وهيمن على الحكم عام 1968 وتمادى في استغلال قانون الجنسية بشكل تعسفي واعتباطي كوسيلة في اضطهاده لشرائح عراقية بأكملها (مثل الكورد الفيلية) وكأداة ضغط في سياسته الداخلية (خاصة ضد الحركة الكوردية في العراق والحزب الشيوعي العراقي وغيرهما من قوى المعارضة العراقية) وكآلة ضغط استخدمها في سياسته الخارجية (خاصة مع إيران). وأصدر قوانين جديدة ضد الكورد الفيلية أهدافها سياسية بحته لها أغراض اقتصادية واضحة (مصادرة الممتلكات) وأبعاد اجتماعية عميقة وتبعات ثقافية كبيرة ونتائج إنسانية مرعبة وآثار نفسية أليمة جدا. كان من بين هذه القرارات القرار ألسيئ الصيت والتعسفي والجائر الصادر عن أعلى سلطة تنفيذية وتشريعية في دولة العراق في حينه وهو مجلس قيادة الثورة المنحل، القرار رقم 666 الصادرة في 7/5/1980 (المدرج نصه في نهاية هذا المقال).
1- القرار صادر عن أعلى سلطة سياسية في دولة العراق وبتوقيع صدام حسين رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس جمهورية العراق والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك، وليس قرارا صادرا عن مديرية جنسية وسفر أو مديرية أمن عامة أو مركز شرطة أو جهة تحقيقية أو قضائية.
2- القرار صريح في نصه وواضح في لغته العربية، ففقرته (1) تنص على أن الذين يشملهم القرار هم من حملة الجنسية العراقية وعراقيون ( تُسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي ) ولا يشمل القرار غير العراقيين ممن يحملون جنسيات أخرى. لا يشمل القرار كل العراقيين الذين هم من أصول أجنبية بل فقط العراقيين ( إذا تبين عدم ولائهم للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة )، أي لثورة 17- 31 تموز 1968. كما أن القرار صريح في نصه وواضح في لغته العربية في فقرته (2) التي تنص على أن المُبعد هو عراقي ممن ” أسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب الفقرة (1)”.
3- القرار صريح في نصه وواضح في لغته العربية، لا لبس ولا غموض فيه في حججه وذرائع صدوره وأهداف إصداره من قبل مجلس قيادة الثورة، فهي حجج وذرائع وأهداف سياسية تماما ( عدم الولاء للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة )، وتعني في حقيقة الأمر عدم الولاء للنظام السابق.
كان من بين الدواعي الحقيقية لإصدار القرار 666 من قبل قمة هرم السلطة الحاكمة آنذاك:
أولا ـ دور الكورد الفيلية في صفوف قوى المعارضة الوطنية والديمقراطية والكوردستانية والإسلامية ككوادر وقيادات في أغلب هذه القوى.
ثانيا ـ قوة الكورد الفيلية الاقتصادية وخاصة التجارية في مركز السلطة بغداد.
ثالثا ـ دورهم في مقاومة انقلاب 8 شباط 1963 الاسود خاصة في مناطق عگد الأكراد والصدرية وباب الشيخ.
وكان من بين أهم أهداف ذلك القرار:
أولا ـ العقاب الجماعي للأسباب المشار إليها أعلاه.
ثانيا ـ القضاء عليهم كقوة اقتصادية وكأحد اهم مصادر التمويل المالي للمعارضة.
ثالثا ـ تصفيتهم كشريحة عراقية متماسكة بإلغاء عراقيتهم وبذلك أيضا إضعاف المعارضة العراقية والحركة الكوردية خاصة في بغداد، عقر دار السلطة المركزية.
رابعا ـ الاستيلاء على ثروات وممتلكات الكورد الفيلية (فرهود).
خامسا ـ كانت بدأ تنفيذ المراحل الأولى لمخططات الأنفال ضد الكورد عموما في العراق.
سادسا ـ خلق صعوبات اقتصادية وأعباء مالية وضغوطات اجتماعية للنظام الجديد في إيران بإبعاد مئات الآلاف من العراقيين إليها كخطوات تحضيرية لشن الحرب عليها.
أما إدعاء ( عدم الولاء للوطن والشعب ) الوارد في القرار فهو اتهام سياسي بحت وتهمة خطيرة جدا ( شبيهة بما يسمى الخيانة العظمى التي عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام )، ولكنها تهمة تستخدم جزافا وبسهولة وبشكل اعتباطي وتعسفي في العراق ومنطقة الشرق الأوسط عموما ويستغلها الحكام والخصوم من أجل تشويه سمعة المقابل والخصم للقضاء عليه سياسيا، أي أنها تهمة تستخدم من قبلهم كأداة سياسية لضرب المعارضين واصحاب الرأي المخالف والخصوم السياسيين حتى ولو لم تكن للتهمة في الواقع الفعلي أية حقيقة أو صدق أو مبرر موضوعي، وتترتب عليها غالبا تبعات واسعة حتى لو لم يتم تثبيت الاتهام بإثباتات وبينات وشواهد يتم التوصل إليها بعد استجواب وتحقيق من قبل سلطة تحقيقية أو قضائية وبدون محاكمات ومرافعات ولو صورية.
بما أن معاناة ومشاكل الكورد الفيلية هي معاناة ومشاكل ناتجة لأسباب وقرارات سياسية بحتة لذا فإن وضع حد نهائي لهذه المعاناة الطويلة ووضع حلول واقعية جذرية لمشاكل هؤلاء المواطنين لا يتم إلا بإصدار قرار من أعلى سلطة تشريعية في دولة العراق الديمقراطية التعددية الجديدة بسَنّ قانون من قبل مجلس النواب حول الكورد الفيلة العراقيين وقضاياهم ومشاكلهم ويشمل الكورد الفيلية الذين لم يتم إبعادهم عن وطنهم العراق والذين تم إبعادهم عن العراق قسريا وتعسفيا، سواء الباقين منهم لحد ألآن في مخيمات اللاجئين في إيران أو ممن تركوها إلى بلدان خارج منطقة الشرق الاوسط أوربا الغربية وأستراليا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، على أن يتضمن مثل هذا القانون رد الاعتبار إلى الكورد الفيلية ورفع تهمة ( عدم الولاء للوطن والشعب ) الباطلة عنهم وتثبيت عراقيتهم وتقديم اعتذار لهم عما سببته لهم دولة العراق من تطهير عرقي وإبادة جماعية ( آلاف من الشهداء المحجوزين المغيبين ) وما سببته لهم من معاناة ومآسي وويلات، وتعويضهم أو تعويض ذويهم عن كل الأضرار التي ألحقتها بهم والخسائر التي سببتها لهم، على أن يكون هذا القانون ملزما لجميع فروع السلطة داخل العراق وخارجه، وأن لا يبقى مثل هذا القرار حبرا على ورق مثل سابقاته من القرارات الإدارية المتعلقة بالكورد الفيلية.
يتطلب صدور مثل هذا القرار السياسي وتشريع مثل هذا القانون وجود إرادة سياسية وطنية فعلية لدى قيادات القوى السياسية الفاعلة والحاكمة ألآن في العراق لاتخاذ قرار سياسي والبدا بتنفيذه. على رأس هذه القوى التحالف الكوردستاني والائتلاف العراق لأسباب واضحة، من بين أهمها دور الكورد الفيلية في الأحزاب الكوردستانية والتنظيمات السياسية الدينية بالاضافة الى القوى الوطنية الاخرى، لأن مثل هذا الحل السياسي لا يتحقق من تلقاء نفسه بمجرد الكلام أو بمعجزة أو بسحر ولا يأتي من الغيب بل يتطلب اتخاذ خطوات من قبل قيادات هذه القوى بعد توفر الإرادة السياسية لديها لاتخاذ مثل هذا القرار السياسي ووضعه موضع التنفيذ ومتابعة تنفيذه. فهل تتوفر مثل هذه الإرادة لدى قيادات القوى السياسية الحاكمة؟ وهل هي راغبة في اتخاذ قرار سياسي بهذا الشأن؟ وهل هي مستعدة لوضع هذا القرار موضع التنفيذ ومتابعته؟
أما تقديم الحلول الجزئية وأنصاف الحلول بعد مرور كل هذا الوقت الطويل، وتحويل القضية السياسية إلى إجراءات جزائية وإدارية بين دوائر الجنسية والدوائر ألأخرى في وزارة الداخلية ووزارة الخارجية والسفارات وغيرها من الوزارات من جهة والكورد الفيلية كأفراد من جهة أخرى (كما حصل مثلا بالنسبة لقضية الممتلكات غير المنقولة العائدة لشريحة الكورد الفيلية بتحويلها من قبل الدولة إلى أملاك متنازع على ملكيتها بين أفراد هم أصاحبها الشرعيين الأصليين ومالكيها الحاليين والتي أدت إلى القتل والتهديد بالقتل وتكاليف باهظة وإجراءات إدارية وقضائية لا نهاية لها). سيتطلب النظر في هذه القضايا الجزائية والإدارية عمليا صدور قرارات جزئية عديدة أخرى من دوائر رسمية عديدة تابعة لوزارات عديدة وعلى مختلف المستويات وسيستغرق تنفيذها، إذا صدرت، وقتا طويلا وستغرق هذه المعاملات (وهي غارقة ألآن فعلا) في بحار من ألإجراءات البيروقراطية لجهاز إداري يعاني من عدم الانضباط الواسع ومن الفساد الاداري والمالي المستشري.
الخطوات ونصف الحلول والقرارات الجزئية والتوصيات (التي تطَلب اتخاذها وإصدارها أكثر من أربعة سنوات منذ سقوط النظام السابق في 9/4/2003 ورغم مرور أكثر من ثمانين سنة على تأسيس دولة العراق) سوف لن تضع حدا لمعاناة لهؤلاء المواطنين ألآن أو في المستقبل، وهي ليست حلولا نهائية للقضايا والمشاكل التي يعاني منها المواطنين الكورد الفيلية في العراق، مع احترامنا وتقديرنا لجهود كل الخيرين من أصحاب النوايا الحسنة الذين يحاولون بجد وضع بعض الحلول الجزئية، التي لا تجد طريقها الى التنفيذ في اغلب الاحيان، لبعض جوانب معاناة الكورد الفيلية وقضاياهم ومشاكلهم المعلقة لحد ألآن.
إضافة إلى ذلك فأن الإجراءات الحالية، رغم ترحيبنا بها كما ذكرنا، هي في الحقيقة أوامر إدارية وتوجيهات توضيحية لإجراء اللازم بشأن توصيات لجان ولتنفيذ قرارات دوائر إدارية أخرى. مثل هذه التوصيات والقرارات والأوامر الإدارية يمكن نقضها وإلغائها وتغييرها والتلاعب بها إذا تغير المسئولون أو تبدل المناخ السياسي والمزاج العام أو إذا اختفت النوايا الحسنة أو لغيرها من ألأسباب.
وبما أن الكورد الفيلية في حالة ضعف سياسي ألآن وبدون تمثيل فاعل في مجلس النواب العراقي والبرلمان وبدون حضور سياسي فعلي في أروقة ومراكز اتخاذ القرار سواء في المركز أو في الإقليم، أي كونهم ألآن بدون ممثلين تتوفر لهم مجالات التحرك السياسي، ممثلين يتمتعون بالإرادة السياسية المستقلة ولديهم المجال والقدرة والفرصة على اتخاذ المبادرة ( مع تقديرنا لجهود عضوه مجلس النواب الحالي السيدة سامية عزيز) في مجلس النواب العراقي والبرلمان وفي الحكومة، فان المتحرك الأساسي حول الكورد الفيلية وقضاياهم ومشاكلهم هو الدولة التي تتخذ أو لا تتخذ قرارات، وتتبنى أو لا تتبنى إجراءات، لوحدها دون أن تكون هناك قوى سياسية كوردية فيلية أو غير فيلية داخل مجلس النواب العراقي والبرلمان والحكومة قادرة على تقديم مقترحات أو مشروع قانون أو مسودة قرارات منصفة وعادلة لصالح استعادة الكورد الفيلية لحقوقهم المغتصبة ( تأخذ بنظر الاعتبار وجهة النظر الكوردية الفيلية بحيث لا تضر بالمصالح المشروعة للمواطنين العراقيين ألآخرين ولا بسلامة المواطن العراقي ولا بأمن البلاد ) لمناقشتها واتخاذ قرارات بشأنها وتبنيها على أن تكون ملزمة لكل أجهزة ودوائر السلطة التنفيذية داخل العراق وخارجه.
ملاحظة ذات علاقة بموضوع البحث. يبدو لحد ألآن أن الكورد الفيلية كشريحة عراقية عريقة وأن معاناتهم وقضاياهم يكتنفها الغموض وقلة المعرفة أو أنها مجهولة عند بعض مسئولي الدولة العراقية. ويبدوا وكأن هويتهم العراقية وقضاياهم قد اختفت من الذاكرة الرسمية لدولة العراق الجديدة. نشير في هذا الصدد على سبيل المثال لا الحصر إلى ما ورد في نص الكتاب رقم 11937 المؤرخ في 7/4/2007 الصادر عن (المتابعة، مديرية شؤون الجنسية، المديرية العامة للسفر والجنسية، وزارة الداخلية، جمهورية العراق)، الموجه (إلى/مديريات السفر والجنسية في المحافظات) والذي موضوعه (م/عشيرة الكرد ألفيليين) الذي ينص على (أرسلت ألينا وزارة الداخلية / مكتب السيد الوزير بكتابها المرقم 6466 في 29/3/2007 محضر اللجنة الخاص بكيفية منح الجنسية العراقية لأفراد عشيرة الكرد ألفيليين و أوعزت إلينا بالمباشرة بتنفيذ ما ورد من توصيات والتضمن ما يلي: 1- تقديم طلب الحصول على الجنسية العراقية لإفراد هذه العشيرة. 2- تدوين إفادة صاحب الطلب مع إفادة ثلاث شهود لتثبيت محل ولادته ووالده وجده ورعويته السابقة واصل انتمائه العشائري. 3- تقدم قيده ووالده وأفراد عائلته لعام 1957. 4- ترفع المعاملة إلى مديرية شؤون الجنسية لغرض تدقيقها من الجانب القانوني تمهيدا لمنحه شهادة الجنسية العراقية وفق المادة (3/أ من قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2006. لإجراء اللازم بموجبه وبكل دقة.. رجاء، اللواء ياسين طاهر الياسري، مدير عام السفر والجنسية، 3/4/2007).
مع تثميننا لهذه الخطوة وتقديرنا للقائمين عليها نود أن نشير إلى بعض النقاط الواردة في الكتاب للتوضيح. أولا الكرد ألفيلية ليسوا عشيرة بل احدى اكبر مكونات الشعب العراقي تقطن في أماكن عديدة من العراق، من كركوك حتى البصرة ومن شرق ضفاف دجلة والفرات حتى الحدود وتتشكل من عشائر عديدة. ثانيا الغالبية العظمى من الكورد الفيلية عراقيون حاصلون أصلا على شهادة الجنسية العراقية ولكن النظام السابق أُسقط جنسيتهم العراقية وصادر منهم جميع مستمسكاتهم بضمنها شهادة الجنسية العراقية، لذا من المفروض أن يكون طلب استعادة وليس طلب الحصول على شهادة الجنسية العراقية من قبلهم، مع ترحيبنا بما جاء في الكتاب من تأكيد على (وبكل دقة) عند إجراء اللازم لمنع أي استغلال أو سوء استعمال من قبل الإرهابيين خاصة الأجانب منهم للتسلل إلى العراق وقتل أهلنا كما فعلوا في الصدرية وشارع الكفاح في بغداد لثلاث مرات متتالية في أقل من خمسة أشهر وفي خانقين وغيرها من مناطق تواجد الكورد الفيلية.
الاتحاد الديمقراطي الكوردي الفيلي
5/5/2007
البريد الالكتروني: info@faylee.org
العنوان الالكتروني: www.faylee.org
المصادر:
1 ـ قرار رقم 666 حول اسقاط الجنسية العراقية عن المواطنين العراقيين
www.faylee.org/docs/res_666.htm
2 ـ كتاب وزارة الداخلية الموجه الى مديريات السفر والجنسية في المحافظات
www.faylee.org/docs/doc35.htm
3 ـ قانون الجنسية العراقية رقم 42 لسنة 1924 وتعديلاته
www.faylee.org/docs/law_42.htm