تضم الجمعية الثقافية الكردية في مدينة لارفيك النرويجية مجموعة خيِّرة من الأكراد في المهجر، جلَّهم من النخبة الكردية المثقفة المدركة لطموحات شعبها الكردي في الحرية والتقدم. وتقود الجمعية مجموعة شابة متحمسة للعمل الجاد المنظم، ومدركة حقيقة الأوضاع التي تحكم كردستان والعراق.
في إطار نشاطات الجمعية لهذا الموسم، نظمت سيمينارا عن مدينة كركروك الكردستانية يوم السبت المصادف 14 أبريل 2007، دعت فيها الدكتور خالد يونس خالد من السويد لإلقاء محاضرة عن مايجري في كردستان والعراق بصدد مدينة كركوك. حضر السيمينار جمع من الشباب الكردستانيين المحبين لمدينة كركوك الكردستانية. كان محور السيمينار المادة 140 من الدستور العراقي المتعلقة مباشرة بإشكالية كركوك، وخلفية هذه المادة ومراحل تطبيقها والعراقيل التي تعرقل تنفيذها.
أشار الدكتور خالد يونس خالد إلى مقدمات قضية كركوك من الناحية الدستورية قبل تثبيتها في الدستور العراقي الدائم. فتحدث عن المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية في آذار 2004، وهي المادة الرئيسية التي تبحث اشكالية مدينة كركوك وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة بصددها. وتؤكد هذه المادة على أن:
(أ) تقوم الحكومة العراقية الانتقالية ولا سيما الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وعلى وجه السرعة، باتخاذ تدابير، من اجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك، من خلال ترحيل ونفي الافراد من اماكن سكناهم، ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها، وتوطين الافراد الغرباء عن المنطقة، وحرمان السكان من العمل، ومن خلال تصحيح القومية. ولمعالجة هذا الظلم، على الحكومة الانتقالية العراقية اتخاذ الخطوات التالية:
1. فيما يتعلق بالمقيمين المرحلين والمنفيين والمهجرين والمهاجرين، وانسجاما مع قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، والاجراءات القانونية الاخرى، على الحكومة القيام خلال فترة معقولة، باعادة المقيمين الى منازلهم وممتلكاتهم، واذا تعذر ذلك على الحكومة تعويضهم تعويضا عادلا.
2.بشأن الافراد الذين تم نقلهم الى مناطق واراض معينة، وعلى الحكومة البت في امرهم حسب المادة 10 من قانون الهيئة العليا لحل النزاعات الملكية العقارية، لضمان امكانية اعادة توطينهم، او لضمان امكانية تلقي تعويضات من الدولة، او امكانية تسلمهم لاراض جديدة من الدولة قرب مقر اقامتهم في المحافظة التي قدموا منها، او امكانية تلقيهم تعويضا عن تكاليف انتقالهم الى تلك المناطق.
3. بخصوص الاشخاص الذين حرموا من التوظيف او من وسائل معيشية اخرى لغرض اجبارهم على الهجرة من اماكن اقامتهم في الاقاليم والاراضي، على الحكومة ان تشجع توفير فرص عمل جديدة لهم في تلك المناطق والاراضي.
4. اما بخصوص تصحيح القومية فعلى الحكومة الغاء جميع القرارات ذات الصلة، والسماح للاشخاص المتضررين، بالحق في تقرير هويتهم الوطنية وانتمائهم العرقي بدون اكراه او ضغط.
(ب) ـ لقد تلاعب النظام السابق ايضا بالحدود الادارية وغيرها بغية تحقيق اهداف سياسية. على الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم التوصيات الى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة. وفي حالة عدم تمكن الرئاسة الموافقة بالاجماع على مجموعة من التوصيات، فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالاجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم التوصيات. وفي حالة عدم قدرة مجلس الرئاسة على الموافقة على محكم، فعلى مجلس الرئاسة ان تطلب من الامين العام للامم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.
(ج) ـ تؤجل التسوية النهائية للاراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها كركوك، الى حين استكمال الاجراءات اعلاه، واجراء احصاء سكاني عادل وشفاف والى حين المصادقة على الدستور الدائم. يجب ان تتم هذه التسوية بشكل يتفق مع مبادىء العدالة، اخذا بنظر الاعتبار ارادة سكان تلك الاراضي.”
شرح الدكتور خالد يونس خالد في السيمينار بأن استكمال تنفيذ متطلبات المادة 58 أعلاه من مهمة السلطة التنفيذية العراقية. واستنادا لما تقدم، كانت المادة 140 من الدستور العراقي الحالي تبث في قضية كركوك، وهو الدستور الذي صوت عليه الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته القومية بالموافقة بنسة 80 بالماءة في 15 أكتوبر 2005. وتعالج هذه المادة الأساسية من الدستور العراقي الحالي جوهر قضية كركوك، وتضع لها حلولا مناسبة إذا أرادت لها الحل طبقا لما أقره الشعب العراقي في الاستفتا الشعبي. وتؤكد المادة على:
أولا: تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) بكل فقراتها من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.
ثانيا: المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر الى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على ان تنجز كاملة (التطبيع، الاحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الاخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة اقصاها 31/ 12/ 2007.
وقد سبق الاستفتاء الشعبي على الدستور العراقي تصريح تاريخي مهم في شهر يوليو 2005 للدكتور كمال الكركوكي نائب رئيس البرلمان الكوردستاني لـ (أصوات العراق) أن مشروع دستور أقليم كوردستان يتضمن مادة تقول إن كركوك هي عاصمة الأقليم. وقال إن لجنة التفاهم والحل الوطني قدمت مذكرة لحل قضية كركوك للجهات المسؤولة تتضمن عدة نقاط. وقال الدكتور الكركوكي ” هناك مشروع لدستور أقليم كوردستان ولم يتم بعد تقديم هذا المشروع للبرلمان واجراء مناقشة عليه وهذا المشروع يتضمن مادة تنص على أن مدينة كركوك تكون عاصمة لاقليم كوردستان ولكن تثبيت المادة يتوقف على مصادقة البرلمان عليه”. وجاء التصريح استنادا إلى حقيقة كردستانية كركوك، وضرورة تطبيق المادة 140 من الدستور، لأنها الوسيلة المثلى التي تحل الاشكالية في العراق، وترسخ الديمقراطية وتنقذ العراق من كارثة حرب داخلية. فكركوك قلب كردستان ولا يمكن للشعب الكردي التنازل عنها، وهذا ما أكد عليه الزعيمان الكردستانيان البارزاني والطالباني مرارا وتكرارا.
ماحدث في الساحة العراقية لم يكن متوقعا، حيث تجاوزت الحكومة السابقة الدستور برئاسة السيد إبراهيم الجعفري، ولم تتحمل مسؤوليتها في تنفيذ المادة 140 بل تلكأت في واجباتها بشكل بعيد عن المسؤولية، وهي بذلك تجاهلت الدستور الذي أقره الشعب العراقي. وهذا ما دفع القادة الكرد شجب الإهمال. وطبيعي كان موقف الكرد الرافض لعدم احترام حكومة الجعفري التزاماتها بصدد مدينة كركوك سببا من جملة أسباب أخرى بعدم تجديد ولايته للحكومة العراقية.
ونقلت صحيفة الحياة اللندنية في 10-7-2005 أن الرئيس جلال الطالباني أرسل رسالة الى رئيس الوزراء آنذاك ابراهيم الجعفري إتهمه فيها بـ «خرق» الاتفاقات المعقودة بين الشيعة والأكراد، وبـ «التفرد» في اتخاذ القرارات، وعرقلة تسوية قضية كركوك، وتهميش نوابه الاكراد. وقال له: “لا يمكننا السكوت والقبول بفرض الأمر الواقع علينا”.
وفي مؤتمر صحافي مشترك للرئيسين البارزاني والطالباني في يوليو 2005 أكداعلى ضرورة تمكين الأكراد الذين طردهم نظام صدام حسين من كركوك العودة إليها على الفور قبل المصادقة على الدستور الجديد في 15 أكتوبر 2005. وأشارا إلى ضرورة المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية على الفور. على أساس أن تسمح الحكومة العراقية للسكان الذين طُرِدوا من كركوك بالعودة إليها أو الحصول على تعويضات عادلة ضمن مهلة زمنية منطقية، و أن تسمح للذين استقروا فيها بإيجاد أرض في مسقط رأسهم الأصلي. وقد جاءت تلك التصريحات ردا على الموقف المائع لرئيس الوزراء السابق إبراهيم الجعفري، في تصريحه “أن مسألة مدينة كركوك النفطية معقدة وقد يستغرق حلها وقتاً طويلاً”.
بعد تولي السيد نوري المالكي الحكومة الجديدة، أدلى بتصريحات مشجعة باحترام بنود الدستور العراقي، ولا سيما المادة 140 المعتمدة على المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية. ولهذا جاءت حكومته ببرنامج مهم، حدد في الفقرة 22 المتعلقة بمدينة كركوك، وهذا نصها:
“تلتزم الحكومة بتنفيذ المادة 140 من الدستور، والمعتمدة على المادة 58 من قانون إدارة الدولة والمتمثلة بتحديد مراحل ثلاث: التطبيع والإحصاء والإستفتاء في كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها. وتبدأ الحكومة إثر تشكيلها في إتخاذ الخطوات اللازمة لإجراءات التطبيع بما فيها إعادة الأقضية والنواحي التابعة لكركوك في الأصل وتنتهي هذه المرحلة في 29/3/2007 حيث تبدأ مرحلة الإحصاء فيها من 31/3/2007 وتتم المرحلة الأخيرة وهي الإستفتاء في 15/11/2007”.
كان السيد المالكي رئيس الوزراء متحمسا من الناحية النظرية في برنامجه المطروح المتعلق بكركوك حسب ماجاء في الفقرة 22 أعلاه. واستمر في حماسه النظري إلى درجة أنه شكّلَ لجنة خاصة سميت بـ “لجنة تنفيذ المادة 140” برئاسة السيد هاشم الشبلي وزير العدل السابق. وقامت اللجنة بمهامها وأنجزت بعض المراحل النظرية في تحقيقاتها، وأصدرت سلسلة من القرارات المهمة بهذا الصدد في 5/4/2007 ورفعتها إلى السيد المالكي رئيس الوزراء للموافقة عليها طبقا للدستور.
تأتي الاشكالية في جانبها العملي، حيث تحول حماس السيد المالكي النظري إلى تجاهل وإهمال في الجانب العملي. ولجأ المالكي رئيس الوزراء إلى أساليب الخداع والمناورة والإلتفاف على الدستور كما فعل الجعفري من قبله. فبدلا من أن يوافق على قرارات لجنة تنفيذ المادة 140، رفع تلك القرارات إلى مجلس الوزراء، وصدر المجلس بدورها قرارا تنص على رفع موضوع التصديق على قرارات لجنة تنفيذ المادة 140 المصادق عليها من مجلس الوزراء لعرضها على مجلس رئاسة الجمهورية ومن ثم عرضها على مجلس النواب.
هنا تكمن المشكلة لأن عملية تنفيذ وتطبيق المادة 140 أصابت بنوع من الشلل النصفي، حيث لا يمكن تنفيذ أي قرار من السلطة التنفيذية إلاّ بعد مرورها بسلسلة طويلة ومعقدة من المراحل، تتطلب موافقة مجلس رئاسة الجمهورية ومجلس النواب.
إذن تجاوزَ السيد المالكي الدستور كما فعل الجعفري، وخرق ما ورد في مواده، فإذا كان رئيس الوزراء مثالا لخرق الدستور فما بال الآخرين في احترام الدستور؟ إن مخالفة المالكي للدستور تعني تعطيل مواده، ويعني أيضا تأييده سياسية التعريب البعثصدامي بحق الشعب الكردي والشعب العراقي ككل في المحك العملي. بل أن المالكي يساهم في تعميق الخلافات بين الفرقاء، وهو يختفي وراء ما يسمى خطة الأمن التي لا محل لها من الإعراب في الواقع العراقي الراهن. وما فعله المالكي يشكل سابقة خطيرة تحطم جسور الثقة والتفاهم بين الحليفين الكردي والشيعي، وهو يريد أن يفتح جبهة جديدة للخلافات، مما يهدد السلام والأمن في العراق.
إن ما تؤكد عليها المادة 140 هو ضرورة حل إشكالية كركوك في ثلاث مراحل، تبدأ المرحلة الأولى في 29 آذار 2007 بانتهاء التطبيع في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها. ولحد اليوم لم يتم إتجاز المرحلة الأولى من هذه المراحل. ولازالت المرحلتان الثانية والثالثة تتراوحان في أماكنهما، وهما مرحلة الإحصاء في 31/7/2007 ومرحلة الإستفتاء في 15/11/2007. وإذا لم تُنَفذ المادة 140 في موعد تنفيذها النهائي في 15/11/2007، ينتهي مفعول المادة. وهذا يعني أنه يجب البدء من جديد في مشوار طويل قد يستغرق وقتا طويلا، بل قد لايؤدي إلى أي حل لمشكلة كركوك في ظل نظام لا يحترم الدستور، ولا يفهم اللعبة الديمقراطية ولا يمارسها. وعليه لابد للشعب الكردي وقياداته أن يتخذوا موقفا مبدئيا، وطبقا للدستور، مطالبين قولا وعملا بضرورة تنفيذ المادة 140 في مراحلها الثلاث في الموعد المحدد في الدستور. وإذا لم يتخذ رئيس الوزراء مسؤوليته الدستورية فيجب تقديم دعوى قضائية ضده في المحكمة الدستورية بأسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان. ومن هذا المنطلق فالشعب الكردي مطالب بالتحرك بكل الوسائل القانونية المشروعة للضغط على القيادات الكردستانية والعراقية. فلا كردستان بلا كركوك، ولا إنسان بلا قلب.
لقد دفع هذا التميُع وهذه اللامبالاة في قضية كركوك بعض الجهات غير المسؤولة، ومنها “موقع الحوار المتمدن” بشن حملات عدائية للشعب الكردي هدفها نسف المادة 140 وحذفها من الدستور لتعميق التناقضات بين أطياف الشعب العراقي. لقد كشفت هذه الجهات القناع عن عدائهم البغيض للديمقراطية وحقوق الشعب الكردي، من أجل الرجوع بالانجازات التي حققها الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته إلى العهد البائد البغيض.
طرح المشاركون في السيمينار مجموعة مهمة من التساؤلات. وجرى حوار هاديء مفعم بالمسؤولية. ومن بين أهم الأسئلة المطروحة والنقاط التي دارت المناقشة حولها هي:
ماذا يمكن للقيادات الكردستانية أن تفعل في حالة عدم تنفيذ المادة 140؟
هل عملت القيادات الكردستانية بما فيها الكفاية من أجل كركوك؟
هل أن عدم تنفيذ المادة 140 نتيجة إهمال الحكومة العراقية؟
كان هناك نوع من الإتفاق أن الولايات المتحدة الأمريكية غير جدية في دفع الحكومة العراقية تنفيذ المادة 140 بحجة أن الوقت غير مناسب في الوقت الحاضر.
وناقش المشاركون أهمية وحدة الخطاب السياسي الكردستاني والوقوف مع القيادة الكردستانية في العمل والنضال من أجل تنفيذ المادة 140 بدون مساومة وتردد. فكركوك ليست مسؤولية القيادة وحدها بل هي مسؤولية كل وطني شريف، لأنها تستحق النضال المتواصل من أجل التطبيع والاحصاء والاستفتاء.
في حالة نجاح الاستفتاء، ورجوع المدينة الكردستانية إلى كردستانيتها في إطار أقليم كردستان، فستكون عاصمة للأقليم دون أن تكون عائدة لهذا الحزب أو ذاك. فكركوك الكردستانية مدينة السلام والوئام لكل الكردستانيين بكل أطيافهم وميولهم وتوجهاتهم وأعراقهم.
احترام الدستور الذي أقره الشعب إذا أراد للعراق دولة فيدرالية ديمقراطية برلمانية تعددية، لذلك لابد من تنفيذ المادة 140.
لن تنجح الديمقراطية والفيدرالية في العراق بدون كركوك وإعادتها إلى كردستانيتها.
لا سلام ولا استقرار ولا أمن بدون حل اشكالية كركوك في إطار تطبيق المادة 140 بكل تفاصيلها.
لا مساومة على كركوك ولا تنازل عنها، لأنها صمام الأمان للعراق ككل.
دام السيمينار ثلاث ساعة من الحوار وتبادل الآراء المفيدة.
السويد/النرويج 4/5/2007
الكاتب سويدي كردستاني، عضو إتحاد الكتاب السويديين ونادي القلم السويدي والمعجم السويدي
رئيس تحرير مجلة دراسات كردستانية بالسويد