في يوم 14 اذار من كل سنة، واحياء للذكرى السنوية لميلاد البارزاني القائد تتوجه الجماهير الكوردستانية شباباً وشيباً ونساء وعجزة واطفالاً واصدقاؤهم من غير الكورد، في ممارسة تلقائية نحو منطقة بارزان الصمود والتحدي حيث ضريح الراحل مصطفى البارزاني والفقيد ادريس البارزاني، تجديداً لعهد الوفاء في السير على نهجه، وكيف لا وهو الذي صار ابرز معالم الامل والثقة لشعب كوردستان طوال قرن مضى، فقد جدد فيهم الامل وحتمية البقاء والنهوض والتقدم في جميع ميادين الحياة ، ومهما طال الحديث عنه وما حققه عبر سنوات عمره الحافلة بالنضال والعطاء، يبقى دائماً شهادة ضمن شواهد كثيرة تعكس جوانب من التاريخ النضالي لهذا المناضل الفريد من نوعه، وبالطبع فأن معاصريه من رفاقه في السلاح والعقيدة من البيشمركة القدامى وهم الاكثر قدرة على استذكار بعض الجوانب التفصيلية من سيرة هذا الانسان المناضل الكبير، وما ان يبدأوا الحديث عنه حتى تغرورق عيونهم بالدموع وترتسم على شفاههم ابتسامة حزينة تعبر كل التعبير عن اعتزازهم بالذكريات التي يحملونها عنه والتي صارت تشكل الجزء الاساس من صدى ضمائرهم، ويعدون هذه الاستذكارات وشرف النضال تحت رايته، أوسمة يعلقونها على صدورهم، ويروون كيف كان ذلك الرجل العظيم وهو يشحذ فيهم الهمم ويرتقي ببعض الرجال الاقل كفاءة الى مصاف اناس جريئين واثقين كل الثقة بأنفسهم بل وقادة سياسيين وعسكريين اثبتت الايام حسن ظن البارزاني بهم مما اتخذوا من نمط حياته وبساطته وقوة ارادته وصبره اللامحدود نهجاً لهم في مسيرتهم النضالية والحياتية وحتى الاستعداد للتضحية بكل شئ من أجل قضية شعبهم، لذا اصبح البارزاني نموذجاً لهذا الشموخ والاعتداد بالنفس الى جانب بلاغته الرائعة في التوجيه، أي بمعنى أنه كان ينتقي الكلمات بدقة وبمفهوم واضح وصريح سواء من خلال لقاءاته واجتماعاته وتصريحاته ومخاطبة أي فرد أو مناقشة خصومه دون اللجوء الى أية نبرة متطرفة او متشددة بل اتصف بالاعتدال والواقعية في طرح افكاره، والميزة التي اتصف بها في قراراته لتصحيح خطأ أو حسم قضية ما، كانت تأتي في وقتها المناسب وتحقق نتائجها الايجابية والمطلوبة لخدمة المسيرة، ولم تكن قراراته ضمن اختصاص أو توصية واحد أو اهتمام محدد وانما كانت متوازنة تتناول كل ما له علاقة بمسيرة الحزب ونضاله وكذلك في جبهات الدفاع عن قضية شعبه وحياة كل انسان ضمن المكان الذي يكون فيه وكان يحاول القضاء على الفوارق الطبقية والامتيازات الاجتماعية ويحقق المساواة بين الجميع، وبهذه الطريقة توفرت مناخات واجواء وممارسات ومفاهيم كان لها الاثر الفعال في رفع معنويات المجتمع الكوردستاني
وتعزيز ثقتهم بنفسهم، كيف لا وهو القائل (ان من يتعرض الى ممتلكات الناس، والذي تسول له نفسه يوماً سرقة اموالهم لا يمكن ان يكون مدافعاً اميناً عنهم وبذلك يسهل عليه قتل الابرياء منهم) مضيفاً (لقد اخترنا هذا النهج بمحض ارادتنا ومن منطلق ايماننا بقضيتنا العادلة ومبادئ ثورة ايلول المباركة، ونحن لا نضع يوماً في حساباتنا بأننا سنجني ثمار نضالنا بل انها للاجيال القادمة من بعدنا) وهذا ما اثبتته الايام وأوجد هذا الزخم الهائل للوفاء الى نهج ذلك القائد، هذا الى جانب تمتعه بصفات جسمية وبدنية وشكلية وشخصية قوية وخصال معنوية مؤثرة ترتكز على البساطة والكرم والشجاعة ورجاحة العقل وبعد النظر وسرعة البديهة وفصاحة اللسان، وكان تأثيره في كل الاوساط بالغاً ومفعماً بالمحبة والرضا والقناعة والثقة به كقائد حريص لا يدخر جهداً في خدمة امته وبصيغ تعلو فوق كل الصيغ المتداولة في علاقة الزعماء بشعوبهم، فوجده ابناء الشعب قريباً من نبضهم عميقاً في احساسه بهم، مهتماً بأحلامهم المشروعة وتطلعات الخير في نفوسهم موظفاً كل قدراته لخدمتهم، وايمانه بالشعب جعله يمارس مبدأ (ان الشعب هو مصدر القوة ويخضع للمحاسبة كل من يحيد عنه) ولم يكن البارزاني الراحل في المواجهات الا احرص الجميع واكثرهم ادراكاً لمدى حاجة كوردستان الى الاستقرار الحقيقي لتعويض الزمن والخسائر التي لابد من تحملها اذا كانت تلك المواجهات متمثلة بالملاحم والبطولات الكبيرة التي شهدتها ثورة ايلول وعموم الحركة التحررية الكوردستانية، وليس عجباً ان تكون كل ابوابه مشرعة امام البيشمركة والمواطنين للقاء بهم والحديث اليهم وجهاً لوجه من دون قيود أو حواجز أو تعقيدات، يلقاهم بوجه صبوح وابتسامة مشرقة… يشاطرهم الهم، يتجاذب اطراف الحديث معهم عن احوالهم ومختلف جوانب حياتهم بما فيها همومهم الشخصية، باثاً فيهم روح العزم فاتحاً امامهم ابواب المستقبل المشرق الذي يحفظ لهم كرامتهم، كانت قراراته تنفذ بكل دقة في كل منطقة من حدود الثورة بدءاً من خانقين وبرحابة صدر وقناعة حتى آخر حدود كوردستان، وكان رحمه الله يدعو دائماً الى الالتزام الكامل بالعادات والتقاليد الاصيلة للامة دون ان يحيد عنها لانها نابعة من جذور تاريخها العريق، وكان احرص الناس في تحقيق التعايش السلمي والاخوي بين القوميات والديانات المتعايشة في كوردستان وضمان حقوقهم المشروعة، ورغم احتدام الصراع بين البيشمركة وقوات النظام وممارستها القتل الجماعي والابادة فأنه لم يلجأ يوماً الى العنف أو نقل أوار الحرب الى المناطق الاخرى من العراق سيما المدنية منها ايشماناً منه بعدم اخذ الآخرين بجريرة النظام.
نعم ان البارزاني كان ملكاً لكل الكوردستانين ولكل الاحرار في العراق وهذا ما نشاهده كل سنة حيث تتجه الجماهير الكوردستانية جموعاً وفرادى تلقائياً الى ضريح الخالدين. يقيناً منهم بأنه كرس جل حياته لخدمتهم وتحقيق امالهم وهو القائل ( أنا رجل ديمقراطي أحب ان اعيش وشعبي بسلام وهدوء ومساواة، واذا تسنى لي ان ارفع راية كوردستان في أي نقطة من ارضها فأنني سأضحي بحياتي من أجل ذلك) وها هو العلم الكوردستاني يرفرف اليوم فوق كل بقعة من ارض كوردستان لانه كان واثقاً بأن نضاله الدؤوب ورفاقه في الكفاح سيؤتي ثماره لا محال وكان اقصى امانيه وطموحه ان يكون وطنه عامراً وشعبه أمناً يعيش في رخاء وازدهار، ولو قرأنا تأريخ الامم والشعوب لثبت لنا وبالدليل القاطع انها قل ما تتذكر رؤوساءها لانهم جاؤوا ورحلوا في غمضة عين دون ان يتركوا اثراً يذكر، وما زيارة الجماهير الكوردستانية والوفود الاجنبية ورؤوساء الدول والاحزاب السياسية الكوردستانية والعراقية الا عرفانا بتأريخه المشرق الوضاء كشموخ الجبال ورمزاً لأرتباط اسمه بالحركة التحررية الكوردستانية ووجودهما معاً.