الرئيسية » الآداب » حوار مع الفنان التشكيلي الكوردي لطفي جعفر

حوار مع الفنان التشكيلي الكوردي لطفي جعفر

– من مواليد محافظة حلب – منطقة (عفرين) عام 1942، تخرج من مركز الفنون التشكيلية بحلب عام 1961.
– شارك في معارض فنية بشكل فردي أو جماعي، في مونتريال بكندا، في عامي 1967 و1972.
– أقام معرضاً في مدينة نيويورك عام 1991، وأخيراً معرضاً فردياً في مدينة حلب بداية عام 2000.
– عضو نقابة الفنون الجميلة واتحاد الفنانين التشكيليين العرب.
قال عنه الفنان التشكيلي السوري شريف محرم:
” إن الفنان لطفي جعفر وجد في الحرف العربي ضالته الجمالية والحركية، التي تعبر عن إيقاعية الحياة، ورقصة باليه في إيقاع الحروفية، وصولاً إلى غاية جمالية حقيقية”.
لطفي جعفر، بيده طيف ألوان قوس- قزح، يغطي الصفحة البيضاء من القماش الخجول. كانت قيثارة الكردي بمثابة شفاه نهر آخر من الألوان، كانت تشتعل في مضيق روحنا… آهات مدندنة… معزوفة كانت تجلبنا معها، كما تجلب الريح نُدَف الثلج… بعدها كانت تسلمنا إلى صغير أسطوري بشكل قيثارة أو ريشة أو قلم رصاص يثقب جدار صمتنا الطويل… يدغدغ خاصرة الخوف فينا.
في ذلك الوادي المرمي على طرفي خاصرة عفرين، وعلى تلك الصفحة البيضاء، كان لطفي جعفر يفرش ألوانه الصاخبة على شكل تمرد عفوي. راح يرسم لنا قصيدة الألم؛ حينها كانت ورود الشمس، وأروعها زهرة النرجس، تزهر من تحت الجليد. مع ولادة آخر لوحة للفنان لطفي جعفر، الذي ترك بصماته الواضحة على أبواب مدينة حلب، كان لنا معه هذا الحوار:
س1- مسيرتك الفنية حافلة بالإبداع الفني؛ فهل وجدت- في معرضك الأخير- لوحتك المبدعة؟.
ج1- إذا كانت الفلسفة، منذ أرسطو وحتى الآن، تنحصر في إقامة نسق ذهني يرمز إلى عالم الأشياء، ويميل إلى تفسير ظواهره، فإن الفنان باستطاعته أيضاً أن يعالج ويفسر هذه الأشياء تفسيراً وجدانياً، مستعيناً في ذلك بحاسته الفنية، والتي بدورها تمنحه قدرة على الإبداع وابتكار عالم جديد، يفيض بالحياة وينبض بالصورة والأشكال والألوان. ومن الواضح أن لكل عصر تصوراته الخاصة وأفكاره التي يلتزم بها. وبحثي ينحصر في المفهوم التراثي، واستخدام هذا التراث في قوالب عصرية؛ وهذا ما نسميه عَصرَنة التراث. ولنا تراث عريق، وبإمكاننا أن نبدع أكثر في اللوحة الفنية، ونسجل حضورنا في الساحة الفنية العالمية بكل جدارة.
س2- ماذا تعني لك اللوحة الفنية؟ قصيدة شعر أم مقطوعة موسيقية؟.
ج 2 – اللوحة الفنية هي قصيدة شعرية، تنبعث من مضمونها ألحان موسيقية؛ وهي خلاصة جمالية الحياة و عشقها. وسعادة الإنسان تتوزع بين هذه السيمفونيات الثلاث، وبدونها تنعدم الحياة.
س3 – ماذا عن الخط العربي ودوره في تكوين اللوحة وتحديث الكتلة الفنية؟‍.
ج3 – عندما أعالج أية لوحة وأرسمها من خلال خبرتي، التي كوّنتها منذ ما يقارب أربعين عاماً، وتبقى ثقافتي من خبرتي رديفاً لخلق لوحة مبدعة، وذلك بعد مروري بمراحل عدة… من الواقعية إلى التعبيرية الرمزية وعالم الإعلان التصويري والحروفي. في لوحتي أتخطى الكثير من القيود، للوصول إلى لوحة تراثية محلية، ومن خلال الحرف العربي، وهو توءَم لتراثي. وبعد دراستي لتاريخ الخط وأنواعه، دراسة أكاديمية مرتبطة بتجربة شخصية، وهي الأرضية التي تستقبل الكتلة لكل نوع من أنواع الخطوط، قمت بدراسة التكوين للوحة ذاتها.
س4 – اللوحة الفنية ذات بداية ونهاية، ماذا تعقب على ذلك؟‍.
ج4- لاشك في أن اللوحة مثل الجنين في رحم الأم، يحتاج مدة معروفة كي تكتمل دورته الحياتية أو الروحية، وكذلك اللوحة في رحم الفكر، فكر الفنان، لها مدتها كي تنضج وتكتمل. إن جاء الجنين قبل أوانه، يُعد طرحاً أو مسخاً، وهو غير قابل للنضوج. وكذلك الأمر بالنسبة للوحة، في معادلة الألوان وتوازن خلايا اللوحة، التي هي شبيهة بالشكل البشري؛ لتقول لك: لقد اكتملت جماليتي… وهكذا تخرج إلى النور لتمتع نظر المتلقي.
س5- ما هو مفهومك للوحة الشعبية، ومتى تكون اللوحة شعبية؟.
ج5 – هذا السؤال يحتاج لحوار طويل، وحديث متشعب الأصول. فما أعرفه، أن الفنان هو ذاكرة شعبه وضمير أمته، وهو قد وهب نفسه وجهده لهذا الشعب، الذي يعيش ضمنه، ويتفاعل مع حيثياته، وحيثيات الأمة التي ينتمي إليها.
س6 – ما هو دورك، كفنان كردي، في تصوير واقع شعبك ومعاناته؟.
ج 6 – كل فنان ملتزم بتصوير واقعه، وإظهار معاناة شعبه وواقعه، بحس إنساني ووجداني. وأحياناً يكون الفنان فيلسوفاً وحكيماً، يبحث عن الحلول الناجعة لمعالجة هموم ومعاناة شعبه. وأنا فنانٌ كردي شاهدٌ لهذه المعاناة، ولا أستطيع الابتعاد عن معاناة الكرد، والتوجه إلى الفانتازيا العصرية، متناسياً أنين طفولتي وأطفال الكرد جميعاً، لأنني جزء منهم، وعن واقعي، الذي وُلدتُ فيه.
س7- ماذا تعني لك شاعرية اللوحة وموسيقاها؟.
ج 7 – الفراغ، هو هذا المدى العالي بين الإنسان والفضاء الذي يعلوه. إنه متنفس للروح وكتلة الجسد والطبيعة؛ فكل عنصر نوعي موجود على مدى الحياة، بحاجة إلى فراغ كي يتنفس وتظهر جمالياته، وتتناسب مع الفراغ والمحيط. وكذا الأمر في اللوحة الفنية؛ فلابد من نغمات وتدرّجات لونية، تُظهر جماليات هذا الشكل في دور معين، ليصل إيقاعها السليم، وبشكل صحيح وسليم، إلى مساحات تتقبلها روحانية المتلقي. فلو وضعنا مقطوعة موسيقية، تتكون من الإيقاعات الصاخبة المتواصلة، بشكل لا يحدها فراغ للانتقال إلى إيقاع مغاير، لأحدث لنا هذا الجنونَ والصَرَع. وكذلك المعادلة في اللوحة؛ فهي مكونة من فراغ لوني، وكتلة لونية متناغمة مع إيقاعات ألوان الفراغ، لتشكل في الأخير تكاملاً رياضياً موزوناً ومدروساً، كما الموسيقا المدروسة بإيقاعاتها وانتقالها من مقام لمقام آخر مناسب.
س8 – ما هو تعليقك على مقولة ” الفن للفن “؟.
ج 8 – الفن جمال حقيقي، مضافاً إلى الطبيعة، بمرادفة الأخلاق. ومقولة “الفن للفن ” هي تفكر برجوازي. عندما وُلدت البرجوازية، ولدت معها هذه المقولة، وللأسف كانت بمثابة ولادة قيصرية غير طبيعية. وأخيراً يبقى الفن بولادة إنسانية، ذا طابع وجداني، وُلد من الشعب، وترعرع في الواقع الذي يعيشه؛ وفي النهاية، يعود بمحتوياته ومفاهيمه للشعب، وللواقع الذي ولد منه. في الماضي كان الفن محتكراً، أما اليوم فهو عام وواضح، بعد أن نفض عنه غبار العقلية الظلامية.
والفنان الكردي نراه اليوم، يخوض أصعب معركة حياتية، في تصوير واقعه وإثبات وجوده، وهو يصل لمرتبة الإبداع في أغلب الأحيان.


حاوره / الفنان التشكيلي الكوردي
إبراهيم حيدري

2006.11.25

الاتحاد