قبل أقلّ من أسبوع من الآن غيّب الموت بجلطة قلبية الشخصية السياسية السورية زهير مشارقة،التي تسلّمت مهامَّ حزبية ووظيفية مهمة في سورية،فكان عميد دار المعلمين بحلب،وكان وزير التربية،ثم كان نائب رئيس الجمهورية،فضلاً عن إشغاله مناصب أخرى،منها عمله في سلك التدريس لفترة ليست بقليلة.
أي أن الرجل كان من أركان النظام الذي بناه الرفاق القوميون جداً والوحدويون جداً،والاشتراكيون جداً،والديمقراطيون جداً، لأنه تشرّب أهدافهم “وحدة، حرية، اشتراكية”. أو بالأحرى كان أثفية من الأثافي التي يجلس عليها النظام،وإلا هل رأيتم قِدْراً لا يجلس على أثافي ثلاث على الأقل؟!!
وهؤلاء الرفاق الذين وصلوا إلى سدّة الحكم على ظهور الدبابات يوم الثامن من آذار المشؤوم 1963م،كانوا يردّدون على أسماعنا ـ ونحن أطفال على مقاعد الدرس ـ عبارات صارت بمنزلة نصوص مقدسة لنا،نستلهم منها ونستشهد بها ونزيّن بها عباراتنا في المجالس،ونلوكها بألسنتنا الطريّة،من مثل قولهم:إن التاريخ لا يرحم،إن التاريخ لا يحابي أحداً،إن حكم التاريخ سيكون قاسياً بحق أولئك الذين …
ولست أدري لماذا قفزت إلى ذاكرتي هذه العبارات وأشباهها عندما سمعت بنبإ موت زهير مشارقة ؟هل لأنه كان “التربويّ الأول في سورية”؟أم لأنه كان ذلك الحزبيّ العقائديّ الذي هضم أفكار البعث،ثم خرجت منه هذه الأفكار بعد الهضم بالشكل الذي سيراه القارىء الكريم بعد قليل؟ وما المؤهِّلات التي جعلته يصعد بهذا الشكل السريع في المراتب الحزبية والوظيفية؟
نحن ممن يؤمن أنه لا شماتة في الموت،فهو قدر الله الذي تعنو له جباه الجبابرة والضعاف على السواء،وهو نهاية كل حيّ،وهو آخر منزل من منازل الدنيا وأول منزل من منازل الآخرة،حيث الحياة الأبدية بعده في جنة أو نار،وما أصاب مَن قال غير ذلك.
لذلك كله،وانطلاقاً من حديث :”اذكروا محاسن موتاكم”. الذي رواه أبو داود والترمذي والطبراني. فإنني سأذكر بعض محاسن زهير مشارقة،وزير التربية ونائب رئيس الجمهورية:
1. عندما كان المسؤول الحزبيّ أو عميد دار المعلمين بحلب كان يلجأ إلى استخدام عقوبة ” الفلقة ” مع طلبة الدار،الذين سيصبحون بعد أشهر أو أيام قليلة مربّي أجيال!!ربما اضطرّ الرجل لأن يستخدم هذه الوسيلة التربوية الراقية جداً لأنها الأجدى،ولم يجد غيرها في قاموسه التربويّ!!على كلّ ” اذكروا محاسن موتاكم”.
2. عندما كان مسؤولاً كبيراً ويتقاضى راتباً ضخماً من الدولة،رفعت أمّه عليه دعوى النفقة،فحضر الرجل الشهم ابنُ هذا الوطن المعطاء ” زهير مشارقة ” أمام القاضي، يدافع عن نفسه في مواجهة أمه التي تطلب منه النفقة،ومما قال:إنّ أمي زانية،وهي لديها المال نتيجة عملها هذا،أي أنها ليست بحاجة إلى المال،فلِمَ ترفع عليّ دعوى النفقة؟ فعلاً،نعمت التربية والمربي،وأنعم به من رجل ابن حسب ونسب !! لماذا تطلب منه أمه النفقة ما دامت تستطيع كسب المال بجهودها الذاتية؟ وربما لهذا السبب لا يطلق عليه أبناءُ حارته إلا وصف : ابن الحجّة،ولا يكادون يذكرون اسم أبيه!!على كلّ: اذكروا محاسن موتاكم.
3. إبان الأحداث المأساوية الدامية التي وقعت في سورية أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي، بين السلطة السورية الباغية وأطراف من المعارضة السورية،حضر زهير مشارقة ندوة حزبية،ومما قال خلالها،كما نقل عنه من حضر الندوة:” لو أنّ يد الله امتدت إلى البعث بسوء لقطعتها ” !! أرأيتم مؤمناً معبّراً عن ضمير الأمة مثل زهير مشارقة؟وهل علمتم الآن لماذا جُعِل وزيراً للتربية؟ثم رقّي إلى منصب نائب رئيس الجمهورية؟أكيد لهذه المؤهّلات التي لا يملكها حتى أبو لهب أو فرعون،أو أشد العتاولة عتوّاً في التاريخ!!! على كلّ اذكروا محاسن موتاكم.
بعد كل هذا، هل ثمة إنسان لديه أدنى فهم للحديث الشريف يأتي ويحاول أن يسكِتنا عن ذكر بعض مخازي هذا العُتُلّ الزنيم؟. إن الحديث يقول:اذكروا محاسن موتاكم،أي الموتى من المسلمين الموحّدين،الذين ساروا بمقتضى أحكام الإسلام وآدابه،ثم صدرت منهم هفوات، فلا ينبغي أن يُتغاضى عن حسناتهم ولا تُذكر إلا سيئاتهم بعد موتهم. فهل يا ترى زهير مشارقة من هذا الصنف؟
وإذا كان حكم التاريخ قاسياً،والتاريخ لا يرحم،(كما علّمونا)…فمتى إذن تذكر هذه المخازي والكفريات والضلالات والانحرافات عن أبسط قيم المجتمع من جانب طواغيت مجرمين؟ وإذا ساد مبدأ :” اذكروا محاسن موتاكم”على إطلاقه،فكيف يتّعظ الأحياء؟وممن يتعظون؟وبمَ؟أجيبونا يرحمكم الله.