أطلت بقامتها الفارعة وعيونها “الوسيعة” السوداء في وجه يميل الى البياض، جمع الله حسن الكورد في تقاطيعه. احسست موسيقى عراقية في نبرات صوتها لما يحمله من شجن بعكس وجهها الباسم دوماً وحتى وهي تصراع من أجل الحياة.
كانت آتية لحضور مجلس عزاء للامام الحسين (ع). لحظات وأصبحت واحدة من أهل البيت تعد وتهيأ لضيوف أبا عبد الله (ع) القادمين، كانت تتحرك كفراشة بين الجميع تسأل وتتفقد. كان ذلك لقائي واول تعارفي بها.
التقيتها مرات ومرات بعد ذلك،وكانت تزداد قرباً الى النفس لشفافيتها وروحها المرحة والجادة في نفس الان وكذلك لدماثة خلقها وحسن سريرتها، كانت تتمتع بحضور أخاذ لا يمكن تجاهله. فـأحبها كل من عرفها.
وجاء اليوم وكان نفس المجلس الذي تعرفت اليها اولاً. بخجل كأنها تعتذرقالت: أن قدمها يخونها ولا يستطيع حملها. أيعقل أبنة تعدت العشرين بسنوات قليلة تشتكي من ذلك؟
وجاء خبر مرضها كالصاعقة على الجميع . توالت الصلوات في المساجد والحسينيات والمجالس التي عرفتها من أجل ان يشملها الله برحمته وان تعود متعافية الى حضن أسرتها ،واحبتها الصغار مهدي ومحمد. لكن القدر كان قد قال كلمته، وتحملت المرض ومعاناته دون ان تفقد البسمة و الامل في الحياة ، واقفاً الى جانبها شريك روحها وحياتها، تستمد منه الحماس علها تهزم المرض وتعود اليه وهما جمعها الحب منذ الطفولة والذي لم يخبو جذوته ابدا.
أصرت ان تحضر المسيرة الاولى بالاحتفال بيوم الشهيد الفيلي ، والمطالبة باعادة للكورد الفيلية حقوقهم وهي على كرسيها المتحرك ، في طقس سئ و شديد البرودة، في حين غاب عنه الكثيرون ممن احباهم الله بالعافية.
أصرت أن تشارك في اجتماعات الكورد الفيلية ومؤتمراتهم وأحتفالاتهم، حتى أوقفها المرض من الحركة نهائياً.
في لحظاتها الاخيرة ، بدت كطفلة حالمة، وبقت صامتة دون ان تشتكي. وانتقلت روحها الى الباري عزٌ وجل، بعد ان فتحت عينيها للحظات لتشبعها من رؤية من تجمع حولها من أحبتها في الشتات، لتعود لتنام في اغفائتها الابدية.
فسلام منا نحن من أحبك من القلب، وعهد علينا ان نحفظ ريحانتيٌك في قرير العين. فنامي ولترتاح روحك الطاهرة، ولتحلق في السماء العالية وليلحقك الله مع الصالحين من عباده ويسكنك فسيح جنانه.
د. منيرة أميد
27 شباط 2006