هل الفيليون بحاجة الى حزب أو أحزاب سياسية خاصة بهم؟
في البداية من المفيد أن نلقي نظرة شاملة و واقعية على الواقع الفيلي في مناطق عيشهم خارج إقليم جنوب كوردستان. بمقتضى المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، فأنه من المنتظر أن تصبح محافظة كركوك و قضاء خانقين و قضاء مندلي )عاقب النظام البعثي سكان هذه المدينة الكوردستانية بتنزيل مرتبة مدينتهم من “قضاء” الى “ناحية”) و البدرة و الجصان (كلمة “جصان” ليست عربية، حيث أن كل كلمة يجتمع فيها حرف “الجيم” و “الصاد” فهي كلمة غير عربية، راجع الكتاب المعنون ” فصل في طريق معرفة العجمة” للمؤلف عبدالله بن سلمان العُتيق ) ضمن إقليم الجنوب الكوردستاني و تعود هذه المناطق الى أحضان كوردستان، لذلك فأن هذه الدراسة لا تشمل سكان المناطق المذكورة. بعد عمليات التهجير الوحشي للفيليين الى إيران، التي قامت بها السلطات البعثية الفاشية، إنخفض العدد السكاني لهم في العراق بشكل عام و في مدينة بغداد بشكل خاص. نتيجة هذا التهجير، تقلص أيضاً الدور الإقتصادي و التجاري المهم للشريحة الفيلية في الحياة الإقتصادية في كل من الجنوب الكوردستاني و العراق. إستيلاء البعثيين على الممتلكات المنقولة و غير المنقولة للفيليين، أدى إلى تحديد، أو بالأحرى تدمير القوة الإقتصادية و المالية لهذه الشريحة الكوردية، سواء كمجموعات إقتصادية أو كأفراد، و بذلك فقدوا المصادر المالية الضرورية لإحياء مجدهم الإقتصادي، سواء في إقليم الجنوب أو في العراق أو إيران التي تم تهجيرهم إليها أو في الدول الغربية التي هاجروا إليها طلباً للأمان و الإستقرار و العيش الكريم. تتركز الكثافة السكانية للشريحة الفيلية في مدينة بغداد، كما ينتشر الفيليون في مدن الوسط و الجنوب العراقي. لا زالت أعداد كبيرة من الفيليين يعيشون في إيران و الدول الغربية، حيث لم تقم الحكومة العراقية لحد الآن و بعد مرور أربع سنوات على تحرير العراق، بتشريع قانون خاص لإعادة المواطنة العراقية اليهم و إعادة ممتلكاتهم و التعويض عن الأضرار المعنوية و المادية التي أصابتهم خلال الحكم البعثي للعراق و لم تبادر الحكومة الى وضع آليات للوصول الى هذا الهدف. كما أن القيادة الكوردستانية التي هي شريكة في الحكومة العراقية، لم تقم بطرح هذه المشكلة و الظلم الذي يعاني منه هذه الشريحة الكوردية الكبيرة، على بساط البحث مع شركائها العرب في الحكومة و لم تستعمل هذه القيادة نفوذها للضغط على الحكومة العراقية للتعجيل بتحقيق العدالة للفيليين و ذلك بإعادة المواطنة العراقية لهم فوراً و إعادة منازلهم و ممتلكاتهم الأخرى و التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم لتأهيلهم للعودة الى حياتهم الطبيعية و تعويض جزء من المآسي و الآلام التي يعانون منها و العمل على تهيئة بيئة جيدة لهم للإندماج من جديد مع نسيج المجتمع العراقي و العودة الى المساهمة الفعالة في الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية في هذا البلد.
لأسباب موضوعية عديدة، أرى أنه في ظل الظروف الذاتية و الموضوعية الحالية التي يعيش في ظلها كل من الشعب الكوردي و العراقي و الشريحة الفيلية، فأن عزل الفيليين عن بقية الشرائح الكوردية عن طريق تأسيس حزب أو أحزاب سياسية خاصة بها، ستترتب عنه نتائج وخيمة و كارثية للشعب الكوردي بشكل عام و للشريحة الفيلية بشكل خاص. إن إنفصال الشريحة الفيلية عن الشعب الكوردي و إختيارها مساراً مستقلاً، يُعرّض هذه الشريحة للإنسلاخ عن الشعب الكوردي و يقودها الى الضياع و فقدان هويتها الكوردية. من هنا نرى أنه إذا يُراد للشريحة الفيلية أن تحتفظ بهويتها الكوردية فلابد لها أن تتواصل و تتفاعل مع الشرائح الكوردية الأخرى و تساهم في بناء صرح أمته وأن تتجنب العزلة و الإنكماش على نفسها، حيث أن المستجدات العالمية من عولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات و تحرر إقليم جنوب كوردستان، كلها عوامل إيجابية مهمة للتسريع في وتيرة تفاعل الشرائح الكوردية مع بعضها و إيجاد هويتها و لغة موحدة تجمعها، لتعيش الأمة الكوردية حرة كريمة على أرض كوردستان المستقلة بدلاً من التشرذم و التفرق اللذين يقودان الى نتائج خطيرة تهدد الوجود الكوردي.
يجب الإعتراف بأن تخلص الشعوب العراقية من الحكم الدكتاتوري الشمولي هو خطوة مهمة، إلا أنه بداية مسيرة مجهولة لهذه الشعوب و ليست من السهولة معرفة إتجاه مسار التطورات التي تحدث لها و المحطات التي تمر بها و النهاية التي تقف عندها و المعالم المستقبلية التي تتشكلها الشعوب العراقية. مع ذلك يمكن معرفة حقيقة مهمة إذا ما دققنا في تأريخ المجتمعات العراقية. الشعوب العراقية تعرضت للعنف و الإضطهاد و الإستبداد منذ الإحتلال الإسلامي العربي لبلاد ما بين النهرين الى يوم سقوط صنم بغداد في التاسع من نيسان عام 2003. كما أننا يجب أن نذكر أيضاً بأن خلال تلك الحقبة الزمنية، فأن الطائفة العربية السنية إحتكرت الحكم لنفسها و حرّمت الآخرين من المشاركة معها في الحكم وحكمت الشعوب العراقية الحالية بالنار و الحديد. هذه الشعوب لم تقم بإختيار العيش المشترك مع بعضها بمحض إرادتها في يوم من الأيام، بل أن وحدة قسرية فُرضت عليها ضد إرادتها. بالإضافة الى الحروب المدمرة التي أُشركت فيها و أُجبرت أن تكون وقوداً لها و التي كانت لا ناقة لها فيها و لا جمل. هذه الظروف الكارثية المدمرة التي مرت بها الشعوب العراقية أتلفت و شوّهت البنية الإجتماعية و ا لثقافية و الفكرية و الأخلاقية و الإقتصادية للمجتمعات العراقية و خلقت شرخاً عميقاً في العلاقة بين مكوناتها القومية و الدينية و المذهبية و منعتها من تكوين أهداف و مصالح و ثقافة مشتركة تجمع شملها و تجعلها مجتمعاً مندمجاً و موحداً. هذه الظروف غير الطبيعية خلقت أيضاً مجتمعات مريضة تتأصل فيها ثقافة العنف و الإلغاء و الكراهية و التي تحتاج الى أجيال عديدة لكي تتخلص من هذه التراكمات التأريخية المأساوية. علينا أن نشير بصراحة و وضوح و بموضوعية الى هذه الحقائق، بعيداً عن المواعظ و التمنيات و العواطف و علينا أن نتجنب تغليب المصالح الشخصية أو الفئوية و أن لا نحكم على الواقع العراقي من منطلقات آيديولوجية أو دينية أو قومية أو مذهبية و التي هي عاجزة عن إيجاد حلول واقعية للشعوب العراقية، بل أن إنكار هذا الواقع و فرض الوحدة القسرية على هذه الشعوب، يقود الى مزيد من الدمار الإجتماعي و يزيد من عمق تنافرها و يؤدي الى إستمرارية النزيف العراقي و خلق مشاكل و كوارث إضافية لهذه الشعوب المغلوبة على أمرها و التي هي في غنى عنها، كما أنه يُسبّب إستنزاف و هدر المزيد من خيرات هذه البلاد.
مما تقدم، فأنه من الغباء أن يتوقع المواطن العراقي و المكونات القومية و الدينية و المذهبية في العراق حلاً سحرياً لمشاكل العراق و أمراضه الفكرية و الثقافية و الإجتماعية و أن يصبح العراق بلداً ديمقراطياً في ليلة و ضحاها، يتم فيه إحترام حقوق الإنسان و قبول الآخر المختلف و الإلتحاق بركب الدول المتقدمة، بل يحتاج الأمر الى أجيال عديدة و في هذه الحالة يجب أيضاً توفر ظروف ملائمة للشعوب العراقية لتصبح شعوباً طبيعية و سليمة. من هنا يمكن التوصل الى رؤية مستقبلية للفيليين الذين يعيشون في العراق، حيث أنهم سيتعرضون الى مزيد من محاولات التعريب و فرض الثقافة العربية عليهم و بمرور الوقت يتم تعريبهم و سيستعربون بسبب العقلية العروبية العنصرية لحكام العراق و نتيجة كون الفيليين أقلية تعيش في بيئة عربية لا يُسمح لهم بالعمل على الإحتفاظ بشخصيتهم الكوردية و بثقافتهم و لغتهم و تطويرها و التعرف على تأريخهم. تناقص وجود الفيليين في بغداد و المناطق العراقية الأخرى و تشتتهم في بقاع العالم، بعد تهجيرهم من قِبل الحكومة البعثية، سيساعد بدوره على إنسلاخهم عن قوميتهم. من جهة أخرى فأن التواصل الفيلي مع شعبهم الكوردي سيؤدي الى تقوية موقف الفيليين و يعمل على الحفاظ على هويتهم و لغتهم و مصالحهم و تحقيق أهدافهم و التمتع بحقوقهم، حيث يُشكل الكورد حوالي ربع سكان العراق و يكون لهم حضور قوي في الحكومة العراقية طالما بقي إقليم جنوب كوردستان جزء من العراق. أما الفيليون الذين يعيشون في البلدان الغربية، فإذا لم تبادر النخبة الفيلية الى معالجة مشكلة ذوبان الفيليين في المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها، كما هو الحال مع الجاليات الأجنبية الأخرى في هذه البلدان، فأن الفيليين القاطنين في هذه البلدان سيفقدون هويتهم و ثقافتهم و لغتهم الكوردية بعد جيل أو جيلين. سأتناول هذه المشاكل و سأقوم بتقديم بعض المقترحات لحلها في كتاباتي القادمة التي ستتضمنها هذه السلسة من المقالات.
يجب أن نعي بأن الشريحة الفيلية مرتبطة بشكل مصيري و عضوي بأمتها الكوردية و أية محاولة ناتجة عن قُصر نظر و سوء تقدير و إنفعالات آنية و ردود فعل غير ناضجة لمعالجة الظروف المأساوية التي يعيشها الفيليون، ستؤدي الى إختفاء هذه الشريحة الكوردية بمرور الوقت كما حدث لملايين الفيليين الذين تم تفريسهم و تعريبهم أو إستفرسوا و إستعربوا خلال المراحل التأريخية المختلفة، حيث تُقدر أعداد الفيليين المُستَعربين و المستَفرسين بأضعاف النفوس الحالية للفيليين. كما أن إفتراق الفيلينن عن الشعب الكوردي، سيخلق تبايناً شاسعاً في اللغة والثقافة و المصالح و الأهداف بين الجانبين، الذي يقود الى إنسلاخ أبدي لهذه الشريحة عن شعبه الكوردي. إذن علينا أن نضع في نصب أعيننا هذه الحقيقة و نتبنى إستراتيجية و خططاً تهدف الى خدمة و تقدم الشريحة الفيلية بالإستناد الى الربط العضوي بين هذه الشريحة و شعبها الكوردي و أن نستوعب أن هذه الشريحة هي جزء من أمة عريقة لا يمكنها التخلي عن أي مكون من مكوناتها، و إلا فأن الفيليين سيتعرضون للإنسلاخ عن شعبهم الكوردي، حيث يستعربون و يكون مصيرهم الزوال كشريحة كوردية، كما أن الشعب الكوردي بدوره سيخسر شريحة مهمة لا يُستهان بها و بذلك يصيبه الضعف و يفقد تراثاً لغوياً و تأريخياً و ثروة بشرية مهمة. بروز مثل هذا الإفتراق سيُفقد الشعب الكوردي أحد أهم عناصر قوته في تحرير بلاده من نير الإحتلال و بناء دولته المستقلة، كما قد يؤدي الي فقدان جزء من الأرض الكوردستانية و يعمل في الوقت نفسه على حرمان الكورد من التواصل الجغرافي مع حليفهم الطبيعي، شيعة العراق، و كذلك مع بعض أجزاء إقليم شرق كوردستان.
إن الفيليين مدعوون للإنضمام الى الأحزاب الكوردية و الكوردستانية و المساهمة الفعالة فيها و بزخم كبير لتحقيق أهداف الشعب الكوردي في الحرية و الإستقلال و التي تتحقق خلالها طموحات و أهداف الشريحة الفيلية. إن المشاركة الفيلية في الحياة السياسية الكوردية في الوقت الحاضر هي مشاركة متواضعة إذا أخذنا بنظر الإعتبار نفوسهم و الإنجازات الحضارية التي حققوها للكورد و البشرية جمعاء. عليهم أخذ زمام المبادرة من جديد و القيام بدورهم التأريخي المجيد ليتبوءوا مكانة رائدة في الحياة السياسية الكوردية كما كانوا رواداً في بناء الحضارات السومرية و العيلامية و الميدية. كما أنهم مطالبون بالإسهام الفعال في المنظمات و المؤسسات الثقافية و الإجتماعية و الفنية الكوردية و مؤسسات المجتمع المدني الكوردية ليحققوا، بالتعاون مع الشرائح الكوردية الأخرى، مجتمعاً كوردياً متحضراً و متقدماً و مرفّهاً.
حدثت تطورات عالمية و إقليمية و كوردية كبرى في العقدين الأخيرين. التطورات العالمية تتضمن إنهيار الإتحاد السوفيتي و إنتهاء الحرب الباردة و ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد في نظام عالمي جديد و أحداث الحادي عشر من أيلول الإرهابية في كل من واشنطن و نيويورك و ظهور الإرهاب العالمي و الدخول في عصر العولمة و نشوء ثورة الإتصالات و المعلومات. أما التطورات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط ، فهي بروز مشروع الشرق الأوسط الكبير و تحرر العراق و إنخفاض الأهمية الإستراتيجية ل(تركيا) بالنسبة للغرب و تمثيل كل من إيران و سوريا ل(محور الشر) و تشكلهما خطراً على المصالح الغربية في المنطقة و دعمهما للإرهاب. أما تطورات المسألة الكوردية فهي تطورات كبرى بظهور إقليم جنوب كوردستان كدولة شبه مستقلة، لها برلمانها و حكومتها و رئيسها، و إرتفاع الروح المعنوية و الثقة بالنفس و بالمستقبل في الأقاليم الأخرى من كوردستان و إرتفاع الوعي القومي الكوردي في كافة أرجاء كوردستان و تبلور الفكر الإستقلالي بين الكورد.
من جانب آخر، فأن الأحزاب الكوردستانية و الكوردية الحالية ولدت قاصرة و مشوهة نتيجة ظهورها في ظروف إستثنائية، غير عتيادية و ترعرعها في بيئة موبوءة بالإستبداد و الدكتاتوريات و الشمولية. ولدت هذه الأحزاب خلال فترة الحرب الباردة و رزوح كوردستان تحت إحتلال حكومات قوموية عنصرية، تحكم الكورد بالحديد و النار و تحاول بكل قوة إلغاء الهوية و اللغة و الثقافة الكوردية للشعب الكوردي و تجهيله تأريخه و فرض هوياتها و ثقافاتها و لغاتها عليه. لذلك إضطرت الأحزاب الكوردية أن تتأسس في جنح الظلام، بشكل سري و مارست نشاطاتها بسرّية تامة في معظم الأوقات و تعرضت أعضاؤها للملاحقة و المنع و السجن و الإعدام و إضطرت أفرادها، في أغلب الأوقات، الى الإلتجاء الى جبال كوردستان، ليحموا بها أنفسهم من بطش الأعداء و ليديروا الكفاح المسلح من هناك لتحقيق طموحات الشعب الكوردستاني. هذه الظروف القاهرة منعت هذه الأحزاب من النمو بشكل صحي و طبيعي، في بيئة طبيعية و حرّمتها من تعلم و فهم النظام الديمقراطي و ممارسة الحياة الديمقراطية و أبعدتها عن خيار الإنتخابات الديمقراطية و تعلم الثقافة الديمقراطية. كما أنها نتيجة نموهذه الأحزاب و ترعرعها في رحم البلدان الدكتاورية الشمولية و تأثرها بالنظم الشمولية (الشيوعية) المتزمتة و الأفكار القوموية العنصرية و ممارساتها الدكتاتورية، فأن هذه الأحزاب الكوردستانية تأصلت فيها العقلية الشمولية و رفض الآخر المختلف. هذه الأحزاب أدت دورها في السابق و ضحت كثيراً في نضالها المرير الى جانب التضحيات الجسيمة التى قدّمها شعب كوردستان بمختلف شرائحه و طبقاته، إلا أنها أصبحت لا تصلح لنضال اليوم و قاصرة عن فهم عالم اليوم و متطلبات النضال في عصر العولمة و الديمقراطية و التعددية و أصبحت غير مؤهلة لإدارة كوردستان و بنائها و خدمة شعبها. بسبب تلك التغييرات العالمية و الإقليمية و الذاتية أصبحت الأحزاب الكوردية الحالية أحزاباً كلاسيكية هرمة، تجاوزها الزمن، تعاني من القصور و التخلف و الفساد و تستحيل إصلاحها و تطويرها و غير قادرة على الإرتقاء الى مستوى التحديات الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان و تعجز عن تحمل المسئولية التأريخية للمرحلة المصيرية التي يمر بها هذا الشعب و تفتقر الى المواصفات الضرورية التي تؤهلها لإنتهاز الفرصة التأريخية التي تتوفر لشعب كوردستان في تقرير مصيره و تحرير كوردستان و بنائها على أسس حضارية متقدمة.
بناء على ما تقدم، فأن شعب كوردستان و نضاله يحتاج الى أحزاب جديدة عصرية شابة، تُعبّر عن روح العصر و قادرة على التواصل و التفاعل مع المستجدات العالمية و الإقليمية و الداخلية و إستيعاب مفهوم النظام العالمي الجديد و رسم إستراتيجية لتحقيق إستقلال كوردستان و تحرر شعبها و توفير الرفاهية لهذا الشعب و تقدمه و تحضّره. يحتاج الكوردستانيون الى أحزاب ديناميكية لها إستراتيجية واضحة للإستقلال و التحرر من الإحتلال، تعمل على توفير المستلزمات و الشروط السياسية و الإعلامية و الإقتصادية و الثقافية و العسكرية التي تتطلبها إستراتيجية الإستقلال. يحتاج شعب كوردستان الى أحزاب سياسية كوردستانية منفتحة، تحترم حقوق الإنسان و تؤمن بالتداول السلمي و الديمقراطي للسلطة و تحترم إرادة الشعب و تتجاوز نظام الفرد و العائلة و العشيرة و الحزبية الضيقة و تضع المصلحة القومية لشعب كوردستان فوق المصالح الشخصية و العشائرية و الحزبية. يستطيع الفيليون لعب دور مهم في المشاركة و المساهمة في تأسيس الأحزاب الكوردية الجديدة المقترحة و الوصول الى تحقيق أهداف الشعب الكوردي، و الذي تؤلف الشريحة الفيلية جزء منه.
قد يتساءل المرء عن مصير الفيليين الذين يختارون العيش خارج كوردستان عندما تستقل كوردستان، حيث يختار قسم من هذه الشريحة الكوردية العيش في دولة العراق، بعيداً عن شعبه الكوردي. في هذه الحالة من الواجب و من مصلحة الفيليين بشكل خاص و الشعب الكوردي بشكل عام، أن ينتقلوا الى كوردستان و خاصة الى مدن خانقين و مندلي و البدرة و الجصان و الإستقرار هناك، ليستمر تواصلهم مع شعبهم الكوردي و ليحافظوا على هويتهم و لغتهم و ليساهموا، مع الشرائح الكوردية الأخرى، في بناء كوردستان و ليستمتعوا بخيرات بلادهم. إنتقال الفيليين القاطنين خارج كوردستان الى كوردستان، سيكون، بكل تأكيد إختيارياً و الأفراد الفيليون سيكونون أحراراً في العيش في بلدهم، كوردستان، أو خارجها. بالنسبة للذين يختارون العيش في العراق و غيره من الدول، فأنه ينبغي أن يكون لهم الحق في التمتع بالمواطنة الكوردستانية الى جانب مواطنة الدول التي يعيشوون فيها. كما ينبغي حينئذ على الفيليين الذين يختارون العيش في العراق كمواطنين عراقيين، تأسيس أحزاب سياسية تمثلهم و تهدف الى تحقيق تمتعهم بحقوقهم القومية و الإنسانية من سياسية و ثقافية و لغوية و إقتصادية في العراق.
ينبغي على الفيليين الذن سيقررون البقاء كمواطنين عراقيين بعد إستقلال كوردستان، القيام برص صفوفهم و توحيد كلمتهم و خطابهم، بتأسيس منظمات و إتحادات فيلية خاصة بهم، تعمل على خدمة شريحتهم و ضم تلك المنظمات و الإتحادات في مؤسسة واحدة لتكون صوت الشريحة الفيلية. إن إمتلاك الفيليين لمثل هذا الإتحاد العام لمنظماتهم و مؤسساتهم سيُمكّنهم من إيجاد مرجعية، الى جانب المرجعية السياسية لهم، تُركّز إهتماماتها على القضايا المتعلقة بالفيليين و الدفاع عن حقوقهم و إيصال مطالبهم و إحتياجاتهم الى الحكومة العراقية و تنظيم حياة الشريحة الفيلية و توعية أفرادها و تقديم الخدمات الإجتماعية و الثقافية و التربوية و التعليمية لهم. سيتحمل مثل هذا الإتحاد مسئوليات جسيمة و على جانب كبير من الأهمية في لعب دور محوري في تغيير حياة هذه الشريحة الفيلية و تطويرها في مختلف المجالات و التي سأتحدث عنها في حلقات قادمة من هذه الدراسة. لو كانت للفيليين مثل هذه المرجعية منذ تأسيس الدولة العراقية، لَكانت قادرة على إحداث ثورة عظيمة في حياة الفيليين و لَكانوا يحافظون على ثقافتهم و لغتهم الكوردية و لَكانوا ملمّين الآن بتأريخ شعبهم الكوردي و لَأصبحوا قوة إقتصادية عظيمة و شريحة إجتماعية حية و مهمة و لَكانوا قد حصّنوا أنفسهم ضد التعريب و الإستعراب، و خاصة في العهد الملكي في العراق الذي كان يتمتع المواطن خلاله بحيّز من الحرية و الديمقراطية، مقارنة بالعهود الجمهورية العروبية العنصرية و الشمولية التي توارثت الحكم في العراق، و خاصة منذ عام 1963 الى يوم سقوط حزب البعث الفاشي في عام 2003. كما أنه لو تمكن الفيليون من تبؤ دور مهم في صنع القرار الكوردي، فأنهم كانوا سيكونون قادرين، منذ تحرير العراق، على تحقيق الكثير من الإنجازات للشريحة الفيلية، بطرح أهداف و مطالب هذه الشريحة على الحكومة الكوردستانية و العراقية و تحديد التحالفات الكوردية مع الأحزاب السياسية العراقية على ضوء مواقفها من تلك المطالب و مدى إستجابتها لها. نتيجة إفتقار الفيليين لمثل هذا الدور في الساحة الكوردية و نتيجة تفرقهم، فأنهم كانوا متشتتين في تأييدهم الأحزاب الكوردستانية و العراقية و التصويت لهذه الأحزاب في الإنتخابات العراقية التي تم إجراؤها بعد تحرير العراق و لذلك فشلوا في أن يصبحوا صوتاً مسموعاً في الساحة الكوردستانية و العراقية. بسبب هذا التشرذم، فأن الفيليين لم ينجحوا في فرض شروطهم على القوى السياسية الكوردستانية و العراقية و فشلوا في خلق نفوذ فيلية قادرة على التأثير على القرار السياسي الكوردستاني و العراقي. هذا التشتت يمنع الشريحة الفيلية من تحديد أهدافها و إستراتيجيتها و الحقوق التي تريد التمتع بها. عليه، فأن طموحات الفيليين أصبحت تنحصر في إعادة المواطنة العراقية لهم و إرجاع ممتلكاتهم المنهوبة و التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم. هذه المطالب هي مهمة و على الحكومة العراقية إعادة الحق لأهله، إلا أن تلك المطالب هي آنية و مؤقتة، حيث أن هناك قضايا حيوية و مصيرية للفيليين التي يجب و ضعها كأهداف رئيسة لهم و هي الحفاظ على هويتهم و لغتهم و ثقافتهم الكوردية و التواصل مع شعبهم الكوردي بالإضافة الى فرض تمثيلهم على الساحة السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية لكوردستان و العراق.