الرئيسية » مقالات » علاقات الأخوة الكردية ـ التركية..أما آن لها أن ترى النور؟

علاقات الأخوة الكردية ـ التركية..أما آن لها أن ترى النور؟

الأنباء الواردة من أنقرة هذه الأيام لا تبعث على الارتياح،لا سيّما من جانب بعض المغامرين في المؤسسة العسكرية، الذين لم تعلّمهم سنوات القمع للمواطنين الكرد في تركيا طوال ثمانين عاماً أو يزيد، والحروب الطاحنة،التي أكلت الأخضر واليابس،وأزهقت أرواح عشرات الألوف من الجانبين الكردي والتركي،إلى جانب تبديد مئات مليارات الدولارات في هذه الحروب العبثية،لو أنها أنفقت على مشاريع تنموية لصارت تركيا جنة الله على أرضه،وصار المواطن التركي أسعد الناس،لكنه منطق القوة الطائشة الذي لم يسفر إلا عن إصرار الكرد على المطالبة بحقوقهم السياسية والثقافية الطبيعية،التي تقرّها كل شرائع الأرض والسماء،وتفرضها المصلحة المشتركة للشعبين الكردي والتركي،في أن يعيشا في سلام ووئام لبناء دولة عصرية تحترم فيها حقوق الإنسان،ويتساوى فيها المواطنون جميعاً في الحقوق والواجبات،لا سبيل فيها للتهميش والاضطهاد والإلغاء لمكوّن لصالح مكوّن آخر.
لم تنتج الحروب السابقة التي شُنّت على الكرد في تركيا،وفي شمالي العراق، سوى حَفر أخاديد عميقة عريضة في العلاقات التاريخية وفي أواصر الأخوة بين الشعبين المسلمين الكردي والتركي،يصعب،إن لم يكن من المستحيل،ردمها وتجسيرها فيما بعد.وماذا كانت النتيجة ؟هل أبيد الشعب الكردي؟وهل تترّكوا؟وهل نسوا أنهم شعب له ميزات وخصائص وثقافة ولغة تختلف عما لدى الترك؟هل انعدمت الحكمة لدى أرباب الحروب في أنقرة ؟ ألم يتعلموا من كل هذه المآسي؟
وإذا كان من المحتمل أن لا تلقى تحذيراتنا آذاناً صاغية لدى مَن أعمتهم القوة المادية،فإن الأمل ما زال قائماً في قادة حزب العدالة والتنمية،وفي السيد رجب طيب أردوغان،الذين تحكمهم مبادىء الأخوة الإسلامية،وهم أعرف من غيرهم بعواقب اللجوء إلى القوة في حل المشكلات الناشئة بين المسلمين.كما أنهم أعرف من غيرهم بالأسباب التي تدفع بعض المغامرين العسكر والقوميين المتعصبين إلى حشر تركيا في مغامرات وحروب هي في غنى عنها.
الأنباء الواردة من أنقرة هذه الأيام تؤكد أن جنرالات فيها يعدّون لشنّ حرب على كردستان العراق بذريعة تعقّب حزب العمال الكردستاني التركي هناك،وهي حجة لا تصمد أمام العقل والمنطق والنتائج الكارثية التي ستسفر عنها الحرب لو وقعت لا سمح الله.فهي ستسجّل سابقة خطيرة في العلاقات بين الدول،وستحرق في أتونها مدنيين وأبرياء من أطفال ونساء وعجزة،وستدقّ إسفيناً آخر في نعش العلاقات بين إخوان العقيدة والجوار والتاريخ المشترك،والمصير المشترك،الكرد والترك والعرب.
إننا نسأل:ماذا كانت نتيجة الاجتياحات السابقة التي حصلت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي لكردستان العراق؟ هل أمكن من خلالها القضاء على المعارضين الكرد في تركيا ؟ هل حُلّت المشكلة الكردية بقوة السلاح والنار بعد إلقاء القبض على عبدالله أوج آلان؟ لقد طرح أوج آلان من داخل سجنه،وحزب العمال الكردستاني مبادرات وقف إطلاق نار عدّة،وإن الحكمة ومصلحة الشعبين التركي والكردي تتطلب الالتفات إلى هذه المبادرات ودراستها،وقطع الطريق على مسعّري نار العداوة والبغضاء بين المسلمين تركاً وكرداً وعرباً وقوميات أخرى. ما زلنا آملين أن تتغلّب الحكمة على الطيش.
إننا نقرأ في الأنباء الواردة،حول عزم الجيش التركي على اجتياح كردستان العراق،محاولة من العسكر هناك لخلط الأوراق في تركيا،لتحقيق جملة من الأهداف،يأتي في مقدمتها:
1. إعادة الهيبة للمؤسسة العسكرية التي بدأ البساط ينسحب من تحت أرجلها،نتيجة شروط الاتحاد الأوربي لانضمام تركيا إليه،مثل الاعتراف بحقوق القوميات والأقليات التي تعيش في تركيا،وبضمنها الشعب الكردي.
2. العمل على إنقاذ العلمانية المتهالكة المترنّحة،هذا الصنم الذي أوجده دهاقنة العداوة للإسلام وصنعوه بأيديهم ثم قدّسوه.فالأخبار التي تتسرّب من تركيا هذه الأيام كلها تؤكد أن الخوف ـ من جانب العسكر والقوميين ورثة نهج أتاتورك ـ يستولي عليهم من جرّاء احتمال ترشّح رجب طيب أردوغان لمنصب رئيس الجمهورية،الأمر الذي ربما يعني ـ بعد سيطرة حزب العدالة والتنمية على المؤسستين التشريعية والتنفيذية ورئاسة الجمهورية ـ تغيير الكثير من القوانين والسياسات لصالح عودة الإسلام إلى الحياة العامة التركية،ومنها التوسّع في منح الكرد المزيد من الحقوق، على قاعدة الأخوة الإسلامية وشروط الاتحاد الأوربي.الأمر الذي يعني زوال مجد تحكّم العسكر بالسياسة التركية من وراء ستار.
3. ضرب القاعدة الشعبية لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية في المناطق الكردية،باستخدام قيادة الحزب في ضرب الأكراد،سواء داخل الحدود التركية أو في شمالي العراق.الأمر الذي يعني القضاء على خطر هذا الحزب وما يشكله من تهديد لنفوذ العسكر والعلمانيين والقوميين الغلاة.
4. إن الحرب التي يهدد بشنّها بعض العسكر الأتراك إنْ وقعت ـ لا سمح الله ـ ربما تطول،ولا يستطيع أحد التكهّن بنتائجها،ستكون ذريعة للجنرالات بفرض حالة الطوارىء والأحكام العرفية،وإلغاء الحياة النيابية،وربما القيام بانقلاب عسكري.وبذلك يكون العسكر قد حققوا أكثر من هدف:التخلص من خطر حزب العدالة والتنمية،وإنقاذ العلمانية،واستعادة الدور الذي بدأ يتلاشى أو يضعف تدريجياً لصالح المؤسسة السياسية،والحيلولة دون وصول عدوى الحكم الذاتي لكردستان تركيا.
إننا في وحدة العمل الوطني لكرد سورية نأمل أن تتنبّه الحكومة التركية إلى خطورة الموقف،كما ندعو العقلاء من الطرفين،التركي والكردي،إلى تغليب لغة الحوار والسياسة في حل المشكلات الناشئة بين شعوب المنطقة المسلمة،والتحلي بالحكمة وبُعد النظر،فإن منطقتنا وشعوبنا قد ملّت الحروب العبثية بين الإخوة،وليست بحاجة إلى المزيد منها.