كل الأحداث والدلائل تشير بما لا يقبل الشك إلى واقع انعدام الثقة بالكامل بين الدولة والحكومة الإسرائيلية من جهة, وبين الدول والحكومات العربية من جهة أخرى, إضافة إلى الخشية وعدم الثقة المتبادلة بين الشعوب العربية وشعب إسرائيل. وهي حقيقة لا تخفى على أحد, وليس هناك من جهد يبذل لتغيير واقع الحال. ورغم وجود جملة من الأسباب لانعدام الثقة المتبادلة, فأن السبب المركزي والرئيسي يكمن في جانبين من مسألة واحدة, وهما:
1. واقع السياسة التوسعية واليمينية التي مارستها ولا تزال تمارسها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة طيلة العقود المنصرمة حتى الوقت الحاضر واحتلالها للأراضي الفلسطينية منذ حرب العام 1967, وكذلك احتلال مرتفعات الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية, ثم سياساتها القمعية العدوانية التي تمارسها ضد الشعب الفلسطيني والعقوبات الجماعية المخالفة لكل القيم والمعايير والقوانين الدولية وعدم صدق نواياها وجديتها حتى الآن في الموقف من الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة وإقرار مبدأ “الأرض مقابل السلام”.
2. ضعف استعداد غالبية الدول العربية وحكوماتها على الاعتراف الكامل بوجود إسرائيل وحقها في البقاء والاتفاق على جعل المفاوضات السلمية طريقاً لحل المشكلات القائمة بين الطرف الإسرائيلي والأطراف العربية.
ومما يزيد من عدم الثقة والمصاعب في طريق الحل السلمي تلك المواقف التي تتخذها القوى الشوفينية اليمينية والدينية الصهيونية المتطرفة في الجانب الإسرائيلي, والقوى القومية الشوفينية والإسلامية السياسية المتطرفة في الجانب العربي, التي تلعب دوراً كبيراً في الساحة السياسية وفي الشارع الإسرائيلي والعربي وتضغط باتجاه استمرار التوتر في المنطقة والعجز عن إيجاد الحل العملي للمشكلات القائمة.
ومن هنا ينشأ الشك المتبادل إزاء الآخر وانعدام الثقة. وإذا كان هذا هو الحال الراهن, فكيف يمكن حلحلة الوضع القائم للخروج من الحلقة المفرغة التي تدور فيها القضية الفلسطينية ودفع الأمور صوب الحل العملي لهذا الصراع الذي شهد حتى الآن خمس حروب مدمرة في منطقة الشرق الأوسط, كان أخرها الحرب الإسرائيلية – اللبنانية؟
تعتبر المبادرة السعودية التي قدمها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود منذ سنوات وأكدها مؤتمر القمة العربي التاسع عشر الطريق السلمي والديمقراطي الصحيح لمعالجة المشكلات القائمة بين إسرائيل والدول العربية. وهي مبادرة ناضجة في مضمونها ومتوازنة في الدفاع عن مصالح الدول العربية, كما أنها تأخذ بنظر الاعتبار مصلحة إسرائيل, إذ أنها في مقابل الأرض تمنح إسرائيل الاعتراف بالوجود والعلاقات الطبيعية معها والسلام مع الدول العربية التي كلها أقرت هذه المبادرة وتعمل على أساسها لضمان السلام العادل والدائم بين الدولة الإسرائيلية والدول العربية. ومع أن هذه المبادرة الجيدة المطروحة على بساط البحث منذ سنوات, فأن الحكومة الإسرائيلية لم تبد أي تجاوب إيجابي معها, وكأن الأمر لا يعنيها, ولم تتخذ أي خطوة مناسبة, رغم أن الكرة أصبحت منذ فترة في ملعبها. وفي مقابل هذه المبادرة واصلت إسرائيل سياستها العدوانية المتطرفة وبناء الجدار العازل وشن الهجمات العسكرية على المواقع الفلسطينية وحملات المداهمة والتفتيش والاعتقال والقتل وفرض الحصار الاقتصادي …الخ, وكأنها كانت الرد على المبادرة العربية.
دعونا نقول بكل صراحة ما يلي: إذا كانت إسرائيل لا تريد التوسع على حساب الأرض العربية, وإذا كانت تريد الخروج من الأراضي العربية المحتلة في الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ حرب العام 1967, فأن عليها قبل أن تقترح إقامة مفاوضات مباشرة مع الدول العربية أن تبادر إلى اتخاذ المواقف التالية:
• الموافقة على الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة منذ العام 1967.
• الموافقة على إقامة الدولة الفلسطينية على الأراضي الفلسطينية وفق حدود قبل حرب حزيران من العام 1967.
• الاتفاق على سبل عودة المهجرين الراغبين في العودة منذ العام 1948 عبر المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
• عقد معاهدة صلح وسلام دائمين بين الدولة الإسرائيلية والدول العربية وإقامة علاقات دبلوماسية متبادلة وعلاقات حسن جوار وتعاون.
إن الإقرار بهذه المواقف سيجعل من مقترح رئيس الحكومة الإسرائيلية السيد أولمرت الداعي إلى مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والدول العربية أمراً عملياً ومقبولاً من جانب غالبية الدول العربية. إذ أن تقديم هذا المقترح دون أن يكون هناك أي موقف واضح ومقبول من جانب الدولة الإسرائيلية لا يعني سوى التهرب من المفاوضات والمماطلة لتأمين غطاء دولي مهلهل لمواصلة سياستها المرفوضة دولياً.
إن الطريق إلى السلام العادل والدائم سهل جداً ومفتوح على مصراعيه لكل من يريد السلام فعلاً, لكل من لا يريد الحرب والاحتلال والتوسع, لكل من لا يريد أن يرمي الآخر بالبحر. والكرة الآن في ملعب إسرائيل لا غير!
نيسان/أبريل 2007 كاظم حبيب
جريدة الاتحاد