إن جبهة الخلاص الوطني في سورية التي اعتمدت مشروعها للتغيير الوطني الديمقراطي، كانت تدرك تماماً أن الوضع في سورية بعد أكثر من أربعة وأربعين عاماً من استمرار تشويه الحكم الفردي الديكتاتوري لكل أشكال العمل السياسي والنقابي الحر في سورية، قد بلغ أبعاداً خطيرة نتيجة تسلط نظام استبدادي فاسد ومراوغ سياسياً وفاشل وطنياً وفاقد للشرعية ولا يحترم إرادة الشعب وخياراته ومشاركته في صنع حاضره ومستقبله.
إن تحليل المرحلة التي يمر بها النظام بنيوياً وسياسياً وفكرياً يؤكد فشله المطلق على كافة المسارات، والذي انعكس سلباً على حياة الشعب وأدخله في أنفاق مخلفات الإقصاء والتهميش وحرمان حقوق المواطنة. ولقد توصلت الجبهة إلى تقييم واضح وصريح بأن استمرار الكلام عن الإصلاح في ظل النظام الأمني الحالي يعد ضرباً من الوهم الذي يصب في خدمته واستمرار تسلطه على الشعب، وعليه رافق المشروع الوطني للتغيير الذي طرحته الجبهة، البرنامج التنفيذي له ليكون ترجمة عملية في الواقع السياسي، حيث حدد أن مطلب التغيير الجذري هو الحل الوحيد لإنقاذ سورية في هذه الظروف الخطيرة، و”النظام القديم – الجديد” هو نفسه مستمر في سياسة قمع الشعب وحكمه بالحديد والنار، ولم يلبِّ وعوده بالتجديد، ومنها بقاء قانون الانتخابات الذي لا معنى له في واقع الشعب السوري، لأن العملية الانتخابية لها أسس ومعايير وآليات تنفيذ لا زالت غائبة وضمن المحرمات في الحياة السياسية في سورية.
إن جبهة الخلاص الوطني في سورية التي تبنت خيار التغيير الوطني الديمقراطي السلمي عبر التأسيس لعلاقات جديدة بين أطراف الحركة الوطنية السورية قائمة على أسس الديمقراطية التعددية تساهم بنقل الوعي الوطني إلى مستوى الفعل والممارسة الديمقراطية؛ أعطت العمل الوطني مساحته السياسية الواسعة عبر مشاركة كل مكونات الشعب السوري ومنها تعبيرات الحركة السياسية والثقافية الكردية المعبرة عن إرادة المواطنين الأكراد شركاء الوطن والمصير الذين لحق بهم ظلم كبير نتيجة الإقصاء والحرمان من الحقوق السياسية والثقافية والمدنية، فقد أرادت الجبهة إطاراً جديداً من التفاعل لتمتين الوعي الوطني وتحصين الروابط الوطنية وتنميتها باتجاه بناء سورية الجديدة، دولة المواطنة، دولة العدل والحرية والمساواة في الحقوق والواجبات، سورية وطناً حراً لجميع أبنائها.
إن جبهة الخلاص الوطني في سورية ومن خلال متابعتها للوضع الداخلي الذي تلعب به دوامة الانهيار الذي تشهده سورية والمنطقة، يترافق مع تكرار مسرحية “الانتخابات” التشريعية و”الاستفتاء ” على منصب رئيس الجمهورية الذي انقضت أول سبع سنوات عجاف من حكمه، مليئة بالفشل والإخفاق والفوضى وتفكيك الوحدة الوطنية وزيادة دفع البلاد إلى المجهول؛ ترى في هذه “المسرحية” استمراراً للاستهتار بإرادة الشعب ومصلحة البلاد العليا. فهي تجري في حاضنة الدستور المفصل على حكم الفرد في ظل المرسوم رقم (26) بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 1973 الذي يمثل آلية سلطوية تقوم على التعيين واستمرار العبث بالرأي العام، إذ يعرف القاصي والداني أنها عملية واهية لا معنى لها في ظل دستور عام 1973 الفردي التفصيل والقياس والفعل، هذا الدستور الذي خلف كل هذا الانهيار والفساد والتخلف، وصادر حرية الشعب في الاختيار والانتخاب والترشيح، ويستمر في تزييف العملية الانتخابية ويحرم مئات الآلاف من المواطنين الكرد من ممارسة حقهم في الترشيح والانتخاب بعدم إعادة حقهم في المواطنة السورية التي جردهم الاستبداد منها قبل أكثر من أربعة عقود.
إن جبهة الخلاص الوطني في سورية ترى أن ما يجري تحت مسمى الانتخابات هو التزوير بعينه، يتم بنفس الآلية الفردية الأسدية منذ عشرات السنين في ظل حالة الطوارئ والأحكام العرفية والمادة رقم 8 من الدستور التي تحتكر للحزب الواحد ساحة العمل السياسي، والقانون رقم 49 الفاشي لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتماء إلى الإخوان المسلمين، وفي ظل انعدام قانون جديد لحرية الأحزاب والانتخابات، وهذا لا معنى له سوى تجديد ولاية الفساد للنظام الاستبدادي ورموزه وتبديل مواقع الطغاة والفاسدين، والجديد الوحيد فيه هو محاولة النظام إخراجه عبر المزيد من التلاعب بمشاعر الشعب عن طريق تزيينه باستيراد صناديق زجاجية شفافة وحبر سري وهي مظاهر شكلية لا تقدم ولا تؤخر في شرعية العملية الانتخابية، بل تمثل محاولة بائسة ومكشوفة لإظهار “شفافية العملية الانتخابية” في نظام يعرف القاصي والداني كم هو فردي استبدادي ظالم وظلامي، يلغي الآخر ويقصيه، وإن تطلب الأمر يقتله، وتاريخه في سورية وخارجها معروف للجميع.
إن شرعية النظام السياسي تعتمد على توفر دعامات أساسية خمس لا بد منها، وهي: أولاً شرعية الوصول إلى الحكم، وثانياً فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وحرية عملها، وثالثاً وجود الدستور الذي يحدد الحاضنة القانونية للعملية السياسية، ورابعاً إشراك المعارضة في العملية السياسية واعتماد حرية العمل السياسي والصحافة والإعلام والرأي، الأمر الذي يوفر أجهزة المراقبة والمتابعة لأداء النظام السياسي، وخامساً إعادة حق المواطنة إلى المجردين منها لأسباب عنصرية وسياسية. وليس خافياً على الشعب السوري أن هذه الدعامات كلها مغيبة، مضافاً إليها عمل أجهزة أمنية قمعية شاذة لم تعرفها أنظمة الحكم الديكتاتورية قديماً ولا حديثاً، لا في في اليسار ولا في اليمين، ولا في الوراثة ولا في الرئاسة؛ إلا في سورية.
إن جبهة الخلاص الوطني في سورية تدعو كافة أطراف الحركة الوطنية والاتحادات والنقابات المهنية والطلابية والثقافية والأهلية والشعب السوري كله إلى كسر حاجز الخوف والهامشية والتزييف؛ وتحثهم على مقاطعة “الانتخابات” المهزلة، السبب المباشر الذي أوصل سورية إلى هذا الحضيض السياسي والوطني والحقوقي والاجتماعي والاقتصادي، وتؤكد الرفض على أرضية تنمية وعي المطالبة بالحقوق التي تنص عليها كل الدساتير والمواثيق، وتفعيل الممارسة الديمقراطية وعودة الشعب إلى أداء دوره السياسي وتصحيح ما شوهه نظام الاستبداد في سورية، ليكون هذا الرفض على طريق البدء العملي باتجاه التغيير الوطني الديمقراطي، الطريق الوحيد لتصحيح كل هذه الانحرافات التي طالت كل شيء في حياة الشعب السوري.
لا للمشاركة في عملية تزييف إرادة الشعب .. نعم للمقاطعة الشاملة على طريق التغيير الوطني الديمقراطي في سورية.
جبهة الخلاص الوطني في سورية
12 نيسان/ أبريل 2007