الرئيسية » مقالات » هل من قرع متواصل لطبول الحرب في منطقة الشرق الأوسط؟

هل من قرع متواصل لطبول الحرب في منطقة الشرق الأوسط؟

عند متابعة مجرى تطور الأحداث والصراع بين المجتمع الدولي, وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية, من جهة, وإيران المعزولة دولياً من جهة أخرى, يشعر المتتبع للنشاط السياسي الإقليمي والدولي بأن حرباً خليجية رابعة وشيكة الوقوع, وأن مخاطرها على دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط آخذة بالتفاقم. فهل حقاً لم يعد ممكناً إيقاف قرع طبول الحرب ولجم الطبالين دولياً؟ وهل انتفت كلية إمكانية البدء بقرع أجراس السلام في منطقة الخليج واحتمال امتدادها إلى دول منطقة الشرق الأوسط؟ هذا ما سنحاول متابعته في هذه المتابعة السياسية.
علينا ابتداءً متابعة ما يقوم به الطرفان المتصارعان على صعيد المنطقة للتهيئة لمجابهة محتملة. يجد المتتبع نفسه أمام اتجاهين متضادين, وهما:
1. رغبة عارمة لدى جزء مهم من القيادة السياسية الإيرانية, وخاصة رئس الجمهورية محمود احمدي نجاد, باعتباره ممثلاً للقوى المتطرفة في الحرس الثوري الإيراني وجيش القدس والبرلمان, في قرع طبول الحرب والإعلان عن تطوير واختبار صواريخ جديدة وإجراء مناورات عسكرية وإطلاق تصريحات نارية تذكرنا بتصريحات المستبد صدام حسين قبل الحرب الخليجية الثانية, وكذلك قبل الحرب الخليجية الثالثة, إضافة إلى خبر يقول بأن إيران أنتجت قنبلة صغيرة تقدر قوتها بعشر قوة القنبلة الأمريكية التي ألقيت على هيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية, وأن الأجهزة الخاصة بقياس الإشعاعات سجلت هذا التفجير في الفضاء عبر استخدام إيران لصاروخ حامل للرأس النووي. (راجع ندوة خاصة حول العلاقات بين إيران والولايات المتحدة التلفزيون اللبناني anb بتاريخ 24/02/2007).
2. ضغط متعاظم تمارسه الولايات المتحدة ودول حلف الناتو والأمم المتحدة ووكالة الطاقة في فيينا على إيران بهدف منعها من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم لإنتاج أسلحة الدمار الشامل وليس للأغراض السلمية المدنية, إذ أن العالم كله يشك بنوايا إيران في هذا الصدد. وبدا هذا واضحاً في تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي لإصدار قرارات جديدة بشأن العقوبات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والمالية والعسكرية المنوي اتخاذها ضد إيران واحتمال إدراجها ضمن الفصل السابع الخاص بالعقوبات, وهو قرار إلزامي التنفيذ ويمكن استخدام القوة لتنفيذه بخلاف الفصل السادس الذي يقرر حل الخلافات بالطرق السلمية.
ولكن السؤال المشروع الذي يطرحه الشارع في عدد كبير من دول الشرق الأوسط هو: إلى أين تسير تداعيات أحداث هذا الصراع بين المجتمع الدولي وإيران؟ هل سينتهي هذا الصراع إلى نشوب حرب طاحنة بين دول حلف الناتو بشكل خاص, ولكن معه كثرة من الدول, ومنها بعض الدول العربية, وخاصة الخليجية, من جهة, وبين إيران, ومعها بعض قوى الإسلام السياسي الشيعية في لبنان والعراق وربما حكومة سوريا أيضاً, من جهة أخرى. فيما يلي محاولة لتتبع سلوك الطرفين بشكل مكثف خلال الأسابيع الأخيرة على نحو خاص.
الطرف الإيراني
منذ مجيء السيد احمدي نجاد إلى رئاسة الجمهورية بدأت إيران تمارس السياسات التالية التي تثير المزيد من الغبار حول نواياها الفعلية:
• تشديد الصراع مع الولايات المتحدة وإعلان التحدي لسياساتها في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط عموماً.
• زيادة دعمها المالي والعسكري للقوى المتعاملة والمتعاونة مع إيران في منطقة الشرق الأوسط, وخاصة تلك التي تقدم لقوى حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين وبعض الأحزاب الإسلامية السياسية في العراق, وخاصة الشيعية منها, إضافة إلى تقديم الدعم المالي والعسكري لسوريا.
• زيادة التدخل المباشر وغير المباشر في الشؤون الداخلية لبعض الدول المجاورة وفي السياسات الداخلية لتلك الدول, وخاصة في العراق, حيث لا تكف أجهزة الدولة الرسمية وقواها العسكرية والمدنية الرسمية وغير الرسمية في التدخل اليومي وفي تنظيم الكثير من العمليات المناهضة للعراق وضد إعادة الاستقرار والأمن فيه. والكثير من المعلومات المتوفرة تشير إلى تعاون إيراني مع المجموعات الإرهابية المتطرفة التي تنتمي إلى تنظيم القاعدة وأنصار الإسلام السنة الكُرد الذين يجدون مأوي لهم في إيران وعلى الحدود مع العراق. وبدأت القوات الأمريكية والعراقية تكتشف المزيد من الأسلحة الإيرانية المخبأة في مناطق حدودية, كما حصل أخيراً في محافظة ديالى.
• القيام بمناورات عسكرية مستمرة في منطقة الخليج وبحر العرب التي تثير المزيد من مخاوف دول الخليج. وهذه المناورات تنظم عبر الجيش النظامي والحرس الثوري وجماعات بسيج وفيلق القدس. وهي تنظيمات عسكرية متطرفة ومغالية في مشاعرها الدينية الطائفية والمستعدة للموت في سبيل ما أصبحت تؤمن به بسبب طريقة الإعلام والتربية الدينية المتزمتة التي تمارسها القوى الدينية في إيران منذ العام 1979 حتى الآن. إذ أن هؤلاء يحملون في أعناقهم مفاتيح الجنة, فالموت هو الرحمة التي ينتظرونها بفارغ الصبر. لقد فقد هؤلاء طعم الحياة وحب الحياة لأنهم يعانون من جهل وفقر ثقافي وخرافات بالية يصعب وصفها.
• الإعلان المتواصل عن تطويرات جديدة في الأسلحة أو التقدم في تخصيب اليورانيوم أو التبشير بإعلان منجزات جديدة .. بحيث تبقى الشعوب والأجهزة والقوات الإيرانية وتبقى الإيرانية ويبقى الإيراني دائم التوتر والتفاعل مع سياسة دولته الإسلامية الشيعية.
• شراء المزيد من الصواريخ وأنظمة الدفاع الحديثة المضادة للطائرات الحربية والصواريخ المضادة من روسيا ونصبها في المناطق الخاصة بعمليات تخصيب اليورانيوم الموزعة في إيران, وفي مناطق قريبة من الخليج أو المناطق الحكومية الخاصة.
• قامت إيران بتركيب مجموعتين يتألف كل منها من 164 جهاز طرد مركزي (المجموع 328) في محطة نتانز النووية التي يحتمل تشغيلها التجريبي قريباً.
• صرح قائد سلاح الجو التابع لحراس الثورة الجنرال حسين سلامي قائلاً: ‘لقد أجرينا تجربة ناجحة لنظام دفاعات أرضية روسية (تور ـ أم 1) خلال مناورات (الصاعقة)، التي جرت في منطقة الخليج وبحر عمان. وأعلن التلفزيون الإيراني الحكومي أن الجيش الإيراني قام ” بنشر أول طائرة قاذفة مقاتلة مصنعة محليا في تدريبات عسكرية”.
• ذكر التقرير التلفزيوني إن ” القاصفة صايغه أو البرق قد صممها وطورها خبراؤنا الإيرانيون، وهي مماثلة لـ إف-18 (الطائرة النفاثة المقاتلة الأمريكية) لكنها تفوقها في القوة”.
• تشير بعض الدلائل إلى أن إيران وعبر قوى سياسية خاصة فيها تزيد من تعزيز علاقاتها مع التنظيمات الإرهابية وخاصة تنظيم القاعدة وأنصار الإسلام السنة الكُرد لتنشيط دورها المناهض للولايات المتحدة في العراق والمنطقة بهدف تعطيل قدرة الولايات المتحدة توجيه همها الأساس ضد الملف النووي الإيراني.
• وعلينا أن نشير أيضاً إلى أن الإعلام الإيراني المنطلق من إيران أو من القوى المساندة لها في الدول الأخرى الذي يحاول تعبئة القوى الإسلامية على الصعيد العالمي “تحت شعار الإسلام في خطر من جانب الولايات المتحدة والغرب”.
ويبدو بوضوح أن السياسة الإيرانية الراهنة تريد كسب الوقت لتنشيط عمليات تخصيب اليورانيوم ومفاجأة العالم بإنتاج السلاح النووي من جهة, واستكمال تحضيراتها لمواجهة أي هجوم عسكري جوي جزئي أو شامل محتمل من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل أو دول حلف الناتو. وإيران تلعب على عدة ظواهر سلبية حادة في السياسة الأمريكية, ومنها الحرب الاستباقية التي تبشر بها قوى اللبرالية الجديدة ومواقفها في الهيمنة على العالم باعتبارها إمبراطورية القرن الحادي والعشرين, كما عبر عن ذلك زيجينيو بريجنسكي, مستشار مجلس الأمن القومي الأمريكي الأسبق, في أكثر من خطاب ومقال وكتاب له في هذا الصدد, والصراع الروسي الأمريكي بهدف الوصول إلى موقع ومصالح في المياه الدافئة في الشرق الأوسط والخليج بعد أن دفعت بعيداً نسبياً في أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي, كما تحاول إيران أن تلعب على بروز الأقطاب الجديدة المتوقع تبلورها خلال العقد الجاري والقادم, ومنها الصين مثلاً والخلافات الأوروبية الأمريكية. يضاف إلى ذلك الموقف المرفوض من جانب العرب بشكل عام من السياسات الإسرائيلية إزاء الشعب الفلسطيني وما نتج عنه من توسيع للتيارات الإسلامية السياسية المتطرفة في العالمين العربي والإسلامي, رغم المحاولات الجارية لمساومة بين إيران والسعودية يصعب تحقيق نتائج إيجابية بشأنها بسبب دور كل منهما في منقطة الشرق وتحالفاته المتباينة.
وعلينا فيما بعد رؤية الخلاف داخل الطرف الإيراني إذ أن هناك من يرفض سياسة التطرف والتصعيد التي ينتهجها السيد أحمدي نجاد ومن يؤيده في الدولة الإيرانية.
الولايات المتحدة الأمريكية
تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الولايات المتحدة, سواء أكان بالتنسيق مع الحلفاء الأوروبيين أم بدونه, تقوم بالتحضير الواسع لحرب جوية محتملة مع إيران, سواء أكانت عبر ضربات عسكرية مدمرة لمواقع تخصيب اليورانيوم وقواعد إطلاق الصواريخ الإيرانية المضادة أو إطلاق الصواريخ باتجاه الخليج وإسرائيل. أي التحضير الكامل لمثل هذه الحالة التي لا تتحرك تلك القوات إلا وفق قرار سياسي يصدر عن البيت الأبيض. والمشكلة الفعلية التي تقوم بوجه الإدارة الأمريكية هي أن الولايات المتحدة منقسمة على نفسها بشأن الحرب ضد إيران, والغالبية ضد الحرب من جهة, كما أن المجتمع الدولي, الذي لا يريد أن يرى إيران تمتلك أسلحة نووية, يسعى إلى حل الأزمة دون حرب إقليمية جديدة أو ضربات عسكرية ضد إيران تفجر صراعات وتداعيات لا حصر لها في المنطقة. وهنا يبدو الخلاف واضحاً, وهو ما تسعى إيران للاستفادة منه وتلعب على الوقت الضائع.
تتجلى التحضيرات التي يتحدث عنها الإعلام العالمي, في ما قاله قائد القوات الجوية الأمريكية الكولونيل سام غاردينير, رئيس لجنة وضع الخطط العسكرية لمواجهة عسكرية محتملة ضد إيران “أن جميع التحركات التي تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية تتسق مع ما ستفعله إذا كنت تعتزم توجيه ضربة جوية” كما قال أيضاً: “.. يتعين علينا نبذ فكرة أن الولايات المتحدة لن تتمكن من فعل ذلك بسبب التزاماتها الجسيمة في العراق .. هي عملية جوية”. فما هي الاستعدادات الجارية من جانب الولايات المتحدة:
• قيام القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة (انجر ليك) بمناورات عسكرية واسعة وشاملة. كما أن طائرات من نوع (إف – 16) الأمريكية بدأت بإجراء طلعات تدريبية من مواقعها في تركيا, وتم اختبار جرس الإنذار المبكر على كافة المستويات, حيث تم سماع دويه على مدى 15 كيلومتراً من القاعدة العسكرية في تركيا.
• قرر الرئيس الأمريكي السيد بوش إرسال فريق عسكري آخر إلى الخليج تقوده حاملة الطائرات (يو أس أس جون ستينيس) لدعم حاملة الطائرات المماثلة (يو أس أس ايزنهاور).
• كما تقف جاهزة حالياً في جزيرة دييغو كارسيا القاذفة ب 2 وفي ميسوري القاذفة ب – 2 ب.
• تم إرسال كمية من صواريخ باتريوت إلى المنطقة وماسحات ألغام لمواجهة أي رد فعل إيراني عسكري محتمل ضد البوارج الحربية الأمريكية وحاملات الطائرات وترسانات الأسلحة في الخليج, خاصة وأن إيران تحدثت عن امتلاكها صواريخ بمدى بين 350 -500 كيلومتراً.
• تم تعزيز القوات العسكرية الأمريكية بقوات إضافية, كما تم زيادة المخزن العسكري من السلاح في ترسانة السلاح الأمريكية في قطر والعراق.
• تم زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق لضمان أمن بغداد من جهة, ومراقبة الحدود العراقية – الإيرانية من جهة أخرى, بعد أن تم استبدال الفريق العسكري الذي كان يدير العمليات العسكرية في العراق.
• حصلت الموافقة على استخدام الأسلحة ذات القدرة على اختراق سطح الأرض وبعمق يزيد عن 25 متراً لتدمير المخابئ التي نصبت فيها المفاعلات النووية الإيرانية.
• بناء على توجيهات الإدارة الأمريكية قام البنتاغون بتشخيص 700 هدفاً عسكرياً في إيران لمهاجمته جوياً. كما تم تشخيص 85 هدفاً عسكرياً خاصاً تستخدم في تدميرها الأسلحة ذات القدرة على اختراق وتدمير المخابئ تحت الأرض وخاصة المفاعلات النووية ومخادع الطائرات العسكرية والصواريخ, وكذلك قواعد إطلاق الصواريخ والرادارات الإيرانية والغواصات والبواخر الحربية الإيرانية. وقد قدرت الخطط العسكرية بأن الولايات المتحدة ستحتاج إلى ثلاثة أيام لاستكمال القصف الجوي التدميري وشل قدرة إيران العسكرية ومخاطر توجيه صواريخها ضد حاملات الطائرات الأمريكية في الخليج أو ضد إسرائيل أو ضد دول الخليج.
• اتخذت القيادة العسكرية الأمريكية منذ الآن جملة من الإجراءات لمواجهة التهديد الإيراني بضرب المصالح الأمريكية عبر أتباعها في مختلف بقاع العالم, ولكن بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وبعض الدول الإسلامية وفي العراق.
• في خطاباته الأخيرة ركز رئيس الولايات المتحدة السيد جورج دبليو بوش على ضرورة زيادة المخزون الاحتياطي النفطي لاستخدامه عند الحاجة إليه.
• وويفترض في المتتبع أن يلاحق بانتباه المعركة الإعلامية التي تخوضها الإدارة الأمريكية بشكل نشط ضد إيران ومحاولة تحديد معالمها المضادة للولايات المتحدة ومخاطرها على مصالحها في الولايات المتحدة والخارج, وكذلك مخاطرها المباشرة على إسرائيل حيث صرح أكثر من مسؤول إيراني بأن إزالة إسرائيل لم تعد مسألة بعيدة المنال, كما جاء في تصريح السفير الإيراني في دمشق, إضافة إلى إبراز تدخلها ودعمها لقوى الإرهاب في العراق وفي مناطق أخرى. ويتم الآن الكشف عن مزيد من مخابئ السلاح الإيراني في العراق أو مصادرة شاحنات سلاح مرسلة من إيران إلى حزب الله في لبنان عبر سوريا. أو إضافة إلى ما أشيع عن عثور القوات الأمريكية على 50 مليون دولار أمريكي في موكب السيد عمار الحكيم على الحدود العراقية-الإيرانية, حين تم اعتقاله في الثلث الأخير من شهر شباط/فبراير 2007 وتفتيش موكبه ومصادرة وثائق سرية كانت في حوزته.
هذه هي الحقائق القائمة على الأرض حالياً, فما هي الاحتمالات الناجمة عنها؟
في الطرف الإيراني
ينمو ويتصاعد الصراع بين التيارات الإسلامية السياسية الحاكمة في إيران, وبشكل خاص بين تلك القوى الأصولية الأكثر تطرفاً المهيمنة حالياً على الحكم بقيادة السيد احمدي نجاد, وبين القوى الإسلامية المعتدلة التي يمثلها السيد هاشمي رفسنجاني والإصلاحي السيد محمد خاتمي. والخلاف يكمن في نزعة التصعيد التي يمارسها السيد احمدي نجاد ضد الولايات المتحدة ورفض اتخاذ أي خطوة فعلية للتفاوض مع الولايات المتحدة بسبب رفضها لطلب المجتمع الدولي بإيقاف عمليات تخصيب اليورانيوم والأخذ بأحد مقترحات الاتحاد الأوروبي ومجموعة الأربعة, إذ لا يألوا الرئيس الإيراني من تأكيد إصراره على السير في طريق تخصيب اليورانيوم في كل فرصة متاحة. إذ قال في خطاب له بهذه الوجهة التصعيدية ما يلي: إن “إيران تسيطر على تقنيات إنتاج الوقود النووي، والحركة الإيرانية في هذا المجال كقطار يسير من دون فرامل ولا يمكنه العودة إدراجه ولا يجد مكانا ليتوقف”, ثم أضاف في لقاء له مع مسؤولين دينيين وعسكريين في الشرطة “لقد نزعنا الفرامل منذ مدة، كما عطلنا قدرة القطار على السير إلى الوراء. وابلغنا أن هذا القطار الإيراني على السكة ولا يمكنه التوقف أو العودة إدراجه”. في مقابل هذا يسعى الجناح المعتدل في الدولة الإيرانية إلى تخفيف الأجواء المتوترة مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي والتحري عن طريقة مناسبة للوصول إلى وقف صدور عقوبات شديدة ضد إيران تزيد من مصاعبها الاقتصادية الداخلية الراهنة وتضعف مواقع إيران داخلياً وإقليمياً ودولياً, كما أن الجناح المعتدل لا يتعاطف مع التدخل الإيراني المتفاقم في أحداث العراق, والتي يصر الجناح المتطرف على ممارستها.
كتب الصحفي الأمريكي ديفيد أغناتيوس في مقاله الموسوم “النووي الإيراني: أسرار طازجة: في ضوء متابعته للملف الإيراني ما يلي: “ويرى مسؤولون غربيون دلائل مختلفة على توازن سياسي متغير في طهران: انتقاد علني لإدارة احمدي نجاد من جانب الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رافسنجاني، ورسالة تتحدى السياسة الاقتصادية للرئيس وقعها 150 عضوا في البرلمان الإيراني، وانتقاد لمعالجة احمدي نجاد للقضية النووية من جانب أعضاء سابقين في فريق التفاوض الإيراني ومن جانب صحيفة متشددة، والآن علامات جديدة من لاريجاني وآخرين على أن إيران تريد أن تستأنف المفاوضات التمهيدية التي أوقفتها في سبتمبر الماضي”. (راجع المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب” الموقع الإلكتروني ICAWS بتاريخ 27/02/2007).
يصعب اليوم تقدير إلى أين سيسير هذا التناقض والصراع الداخلي هل سيُحل لمصلحة المعتدلين والإصلاحيين, أم سيستمر التصعيد لينتهي إلى ضربات موجعة لإيران تحولها إلى دولة ما قبل التصنيع حقاً, كما حصل في العراق ولكن دون دخول قوات أمريكية برية إلى إيران, بل أن الفوضى ستسود في البلاد, ويمكن أن يبدأ معها التفكك المحتمل, رغم احتمال التماسك في الفترة الأولى. أملي أن ينتصر العقل والحكمة على التطرف والأطماع والمجابهة. فرغم الفارق بين الوضع في إيران والوضع في العراق قبل الحرب الأخيرة, إلا أن إيران لن تكون في كل الأحوال هي الرابحة بل الخاسرة الأكبر في هذه الحرب الجوية إن اشتعلت حقاً.

الطرف الأمريكي
تعيش أمريكي معضلة الإرهاب في العراق والصراعات الداخلية بين القوى والأحزاب السياسية والطائفية التي أججتها بسياسات المحاصصة الطائفية. إن هذه المعضلة المصحوبة بزيادة عدد قتلى الجنود الأمريكيين والنفقات العسكرية المتعاظمة والموت المتواصل في العراق, قد أدى غلى شق الصف السياسي والشعبي الأمريكي. فالأكثرية البرلمانية (السينات والشيوخ) والأكثرية السكانية ترى ضرورة الانسحاب التدريجي من العراق ونقل المسؤولية كاملة إلى العراقيين, في حين يرى البيت الأبيض وحكومة السيد بوش عموماً ضرورة استمرار وجود القوات الأمريكية ودعمها لإنجاز مهمتها التي دخلت العراق من أجلها. وإذ تسعى قوى المعارضة الديمقراطية على شن حملة واسعة ضد سياسة الرئيس الأمريكي بوش, تحاول الإدارة الأمريكية التحري عن نقاط التقاء معها ومعالجة المشكلة عبر كون رئيس الدولة هو القائد العام للقوات الأمريكية. إلا أن الحجة المهمة التي يستند إليها رئيس الدولة ذات ثلاثة جوانب, وهي:
1. إن الفشل في دحر الإرهاب في العراق سيسمح بنشره في منطقة الشرق الأوسط ويدخل الولايات المتحدة من جديد.
2. إن إيران بامتلاكها السلاح النووي ستقوم بتهديد المصالح الأمريكية النفطية وغير النفطية في المنطقة وخاصة حلفاء الولايات المتحدة في الخليج, كما يضعف مواقع وسياسات الولايات المتحدة في الصراع الدولي على مناطق النفوذ والمصالح في الشرق الأوسط وفي غيرها.
3. وأن إيران تهدد بشكل فعلي دولة إسرائيل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة على صعيد المنطقة وأفريقيا, خاصة وأن الهدف المعلن من جانب القيادة الحاكمة في إيران هي إزالة ليس التشكيك بمجازر الهلوكوست ضد يهود أوروبا فحسب, بل وإزالة إسرائيل من الوجود وإقامة الدولة الفلسطينية على كل الأرض الفلسطينية قبل قرار التقسيم في العام 1947. ومن هنا يأتي تعاونها الكبير مع منظمة حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان واستمرار وجود وتسليح وتنشيط جيش القدس في إيران.
ليس سهلاً على الولايات المتحدة خوض الحرب الجوية ضد إيران لأسباب لا ترتبط بالوضع الداخلي فحسب, بل بموقف الدول المختلفة, وخاصة روسيا والصين ذات المصالح الواسعة حالياً في غيران والتي تخشى من محاولة الولايات المتحدة المتواصلة في السيطرة على السياسة الدولية والهيمنة على العالم, والتي برزت في خطب الرئيس الروسي السيد بوتين في مؤتمر الأمن الأوروبي الثالث والأربعين في ميونخ بألمانيا, ونشوء تقدير أولي وكأن حرباً باردة جديدة على وشك الانطلاق والتي ستقود على سباق تسلح واسع على النطاق الدولي.
ومع ذلك فاللوحة في الخليج غير واضحة المعالم تماماً بسبب التعقيدات الكثيرة المحيطة بالحالة الراهنة, إذ أنها لا تبشر بحل سريع للمشكلة, رغم امتلاك الولايات المتحدة لأوراق غير قليلة في لعبة المساومة مع روسيا, مثل دخولها في عضوية منظمة التجارة الدولية التي ما تزال الولايات المتحدة تعارض دخولها حتى الآن, ولديها أوراقاً أخرى من نوع آخر تساوم عليها مع الصين. ويبدو أن الولايات المتحدة قد ضمنت موافقة دول الخليج وتركيا على السماح باستخدام أراضيها في الضربات المحتملة ضد المواقع العسكرية الإيرانية.
وترى الولايات المتحدة بأن إضعاف القدرة العسكرية لإيران سيساهم في إضعاف دورها السياسي الذي تتطلع إليه حالياً في المنطقة باعتبارها أكبر قوة إقليمية تريد أن تكون لها كلمة نافذة, وبالتالي سيضعف قوى الإرهاب ويساهم في تخفيف التطرف الديني الذي بدأ مع الثورة الإيرانية وهيمنة القوى الإسلامية على السلطة والبدء بمحاولات تصدير الثورة الإسلامية.
لا شك في أن أي حرب مهما كانت أهدافها ستكون عاجزة عن حل المعضلات القائمة في الإقليم بل يفترض التحري عن حلول سياسية لها, إذ أن تعقيدات وتداعيات ما بعد الحرب, إضافة إلى ثمنها الإنساني والخسائر المادية والحضارية كبيرة جداً لا يمكن تعويضها بأي حال. ومن هنا لا بد للعالم أن يبذل أقصى الجهود لجلب الطرفين المتصارعين على طاولة المفاوضات وحل الخلافات بالطرق السلمية ووفق آليات ديمقراطية وعبر الأمم المتحدة. ويفترض أن لا تكون المساومة على حساب مصالح لبنان والعراق مثلاً, حيث تطالب إيران مواقع خاصة لها ونفوذ ومصالح في العراق على حساب الاستقلال والسيادة العراقية ولصالح إقامة دولة دينية في العراق, وهو ما لا يجوز القبول به بأي حال.
بالرغم من وجود اختلاف كبير بين واقع وظروف كوريا الشمالية وملفها النووي وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وملفها النووي وطموحاتها في المنطقة, فأن تجربة الوصول أخيراً إلى حل معقول يرضي كل الأطراف بين كوريا الشمالية واللجنة السداسية, يؤكد بأن الدبلوماسية الصبورة والمعقولة مع الضغط السياسي المتواصل يمكن أن يوصل الأمر ومع اللجنة الخاصة التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا والتي يمكن توسيعها لتشمل دولاً أخرى أيضاً, يمكن أن تقود إلى نتائج أفضل, كما يمكن إضافة الوكالة الدولية للطاقة بهذا الصدد. وفي مثل هذه الحالة يمكن مناقشة قضايا أخرى معلقة بجانب بحث الملف النووي الإيراني.
مؤتمر الأمن في بغداد
في خضم الصراع الإقليمي والدولي المتفاقم انعقد في بغداد في العاشر من شهر آذار/مارس مؤتمر دعم الأمن والاستقرار في العراق, والذي يمكن أن يكون خطوة على طريق تحقيق الأمن في منطقة الخليج. وقد شارك في هذا المؤتمر ممثلون عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي, إضافة إلى دبلوماسيين من البحرين ومصر وإيران وسوريا والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية وتركيا. وشارك في المؤتمر ممثلون عن الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي.
يعتبر المؤتمر خطوة إيجابية مهمة على طريق طويل, وأهميته تبرز في عدد من النقاط, كما يشير إلى ذلك أكثر المراقبين والمشاركين في المؤتمر, والتي يمكن بلورتها في النقاط التالية:
1. مشاركة كل الدول الإقليمية والدولية التي تخوض صراعات وتتبادل التهم بسبب تدخلها في شؤون العراق الداخلية ودعمها لقوى الإرهاب.
2. تبادل الحديث وجهاً لوجه ومن على منصة المؤتمر في جو اتسم بالإيجابية العامة.
3. اعتراف الجميع بأن غياب الأمن في العراق سينتقل إلى دولهم الإقليمية أيضاً, كما لا يمكن ضمان عدم انتقال قوى الإرهاب إلى بلدانهم خارج الإقليم أيضاً.
4. نجاح نسبي مهم للدبلوماسية العراقية التي جمعت بين أطراف متصارعة بحدة وخاصة بين الولايات المتحدة من جهة وإيران وسوريا من جهة أخرى.
5. نجاح في الاتفاق بعقد مؤتمر آخر في اسطنبول في الشهر القادم على مستوى وزراء الخارجية لمواصلة البحث في الموضوع, إذ أنه سيكون على مستوى أرفع وقابل للوصول إلى نتائج أفضل من المصارحة فقط.
6. إعادة الثقة في نفوس العراقيين بأن الأمن المفقود منذ أربع سنوات يمكن أن يعود للعاصمة بغداد ولكل المدن التي ما تزال تعاني من الإرهابيين والقتل الجماعي.
7. تشكيل لجان متخصصة لمتابعة موضوع الأمن في العراق لإعداد ما هو ضروري لاجتماع وزراء الخارجية القادم في اسطنبول.
لا نأتي بجديد حين نؤكد بأن هذا المؤتمر على أهميته ليس سوى خطوة على طريق معقد وطويل ومحفوف بالمخاطر, ولكنه يحمل في الوقت نفسه الأمل في الوصول إلى نتائج إيجابية تنعكس على الشارع العراقي, خاصة في مجال المصالحة الوطنية والكف عن ممارسة السياسة الطائفية من قوى ما تزال تصر على تلك السياسة, وإعادة النظر بتشكيل الحكومة العراقية الحالية لصالح التغيير بما يسهم في تعزيز دورها في العملية السياسية الجارية في البلاد. كما أن الضربات الموجهة لقوى الإرهاب في بغداد ستساهم في تحسين الوضع, شريطة أن يترافق ذلك مع التوجه لتطبيق ذات الخطة الأمنية في محافظات العراق الأخرى إذ أن هروب هؤلاء إلى المحافظات سيساهم في تعقيد الوضع الأمني فيها ما لم تمارس ذات السياسة في كل المناطق المصابة بداء الإرهاب.
نيسان/ ابريل كاظم حبيب