الرئيسية » مقالات » في البداية كان …..الحلم…!!

في البداية كان …..الحلم…!!

 * العراق أواخر عام 1932
العراق لا يزال يرزح تحت نير الاستعمار والجهل والتخلف, لم تكن هناك سوى نواة صغيرة لطبقة عاملة, يتركز وجودها أساسا في المشاريع الخدمية والمنشاءات النفطية, التي يشرف عليها الإنكليز بصورة مباشرة.
الفلاحون الذين يشكلون النسبة الغالبة من السكان, والذين كاد ( تشرشل) أن يفقد صوابه, جراء ثورتهم العارمة عام 1920, خفتت في نفوسهم رياح التمرد, وتحول نفر كبير من (شيوخهم) إلى إقطاعيين, لا يطيب لهم غير ( شراب) الإنكليز الحاد المذاق!
البرجوازيون , أبناء الطبقة الهجينة, التي نسيت أن تتخلص من الحبل السري, الذي يربطها بالرحم الإقطاعي, تعلموا بسرعة, أصول اللعبة, وراحوا باستثناء قلة قليلة, يناضلون من أجل الفوز بنصيبهم من ( كعكة) الحكم!
كان كل شيء يوحي وكأن الأمر قد استتب نهائيا للاستعمار ونظامه الملكي العميل و….الى الأبد!
* الناصرية أواخر عام 1932
الناصرية….إحدى أفقر مدن الجنوب العراقي, تشهد حدثا فريدا من نوعه, أزقة المدينة وأكواخها الطينية, تستيقظ على منشورات تحمل شارة المجل والمطرقة, وتتصدرها عبارة ( يا عمال العالم أتحدو) وتدعو العمال والفلاحين, الى الوحدة ضد مضطهديهم من أصحاب الكروش …….و…التوقيع عامل شيوعي!
* الحلم!
كانت دعوة ليس لطرد الاستعمار ونيل الاستقلال وحسب, وإنما التحريض باتجاه إقامة مجتمع شيوعي, تنعدم فيه كل أشكال الاضطهاد والاستغلال!
كان الأمر أقرب ما يكون الى المغامرة, التي تراهن على النجاح بنسبة واحد الى مليون! كانت دعوة لاقتحام المستحيل دون الاستناد الى الواقع, كانت مجرد حلم بعيد جدا وصعب المنال!
* عامل شيوعي!
لم تكن أجهزة النظام الملكي تحتاج الكثير من العناء, لمعرفة الذي ( روع) المدينة الفقيرة بمنشوراته الثورية….فالحالم ببناء المجتمع الشيوعي, كتب النداء الأول بخط يده, ووزعه بنفسه, وراح يوضح للفقراء, ما الذي تعنيه الشيوعية, التي لم يسمعوا بها من قبل أبدا !
بعد اعتقاله أعلن يوسف سلمان – فهد- أمام المحكمة وبعزم ثابت , شرف إيمانه بالمبادئ الشيوعية!
* الولادة!
بعد أقل من عامين, وتحديدا في الحادي والثلاثين من آذار عام 1934, تمكن فهد من جمع الحالمين ببناء مجتمع شيوعي في العراق, وكان عددهم محدودا جدا, وأقل من أصابع اليدين, ليعلنوا معا ولادة حزب الطبقة العاملة العراقية, الخطوة الأولى على طريق تحقيق حلمهم الجميل!
* الشيوعية!
مثل النار في الهشيم, انتشرت الكلمة السحرية, بين الكادحين في ربوع العراق, وتحول حزب الشيوعيين, وخلال سنوات قليلة, الى قوة طليعية باسلة, تقود نضال الجماهير ضد الاستعمار ونظامه الملكي, هذا النضال الذي تفجر بعد أقل من أربعة عشر عاما, بركانا عاصفا من الغضب, أطاح بالحكومة وبمعاهدة بورتسموث , وكان يمكن أن يهدد النظام ووجود الاستعمار بالخطر, لولا تردد البرجوازية وخوفها الأبدي من حركة الجماهير الثائرة!
* شباط 1948!
اعدموا فهد! صدرت الأوامر من لندن, أسرع جلاوزة النظام الملكي, يقودون فهد الى سلم المجد الخالد….الى الشهادة دفاعا عن شرف المبادئ.
في تلك اللحظة التي تصور فيها الاستعمار وأذنابه نهاية ( البعبع) الشيوعي في العراق, أعلن فهد بثبات وهو يمضي صوب سلم المجد, أن الشيوعية لم تعد حلما, بل صارت حقيقة راسخة الجذور , صارت أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق!
بعد أقل من عشرة أعوام , انتهى الاستعمار ونظامه الملكي العميل الى مزبلة التاريخ, فيما كانت جموع الكادحين والفقراء تسرع لتغطي عرين الفهد بالورود وتشعل من حوله شموع الفرح والانتصار!
* شباط 1963 !
أغتال العفالقة الأوباش الفرح العراقي! أنتقم فرسان البعث الأنجاس, من شعب العراق, من ثورة شعب العراق ضد الاستعمار ونظامه الملكي العميل, قتلوا وبكل خسة الأنذال ودناءتهم, ذلك العراقي الأصيل والنبيل: عبد الكريم قاسم,وأهدروا علنا وعلى رؤوس الاشاهد دم الشيوعيين, وكان ذلك البداية , بداية ليل العراق الحالك الظلمة, ظلام حكم العفالقة الهمج , الذي تواصل بالشر والقمع والموت والحروب, طوال أربعة عقود من الزمن! قبل أن ينتهي الى مزبلة التاريخ, مصير كل الطغاة وسفاكي الدم , مصير كل أعداء الفقراء والكادحين, مصير كل من يحاربون الشيوعية والتقدم والديمقراطية! بعد أن بات كل من يناضل من أجل إقامة مجتمع تنعدم فيه كل أشكال الاضطهاد والاستغلال , هو في عرف الطغاة إما شيوعي أو صديق للشيوعيين أو يحمل أفكار شيوعية هدامة!
* العراق اليوم!
رغم جميع المصاعب والمحن والأخطاء والخطايا, الشيوعية, نداء فهد المدوي قبل سبعة عقود من الزمن, لم تعد اليوم مجرد حلم, يداعب خيال قبضة من الحالمين في ذلك اليوم الربيعي من عام 1934. الشيوعية, غدت حقيقة ثابتة وراسخة, في صميم نضال شعب العراق, من أجل التقدم وبناء المجتمع الديمقراطي, حقيقة ينبغي إدراكها جيدا, من قبل كل من لا تزال تعتمل في نفوسهم, سموم محاربة الشيوعية, ويتصورن أن بمقدورهم عبر العنف والتهديد, القضاء على حزب الشيوعيين أو تهميش دورهم في الحياة السياسية , من خلال حملات التضليل وترديد الأباطيل, التي ذهبت أدراج الريح, وانتهى كل من كانوا يرددوها, الى مزبلة التاريخ, تطاردهم لعنات كل الناس الشرفاء في العراق, الذين خبروا نضال الشيوعيين وتضحياتهم من أجل وطن حر وشعب سعيد!
في ذكر الولادة ….سلاما حزب فهد, ومجدا لكل من ناضل ويناضل من العراقيين, مهما كان موقفه الفكري والسياسي, من أجل أن يكون الإنسان أثمن رأسمال في الوجود!

سمير سالم داود 31 آذار 2007
www.alhakeka.org
بعض مقاطع هذا النص, سبق وأخذت طريقها للنشر, قبل حوالي العشرين عاما من الزمن, وجرى إعادة نشرها قبل ثلاثة أعوام في موقع الحقيقة, ومازالت كما كانت بتقديري, تحكي وبالموجز من العبارة, تاريخ ميلاد الجميل من الحلم الشيوعي, ومسار الحافل بالمجد, من شرف العمل, والذي يتواصل اليوم ودون تردد, وكما كان منذ ساعة الميلاد, دفاعا عن الكادحين والمحرومين من الناس, من أجل تقريب يوم الخلاص من سطوة الاحتلال, وليتحقق الأمل والمرتجى, أمل ضحايا القمع والحروب, والبشع من الاستغلال, والهمجي من الصراع الطائفي, في العيش بحرية وسلام, بعيدا عن بشاعات القمع والحروب والاستغلال, وفي مجتمع يقوم في وجوده, على الديمقراطية وشريعة تبادل السلطة سلميا, وبالاستناد أولا وأخيرا, على سلطان صناديق الاقتراع!