الرئيسية » مقالات » تعويض اسر ضحايا مجازر الارمن… من يعوض اسر ضحايا مجازر الكورد؟

تعويض اسر ضحايا مجازر الارمن… من يعوض اسر ضحايا مجازر الكورد؟

ذكرت بعض المصادر الصحفية ان من اهم شروط انضمام تركيا الى الاتحاد الاوربي هو الاعتذار وتعويض اسر ضحايا المجازر التي ارتكبت بحق الارمن في القرن التاسع عشر على عهد السلطان عبدالحميد، وهذا امر جيد ومفرح فالتاريخ لابد ان يحاسب القتلة الجناة عن جرائمهم في يوم ما ولابد ان يدفعوا ثمن ما ارتكبوا من جرائم بحق الشعوب ولكن في الحقيقة لم يكن الارمن وحدهم من رأوا الشؤم ومخططات الابادة الجماعية على يد الاتراك، وما جرى للارمن من مجازر لايشكل 10% مما ارتكب من مجازر بحق الكورد على يد مصطفى كمال اتاتورك في القرن العشرين وبالذات بعد اتفاقية لوزان المشؤومة وهذا التاريخ هو الاقرب الى اذهان المجتمع الدولي ودول الاتحاد الاوربي- فلماذا لاتوجد اية اشارة لامن قريب ولامن بعيد لهذه المجازر؟ وهل الدم الكوردي رخيص ومباح قتله دون حسيب او رقيب…؟.
فاليوم في العراق يحاكم النظام الصدامي البائد على جرائمه بحق الكورد في الانفال وغيرها.. فمن يحاسب النظام التركي على جرائمه المستمرة الى يومنا هذا بحق الكورد.. ربما ياتي اليوم الذي يحاسبون فيه (الله سبحانه وتعالى يمهل ولايهمل) واذا كان هناك من يلقي تبعة مجازر الارمن على الكورد… فهو واهم ولابد من تصحيح هذا الخطأ التاريخي والذي القى على كاهل الكورد لمآرب معروفة في حينها، نعم كان الكورد ضمن كتائب الفرسان الحميدية كجندرمة وهذه الكتائب اسهمت في الهجوم على الارمن ولكن باوامر من الباب العالي وبقيادة المشير زكي صهر السلطان عبدالحميد، ولم يشارك اي كوردي مدني في هذه المجازر بل العكس، فالكورد ولاسيما العلويين والقزلباش منهم قد حموا الارمن ضمن مناطقهم.
وللوقوف على الاسباب والمسببات التي ادت الى هذه المجازر بحق الارمن والكورد، لابد من العودة الى التاريخ وبعد البحث والتقصي عن الحقائق يظهر ان المسألة الارمنية والكوردية مرت بنفس الظروف، والموضوع كله كان عبارة عن ازمة هوية، فمسألة العرق والهوية خلقت مشكلات حول مسألة الولاء والهوية، فكان هناك اصرار من الكورد والارمن وكذلك العرب ودول البلقان على ان الاختلاف العرقي يستلزم الحكم الذاتي او الاستقلال وهذا ما لم تسمح به تركيا الطورانية القوميةو الشوفينية. فقد سمع الضابط السياسي البريطاني ارنولد ويلسون في منطقة (المحمرة) القنصل التركي وهو يصب لعناته على الكورد والعرب والارمن والمسيحيين السريان واليهود والاشوريين ويقول الاتراك وحدهم القادرون على حكمهم بالنار والحديد فقط (ويلسون، جنوب غرب فارس ص175) وفيما يخص الارمن فبعد حرب القرم عام 1877-1878 بين الروس والترك ومساندة الارمن للروس وكرد فعل اتجاه الاستفزازات وعمليات السلب والنهب والاضطهاد الذي عاناه الارمن على يد السلطات العثمانية في البلدان والمدن المختلفة، برزت المجموعة الثورية (حماة ارض الاباء) في ارضروم عام 1882 وفي عام 1885 بدأ حزب ارمنيكان بالعمل في منطقة (وان) مدعوما من قبل المجموعات الموجودة في روسيا ما وراء القوقاز وايران، كما ظهرت ميليشيات اخرى مما ادى الى حالة من الهلع في استانبول وفي المقاطعات الشرقية، وفي عام 1893 ظهرت ملصقات تحريضية على جدران عدة بلدان اناضولية ومن جهتهم حاول المحرضون اثارة القبائل العلوية المعارضة في ديرسم والفلاحين الكورد في نواحي ساسون الذين يدعى انهم منحدرون من الارمن الذين اشهروا اسلامهم، لكن الحوادث التي مهدت الطريق امام المزيد من الهجمات على الارمن حصل في ناحية (ساسون) جنوبي (موشي) حيث شن حزب هنجال الهجمات على الكورد وقتل العديد منهم في عام 1892 وفي عام 1894 نشب شجار بين القرى الارمنية والقائممقام المحلي حول متأخرات ضريبية مما اعطى الحجة للقوات التركية بالهجوم على الارمن وارتكاب مجزرة جماعية راح ضحيتها اكثر من (10000) قروي، وفي 30 ايلول عام 1895 حصلت حادثة عنيفة بين المتظاهرين الأرمن والشرطة في استانبول والتي اعلنت بداية المزيد من الهجمات الواسعة عليهم في المدينة، حيث لاقى المئات منهم حتفهم، وبعد اسبوع من ذلك قتل اكثر من (10100) أرمني في نواحي طرابزون وبحلول نهاية تشرين الاول كانت مجازر اخرى في ارزنجان وبدليس وارضروم وفي اماكن اخرى حيث قتل المئات في كل واحدة منها وفي الايام العشرة الاولى قتل نحو (1000) أرمني في دريار بكر وحوالي (3000) في كل من عربكير وملاطية وتلت ذلك مجازر في خربوط وسيواس.
اما فيما يخص الكورد، فق جرت محاولات في استانبول تهدف كلها من أجل جذب الكورد بشكل اكبر الى نسيج الامبراطورية العثمانية، فبقدر ما يكون الكورد مندمجين في النظام العثماني بقدر ما تكون الحدود الشرقية آمنة وبالتالي على أمل ان يكون الكورد اكثر قربا من غيرهم الى النظام العثماني ولكن عمليا لم يحدث هذا الاندماج، وفي عام 1915 اصدر الشيخ عبدالقادر الشمندياني تقريرا في صحف استانبول حول مطالبة الكورد بالحكم الذاتي، وفي تشرين الثاني عام (1918) بريطانيا وفرنسا صرحتا معا (التحرير الكامل والنهائي للشعوب التي عانت من اضطهاد الاتراك لفترة طويلة واقامة ادارات وحكومات قومية والتي سوف تستمد سلطتها من الممارسة الحرة بروح المبادرة والاختيار لسكانها الاصليين) انطونيوس (يقظة العرب / لندن 1938) الملحق ج.
وكتب عبدالله جودت وهو من الكورد المؤسسين لجمعية الاتحاد والترقي (تركيا الفتاة) داعما المطالب الأرمنية ومناشدا الكورد في ان يمشوا يدا بيد واعيد نشر هذا المقال في الجريدة الأرمنية تروشاك (كوتلاي، الاتحاد والترقي).
في باريس وقع ممثل الأرمن (بوغوص نوبار) مع ممثل الكورد شريف باشا في تشرين الثاني عام 1919 وثيقة تقول (اننا وبالاتفاق التام معا نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية وفق مبادئ القوميات لكل من أرمينيا المتحدة والمستقلة وكوردستان المستقلة وبمساعدة احدى الدول الكبرى، فضلا عن ذلك فاننا نؤكد اتفاقنا التام باحترام الحقوق المشروعة للأقليات من كلتا الدولتين) FO رقم 371 / 4103 الملف 44/56272 / تاريخ 28 تشرين الثاني 1919.
وفي عام 1919 قال كمال اتاتورك (طالما هناك أناس شرفاء ومحترمون فان الاتراك والكورد سوف يستمرون في العيش سوية كأخوة حول مؤسسة الخلافة وان قلعة راسخة من الحديد سوف تشيد ضد كل الاعداء الداخلين والخارجين) وبناء على هذا التصريح ساند الكورد الاتراك في حروبهم ضد المسيحيين وحموا الحدود الشرقية للبلاد ولكن يبدو ان الاسلام كان مسمار العجلة في البداية وفي تصريح مصطفى كمال للنضال ضد المسيحيين، لأنه بعد توقيع معاهدة لوزان والتي لم يذكر فيها اية اشارة الى حقوق الكورد والأرمن وبعد الاطاحة باخر سلطان عثماني (مراد الرابع) وتأسيس الجمهورية التركية ظهرت بداية الفاشستية الكمالية بقيادة الحزب الواحد فكان التهجير المنهجي وتسوية القرى الكوردية بالارض والوحشية في قتل الابرياء وقانون الطوارئ والأنظمة الخاصة في كوردستان مشهدا مألوفا بالنسبة للكورد، كما ازيلت كل اشارة الى اسم كوردستان في المواد الرسمية وبدأت الاسماء التركية تحل محل الاسماء الكوردية في كل المناطق الكوردية، ثم بدأت الانتفاضة الكوردية (انتفاضة ئازادي وانتفاضة الشيخ سعيد بالو واخيرا ديرسم التي كانت نهاية الثورات الكوردية ضد الكماليين).
واعلنت جريدة (وقت wakit) التركية.. ليس هناك مسألة كوردية حين تظهر الحراب التركية في شهر كانون الاول عام 1926 أبلغ السفير البريطاني بأن رائدا في الجندرمة وفي اجازة قصيرة في ديار بكر اخبر صديقا له انه شعر بالاشمئزاز من العمل الذي يقوم به وانه اراد ان ينتقل من هناك، لقد كان هناك طوال فترة التهدئة (هكذا في المصدر) وقد سئم من ذبح الرجال والنساء والاطفال(FO رقم 371 / 14579) هوار الى تشامبرلن، استانبول 14 كانون الاول 1927 .
بين عامي 1928-1930 نشرت وثيقتان كورديتان انه في شتاء عام 1926-1927 سويت قرى بالارض بلغ عدد سكانها (13500) شخص وفي الفترة الممتدة بين عامي 1925-1928 تم تدمير (10000) منزل وقتل اكثر من (150000) شخص وتم ترحيل اكثر من نصف مليون شخص يقدر بنحو (200000) منهم قد لاقوا حتفهم في الطريق.
يفهم من كل ذلك ان السلطات التركية العسكرية قامت باللجوء الى نفس تلك الوسائل التي استعملت ضد الأرمن حيث قتل الالاف من الكورد وبما فيهم النساء والاطفال ورمي اخرون منهم بالدرجة الاولى الاطفال الى نهر الفرات في حين تم ترحيل الالاف منهم بعد مصادرة املاكهم وممتلكاتهم وماشيتهم الى الاناضول الوسطى ومات الكثيرين منهم نتيجة الجوع والظروف الجوية السيئة. وبعد كل هذه المجازر الرهيبة اليس من حق الكورد المطالبة من الحكومة التركية بالاعتذار الى اسرهم وتعويضهم.. ونحن بدورنا نناشد كل المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي والأمم المتحدة ودول الاتحاد الاوربي ان تسهم في كشف هذه الحقائق وان تعوض الكورد وتراعي حقوقهم القومية المشروعة وبما لحق بهم ليس في تركيا فحسب بل في كل الدول التي قسمت عليها كوردستان.

التآخي