الرئيسية » مقالات » الكرد أذكى من التفاف حكومة البعث على اتفاقية آذار

الكرد أذكى من التفاف حكومة البعث على اتفاقية آذار

بعد ان ايقنت القيادة البعثية في النظام البائد بعدم قدرتها للقضاء على ثورة ايلول الكبرى التي اندلعت في الحادي عشر من ايلول عام 1961 بقيادة الملا مصطفى البارزاني الخالد وبسبب فداحة خسائرها المادية والعسكرية والبشرية فطالبت القيادة الكوردية بايقاف القتال والجلوس معها على طاولة المفاوضات فابرمت اتفاقية الحادي عشر من اذار عام 1970 مع القيادة الكوردية المتمثلة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة الملا مصطفى البارزاني على ان تنفذ خلال مدة الاتفاقية البالغة اربع سنوات وعلى هذا الاساس قدمت القيادة الكوردية مشروعها للحكم الذاتي في التاسع من اذار عام 1973 بغية التفاوض بشأنه مع المسؤولين في الحكومة المركزية الا ان الحكومة العراقية اهملت هذا المشروع مما ادى الى تدهور العلاقة بين الطرفين الى حد كبير وانعدمت الثقة بنوايا القيادة البعثية لتنفيذ بنود اتفاقية اذار خلال المدة المتفقة عليها للجوء النظام البائد بتدبير المؤامرات والدسائس والاساليب التضليلية للحيلولة من تنفيذ اتفاقية اذار فقاموا بتدبير محاولة خبيثة لاغتيال نجل قائد الثورة الكوردية ادريس البارزاني في الاول من كانون الثاني عام 1970 وكذلك المحاولة لاغتيال قائد الثورة الكوردية الزعيم الراحل مصطفى البارزاني في 29/9/1971 والقيام باغتيال كوكبة من كوادر الحزب الديمقراطي الكوردستاني وقد عمدت الحكومة باصدار قانون الحكم الذاتي لمنطقة كوردستان رقم 33 لسنة 1974 من جانب واحد دون ان يسبقه حوار واتفاق مع القيادة الكوردية صاحب القضية وقد تم اهمال وتهميش الكثير من بنودها مما استنكرتها القيادة الكوردية كونها لم تلب الحد الادني من طموحات وتطلعات الشعب الكوردي ولا يتناسب مع جسامة النضال الذي خاضه الشعب الكوردي وقدم في سبيله انهارا من دماء ابنائها الزكية لذلك رفض قانون الحكم الذاتي للاسباب الاتية:
1-ان قانون الحكم الذاتي لم ينطو على منح بعض الاعتبارات السياسية لاقليم الحكم الذاتي بل يلاحظ ان الفقرة جـ من المادة الاولى نصت على ان تعتبر المنطقة وحدة ادارية واحدة فالمشرع لم يمنح المنطقة اية سلطة سياسية علما بان هذا القانون جاء لحل مشكلة سياسية مزمنة استمرت لاكثر من نصف قرن فالحل جاء مبتورا لا يتعدى اكثر من امور تنظيمية واعتبرت كوردستان مجرد محافظة داخل دولة موحدة.
2-القانون لم يشر اطلاقا الى مبدأ الاستغلال الذاتي علما بان هذا المبدأ يمثل جوهر الحكم الذاتي فمثلا ينص القانون على تمتع المنطقة بالحكم الذاتي في اطار الوحدة القانونية والسياسية والاقتصادية للجمهورية العراقية.
3-وفي فترة تنفيذ قانون الحكم الذاتي تم استقطاع اراض شاسعة من اقليم كوردستان والحاقها بالمناطق المركزية علما بان هذه المناطق كوردية بحتة فهي جزء من كوردستان وهي محافظة كركوك واقضية خانقين ومندلي وسينجار وشيخان وكفري وطوزخورماتو وقد بلغت الاراضي الكوردية المستقطعة من كوردستان 39938كيلو مترا مربعا من اصل كامل المنطقة البالغة 74 الف كيلو متر مربع.
4-ان القانون لم ينص على حق المنطقة باصدار دستورها او نظامها الاساسي بينما نجد الجمهوريات ذات الحكم الذاتي في الاقاليم السياسية في ايطاليا واسبانيا تقوم باصدار دساتيرها وانظمتها السياسية بعد المصادقة عليها من قبل البرلمانات المركزية بينما نظام الحكم الذاتي رقم 33 لسنة 1974 لم يعط اي دور لهيئات الحكم الذاتي في صدورها.
5-حددت المادتان الثانية عشرة والخامسة عشرة من قانون الحكم الذاتي اختصاصات محددة وجزئية للمجلسين التشريعي والتنفيذي لمنطقة كوردستان بينما انيطت بقية الاختصاصات الاخرى بالسلطة المركزية ولا يجوز للمجلس التشريعي تشريع القوانين الاقليمية بل يجوز له فقط اصدار القرارات التشريعية وفقا للمادة الثانية عشرة اعلاه هذا من جهة ومن جهة اخرى فان المجالات المحددة لصدور هذه القرارات هي مجالات غامضة ومبهمة فنجد ان الفقرة ب من المادة الثانية عشرة نصت على اتخاذ القرارات التشريعية اللازمة لتطوير المنطقة والنهوض بواقعها الاجتماعي والثقافي والعمراني والاقتصادي ذي الطابع المحلي المحدد في حدود السياسة العامة للدولة.
6-لم يتضمن قانون الحكم الذاتي اية ضمانات لهيئات الحكم الذاتي في عدم التجاوز على صلاحيتها وحقوقها المحددة اصلا من قبل السلطات المركزية ولم تشترط تلك الهيئات على تعديل القوانين الخاصة بالحكم الذاتي.
7-يتبين من دراسة نظام الحكم الذاتي في العراق بعدم وجود جهة محايدة للفصل في الخلافات التي قد تنشأ بين السلطة المركزية وهيئات الحكم الذاتي وان الهيئة الخاصة المشكلة من اعضاء من محكمة التمييز لا يمكن ان تفي بالغرض المتوخى لانها جهة مركزية ولا يمكن اعتبارها حكما محايدا نزيها.
فكل هذه الاسباب وغيرها ادت الى افشال قانون الحكم الذاتي في العراق لانه يرد امال وطموحات الشعب الكوردي كما ان تجاهل دور الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه الملا مصطفى البارزاني الخالد قائد الحركة الكوردية ادى الى استئناف القتال مجددا فلجأت الدولة بالاعتماد على عناصر موالية اليها لا تمثل غالبية الشعب الكوردي واهدافه القومية تمثيلا حقيقيا كونها مجموعة تابعة للسلطة المركزية
لذلك اعتبر اغلب المحليين السياسيين والمتابعين للعملية السياسية في العراق ان قانون الحكم الذاتي لم يكن الا خدعة سياسية لتسويف المبادئ الاساسية لطموحات الشعب الكوردي فيقول السكرتير الاسبق للحزب الديمقراطي الكوردستاني الاستاذ حبيب محمد كريم في هذا المجال في بحثه (ملاحظات عابرة حول ثورة ايلول) لقد اثبتت وقائع السنوات اللاحقة ان اتفاقية اذار من وجهة نظر حزب البعث خدعة ماكرة كبرى كانت تهدف لاقامة هيكل كارتوني لحكم ذاتي مصنع تديره السلطة المركزية واجهزة الامن والمخابرات العراقية باستغلال بعض الخونة والمرتزقة وتتخذ من هذا الحكم الذاتي الهزيل غطاء لتمرير سياستها الحقيقية تجاه الشعب الكوردي الهادفة الى تعريب وتبعيث المنطقة لذلك لم تتمكن من معالجة مشكلات المنطقة ولم تقم باي عمل جوهري ولم تتمكن خلال اكثر من ثمانية عشر عاما من اتخاذ اي قرار ذي مغزى يتعلق بممارسة الحقوق القومية للشعب الكوردي ولم تستطع تطبيق استعمال اللغة الكوردية وهو حق دستوري تم اقراره منذ زمن بعيد بموجب قانون صدر عن الحكومة العراقية الملكية عام 1930 وكل ذلك ادى بان تصبح هيئات الحكم الذاتي اسما دون مسمى وشكلا بلا جوهر.
التآخي