تمثل الذكرى الرابعة بعد المئة لميلاد البارزاني الخالد حدثا تاريخيا مهما وخاصة للشعب الكوردي فهي شعلة وهاجة في دروب الحرية ومساحاتها اينما وجدت على ارض كوردستان التي غفيت على شواطئ النسيان وليل طويل مظلم حالك فرض بقوة القسر والسلاح مع تباشير انتهاء الحرب الكونية الاولى.
استطاع البارزاني بعبقريته الفذة تحديد ابعاد حركة الواقع الكوردي العياني والتاريخي في خضم المعادلات الصعبة التي وضعتها القوى المهيمنة وان يشخص بدقة المسار الكفاحي للشعب الكوردي ويحدد وسائله وأساليبه بما يتفق وشروط كل مرحلة مر بها وان يؤسس لاستراتيجية جديدة بنيت عليها نهضة الكورد الحديثة والمعاصرة انطلاقا من مفاهيم الثورة ، والحرية ، والديمقراطية ، وحقوق الانسان والحوار والتسامح وتبلورت في صياغة موضوعه وواقعته وفق رؤية سياسية ثاقبة اعطت ثمارها الانسانية والقومية والوطنية بأبعادها المحلية والاقليمية والدولية.
فقد ادرك البارزاني بثاقب بصيرته عمق مأساة الشعب الكوردي ومحنته أزاء الغبن التاريخي الذي لحق به جراء تقسيم الوطن
الكوردي الى اربعة اجزاء بعد حفلة توزيع الغنائم بين القوى المنتصرة في الحرب وما تمخض من معاهدات وموازنات استعمارية جديدة بعد الغاء اتفاقية (يسفر) وغمط حقوق الشعب الكوردي وحقه في تقرير المصير مما اورثه سلسلة من الكوارث والنكبات وبالشكل الذي اصبح معها النضال من اجل تصحيح هذا الخطأ التاريخي جريمة لا تغتفر في نظر النظم الشوفينية والعنصرية التي اعتبرت هذا الخطأ غنيمة صحيحة ولو على حساب الشعب الكوردي ويجب ان تبقى وتتأصل.
اتصلت خطوات البارزاني الاولى بسلسلة.. الثورات الكوردية الكبرى في التاريخ الحديث من خلال ثورات الخالدين الشيخ النهري والشيخ عبد السلام البارزاني والملك محمود الحفيد والشيخ سعيد بيران وقادة آكري والشيخ احمد البارزاني والقاضي محمد والتي تمثل انعكاسا حقيقيا لمدى الظلم والاضطهاد الذي يتعرض له الشعب الكوردي مثلما كانت تؤشر اتجاهات حركة موازين القوى والاخطاء والنواقص التي اعترت تلك الثورات فادت بها الى الفشل والتي برغم فشلها الا انها كانت خطوات تاريخية ملموسة في كفاح شعب وامة استوعبها البارزاني بوعي تاريخي عميق وبما شكل ظاهرة تاريخية فريدة استطاعت تجاوز كل التعقيدات
والألاعيب والمؤامرات وان يثمر عطاؤها وابداعها عن ابتكار اساليب ووسائل نضالية وتوظيف تنامي الوعي القومي والاستعداد الجماهيري للعمل والنضال بمختلف اشكال الكفاح بما يعزز قدرتها على الوحدة والتماسك وفق منظومة اخلاقية وفكرية وحقوقية تشكل تراثاً ثرا للحركة التحررية الكوردية.
وأدت المزايا الشخصية للبارزاني الخالد التي تفرد بها وصفاته القيادة الملموسة والواضحة دوراً كبيراً في تأمين استمرارية الثورة لفترات تاريخية طويلة تركت آثارها الجلية على حركة الشعب الكوردي التحررية ومسيرته كلها مثلما احدث صداها العالمي على مواقف الاطراف الاخرى الصديقة والمناوئة.
ومن خلال حركة نضاله في ربوع كوردستان ومعرفته بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق ادرك البارزاني في ضرورة تشيل تنظيم سياسي وحدودي جديد للشعب الكوردي وفق برنامج جديد بعد ان كان هناك عدد من التنظيمات العاملة داخل الساحة السياسية في العراق انذاك والتي حاولت السلطات الشوفينية ضربها بعضها ببعض بجبل حبك وفبركة المؤامرات مما اضر بالحركة الكفاحية والنضالية للشعب الكوردي وخط تطورها النامي فكانت ولادة الحزب الديمقراطي
الكوردستاني الذي احدث انعطافة نوعية في تاريخ الشعب الكوردي وغدا احد اقدم واعرق الاحزاب على الساحة الدولية.
كانت ولادة الحزب ضرورة سياسية وحضارية وتحولا جذريا في فكر وتعامل الكورد مع اوضاع الواقع السياسي والاجتماعي وبرؤى تمهد لافاق مستقبلية اكثر رحابة انطلاقا من ثورة العقل والفكر التي اثارها البارزاني التي غدت منهجا انقذ الفكر والعمل السياسي للحركة التحررية الكوردية من أطرها التقليدية ونأى بها عن دوائر الانقسام والتشظي ومنحها ابعادا اخرى حيث اضيفت كعطاء فكري وابداعي الى سجل معجم الثقافة السياسية والثورية في كوردستان وعبر مراحل نضاله غدا الحزب الديمقراطي الكوردستاني مدرسة لها سماتها واتجاهها الخاصين حيث الثورة والحرية والديمقراطية اصل ومادة التنظيم على صعيد الكورد وكوردستان من جهة وتحديد العلاقات والتعايش مع السلطة المركزية والمحيط من جهة اخرى وتحديد اوجه الخلل في تلك العلاقات.
ان مدرسة البارزاني جعلت من مفاهيم الوطن، القومي، الاستقلال، المساواة ، العدالة ، الصدق ، وحب الانسان ونكران الذات مع الاجراءات والممارسات السياسية الغذاء الفكري
والمادي للانسان الكوردي ونقل تلك المفاهيم من حيزها النظري الى حيزها العملي بديناميكية وروحية عالية وفي نسيج متماسك يتجلى بأبعاد وتقاليد سياسية اصبحت اتجاها فكريا.
ان الحزب الديمقراطي الكوردي باعتباره مدرسة النضال احتفظ الى هذه الذكرى المباركة ببرنامجه وموقفه السياسي وخاصيته وطابعه السياسي محافظا على نهج البارزاني الخالد واستطاع ان ينشأ العديد من الاجيال كما ونوعاً وقدم عشرات الالوف من البيشمه ركه الابطال والكوادر الكفوءة والمثقفة الى سوح الكفاح القومي والوطني ومايزال مستمرا في عطائه لتحقيق طموحات شعبنا الكوردي وغدت نظرته وتوجهاته وانتصاراته من الوجهة السياسية موضع الثناء والايمان والثقة من قبل الأوساط السياسية الانسانية في العالم وتؤدي دورها الحقيقي على المسرح السياسي واصبح محطة مهمة ضمن مسيرة الحياة السياسية على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي.
ان مكتسبات الحركة التحررية الكوردية التي تحققت على يد البارزاني دليل على تلك الحقائق في هذا العصر وهذه المرحلة ايضا.
ان تلك الروح وذلك الفكر والعمل منبع التفكير والبرنامج والمواقف للبارتي كنهج رفيع مفعم بروح المحبة الانسانية والعدالة
المتسامحة التي منحت معنى آخر للحياة الحضارية والمدنية.
تخطى البارزاني الخالد المراحل والعصور والثورة ومثل حالة التجديد والابداع والتحول انه ثورة للحياة وفي الحياة رسم طرازاً للعادات والتقاليد وجملة من التشريعات السياسية والاجتماعية الثورية التي شكلت نواة التغيير والتحول النوعي في المجتمع الكوردي.
كما ان الأسس التي جذرها في صور التحليل الدقيق والسليم والواقعي للاحداث والمستجدات والتأكيد على المنطلقات الاخلاقية والتربوية والانضباط العالي بها اكسب الثورة بعدا اخر فبرغم شراسة الحملة وعدم تورع الانظمة الشوفينية المتعاقبة على الحاق الأذى بالشعب الكوردي لم ينسق الى ردود افعال خارجة عن الابعاد الانسانية والاخلاقية وتمثل انتهاكا للقوانين الدولية المعمول بها مع العكس فان السلطات هي التي كانت تجنح الى تدمير الشعب الكوردي بشتى الوسائل بما فيه اسلحة الدمار الشامل.
وحول ذلك يقول اليكساندر كسيلون مستورد جهاز Kgb في الاتحاد السوفيتي السابق عام 1973 – 1974 ان البارزاني قد اضطر دوما لحمل السلاح.
ان اعظم المواقف واذكاها التي ابداها البارزاني تتمثل في ان اي قطرة دم لم ترق بمبادرة من البارزاني وانما دافع عن شعبه فقط.
وهذا كلام شاهد ومراقب وكانت بلاده تساند يومها النظام الحاكم في بغداد والذي استخدم اسلحة الابادة الجماعية والدمار الشامل ضد الكورد.
ويورد الرئيس مسعود البارزاني انه: (عام 1984 زرت المستشار النمساوي (برونوا كرايسكي) في فينا والذي كان واحدا من قادة الاشتراكيين الديمقراطيين العالميين المشهورين واستقبلني بحرارة واحترمني كثيرا).
ومن بين اقواله اشار بصفة خاصة الى ذلك وقال: “اني صديق والدكم واحب الشعب الكوردي أنصحكم على ان تستمروا على نظافة ونقاء هذا النهج”.
ولم ينزل البيشمه ركه طوال كفاحهم وبرغم مواجهتهم لأشرس اساليب القسوة العسكرية في القمع والابادة الى درك الارهاب والخروج عن الاخلاق والقوانين العامة بل ان الثورة والشعب الكوردي كانوا دائما ملتزمين بالمبادئ العامة لادارة القتال والاتفاقات والمعاهدات التي جرى الاتفاق حولها والموجودة لتنظيم حرب الانصار والبيشمه ركايتي ولم ينتهكها بأي شكل من
الاشكال.
كان ميالا للسلم ولم يستغل الظروف التي واتته مرات كثيرة مد يد السلام لكل يد ترفع وتريد السلام رغم علمه انها نابعة من حاجات تكتيكية لكسب الوقت اثبتها مجرى الوقائع العملية فعلها في مفاوضات عام 1930 مع الملك فيصل الثاني والممثلين الاخرين للنظام الملكي في بغداد ومع حكومة السعيد عام 1943 – 1944 وعام 1962 في جلسة مع اللواء حسين عبود ممثل عبد الكريم قاسم في منطقة سرسنك .
وفي مفاوضات عام 1963 مع اول حكومة للبعث وفي مفاوضات عام 1964 مع عبد السلام عارف وفي مفاوضات 1966 مع حكومة عبد الرحمن عارف التي كان عبد الرحمن البزاز يرأسها وقتئذ والتي سميت اتفاقية 29 حزيران 1966.
وفي مفاوضات 1970 المعروفة باتفاقية 11 أذار مع البعث المقبور.
ويشير الاستاذ احمد باني خيلاني عضو اللجنة المركزية السابق في الحزب الشيوعي العراقي الى انه حضر في خريف 1964عند البارزاني وفيها تحدث البارزاني عن المفاوضات بين الثورة والحكومة قائلا: “انني متأكد من الحكومات التي تخوض معنا
المفاوضات السبب الوحيد هو احباطها وانهاء جيوشها وهي من اجل الراحة واندفاع آخر وليس لأجل الحل السلمي للقضية الكوردية”.
وتعد نقلة الصوت الكوردي الى المحافل الدولية احد ابرز مكاسب نضال البارزاني للكورد وكوردستان فقد اخرج القضية الكوردية من اطارها المحلي المحدد الى المنابر العالمية حتى غدت من غير الممكن تجاهلها.
ويشير البروفيسور د. ميخائيل سيموفيج لازه ريف مسؤول شعبة الكورد “قسم الاوسط والادنى” في معهد الاستشراق الاكاديمي لجمهورية روسيا الاتحادية الى ان “استطاع البارزاني ان يحول بنجاح القضية الكوردية من قضية اقليمية الى قضية دولية وان يكسر الحواجز والحصارات المفروضة عليه والتي وضعتها الانظمة المحتلة لكوردستان ضد مواصلة وادامة وبقاء وتطور حركته التحررية من اجل ان يمنعوا صوت الكورد من الوصول الى شعوب المنطقة والعالم وان ينظرو الى القضية الكوردية في البلدان التي قسمت كوردستان عليها كقضية داخلية دائما في هذه البلدان”.
في هذه الذكرى المباركة بعطرها ومراحلها المختلفة وبكل الكوارث والمآسي التي لحقت بالكوادر وخاصة في زمن
السلطة العنصرية البائدة والدكتاتورية المقبورة اصبحت خطابات الثورة وشعاراتها الديمقراطية والتي وضع اسمها البارزاني الراحل اصبحت مطلب العصر وفي اعلى مستويات السلطة السياسية والقوة الاقتصادية والعسكرية وعلى أساسه تجري المطالبة باجراء التغييرات في منطقتنا.
فألف تحية حب وعرفان للرجل الذي جذر في نفوس الكورد حب الكورد وكوردستان في ذكراه الرابعة بعد المئة.
التآخي
الرئيسية » شخصيات كوردية » في الذكرى الرابعة بعد المئة لميلاد البارزاني الخالد..البارزاني الخالد مرتكز التحول التاريخي النوعي