الرئيسية » مقالات » الانتفاضة وربيع قامشلو الذي لاينتهي!

الانتفاضة وربيع قامشلو الذي لاينتهي!

ثلاث سنوات مضت بسرعة من تلك الأيام الصّاخبة, كانت سريعة جدا, شعرتُ وأنا في خضمّها إننا نعيش ثورة بكل المعايير, ثورةالسنابل والزيتون, ثورة الجياع والمحرومين. ثورة الخبز والحرية والكلمة الحرة.
لقد كنا نحن أبناء الشعب الكردي بحاجة لهكذا ثورة منذ أكثر من قرن كامل, وخاصة إن الحالة الكردية كانت في سبات مخيف, باستثناء محاولات جادة أجهضت باكرا.
لاشك لو عدنا إلى الانتفاضة وَمنْ صنع بداياتها, سنكون مثل الذي يصارع ظلاله, كل من يعيش على وجه الكرة الأرضية, من القطب الشمالي وحتى سور الصين العظيم, سيخبرنا بالتأكيد أن النظام في سوريا هو من يغتال مواطنيه في وضح النهار.
وهنا نستطيع القول أن النظام حاول أن يستعمل الملعب الكردي لأجل كبح جماحهم ولو بلغة العصا والهراوة, لكنه لم يكن بمستواه السياسي والديكتاتوري المطلوب, وانقلبت الموازين في وجهه, وتحول المجرمون والغوغائيون والغرباء عن الوطن إلى حالة من الثورة, ثورة الحرية التي رسمت ملامح الوطن القادم, ثورة كانت أبجدية كردية أيقظت الطغاة من كبوة الاستبداد, وأظهرت للعالم اجمع مأساة الإنسان الكردي, وسعيه لأجل حقوقه القومية والإنسانية كما يعيشها كل شعب في وطنه.
لقد كانت تجربة الانتفاضة, وأقول تجربة لأن شعبنا وحركتنا السياسية الكردية كانت في ذهول وعفوية, ولم تستثمرالثورة الكردية بالشكل المطلوب, رغم إن الحركة استطاعت أن تقف صفا واحدا في وجه النظام وأدواته ومحاولات السلطة تحويل الانتفاضة إلى حرب أهلية(كردية-عربية), حينما جندت ميليشيات البعث وسلّحتها, وطلبت من العشائر العربية مقارعة الكردي وتلقينه درسا ولو دمويا.
لكن كل تلك الأفكار السوداوية والبربرية فشلت تحت حكمة واصالة العلاقة التاريخية بين الشعبين الكردي والعربي.
لقد جاءت الانتفاضة كنتيجة لسلسلة التراكمات والقمع المتأصل في ثقافة السلطة, وزيادة أساليب القمع والإرهاب بحق الشعب الكردي المسالم, وقد كان النظام ومن خلفه ثلل الشوفينية من أصحاب الأفكار الصدئة, وهؤلاء المثقفين والنخبة السورية التي تعيش في عقلية دونكيشوتية, وتعتبر حكم الحزب الواحد صالحا للبلاد, وتعتبر كل تغيير أو ديمقراطية أو معارضة نوعا من الأجندة الغربية والأمريكية, وذلك تحت شعارات تسويقية من العروبة والوطنية ونظريات التصدي والمقاومة, في حين نجدها تعمل لأجل فتح قنوات مع أمريكا وإسرائيل, للحفاظ على المؤسسة الأمنية وعروشها الفاسدة, كل ذلك للحفاظ على مصالحها, حتى وان ذهب الوطن سوريا وشعبه إلى الجحيم!
لو عدنا إلى الوراء قليلا, إلى ماقبل الانتفاضة نجد أن الكرد كسروا حاجز الخوف منذ عام 1986 في نوروز, حينما تظاهر المئات منهم أمام القصر الجمهوري في دمشق احتجاجا على منع النظام الاحتفال بعيد نوروز القومي, وإطلاق الحرس الجمهوري النار عليهم واستشهاد(سليمان آدي) وجرح العشرات.ثم يدورالزمن وليقوم حزب يكيتي الكردي وحيدا ,رغم دعوته لجميع قوى المعارضة السورية لأجل التظاهر في اليوم العالمي لحقوق الانسان10122002 ,لكنها رفضت, وليبقى يكيتي مع حوالي مائتي كردي في تظاهرة حضارية وسلمية أمام البرلمان السوري,تلك المظاهرة الصغيرة التي كسرت بشجاعة كل حواجز الخوف غير مكترثة باستبداد وإرهاب النظام,ولتستمر المظاهرات والاعتقالات بحق النشطاء الكرد,حتى يقع النظام في مستنقعات الغباء السياسي ومحاولته لجم الغضب الكردي أو ما اسميه ظهور بوادر ربيع كردي سيشمل سوريا كلها,وخاصة الوضع الإقليمي والدولي المساعد لثورة كردية غاضبة,تسير بهدوء جميل في شوارع قامشلو إلى دمشق,لكن النظام لم يكن يتوقع ذلك الانسجام الكردي ,وتلك الروح العطشة للحرية ولحقوق الإنسان ولدولة القانون والمؤسسات,وتمتع الشعب الكردي بحقوقه القومية وفقا لمواثيق حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة.
شهداء سقطوا لأجل قضيتهم الكردية, وجرحى مازالوا يعانون الألم, ومجرمون من عناصرالسلطة يمارسون حياتهم الاعتيادية دون رقيب أو حسيب, لكن ما يجب أن نقوله إن الانتفاضة لم تنتهي ولم تتوقف, وما المظاهرات والاعتصامات التي نراها هنا وهناك سواء بشكل جماعي, قوى كردية ومعارضة سورية ديمقراطية, أو نهج المظاهرات والاحتجاجات التي أصبحت ضمن برنامج وفكر أحزاب لها فاعلية في الشارع الكردي(لجنة التنسيق الكردي), وما على كل قوى الحركة التلازم معها والانسجام, وتوحيد الأجندة الكردية والخطاب السياسي لأجل أن يظل ربيع الانتفاضة الشجاعة مزهرا, ولتظل المسيرة, مسيرة الحرية والحق الإنساني مستمرة, واعتقد إن تلك الدماء التي أريقت قربانا للوطن والحلم الكردي, وتجسيدا لحقيقة أن الكرد هم شعب يعيش على أرضه التاريخية كردستان سوريا, ولا أن نتهرّب من هذه الحقيقة الشفافة وأن لا نخجل من قولها, أو العمل لأجلها كدعاة للديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان. ستكون دماءا ليس لأجل القضية الكردية فحسب, بل هي شعلة حمراء ستضيء كل العتمة المسلّطة على بقاع الوطن السوري.
الانتفاضة مازالت مستمرة ولو بتوازن أكثر انتظاما, انتفاضة تعيش معنا, وثورة ملوّنة تعصف بنا كل يوم, وما علينا إلا أن نلملم شتاتنا, ونلجم نرجسية البعض منا, ونرمي بكل أوساخ الماضي وترّهات الخوف إلى الوراء, ونستمر في ثورتنا لأجل ربيعنا, ربيع الحرية وكرامة الإنسان من قامشلو وحتى دمشق.

11 آذار 2007

جهاد صالح: صحفي وناشط كردستان سوريا