تواردت الأخبار فجأة عن توجه بعض المثقفين العراقيين لقيام مشروع المجلس العراقي للثقافة ، هذه الأخبار لم تبق بحدود الخبر فحسب بل خصت اللجنة التحضيرية التي شكلت من ( 21 ) مثقفاً وانحصرت في مساحة المعرفية الشخصية دون الاستفادة من الثقل العام والكم الكبير والنوعي للمثقفين الديمقراطيين الوطنين ومشاركة البعض منهم في اللجنة التحضيرية وأعجب من العجيب فنحن لم نجد أسماء معروفة ومشهورة في مجال الشعر أو القصة والمسرح والرسم ضمن اللجنة التحضيرية وهذا ما جعلنا نساءل ــ هل هو الإهمال أم التغاضي أو أن المجلس الذي سيتم تأسيسه له نكهة خاصة وجماعة معينة ؟ ولهذا تجاوزت اللجنة التحضيرية أو من سعى إلى تشكيلها الكم النوعي لمثقفين وطنين معروفين حملوا راية الثقافة الوطنية ودافعوا عن نقاوتها من التشويه والتجير لفئة معينة أرادت أن تجعل الثقافة العراقية الوطنية عبارة عن قاطرة لأفكارها وتوجهاتها الشوفينية والتعصب القومي والدكتاتورية وأن تكون هذه الثقافة الفئوية العنصرية المعتمدة على إلغاء الآخر وإحلال ثقافة العنف والتجاوز وتشويه التاريخ هي الشاملة والمشروعة.
لقد دعت اللجنة التحضيرية الموما إليها على ما يبدو بعد اجتماعاتها على عقد الاجتماع الأول في عمان الأردن و قامت بتوجه دعوات لـ ( 145 ) باعتبارهم الهيئة التأسيس للمجلس العراقي الثقافي ، و حصل الأردن على حصة الأسد ( 88 ) بينما من مثقفي الداخل ( 25 ) وترواحت الدعوات الأخرى لبلدان معينة ما بين ( 8 إلى 1 ) وأهملت اللجنة الكثير من المثقفين في دول لم تذكرها حتى بالاسم ونشرت الأسماء في وسائل الإعلام وبخاصة إيلاف إلا أنها رفعتها من الخبر بعد فترة قصيرة جداً وأبقت على أسماء اللجنة التحضيرية فقط، وللحقيقة ونحن نتابع أسماء اللجنة التحضيرية والمدعوين للاجتماع الأول وجدنا إهمالاً أو لهدف آخر للكثير من مثقفينا المعروفين وبخاصة أولئك الذين قارعوا النظام الشمولي وثقافته الشوفينية منذ البداية ماعدا بعض الأسماء المعروفة والتي قد يركن لها باعتبارها اصواتاً ديمقراطية وطنية وهؤلاء لا يتجاوزون أصابع اليد وكان المفروض بهم استدراك الأمر وعذرهم إذا لم يكونوا على معرفة بذلك فعليهم واجب استجد بعد نشر أسماء الـ ( 145 ) ثم رفعها بسرعة أن يكون لهم موقف واضح من عدم دعوة أخوتهم المثقفين الوطنين الديمقراطيين المعروفين على المستوى الداخلي والعربي والعالمي.. ومعرفة أسباب هذا الإهمال كما هو الحال في اللجنة التحضيرية ولماذا سرى التوجه نفسه في الدعوة إلى اللجنة التأسيسية أيضاً وهو غمط حق للبقية التي جرى إهمالها أو عدم استدعائها الذي كان من المفروض الانتباه له، فضلاً أن الاتصالات والدعوات خصت فئات معينة بحيث أصبحت مغلقة مما يجعل التعامل معها في المستقبل حذر و صعب .
لسنا بصدد اتخاذ موقف معارض ضد قيام تجمع أو مشروع ثقافي لأكثرية المثقفين من الداخل أو الخارج إذا كان هذا التجمع يستند على ثوابت وطنية وديمقراطية يضع نصب عينيه المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار وفي مقدمتها نبذ الطائفية والعنصرية والموقف من الاحتلال وإذا كانت هذه الثوابت واضحة فنحن بالعكس من اشد الراغبين والمتحمسين لقيام المشاريع الثقافية ولتلتقي في المشروع الثقافي العام لأكثرية المثقفين العراقيين الذين ينبذون العنف والقتل والطائفية والعنصرية والفساد وان يهدف إلى إعادة الدور الريادي للمثقف العراقي ولحماية الثقافة الوطنية من التشويه الذي يهددها في تردي الأوضاع الحالية وفي مقدمتها الفكر الظلامي السلفي والأصولي وتتبعها قضية في غاية الأهمية وهي حماية الرموز الثقافية والمؤسسات الثقافية من الهجمة البربرية لكي يتم تدمير الوعي الثقافي وإبداله بوعي مضلل يحمل تجليات الطائفية البغيضة التي تسعى لها بعض المنظمات السياسية الدينية.
أن أية مؤسسة ثقافية وطنية تندرج ضمن مؤسسات المجتمع المدني يجب أن تكون واضحة في قضايا عديدة في مقدمتها
الأولى . صياغة الأهداف والدوافع في البرنامج والنظام الداخلي على أساس وطني ديمقراطي.
الثانية :مدى اتساع التمثيل بحق أكثرية المثقفين الوطنين العراقيين دون تميز في العرق أو الدين والقومية أي بصراحة بدون محاباة ولا تمييز إلا الكفاءة والإخلاص والمساهمة في رفد الثقافة الوطنية العراقية من نصوص وكتب ومؤلفات وأعمالا فنية وثقافية وأكاديمية.
الثالثة : قضية مواردها المالية التي يجب أن تكون نظيفة ومعروفة وليس خلف الكواليس لتكون بعيدة عن التقولات والاتهامات والتأثيرات .
الرابعة : الموقف من الاحتلال وتبني المشروع الوطني الديمقراطي لحل المأزق الحالي بدلاً عن المشاريع الفئوية والطائفية وأية مشارع من قبل دول الجوار أو الدول الأخرى.
وبالتأكيد هناك أمور أخرى عديدة بجب أن تكون بمستوى الشفافية والتعامل معها باعتبارها سنداً لنجاح العمل وتطويره.. إن ما صرح به أحد أعضاء اللجنة التحضيرية قد يكون مقبولاً إذا لم يكن للاستهلاك الإعلامي فقد أشار أن المجلس سيكون حافزاً على العمل من اجل حماية المثقف العراقي في الداخل من حملات القمع والاغتيال والإرهاب ومن اجل صهر إرادة المثقفين في صندوق واحد لمواجهة الظلامية من تجار الطائفية والعنصرية المقيتة ومن اجل إعادة الحياة إلى الروح الوطنية العراقية الأصيلة ” وأشار حول الأهداف مساندة الشعب العراقي بجميع فئاته لبناء مستقبل ديمقراطي زاهر وآمن وحماية مصالحه الوطنية واستقلاله وعلى قاعدة فصل الدين عن الدولة.
أن السلبية التي نسجلها على اللجنة التحضيرية أنها لم تقم بالاتصالات اللازمة مع أكثرية المثقفين العراقيين وهو ما ظهر من الاختيارات والأعداد التي دعيت من البلدان بينما أهملت بلدان عديدة يتواجد فيها عشرات المثقفين من أكاديميين وعلماء وكتاب وشعراء وفنانين ومسرحيين وغيرهم وبهذا نستطيع الاستنتاج مقدماً أن تلك السلبية ستكون حجر عثرة أمام تطوير هذا المشروع إذا أنجز وسوف نتوقع في الحالة الثانية بان حركته ستكون بطيئة ما لم يستوعب مفهوم أكثرية المثقفين العراقيين والتأكيد على داخل الوطن هو الأهم والأساسي في النجاح.
وبيقى الطموح الوطني بقيام المشروع قيد الإرادة والتصميم والسعي من اجل استيعاب هموم أكثرية المثقفين الوطنين الذين عانوا وما زالوا يعانون من قسوة الظروف وآليات العنف المتنوعة التي تهدف إلى خلق حالة من ثقافة الرعب والخوف والإمتثال بديلاً عن ثقافة التسامح والمصلحة الوطنية العليا.