الرئيسية » التاريخ » كتاب الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر- الصفحات من 28 – 60

كتاب الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر- الصفحات من 28 – 60

الكورد الفيليون في ظل الدولة العراقية

عند تأسيس المملكة العراقية عام 1921 قسمت المناطق التي يقطنها الكورد الفيليون والتي هي أرضهم وأرض ابائهم واجدادهم ودون الأخذ برأيهم او موافقتهم الى شطرين منها ما الحق بولاية الموصل بعد الاعلان عن ولادة الدولة الجديدة ومنها ما الحق بالمملكة الايرانية وذلك بموجب بروتوكول تخطيط الحدود العراقية – الايرانية . وقبل ولادة دولة العراق كانت العلاقات الايرانية – العثمانية تمثل تاريخاً من الحروب الدامية بين البلدين وغالباً ماكانت كوردستان مسرحاً لهذه الاعمال المسلحة والتي اسهمت في جعل كوردستان تعاني من التخلف والفقر، فالشريط الحدودي الممتد من شمال شرقي حلبحة وشلير ومناطق زهاب ومندلي وبدرة وزرباطية وحتى الكميت، وغيرها من المناطق المتآخمة لمحافظتي ايلام وكرمنشاه الايرانيين كانت محل نزاع واختلاف بين الدولتيين الجارتين، فالاتفاقيات والبروتوكولات الحدودية المعقودة بين طرفي النزاع منذ عام 1555 م وإلى أنهيار الإمبراطورية العثمانية. ولما كانت هذه المناطق وغيرها من كوردستان العراق مسكونة منذ اقدم العصور من قبل القبائل الكوردية والكوردية الفيليية كان طبيعياً عند تثبيت الحدود بعد تأسيس الدولة العراقية ان تنقسم القبائل الكوردية تبعاً لمناطق سكناها في الوقت الذي بقيت عشائر بكاملها ضمن المملكة الايرانية او العراقية كانت عشائر اخرى قد أنقسمت الى قسمين موزعين بين المملكتين ومن هذه العشائر على سبيل المثال مامش الجاف ، الهورامانين في شمال كوردستان الى جانب الكلهور والاركوازي البولي الزركوش الملخطاوي والكوردلية في جنوبها ولما كانت هذه القبائل تشكل وحدات اجتماعية متماسكة من ناحية القرابة والنسب فلم يكن شيئاً ما مستغرباً، اذ نرى الاخوة وابناء العمومة منقسمين في تبعيتهم بين الدولتين كما حدث لبعض العشائر العربية كشمر مثلاً. وبغية إلقاء الضوء على هذه المسألة الجوهرية المهمة في قضية الكورد الفيليين نورد نصاً من اتفاقية حدودية مبرمة بين السلطان العثماني مراد الرابع والشاه الايراني طهماسب الاول عام 1639 م حيث جاء فيها :- ((وقرروا ان الاماكن الواقعة في المناطق الفاصلة بين بغداد وآذربايجان الموسومة منها – بدرة وزرباطية وجصان – تكون تابعة لنا ، وقصبة مندلي وصولاً الى درتنك وقد تم الاتفاق ان يكون المكان المسمي سرميل حدوداً لدرتنك بما فيها السهول الواقعة فيما بينها اعتبرت تابعة لنا اما الجبل المتاخم لهذه المنطقة يكون تابعاً للطرف الآخر . سرميل التي ذكرناها حدوداً لدرتنك بالاضافة الى درنة تكونان متعلقة بنا ايضاً.
ويظهر من بين طيات اللهجة الامرة المكتوبة بها الاتفاقية يتضح ان الجانب العثماني كان منتصراً في الحرب وأملى شروط المنتصر، وهكذا كانت القوة العسكرية هي ميزان الفصل في الحصول على الامتيازات، فكلما كانت احدى الدولتين متفوقة على الاخرى كانت تفرض اتفاقية جديدة بشروط جديدة وفي الوقت الذي حدد الجانب العثماني في تلك الاتفاقية خط الحدود بين الدولتين إنبرى الامير علي ميزا – ابن فتح علي شاه وبدون ان يعلن الحرب رسمياً الى احتلال القسم الغربي من منطقة زهاب وجعل مجرى نهر سيروان الحد الفاصل بين الدولتين في عام 1821 م كما قامت القوات الايرانية باحتلال السليمانية وقبل ذلك وفي عام 1837م كان باشا بغداد يحرق مدينة خرمشهر ويقيم مذبحة جماعية لسكانها من خلال ذلك هشاشة الاتفاقيات التي تجدد وتلغى سراعاً بين الدولتين فمنذ الاتفاقية التي فرضها السلطان العثماني سليم علي الشاه طهماسب عام 1555م كانت النزاعات الحدودية مستمرة والاتفاقيات متغيرة وفقاً لتغيرات الزمان والقوة العسكرية فمع كل بروتوكول جديد تظهر شروط جديدة يقبلها احد الاطراف على مضض ثم يستعد لالتقاط الانفاس والسعي الى الغائها ومن هنا كثرت الاتفاقيات. فمن اتفاقية 1639 م في زهاو و1727 م في همدان و 1736 م في القسطنطينية وعام 1746 م في مغان و 1823م في ارض روم كما استمرت المفاوضات الحدودية منذ عام 1849م وحتى انهيار امبراطورية الرجل المريض دون التوصل الى إي اتفاق . وكانت لبريطانيا في العراق مطامع قديمة تناهز الثلاثة قرون ، فما عجزت عنه الدبلوماسية والتجارة على مدى تلك القرون تحقق بشكل مفاجئ خلال الحرب الكونية الأولى وبواسطتها أختصر سلاح الحرب البريطاني كل الطرق لتغفو المملكة العظمى على ضفاف بحيرة البترول العراقية بعد منافسة في هذا المجال إذ كان الألمان سباقين ، حيث يرجع اهتمامهم بحقول النفط العراقية منذ 1871 م .. وفي عام 1901 م زارت بعثة من الخبراء الألمان العراق فوجدت المنطقة عبارة عن (بحيرة بترول) وفاجأت الثورة العراقية الكبرى عام 1920 م التي أثرت بها ثورات الشيخ محمود الحفيد والإنتفاضات الكوردية في كوردستان ، إدارة الاحتلال التي ألقت باللوم على إدارتها المحلية لعدم توقعاتها بحصول الإضطرابات ، الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى إعادة النظر في السياسات البريطانية المتبعة في العراق . ومن هنا جاء إستفتاء ولسون الذي تضمن محوراً بثلاثة أسئلة (هل يحبذ الناس دولة عربية واحدة تحت رعاية بريطانية ؟ هل يريدون رئيساً عربياً للدولة ؟ وإذا كان الأمر كذلك فمن يفضلون) وبرغم ان الاستفتاء كان يرمي إلى حشد التأييد الشعبي لسياسات ولسون . وتعليقاً على ذلك يورد الأستاذ غسان العطية في كتابه (العراق نشأة الدولة) ((إن كثيراً من الذين أيدوا السياسة المنادية بحكم برييطاني مباشر لا يرأسه حاكم عربي ، كانوا مخلصين في معتقدهم هذا فقد أيد كل من التجار المسلمين وملاكي الأرض من الأعيان والشيوخ والأقليات الدينية أيدوا الحكم البريطاني في العراق على أسس اقتصادية بالدرجة الأولى ، لقد وفرت لهم الإدارة البريطانية الكفاءة والنظام وهما جوهريان لرخائهم ثم أنهم لم يكونوا مؤمنين بطاقة العرب على توفير أي شيء سوى حكم استبدادي تافه)) . وقد تأسست دولة العراق عام 1920 من ملك مستورد وحاشية مكونة من ضباط من خريجي المدرسة العسكرية في اسطنبول سابقاً المتشبعين بالسياسات الشوفينية والعنصرية لكونهم الأداة التنفيذية لسطوة الإمبراطورية المريضة وسياساتها القائمة على اللاضطهاد والقمع والصهر وفي مقدمتها سياسة التتريك، وبرغم كونهم عرباً إلا أنهم كانوا لا يتكلمون اللغة العربية إلا بصعوبة وهؤلاء أتخذوا ستار القومية الزائف ستاراً لغاياتهم رغم عدم إنتمائهم لها وكون غالبيتهم من اصول اجنبية كما كانوا لايجيدون اللغة العربية.
التأسيس انطلق من تحقيق اهداف الانتداب ومصالحه ومن هنا إنتفى شرط النهوض الوطني الذي كان وارداً خاصة وان النخب الحاكمة لم تكن سوى بيادق شطرنج في ساحة اللعب السياسية محلياً وإقليميا ودولياً وتوجه القوى المسيطرة وفقاً لتوجهاتها ومصالحها . ففي الفترات التاريخية اللاحقة من ظهور دولة العراق كان الساسة يوجهون مختلف الطعنات عبر وسائل القهر والارهاب لقوى الشعب الوطنية، لا لشيء سوى مطاليبها الوطنية المشروعة التي حركتها عوامل الاستنهاض الوطني بفعل الانتفاضات الثورية للشعوب المختلفة بعد بروز المعسكر الاشتراكي كقطب دولي منافس، فقد ولدت الدول العراقية وفي احشائها الشوفينية العنصرية وكل عوامل التهميش لغالبية مكونات الشعب العراقي فكانت ممارسة الدولة لسياسة التمييز القومي والطائفي جرت البلد الى الكوارث المتكررة التي لم يجن منها العراق سوى الخراب والدمار وخسارة فرص التقدم والازدهار .
ورث العراق عند تأسيسه شكل نظامه السياسي المتمثل بالحكم الديمقراطي النيابي من دولة الإنتداب بما يشبه الأنظمة الديمقراطية الغربية . وكان الإعتقاد السائد لدى عامة الناس أن يتم تطوير هذا النظام بمرور الوقت إلى نظام ثابت ونيابي يؤسس لقاعدة شرعية لتولي السلطة ، لكن بعد نيل الإستقلال عام 1932 أفرغ هذا النظام من محتواه من خلال تمسك النخب الحاكمة بأهداب السلطة بشكل مطلق غير مبالية باللعبة الإنتخابية . وخلقت هذه الأوضاع أزمة حول شرعية الحكم بسبب عجز النخب الحاكمة عن نيل رضى الشعب من خلال النظام الإنتخابي وسرعان ما أكتشف الناس أن اللعبة البرلمانية يمكن أن يستغلها الزعماء المتسلطون بطريقة بشعة (39) ، وبرغم تغير شكل الحكومات في العهد الملكي إلا أن جوهر سياساتها بقيت ثابتة وخاصة ما يخص الكورد والشيعة . فالشيعة أتخذوا موقفاً صارماً من الإحتلال وحرم فقهاؤهم الإشتراك في أية حكومة عراقية خاضعة للإدارة البريطانية . وأنحاز البريطانيون لمذهب الأقلية السنية التي كانت بحاجة إلى عون وسند خارجي يحميها من سيطرة الأغلبية وهو وضع يتفق مع سياسة إبقاء العراق تحت الهيمنة الإستعمارية ، وقد ثبت نجاح هذه السياسة التي كان فيها الضحية فيها معظم العراقيين.
إن بقاء السلطة في يد الأقلية سواء أكانت عشيرة أو أقلية مذهبية أو حزباً سياسياً أو أقلية عنصرية جعل اللجوء إلى الإستبداد أمراً واقعاً ومفروضاً موضوعياً لأن إعتماد التمثيل البرلماني الصحيح من شأنه نقل السلطة إلى أصحاب الأغلبية وعلى هذا الأساس لا يمكن لحاكم الأقلية التفكير بأي نهج ديمقراطي لأنه بالنتيجة يعني إنتزاع السلطة من بين يديه.
إن الإستبداد حصيلة طبيعية لحكم الأقلية وهو صفة لا تختص بمذهب ديني معين أو بقومية معينة (40) ، مما سيدفع بالنتيجة الأغلبية إلى سدة السلطة . ولما كانت النظرة الشوفينية العنصرية هي مجال الرؤية السياسية للنخب الحاكمة ، فإن حملات القمع والحصار ضد الشعب الكوردي بقيت مستمرة وفي وتائر متصاعدة محلياً وإقليمياً عبر التحالفات مع دول الجوار لسحق الثورات والإنتفاضات الكوردية ، وابتدأت سياسات التعريب منذ عهد وزارة ياسين الهاشمي عام 1936 وبمشروع ري الحويجة الذي يعتبر أول محاولة رسمية للإنطلاق نحو التغيير الديموغرافي للمناطق والمدن ذات الغالبية الكوردية وابتدأت بإحدى أهم المدن الكوردية وهي كركوك . ومع ترسيخ مبدأ تمذهب الدولة حيث السلطة بيد العرب لا الكورد والأطياف العراقية الأخرى وبيد السنة دون الشيعة . في اعقاب اتفاقية سايكس بيكو التي شكلت غبناً تاريخياً بحق الشعب الكوردي الذي كان يعاني كأي شعب آخر من شعوب المنطقة التي كانت ترزح تحت وطأة الاستعمار العثماني والذي كان يتطلع الى التحرر اسوة ببقية الشعوب . الا انه واجه واقعاً مأساوياً مفروضاً من خلال تقطيع اوصال الوطن الكوردي وتقسيمه بين اربع دول متجاورة وبعد اتفاقية لوزان عام 1923م، اصبح لزاماً ان تكون المتغيرات في العراق ودول المنطقة وفقاً لمبدأ تلك الاتفاقية فمن بين تلك المتغيرات محاولة التقليل العددي لأبناء الأمة الكوردية الى جانب تقليص مساحة أراضيها لتعد أقلية غير مهمة في تلك الدول، وتحقيقاً لذلك جرت محاولات إخراج اللر والكورد الفيليين وقبائل كوردية اخرى من رحم الامة الكوردية بتنسيبهم الى آرومة عربية آو اصول ايرانية . على ان هذا العامل السياسي لم يأت بمحض الصدفة وإنما جاء بمخطط اشرف عليه واداره (ادموندز) احد اركان عهد الانتداب ومستشار وزارة الداخلية والمخطط الاول لإفشال ثورة محمود الحفيد . يقول ادموندز في كتابه (كرد وترك وعرب) حول هذه المسألة مانصه :- (ان الطريق السلطانية الممتدة من كرمنشاه الى كرند يليها الخط المنتهي بمندلي وهو على وجه التقريب الحد الفاصل بين بلاد الكورد الاصلية وبين اقربائهم ( اللر، الك ) لايعدون ضمن الشعب الكوردي).
ثم يضيف في الحاشية (أولئك الكورد الذين يشاهدهم الناس يومياً في بغداد يحملون على كواهلهم اثقل الاحمال التي ذكرها كتاب الف ليلة وليلة، انها مهمة اسلافهم بالضبط قبل الف ومائتين سنة وهم ليسوا من الكورد وانما من اللر الذين جاءوا من غرب إقليم كوردستان المعروف بأقليم بشتكوه) والمسألة واضحة هنا فهو يريد وبحكم منصبه ان يقلل من الوجود الكوردي الفيلي على أرض العراق بل وينكر انتماءهم الى قوميتهم الكوردية تماشياً مع السياسة البريطانية التي استقرت عليها في العراق فأنكرت اللر عراقيتهم وحرمتهم من الجنسية الجديدة للدولة المستحدثة واعتبرتهم ايرانيين نازحين الى العراق بسبب الرباط القبلي ووشائج القربى التي تشد بين هؤلاء وبين الذين يسكنون الجزء الفارسي من الرستان والبختياري الشرقية بغية التقليل من شأن الوجود الكوردي في البلاد الجديدة المسماة بالعراق . وقد نفذ تلك السياسات النخب الحاكمة التي مر ذكرها . وكان قانون الجنسية المرقم (42) والصادر عام 1924 أول الغيث. وقبل التطرق الى هذا القانون لابد من ذكر حقيقة تاريخية معروفة الى عهد قريب من إعلان الدولة فالمعروف أن قانون القرعة العسكري العثماني الذي شرع ليجهز الجيش العثماني بالعنصر البشري لتغطية حاجته البشرية في حروبه في البلقان ومع روسيا القيصرية، وكان الشخص المشمول بالقرعة يودع من قبل أهله وعشيرته وداع المحكوم بالإعدام اذ يندر أن يعود هؤلاء سالمين إلى ذويهم، الأمر الذي دفع بالكثيرين الى إصابة أنفسهم بعاهة تنجيهم من شر التجنيد الإجباري العثماني اللعين، ولما كان هناك طريقة سهلة للتخلص من مأزق التجنيد فقد بادر الكثيرون من الكورد الفيليين والعرب الى شراء الجنسية الايراينة، من القنصليات الموجودة في البصرة والعتبات المقدسة الذين كانوا مستعدين لتجهيزهم بها لقاء مبلغ من المال. هذا من جهة ومن جهة اخرى كان الموظفون العثمانيون الذين هم جزء من الفساد الإداري المنتشر على استعداد لقبول الرشاوي في شطب أسماء المجندين . ولما كانت هذه الحقيقة واضحة حينها ومعلومة للجميع كان لابد من إسناد امر الجنسية والتجنس الى القضاء كما في مختلف بلدان العالم بدلاً من اختصاصها بوزير الداخلية فالقانون رقم (42) الصادر بوحي من اتفاقية لوزان لإغراض طائفية وسياسية تمليها الظروف المحلية قد ولد هذا القانون شاذاً وغريباً عن كل قوانين الجنسية المشرعة في بلاد الله المعمورة، فقد أناط القانون المذكور كما ذكرنا أمر التجنس إلى وزير الداخلية وليس إلى القضاء كما هو معروف دولياً، برغم أن تعقيدات الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية للعراق كانت غير خافية على أحد، وخاصة التعامل مع قانون القرعة العسكري العثماني الخاص بتجنيد المواطنين وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى عرف القانون رقم (42) صفة المواطن العثماني: بأنه المواطن الذي يسكن في أي جزء من أجزاء الدولة العثمانية وفي أي جهة منها سواء كان في البلقان أو مصر أو بلاد الشام أو سواها وأعتبر عراقياً بصفة أصلية وحدد القانون جهة التبعية بأنها أما تبعية عثمانية أو تبعية إيرانية، ووفقاً لمحددات هذا القانون نفسه إن التبعيتين هما بالمحصلة النهائية اجنبيتان الأمر الذي يثير التساؤل حول من هو العراقي إذن ؟! وماهي معايير العراقية الحقة، أهو التاريخ أو الجغرافية؟ أو محددات وشروط القوى؟ المهيمنة ذات المصالح العريضة التي تقلص الأراضي والشعوب وفقاً لمشيئتها؟ وطبقاً لهذا القانون الجائر أعتبر الكورد الفيليين من أصول إيرانية تجنياً وزوراً وبهتاناً خلافاً لكل الشرائع والمواثيق المعمول بها في العالم وبصرف النظر عن تاريخ وجود الكورد الفيليين في أرض آبائهم وأجدادهم استناداً لكل المصادر التاريخية العربية منها والأجنبية فضلا ً عن الأبحاث الأركيولوجية فإن المرء يكتسب جنسية أي بلد وحقوق المواطنة كاملة ليس فقط من خلال عامل الإنتماء وإنما من خلال زواجه أيضاً من إمرأة تنتسب إلى ذلك البلد ، كما يحصل الطفل المولود على أي أرض أجنبية أيضاً جنسية ذلك البلد ضمن مدة قانونية محددة . في حين إن الكورد الفيليين كانوا مطاردين من قبل جميع السلطات وفي مختلف العهود ومع سن وتجدد أي قانون للجنسية كان يتجدد في أحشائها كل ما من شأنه اسقاط مواطنتهم ومصادرتها. ورد في المادة السادسة من الدستور العراقي الملكي الصادر عام 1925 (لا فرق بين العراقيين في الحقوق أمام القانون وإن أختلفوا في القومية أو الدين أو اللغة) فأين وجه المساواة ؟ فالمشكلة ليست في أن النصوص تورد في الدساتير لتوضع على رفوف النسيان ليعفرها الغبار لكن السلطات لم تكن تلتزم بما تصدره من قرارات رغم إنها هي التي شرعتها. وفرض القانون (42) على الكوردي الفيلي تقديم إلتماس لمنحه التجنس بعد استيفائه على إثني عشر شرطاً صدرت بشكل تعليمات في وزارة الداخلية. يتضح مما سبق أن القانون رسمته النخب الحاكمة وفقاً لمخطط جعل العراق المنتدب من قبل بريطانيا ركباً في المسيرة الإستعمارية وقاعدة لرعاية مصالحها على مستوى المنطقة كما وأن القانون الأساسي لسنة 1925 ساهمت في وضعه دولة التاج البريطاني بشكل أساسي، فيما كان أدمودنز مستشاراً في وزارة الداخلية. وصدر عام 1937 قانوناً جديداً للجنسية كان نسخة صماء من القانون المسن قبله إذ لم يأتِ بأي جديد ، وشهد عام 1941 أول حملة تهجير رسمية من قبل السلطات اذ تم تهجير عشرات العوائل إلى إيران ، وإذا كان العامل القومي المتمثل بكونهم كورداً فإن العامل الطائفي هو الآخر عرضهم إلى إضطهاد مزدوج لكونهم من المذهب الشيعي، وحيث أن إضطهاد التكوينات الاجتماعية الأثنية والدينية المذهبية والطائفية تمثل أحد أركان السلطة في العراق وعلى قاعدة (التمييز القومي والمذهبي) وتجسد ذلك كحقيقة موضوعية في السلوك السياسي للنخب الحاكمة المتعاقبة رغم أختلاف أنظمة الحكم بإستثناء فترات محددة من الحكم الجمهوري الأول ومثلت الذهنية الشوفينية وأفكار التعصب الأعمى القاسم المشترك بينها ، ففي عهد إنبثاق دولة العراق في ظل الانتداب البريطاني تبنى لفيف من نخبه الحاكمة إيديولوجيا القومية (العروبية) بوصفها ايديولوجية القومية الرئيسة وغاية هذه الايديولوجية التأكيد على ماضي الإمبراطورية العربية والرغبة في إحياء أمجادها وتحت لافتة الشعوبية حيث صوروا المذهب الشيعي على أنه هرطقة هدامة مدفوعة أساساً بحقد الفرس على العرب . وشددوا على التهديد الفارسي لفكرة القومية العربية وربطوا الاحتجاجات الشيعية على تمييز الحكومة بحقهم وتصوير تظلماتهم بأنها أفعال ترويج للطائفية في الدولة ووضع الأصل الأثني للشيعة موضع تساؤل بصورة متكررة . تعرض الشيعة في السنوات 1927 و1933 إلى حملات تشهير وطعن في عروبتهم وإخلاصهم للدولة العراقية ففي سنة 1927 أصدر أنيس النصولي وهو مدرس سوري في ثانوية بغداد المركزية كتاباً بعنوان (الدولة الأموية في الشام) كان على درجة كبيرة من التجريح لمشاعر الشيعة الدينية ، مما أدى إلى موجة من الاستياء والسخط العام على سياسة الحكومة في توظيف السوريين للتعليم في العراق . وفي حزيران عام 1933 أصدر عبد الرزاق الجصان كتابه الموسوم (العروبة في الميزان) وقد هاجم المؤلف الشيعة واصفاً إياهم بالمتفرسين حسب زعمه . وكان الكتاب مشبعاً بالأفكار الشوفينية والفاشية . وفي السنوات اللاحقة استمرت الحكومات المتعاقبة في تشجيع المطبوعات التي تدعو إلى الشوفينية . لقد كانت شعاراتهم العروبية تضرب بالعمق على وتر حساس لكنهم كانوا عاجزين عن تخصيبه بمحتوى اجتماعي وعلى هذا المنوال والشاكلة من الافكار والنظرات الشوفينية ظلت الحكومات المتعاقبة بشكل عام ترث هذيانات أفكار التعصب القومي وتتجاهل الواقع الاجتماعي وتدور في دائرة نكوصية انغلاقية تسير بالفرد والمجتمع إلى الوراء حيث التدهور العام على كل الأصعدة . فالأيديولوجية الظلامية المستوردة للنخب الحاكمة وخاصة في العهد الأول من تكون الدولة العراقية قد تجاهلت الخصائص المميزة للشعب العراقي وواقعه الموضوعي من خلال اقحام مفاهيمها (القومية) عنوة في الواقع وكرست لعملية فرضها وسائل السلطة وأدواتها فقد حاول أفراد من تلك النخب فرض الولاءات القومية محل الولاءات المحلية حين كان المجتمع العراقي خاضعاً إلى حد كبير للروابط المحلية والنظرات المحلية المستقبلية وهي حقيقة موضوعية واقعية آنذاك إلا أن النخب الحاكمة ومن موقع حماية مكتسباتهم السلطوية أرادوا اختزال ذلك بالعمل الشعاراتي الطنان والفارغ من أي محتوى إستراتيجي يخص الشعب العراقي فضلا ً عن كونهم أجانب ولا ينتسبون إلى التربة العراقية ليعملوا لها ولأجلها ، فالشعارات القومية من وجهة نظرهم تؤجج مشاعر الشعب وتجعل وجودهم مستساغاً بصرف أنظار الرأي العام العراقي عن الخصائص المحلية . وساعدت الظروف الدولية حيث نشوب الثورات القومية في أماكن متفرقة من العالم في تغذية ذلك الموقف وهو ما كان يصب في الأساس في خدمة القوى الدولية المهيمنة حينذاك فكانت اللعبة متكاملة الأبعاد . ومن المفيد ذكره في هذا المجال ما اورده السوسيولوجي حنا بطاطو في مؤلفه (الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية) الجزء الأول صفحة 32 وضع المجتمع العراقي آنذاك قائلا ً : (لقد كان العربي من العشائر ومن عرب المدن واعياً لكونه عربياً وخصوصاً عندما يقف في مواجهة تركي أو فارسي مثلا ً لكن الوعي عنده لم يكن مماثلا ً لوعي القوميين العرب اللاحقين وكونهم عرباً كان واقعاً طبيعياً بالنسبة لهم وكان ذلك واقعاً يمكنهم أن يفخروا به لكنهم لم يشعروا أبداً كونهم مدفوعين إلى عمل شيء بشأنه وبكلمات أخرى ، فإن عروبتهم لم تعكن عروبة دينامية ولا شكلت الأمة كأمة مركز استقطاب لولاءاتهم أو مشاعرهم) (41).
يتضح مما سبق إن الشعارات والصرخات القومية ذات النفحة الكاذبة والدعوات التي أطلقها المزايدون القومجية لا علاقة لها بالإنتماء القومي الأصيل لأن من مصلحة العمل القومي إقامة علاقة متوازنة مع الكورد تحترم فيها الخصوصيات ومع باقي أطياف الشعب العراقي ، في حين أن قيام دولة العراق جرّت بشكل إنفصالي عن المشروع الوحدوي العربي إذ كانت الدعوات العربية وقتها تدعو إلى قيام دولة عربية واحدة في حين ان تشكيل دولة العراق جرى كدولة قطرية. إن كل ذلك يؤكد ما قلناه بأن ذلك كان مخططاً مدروساً وضعت أهدافه في دهاليز القوى الإستعمارية وفقاً لمصالحها في الشرق والعراق خاصة بعد التوسع في أكتشاف المكامن البترولية فيه . ولإفتقاد السلطات الحاكمة إلى الروح الوطنية والإحساس بالمسؤولية التاريخية تجاه الوطن والشعب العراقي لم يتجشموا عناء دراسة الواقع العراقي لصياغة نظرية معرفية بمنطلقات عصرهم تتلائم والتنوع العراقي الخصب لتساهم كعامل اجتماعي تزيد تماسك المجتمع للانطلاق نحو تحديثه وتصنيعه وعقلنته ودمقرطته.
إن السير بالمجتمع وسط تجاهل واقعه السياسي والتاريخي والاجتماعي إنما يعني خلق وتفجير صراعات داخلية تساهم في عدم تجانس تركيبته التي تهدد بالأساس وحدته ، فالشعب العراقي يتكون من قوميتين رئيستين هما، القوميتان العربية والكوردية فضلا ً عن أقليات التركمان والآشوريين والكلدان والأرمن وطوائف دينية متعددة . وتوجد داخل هذه الاثنيات القومية والدينية جماعات لها خصائص متميزة ، وتجاهل تلك الخصوصيات بشكل عام ما كان ليضر إلا بالشعب العراقي وتكويناته . كما أن فرض رؤية فارغة من أي محتوى اجتماعي في مجال السياسة العلمية للدولة أدى إلى أخطاء جسيمة تركت انعكاساتها في تاريخ العراق الحديث وأسست لمراحل أسوأ.
إن إشاعة الأفكار الشوفينية وتغذيتها أدت إلى جر البلد في صراع أخذ يعتمل دون توقف وينحو منحى خطير باتجاه استخدام العنف وأدواته في ظل انعدام أي مرجعية أو قانونية، إذ كانت الدولة الراعي الأول له . وكانت وتائر الاضطهاد تتصاعد من وقت لآخر من خلال تكثيف حملات الاعتقالات والإعدامات والتشريد التي طالت الشعب الكوردي المناضل العنيد لنيل حقوقه المشروعة. فيما عمدت السلطات بخبث وخداع أستخدام الكورد والشيعة في عملية موازنة طائفية بغيضة برغم سياسات الإضطهاد القومي والطائفي الموجهة إليهما ، فمنذ الإحصاء السكاني الأول الذي أجراه البريطانيون عام 1919 والتي ظهرت بموجبه النسب التالية (العرب الشيعة 55% ، العرب السنة 19% ، الكورد السنة 18.8% ، اليهود والمسيحيون والطوائف الأخرى 8%) . ومنذ ظهور تلك الاحصائية وحتى سقوط الدكتاتورية عام 2003 كانت المصادر الرسمية تستخدم حصة الشيعة لزيادة الحصة العربية لمواجهة الكورد . وحصة الكورد لزيادة حصة السنة لمواجهة الشيعة.
إن التصريحات والإدعاءات اللامسؤلة التي نادت بها بعض النخب والتي تكيل الإتهامات الباطلة التي تفوح منها رائحة التمييز الشوفيني ضد الكورد الفيليين والعرب الشيعة لم ترعَ حتى الخارطة المجتمعية وما تتطلبه من موازنة حقيقية حتى وفق مفاهيمهم وإدعاءاتهم ، فعبارة (كل شيعي هو إيراني) التي نادى بها السيد مزاحم الباجه جي في كلمته التي ودع فيها الكولونيل ولسون بعد الاجهاز على ثورة العشرين خير دليل على ما نذهب إليه. ومن الامور الغريبة إن الحقد الاسود بلغ درجة من عمى البصيرة لدى مدعي القومية باتوا معها لا يبصرون بأنه في حالة تنسيب كل تلك القوى إلى جهة إيران يصعب جعل العراق في حالة إصطفاف مع العرب كون العرب فيه أقلية ، ومن المنطلق نفسه سئل السفير العراقي في الصين في زمن الطاغية المخلوع (عيسى سلمان التكريتي) ((من هم الأكثر في العراق : السنة أم الشيعة؟)) فأجاب (إن العجم أكثر من العرب في العراق ولكن إذا أجتمع الكورد والعرب فسيكونون أكثر من العجم) وهنا سأله شخص فلسطيني كان حاضراً أثناء الحديث (هل يعني إن الشيعة في العراق عجم؟) فأجاب السفير بالإيجاب ، وكرر الصحفي الفلسطيني (لكنهم موجودون في حزبكم بكثرة وأنتم في غمار حربكم مع الإيرانيين فكيف ينسجم هذا مع ذاك؟) . فأجابه السفير (إن القيادة العراقية تأخذ الإحتياطات اللازمة وتعرف كيف تتصرف مع الشيعة في الحزب والدولة) . وهي ليست وجهة نظر شخصية وإنما هو رأي التيار العروبي الشوفيني المزيف الذي لم يحسب إنه في حال الأخذ بهذا الرأي الذي أدلى به فسنكون أمام المعادلة التالية : (الشيعة وهم عجم 55% ، الكورد وهم غير العرب 18.8% ، الأقليات غير العربية 8% وما بقي من النسبة 18.5% هو نسبة العرب) وفي هذه الحالة على العراق التخلي عن الإدعاء بكونه بلداً عربياً وسيكون لإيران حق المطالبة به لكون 55% من سكانه إيرانيين.
أستهدف الكورد الفيليين بجانب ذلك كله إلى محاولة الطعن في وطنيتهم ومحاولة إخراجهم من أي عملية سياسية محتملة في البلاد أتخذت التشريعات الظالمة ضدهم أشكالا ً أوسع وأعمق على وفق سيناريوهات مختلفة. ففي عام 1943 صدر التعديل المرقم 69 لسنة 1943 إذ عدلت بموجبه الفقرة (1) من المادة (30) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 وكما يلي: (لا يكون عضواً في أحد مجلسي النواب والأعيان من لم يكن عراقياً أكتسب جنسيته العراقية بالولادة أو بموجب معاهدة لوزان أو بالتجنس على أن يكون المتجنس منتمياً إلى عائلة عثمانية كانت تسكن عادة في العراق قبل عام 1914 ومر على تجنسه عشر سنوات) . أي أن الكوردي الفيلي لا يستطيع تولي عضوية أحد المجلسين (الأعيان والنواب) إلا إذا كان مكتسباً للجنسية العراقية بالولادة ، في حين أن العثماني يصبح عيناً أو نائباً لمجرد كونه متجنساً لمدة عشر سنوات من أسرة تسكن عادة في العراق قبل عام 1914 ، كما أن التشريعات والدساتير اللاحقة في العراق لم تعالج من الموضوع شيئاً يذكر ، بل زادت من الطين بلة ، فكلما تقدمت السنون زاد وضع الكورد الفيليين سوءاً وتعقيداً . وعلى صعيد ذي صلة هو ما حصل عام 1950 حينما طرد المواطن الكوردي الدكتور (جعفر محمد كريم) العضو المؤسس للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، ثم صدر في العام نفسه قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود رقم (1) لسنة 1950 ، وتبعه القانون رقم (12) لسنة 1951 تحت تأثير الحركة الصهيونية ، وفي عام 1954 صدر مرسوم ذيل الجنسية العراقية رقم (17) وبموجبه جرى عام 1955 إسقاط الجنسية عن كل من (عزيز شريف وعدنان الراوي والدكتور صفاء جميل الحافظ وكاظم السماوي وكامل قزانجي وتوفيق منير وأكرم حسين محمد وبهاء الدين نوري بابا علي وجاسم حمودي وعبد الرزاق الزبيدي وزكي خيري وصادق جعفر الفلاحي وكامل صالح السامرائي ومحمد عبد اللطيف الحاج محمد وعلي الشيخ حسين الساعدي والمواطنة بهية مصطفى) وفي حالة مماثلة أقدم النظام الفاشي على إحياء هذا الموروث سيء الصيت حيث أسقط الجنسية عن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري والشاعر عبد الوهاب البياتي وآخرين. ولقد أوجد هذا الإجراء سابقة خطيرة ترتبت عليه عواقب وخيمة ساعدت على ترسيخ فكرة الإسقاط والإبعاد في ذهن السلطة الحاكمة ، أستغلت جيداً من قبل نظام البعث الفاشي لاحقاً ومهدت السبيل لإتساع الدائرة من ترحيل محدود، إلى عمليات تهجير جماعية شملت شريحة مهمة من الشعب العراقي متمثلة بالكورد الفيليين ليكونوا أول ضحايا الأنفال والتطهير العرقي المعروفة بالجينوسايد . وطالت قضية إسقاط الجنسية الشيوعيين ونفيهم إلى خارج البلاد وظهرت على السطح لكونها مخالفة لروح الدستور خاصة في المادة (7) من القانون الأساسي العراقي والتي حظرت إبعاد العراقيين ونفيهم إلى خارج البلاد ، وهذا ما كشفته وقائع جلسات محكمة الشعب بعد ثورة 14 تموز عام 1958 الوطنية ، وأثناء محاكمة وزير الداخلية في العهد الملكي سعيد قزاز.
تطورت قضية التهجير المتلاحقة ففي 30 / 5 / 1963 صدر قانون الجنسية الجديد تحت رقم (43) لسنة 1963 . وكان أشد وطأة من سابقه ، وقد لوحظ أنه قد صدر بعد ثلاثة أشهر من وقوع إنقلاب 8 شباط الأسود ، بهدف الإنتقام من الكورد الفيليين ، عقاباً لهم لمقاومتهم الباسلة لإنقلابيي 8 شباط 1963 المشبوه دفاعاً عن ثورة 14 تموز ومكاسبها وإنجازاتها الوطنية في مناطق سكناهم مثل (حي الأكراد ، ساحة النهضة ، باب الشيخ ، الكاظمية) كما تلقت السجون الآلاف من شبابهم ليساقوا إلى أقبية التعذيب والموت السرية. وما من شك أن إنقلاب شباط الذي أسقط حكومة ثورة 14 تموز وزعيمها المغفور له عبد الكريم قاسم والضباط الوطنيين الأحرار المدافعين عن ثورة 14 تموز، يعتبر صفحة سوداء في تاريخ العراق المعاصر، لا لإستهدافه القوى والأحزاب الوطنية المعروفة بتاريخها الوطني والنضالي فحسب وانمالإستهدافه أناساً أبرياء أتهموا بالظن والإشتباه، حيث أصبحت الساحة العراقية عند وقوع الإنقلاب المذكور ساحة تصفيات طالت قادة سياسيين وعسكريين كان لهم الدور الكبير في قيام ثورة 14 تموز الوطنية عام 1958. أما بالنسبة للقانون المذكور آنفاً فقد شدد من شروط منح الجنسية وأعطى لوزير الداخلية صلاحيات واسعة ومنها إسقاط الجنسية ولأسباب أمنية ودون الرجوع للقضاء ، إضافة إلى جعل العرب من أبناء الأمة العربية أعلى مرتبة من الكورد الفيليين ، إلا أن أحلام البعثيين المريضة في القيام بحملات تهجير واسعة النطاق قد هدأت نتيجة طردهم من السلطة في إنقلاب 18 تشرين الثاني عام 1963 ، إلا أن الإنقلابيين الجدد واصلوا إضطهادهم وإمعانهم في الأجهاز والتضييق على الكورد الفيليين والتمادي في حرمانهم من أي تغيير في الموقف الرسمي ففي 10 / 5 / 1964 صدر الدستور العراقي المؤقت في عهد عبد السلام عارف ، وقد ضم أوضاعاً غريبة وشاذة وخاصة ما يتعلق منها بالكورد الفيليين ، ففي المواد (41 ، 72) من الدستور أعلاه (قد أشترطت على كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ونوابه والوزراء حين توليهم مناصبهم أن يكونوا عراقيين ومن أبوين عراقيين ينتميان إلى أسرة تسكن العراق منذ عام 1900 وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية ، وأن لا يكون متزوجاً من أجنبية ، وتعتبر العربية التي من أبوين وجدين عربيين عراقية لهذا الغرض) . فهذه الشروط المبينة أعلاه ذات تفسير واضح لا تدع مجالا ً للشك ، فمعناها حرمان الكورد الفيليين من حق المشاركة في الحياة السياسية والشؤون العامة ومنعهم من تولي المناصب الحكومية الرفيعة ، وقد شمل الحظر أيضاً العراقي بصفة أصيلة (حسب مواصفات مشرعي الدستور) إذا كان متزوجاً من إمرأة كوردية فيلية ، ورغم قيام الحكومة في وقت لاحق بتعديل تلك المواد تحت ضغط الشارع العراقي إلا أن إجراءها جاء بعد فوات الأوان.
وأستمر الحال من سيء إلى أسوء ، بعد وقوع إنقلاب 17 تموز 1968 الأسود . الذي أعاد حزب البعث الفاشي إلى الحكم مجدداً ، وحيث أن إيديولوجيته لا تعترف بالقوميات والأقليات الأخرى بل يحاول صهرها بفعل إيديولوجيته السفسطائية القائمة على تزوير حقائق التاريخ وتزييف وعي الجماهير . فالبعث لا يعترف بوجود قومية كالقومية الكوردية ، فقد أورد المقبور ميشيل عفلق (عميد الماسونية العالمية في المنطقة العربية) في كتابه (نقطة البداية) ما يلي :- ((طوال قرون الكورد مواطنون عرب مسلمون) ، كما لا يقر عفلق بالمميزات القومية المشروعة للكورد كما هي حال القومية العربية وحيث يعيش الكورد في وطنهم كوردستان الملحقة بالعراق بقرار عصبة الأمم في 26 / 12 / 1925 نتيجة لمساومات بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى(بريطانيا وفرنسا)، ويعد ميشيل عفلق إن التنقيب عن المميزات التاريخية واللغوية والعرقية للكورد هو من صنع الاستعمار ، ويعد حق تقرير المصير تآمراً على الثورة العربية.
ولم تكن إتفاقية 11 آذار عام 1970 ا لرغبة النظام البعثي في حل المسألة الكوردية حلا ً سلمياً وديمقراطياً عادلاً وتأسيس صرح جديد للعلاقة الأخوية بين الشعبين العربي والكوردي، وإنما جاءت نتيجة لظروف موضوعية عاصفة داخلياً ومحاولة الإنقلابيين تثبيت سلطتهم وترسيخها، والضغوطات الخارجية التي كانوا يتعرضون لها ورغبتهم في تحسين صورتهم البشعة . وقد كشفت الوقائع التاريخية فيما بعد أن البعث أستهدف ليس الكورد فحسب وإنما كل القوى الوطنية والديمقراطية من خلال إتباعه سياسة (القضم التدريجي) لها تحقيقاً لشعاره البغيض (الحزب القائد). وتحقيقاً لسياساته العنصرية والشوفينية الهادفة إلى تصفية وإنهاء الوجود القومي الكوردي وضع أسس لتنفيذ تلك السياسات والآليات والبرامج التي تجاوزت كل سابقاتها بوحشية التطبيق ودموية النهج وعلى مراحل كشفت عن الحقد الأسود الدفين. وأستهدف النظام البعثي الفاشي الكورد الفيليين ليدشن عهده الجديد بأولى مراحل سياسته الآنفة الذكر حيث بدأ بما يمكن أن نسميه المرحلة الأولى لسياسة ترقين الوجود القومي الكوردي، حيث بدأ بين عامي 1970-1971 وبعد اتفاقية 11 آذار تم تهجير أكثر من سبعين ألف مواطن عراقي من الكورد الفيليين إلى الحدود الإيرانية. وغالباً ما حاولت الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة على الحكم ربط علاقاتها مع إيران بقضية الكورد الفيليين لغايات خبيثة. وقد حاولت السلطة خلق مشاكل لقيادة الثورة الكوردية وإثارة المشاكل مع إيران بعد فشل مساعيها للبحث عن نقطة حوار مع الشاه المقبور لغرض الإستيلاء على أموالهم بعد نجاحهم الاقتصادي الواضح في مجالات التجارة والصناعة وعلم السلطة بأرقام حساباتهم وودائعهم في البنوك، ويورد في هذا الصدد أحد أقطاب النظام والذي اغتيل على يد النظام نفسه (حردان التكريتي) في مذكراته بأنه والبكر اتفقا على يمين الإخلاص لبعضهما وأن يكون الحلف (القسم) عند مرقد سيدنا الإمام العباس بن علي(ع) في كربلاء ، وفي طريق العودة أخبره البكر بأنه يفكر جدياً بتهجير الكورد الفيليين رغبةً منه في مصادرة أموالهم وممتلكاتهم وخلق مشكلة للحركة التحررية الكوردية بإعتبار الكورد الفيليين أحد الروافد المالية لدعم الثورة.وإصرار قيادة الثورة الكوردية على مرشحها السيد حبيب محمد كريم لشغل منصب نائب رئيس الجمهورية ، كما كان متفقاً عليه وهو كوردي فيلي، فأعترض عليه صدام وحكومة البعث وبقيت القيادة الكوردية على موقفها حتى اندلاع القتال مجدداً في آذار عام 1974. فلجأ النظام الاستبدادي إلى الاتفاقية كإجراء مرحلي وليس عن إيمان وقناعة بحل القضية القومية الكوردية. ولم يتضمن برنامج وإيديولوجية حزب البعث أي مجال لأي حقوق (حقوق الإنسان، الحقوق القومية الكوردية المشروعة، والقوميات المتآخية الأخرى، التركمان والكلدو آشوريين). ومن هنا جاءت افتعالاته وفبركته للكثير من الاحداث ومحاولات الإغتيال. وحيث أن كينونة البعث مبنية على التآمر والإيمان بإزاحة الآخرين بالقوة والعنف والإكراه بدلاً من اتباع اسلوب الحوار الديمقراطي. وهذا سر الدمار الذي الحقه بالعراق ليحوله من بلد غني آمن إلى بلد مهدم فقير مفقود فيه الأمان ومن بلد دائن إلى بلد مدين يعمل أبناؤه حالياً على التفاوض من أجل إطفاء تلك الديون. ففي 29 أيلول عام 1971 تعرض القائد التاريخي البارزاني الخالد إلى محاولة اغتيال، ألقى النظام مسؤولية ذلك على المقبور ناظم كزار حين كان هذا الأخير مديراً للأمن العام، كما تعرض الشهيد إدريس البارزاني إلى محاولة مماثلة أصيب على أثرها سائقه السيد حميد برواري، لأن الشهيد أدريس البارزاني عاد إلى كوردستان قبل يوم بسبب أستدعاء مفاجئ ولم يصحبه سائقه بسبب عطل السيارة التي أصلحت في اليوم التالي …
حاول البعث وضع العصي في عجلات الحل السلمي مما دفع بالأمور إلى طريق مسدود ولتندلع الثورة الكوردية مجدداً في آذار عام 1974. والتي لولا اتفاقية الجزائر الخيانية لأنهار النظام البعثي عسكرياً بأعتراف الطاغية صدام حسين لدى وصفه المتبقي من ترسانته الحربية والأسلحة الثقيلة، وكان ثمن تلك الاتفاقية المخزية نصف شط العرب الممر المائي العراقي الأصيل ثم عاد ليجعل منها سبباً لشن حرب كارثية أهلكت الحرث والنسل مدة ثماني سنوات، ليعود مجدداً ويوقع على الإتفاقية ذاتها ويعلن نفسه منتصراً ولتشكل هزيمته وبالا ً على أبناء الشعب العراقي بعربه وكورده وأقلياته القومية وطوائفه المتعددة . ومن الأمور المثيرة للسخرية أن النظام جاء في تبريراته لتجدد القتال في آذار عام 1974 بأن مدينة كركوك لا يمكن إلحاقها بمنطقة الحكم الذاتي لأن في ذلك تآمر على الأمة العربية بالرغم من إنتهاكاته لشروط الإتفاقية وقيامه المسبق بسياسات التعريب والتغيير الديموغرافي وتهجير الكورد في هذه المدينة الكوردية التاريخية ، ولم يقبل النظام إلحاق هذه المدينة الكوردستانية بمنطقة الحكم الذاتي وهي في كل الأحوال ضمن الدولة العراقية ، فالحكم الذاتي كان في العراق وليس خارجه ، في حين أنه منح نصف شط العرب ثمناً لوأد الثورة الكوردية، فقد أعمى الحقد الأسود بصيرتهم وبصائرهم حتى رحلوا إلى مزبلة التاريخ . وفي مفاوضات عام 1991 قال أحد أقطاب النظام طارق عزيز للوفد الكوردي المفاوض عن الجبهة الكوردستانية (انسوا كركوك كما نسي العرب الأندلس) وهذا انعكاس واضح لدخيلة النظام وعقليته العفنة . وأتبع النظام سياسة الآرض المحروقة حيث أحرق بساتين الفواكه كي يحرم كوردستان من خيراتها.
(1) ومن الجدير بالذكر أن السلطة المقبورة علقت الكثير من المناطق التي كانت تنوي إبعادها عن إقليم كوردستان وهي المناطق السهلية الخصبة والمناطق الغنية بالبترول في محافظة كركوك وقضاء مخمور في محافظة أربيل وقضائي شيخان وسنجار في محافظة الموصل إضافة إلى قضائي خانقين ومندلي في محافظة ديالى، ولم تكتف بذلك بل بدأت بترحيل العائلات الكوردية منها واستقدام القبائل العربية من وسط وجنوب وغرب العراق وتوطينهم في تلك المناطق ومضايقة الكورد وإجبارهم على الهجرة الداخلية إلى المناطق العربية في وسط وجنوب البلاد، كما جرى لعشيرتي (الزند وبالاني) في منطقة (زند آباد) بمحافظة كركوك . وجرى ذلك لسبع عشائر في منطقة خانقين حيث رحلوا قسراً إلى المجمعات السكنية القسرية والتي كانت أشبه ماتكون بمعسكرات الإعتقال النازية ، كما جرى ترحيل عشيرتي (الشبك وأومريان) من محافظة الموصل وعشيرة (سليظاني) من سهل (سليظاني) وعشيرة دزئي من سهل قراج بقضاء مخمور . ولفصل الكورد عن قومهم في إيران وتركيا اتبعت الحكومة سياسة اخلاء العشائر الكوردية القاطنين على إمتداد الشريط الحدودي بعمق (10كم) على طول الحدود مع إيران وتركيا وتدمير كافة القرى والمدن الحدودية ومزارعها وبساتينها بهدف قطع مصادر التموين عن فصائل البيشمركة،في أبشع عملية إبادة جماعية شهدها العراق والعالم قام بها نظام البعث الفاشي في عمليات الأنفال سيئة الصيت التي راح ضحيتها أكثر من (182) ألف مواطن كوردي عثر على رفات قسم منهم في المقابر الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط النظام. تمهيداً لإخلاء كوردستان من سكانها الأصليين والقضاء على المعارضين لسياسة النظام الفاشية في معالجتها لمشاكل البلاد بإلإعدامات والقتل الجماعي(42). تطبيقاً لسياسة الجينوسايد لإبادة الشعب الكوردي فضلاً عن إصدار عدداً من القرارات الشوفينية الجائرة لإجبار الكورد على تغيير قوميتهم إلى العربية. وقد أصدر مايسمى بمجلس قيادة الثورة قانوناً عاقب فيه بالموت على كل عربي يتخلى عن هويته العربية، والغاية من ذلك القانون هو تطبيقه على الكورد الذين سجلوا أنفسهم عرباً في استمارات تصحيح القومية الموزعة عليهم بالإكراه في فترة سابقة. ليواجهوا عقوبة الموت في حالة العودة إلى هويتهم الكوردية الأصلية يوماً ما.
أما في مجال التشريع فقد ساد قانون شريعة الغاب (قانون القوة) كمنطق لمعالجة مشاكل البلاد. ويعتبر القانون العراقي القانون الوحيد في العالم الذي يحتوي على 120 فقرة تحكم بالإعدام وهي سابقة قانونية خطيرة تعكس النهج الدموي للسلطة إذا علمنا إن غالبية تلك الأحكام قد صدرت ضد النشاطات وردود الفعل الجماهيرية ضد سياسات النظام الإستبدادية والتي يعتبرها في عرفه (جرائم سياسية). ولغرض إلقاء نظرة على التشريعات التي أستهدفت الكورد الفيليين . نبتدأ بالدستور البعثي المؤقت الصادر في 21 أيلول عام 1968 . حيث نصت المادة 20 من هذا الدستور على ما يلي:-
1- الجنسية العراقية يحددها القانون ولا يجوز إسقاطها عن عراقي ينتمي إلى أسرة تسكن العراق قبل 6 آب 1924 وكانت تتمتع بالجنسية العثمانية وأختارت الرعوية العراقية.
2- يجوز سحب الجنسية العراقية عن المتجنس في الأحوال التي يحددها قانون الجنسية . والمقصود هنا يجوز إسقاط الجنسية العراقية عن غير عثماني الجنسية سابقاً . وبالتالي يبرر سحب الجنسية من الكورد الفيليين بإعتبارهم أجانب مما يسهل عملية إبعادهم إلى خارج البلاد تحت أية ذريعة كانت ، كما أن المادة (66) من الدستور البعثي جاءت تأكيداً وإمتداداً لما نصت عليه المواد (41 ، 72) من دستور عام 1964 قبل تعديلها ، وهكذا أتضحت نوايا البعثيين الحاقدة والخبيثة ، فقاموا بحملة تهجير أستهدفت حوالي سبعين ألف كوردي فيلي في الأعوام (1969-1970-1971) وعلى الرغم من توقيع إتفاقية 11 آذار عام 1970 بين حكومة البعث والحزب الديمقراطي الكوردستاني برئاسة المغفور له الملا مصطفى البارزاني والذي رشح السيد حبيب محمد كريم سكرتير عام الحزب لمنصب نائب رئيس الجمهورية كأحد بنود إتفاقية آذار ، الأمر الذي رفضه صدام حسين رفضاً قاطعاً وبشدة لكون السيد حبيب محمد كريم كوردي فيلي . وفي 16 / 7 / 1970 صدر الدستور البعثي وتحديداً ما نصت عليه فقرة (أ) من المادة (42) من الدستور ، والتي أجازت لمجلس قيادة الثورة إصدار القوانين والقرارات الإرتجالية والكيفية والسرية وتكون لها قوة القانون والإلزام ودون أية رقابة أو مساءلة ، ونظراً لتمتع رئيس وأعضاء مجلس قيادة الثورة بالحصانة التامة وفقاً للمادة (40) من الدستور فقد صدرت سلسلة من التشريعات لا أول لها ولا آخر وذات صلة بإسقاط الجنسية عن الكورد الفيليين وتهجيرهم ، ومنها ما يستهدف إذلالهم والتضييق عليهم وكما يلي:-
أولا ً : قانون منح الجنسية العراقية للعرب رقم (5) لسنة 1975 والقرار رقم (890) في 4 / 8 / 1985 والقرار رقم (511) في 19 / 7 / 1987 والقرار رقم (141) في 21 / 5 / 1991 ، ولما تقدم أجيز لأي شخص عربي الحصول على الجنسية العراقية، من دون أية شروط مع إحتفاظهم بجنسيتهم الأصلية وعدم تجنيدهم إلى الخدمة العسكرية ، إضافة إلى إمتيازات عديدة منها منحهم قطع أراضي سكنية وقروض مصرفية وعقارية وتسهيلات تجارية وصناعية وإستثمارية ، في حين أن الكوردي الفيلي يخدم في الجيش العراقي الخدمة الإلزامية وخدمة الإحتياط ويقدم التضحية تلو الأخرى حتى لو كانت عائلته مهجرة ومع ذلك يظل بنظر النظام عميلا ً أجنبياً ولا يتمتع بأي من الإمتيازات المقررة للشهداء والمعوقين والأسرى في الحرب ، رغم أن المتعارف عليه دولياً بأن الأجنبي لا يساق إلى الخدمة العسكرية ، وإذا ما سيق إليها فإن هذا الأمر سوف يسهل و يسرع في منحه الجنسية . ويتضح من بنود هذا القانون وما تبعه من قرارات أنه يستهدف تغيير البنية السكانية والطبيعية الديموغرافية للشعب العراقي ، وهذا ما تبين بجلاء خلال الحرب العراقية الإيرانية واستقدام أكثر من أربعة ملايين من العرب المصريين حيث منحو منزلة أعلى من المواطن العراقي.
ثانياً : قانون تعديل الجنسية العراقية رقم (147) لسنة 1968 والقرار رقم (413) في 15 / 4 / 1975 وبموجب هذين التشريعين منعت المحاكم من النظر في الدعاوى الناشئة عن تطبيق أحكام قانون الجنسية ، وإنما أجيز الإعتراض على قرارات وزير الداخلية لدى رئيس الجمهورية ويكون قراره قطعياً . وبالتالي ترتب عن هذا الأمر إلغاء حق المواطن في التقاضي ومراجعة المحاكم والإلتجاء إليها وسلوك سبل الطعن المكفول له دستوررياً ودولياً وخاصة ما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، كما أدى ذلك إلى تقويض دور القضاء وإستقلالية سلطته ، وبالتالي لن يستطيع الكوردي الفيلي الإعتراض والشكوى على قرار تسقيط جنسيته وإبعاده إلى خارج البلاد.
ثالثاً : القرار رقم (180) في 3 / 2 / 1980 والذي تضمن شروطاً مشددة للحصول على الجنسية ولم تكن معروفة في التشريعات السابقة ، وأعطى وزير الداخلية صلاحيات مطلقة وكاملة في قبول تجنس الأجانب ورفضه ، وحثهم على تقديم طلبات إكتساب الجنسية العراقية خلال مدة نفاذ القرار المحددة بستة أشهر ، وإلا سيتعرضون للطرد وهو بمثابة إنذار أولي وقد شمل ذلك الأجنبي المتزوج من عراقية والأجنبية المتزوجة من عراقي ، فيما أعتبر القرار عدداً من العشائر الكوردية أجنبية وهي عشائر (السوره ميري ، الكركش ، الزركوش ، ملك شاهي ، قره لوس ، الفيلية ، الأركوازية ، الكويان) ولا يشمل بأحكام هذا القرار من كان وجوده في العراق يشكل ضرراً على أمن وسلامة الوطن وغير مستمر بالإقامة والسكن للفترة الزمنية المحددة لكل حالة من الحالات المبينة في القرار أعلاه ، فلقد كانت كل الإجراءات تستهدف جمع معلومات إستخبارية متكاملة عن كل المتقدمين بطلبات الحصول على الجنسية وجردهم ، بغية تمكين الأجهزة الأمنية من الوصول إليهم بدقة متناهية والتحضير لعمليات إعتقالهم وتسفيرهم.
رابعاً : القرار رقم (200) في 7 / 2 / 1980 الذي جاء فيه عدم السماح للأجنبي الذي أقام في العراق قبل نفاذ هذا القرار ، أو يقيم فيه مدة خمس سنوات بشكل مستمر كما لايجوز العمل بأي نص يتعارض مع أحكام هذا القرار ، وبالتالي إتضح الهدف من صدور القرار رقم (180) بعد أربعة أيام فقط.
خامساً : القرار رقم (518) في 10 / 4 / 1980 والذي أستثنى الأجنبي الإيراني الأصل من الأحكام الخاصة بالتجنس الواردة في القرار رقم (180) في 3 / 2 / 1980 .
سادساً : القرار رقم (666) في 7 / 5 / 1980 سيء الصيت ، إذ إنه جاء تتويجاً لكل القرارات السابقة ، والذي بموجبه تم إسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والإجتماعية العليا للثورة ، ولوزير الداخلية أن يأمر بإبعاد كل من أسقطت عنه الجنسية العراقية وفقاً للقرار أعلاه مالم يقتنع بناء على أسباب كافية أن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثقة رسمياً، والقرار هنا واضح لا يحتاج إلى شرح ، بل قام بتفسير القرارت السابقة والتي كانت غامضة ومبهمة.
سابعاً : القرار رقم (474) في 15 / 4 / 1981 والذي بموجبه يصرف للزوج المتزوج من إمرأة من التبعية الإيرانية مبلغ قده (4000) دينار إذا كان عسكرياً و(2500) دينار إذا كان مدنياً في حالة طلاقه من زوجته وتهجيرها إلى خارج القطر ، ويشترط لمنح المبلغ المشار إليه أعلاه ثبوت حالة الطلاق والتهجير بتأييد من الجهات الرسمية المختصة وإجراء عقد زواج جديد من عراقية بهذا الصدد أيضاً صدر تعميم سري لمدير عام مكتب أمانة القطر (علي حسن المجيد) حول ضوابط الزواج للرفاق الحزبيين (كتاب حزب البعث العربي الاشتراكي ، العدد (3 / 33138) بتاريخ 14 / 11 / 1983) .
ثامناً : إضافة إلى قرارت أخرى ذات صلة بموضوع الجنسية وإكتسابها ، كمنح الجنسية العراقية للأجنبيات المتزوجات من عراقيين ، وتولي السلطة المالية إدارة العقارات العائدة للزوجات العراقيات الملتحقات بأزواجهن المهجرين ، ومنع الزوج غير العراقي من التصرف بأموال زوجته العراقية مثل نقل الملكية والوراثة ، كذلك تحديد ضوابط زواج الموظف في دوائر الدولة والقطاع الإشتراكي من أجنبية ، وترتيب هذه القرارت كما يلي:-
1- القرار رقم (1468) في 14 / 9 / 1980 .
2- القرار رقم (1610) في 23 / 12 / 1982
3- القرار رقم (1194) في 2 / 11 / 1983 .
4- القرار رقم (329) في 15 / 3 / 1984
5- القرار (456) في 15 / 4 / 1984
6- القرار رقم (363) في 27 / 4 / 1986
7- القرار رقم (722) في 15 / 9 / 1987
تاسعاً : علاوة على تشريعات سرية أو غير منشورة في الجريدة الرسمية ، وما خفي كان أعظم ، أو جاءت على شكل تعليمات وتوجيهات أوامر ومنها حرمان الكوردي الفيلي من التعيين في دوائر الدولة وخاصة ديوان الرئاسة وهيئة التصنيع العسكري ، وإذا سمح له بالتعيين فعلى نطاق ضيق ومحدود وفي وظيفة بسيطة وتحت المراقبة الأمنية المستمرة ، ولا يجوز له تولي الدرجات الوظيفية الخاصة رغم ثبوت كفائته وإخلاصه في العمل . كذلك منعه من الإشتراك في أي عمل أو نشاط إقتصادي ، تجاري أو صناعي مع الدولة كالتعهدات والمناقصات والمزايدات ،وحرمانه من حقه في إكمال الدراسات الجامعية العليا والإلتحاق بالكليات العسكرية والشرطة وعدم شموله بإمتيازات الشهداء والمعوقين والأسرى نتيجة للحروب الصدامية ، مع عزله في معسكرات خاصة للتدريب أثناء أداء الخدمة العسكرية وجمع بيانات مفصلة عنه ، وتزويده بشهادة جنسية مميزة لكي يسهل التعرف على أصله وتجنسه من قبل الجهات الأمنية والحزبية والإستخبارية عند طلبها المستمسكات الرسمية منه، أو أثناء مراجعته لدوائر الدولة ، وعلى إثر ذلك وأثناء عمليات التسفير وما بعدها حصلت حملات تطهير لكل الدوائر العامة وتم بموجبها طرد الآلاف من الكورد الفيليين من وظائفهم، ومن بينهم أطباء ومهندسين وقضاة وضباط وعلماء وأساتذة جامعيين ومدرسين ، من خيرة أبناء المجتمع من الذين قدموا له خدمات جليلة لا ينكرها أحد (والعدو قبل الصديق) ، وحتى التجار وأرباب الصنائع الذين خدموا الإقتصاد العراقي لم يسلموا من هذا الأمر ، إذ جرى تهجيرهم بمكر وخديعة بناءً على دعوتهم لإجتماع عاجل في غرفة تجارة بغداد ، وما أن وصلوا كان رجال الأمن بإنتظارهم وكل هذا معروف للقاصي والداني.
عاشراً : إلى جانب المصادرة المجحفة للمدرستين الإبتدائية والثانوية الأهليتين للكورد الفيليين وناديهم الإجتماعي والرياضي رغم ما قدمته للمجتمع من نخبة خيرة متعلمة وأجيال مثقفة واعية من العرب والكورد على حد سواء . فكانت هذه الإجراءات المتعسفة تستهدف طمس معالم الثقافة الفيلية ومحو تاريخها المشرف وتراثها العريق.
وهكذا كان الكورد الفيليين طيلة الثمانين سنة الماضية بين المطرقة والسندان والمتمثلة بالقوانين الجائرة التي أصدرتها الحكومات الدكتاتورية المتعاقبة وخاصة القرارت الإجرامية الظالمة زمن البعث وبجرة قلم من صدام حسين ، تم تهجير أكثر من نصف مليون مواطن عراقي من الكورد الفيليين إلى الحدود الإيرانية وإلقائهم وسط حقول الألغام التي أدى إنفجار قسم منها إلى استشهاد العشرات منهم جلهم من الشيوخ والنساء والأطفال فضلاً عن احتجاز أكثر من ستة عشر ألف شاب من أبناء المهجرين الذين كانوا يؤدون الخدمة الإلزامية في الجيش العراقي. جرت تصفيتهم بعد قضائهم سنين طوال في سجون النظام بموجب قرار وزارة الداخلية رقم (2884) لسنة 1980 الخاص بالمهجرين العراقيين.
وكانت تبريرات النظام المقبور وحججه ضد الكورد الفيليين هي مشاركتهم في نشاطات تخريبية مدعومة من إيران ومنها حادث التفجير في الجامعة المستنصرية وبدراما محبوكة من أجهزة البعث القمعية ، تمهيداً لشن الحرب ضد إيران ، أما الكورد الفيليين الذين لم يهجروا فقد جعلهم النظام ورقة إحتياط يلعب بها في أي وقت يشاء ، وأستمر بتشديد الخناق والتضييق على نشاطهم الإقتصادي والتجاري وتجميد أموالهم وممتلكاتهم طيلة أيام الحرب على إعتبار كونهم جواسيس وخونة وعملاء وبالتالي يشكلون طابوراً خامساً لإيران.
كما أن قضية الجنسية لم تقتصر على الكورد الفيليين فقط بل إمتدت لتشمل كل من الأرمن وقسماً من العرب ، حيث أن الحكومة أستيقظت من سبات عميق لتتذكر أنها في عام 1972 إصدرت عفواً عاماً عن القائمين بالحركة الآثورية في عام 1933 وتعيد لهم الجنسية العراقية لمن أسقطت عنه من المشاركين بتلك الحركة بموجب القرار رقم (972) في 25 / 11 / 1972 . وفي هذا الصدد صدرت في عام 1997 تعليمات جديدة لمنح الجنسية العراقية للآثوريين ، ألا أنها كانت مجرد حبر على ورق وللإستهلاك الإعلامي فقط.
إن ما قام به النظام المخلوع من ظلم وجور بحق الكورد الفيليين لم يكن مخالفاً لكل الأديان السماوية والأعراف والمواثيق الدولية فحسب ، وإنما كان مناقضاً لأحكام الدستور الذي أصدره النظام في 16 / 7 / 1970 وخاصة في المادة (16) منه والتي نصت على ما يلي :(لا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة وفق تعويض عادل حسب الأصول التي يحددها القانون) ، والمادة (19) ونصت على ما يلي :(المواطنون سواسية أمام القانون دون تفريق بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو المنشأ الإجتماعي أو الدين) وكذلك مناقضاً أيضاً لقانون الجنسية العراقية رقم (43) لسنة 1963 وخاصة مانصت عليه المادة (20) وكما يلي : لوزير الداخلية سحب الجنسية العراقية من العراقي في الأحوال التالية:-
1- إذا قبل دخول الخدمة العسكرية لإحدى الدول الأجنبية دون إذن سابق يصدر من وزير الدفاع.
2- إذا عمل لمصلحة دولة أو حكومة أجنبية أو جهة معادية في الخارج أو قبل في الخارج بوظيفة لدى حكومة أجنبية أو إحدى الهيئات الأجنبية والدولية وأبى أن يتركها بالرغم من الأمر الصادر إليه من الوزير.
3- إذا أقام في الخارج بصورة معتادة وإنضم لهيئة أجنبية من أغراضها العمل على تقويض النظام الإجتماعي أو الإقتصادي للدولة بأية وسيلة من الوسائل.
وحتى لا تتكرر هذه المآسي الوحشية والقاسية نرى من الضرورة إيضاح مايلي:-
أولا ً : إن الكورد الفيليين هم عراقيون أصلا ً أباً عن جد منذ عهود سحيقة ولم يعرفوا غير العراق وطناً لهم ، وخدموا في مؤسساته ودوائره وتدرجوا في الوظائف العامة وقدموا الكثير من الشهداء أثناء تأديتهم الخدمة العسكرية ، وهذه حقيقة لا تغيب عنها الشمس ولا يختلف عليها إثنان حتى على مستوى المسؤولين القياديين في النظام الصدامي العفلقي.
ثانياً : رد الإعتبار للكورد الفيليين وتعويضهم مادياً ومعنوياً وإعادة المهجرين منهم إلى ديارهم معززين مكرمين ، والكشف عن مصير أبنائهم المفقودين والمحتجزين ، وتفعيل حقهم الطبيعي بالمساهمة في الحياة السياسية العامة ومنها حق الإنتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الأستفتاءات الشعبية وتولي المناصب العليا في الدولة دون قيد أو شرط (والتي كانت محصورة بأزلام النظام وأعوانه وأقرباء الطاغية) نظراً لعدم وجود أي دور سياسي للفيلية منذ قيام الملكية وحتى سقوط النظام الدكتاتوري في 9 نيسان 2003 . ورغم ما كانوا يمتلكونه من ثقل إقتصادي وإدخال ذلك في صلب الدستور الدائم ولو على سبيل العموم.
ثالثاً : إصدار قانون جديد عادل للجنسية العراقية ووفقاً للمعايير العصرية السائدة ، يلغي الطبقية والفوقية ، وينصف الكورد الفيليين المظلومين ويؤكد على عراقيتهم الأصيلة ، كما يحل كل المشاكل السالف ذكرها ويزيل آثارها المتراكمة منذ قيام الدولة العراقية في عشرينات القرن الماضي ، وبالفعل صدر قانون مؤقت على عجل خلال هذه المرحلة الإنتقالية ولا يوجد في البلاد أي دستور، إلا أنه لن يكتسب الشرعية الكاملة مالم تكن أولى مهام السلطة التشريعية المنتخبة وفقاً للدستور الدائم تشكيل لجان مختصة لإعادة النظر في قانون الجنسية ودراسته من جديد بهدف إتخاذ قرار نهائي ، أما الإبقاء عليه كما هو أو تعديله أو أستبداله بقانون آخر مع الأخذ بنظر الإعتبار ملائمته لروح وأحكام الدستور ورأي الجهة القضائية المختصة بالرقابة على دستورية القوانين فيه ، حتى لا يطعن بشرعية إعادة الجنسية العراقية للكورد الفيليين وبحجة أن الأمر تم وفقاً لتشريع مؤقت وليس دائماً ، وحتى لايعيد التاريخ نفسه وما حصل للكورد الفيليين من معاناة وظلم بموجب قوانين وقرارات مؤقتة وفي ظل دساتير مؤقتة أيضاً.
رابعاً : إيجاد ضمانات حقيقية وملموسة وإدخالها في صلب الدستور الدائم وبنصوص واضحة غير قابلة للتفسير والتأويل ، وبالتالي تكون أسساً ومحددات لقانون الجنسية الجديد وإطار عام لايخرج عنه ، لتلافي أية تسفيرات مستقبلا ً وتحريم إسقاط الجنسية عن أي مواطن وحظر إبعاده إلى خارج البلاد أو منعه من العودة إليها ولأي سبب كان وتحت أي ظرف ، وإن هذه الحصانة الدستورية مطلوبة حتى لا تتلاعب أية أغلبية بسيطة من أعضاء السلطة التشريعية (البرلمان) بالقانون وفقاً لمشيئتها ، حيث أن الدستور هو مصدر القوانين جميعاً ، وعليه فأن عملية تعديله تكون صعبة جداً وتحتاج إلى زمن طويل من المداولات والجلسات في البرلمان ، إضافة إلى توفر أغلبية خاصة تصل إلى ثلثي نواب البرلمان ، أو حتى ثلاثة أرباع النواب ، وبعد أستكمال هذه الإجراءات يعرض التعديل الدستوري للإستفتاء الشعبي ليكتسب الصفة الشرعية ، في حين أن تشريع أي قانون وفقاً للأعراف الدستورية وما تنص عليه الأنظمة الداخلية لمعظم برلمانات دول العالم الديمقراطية كما يلي : (لاتكون جلسات البرلمان صحيحة إلا بحضور أغلبية أعضائه وتصدر القرارات بأغلبية الأعضاء الحاضرين) ، أي أن (تشريع القانون لا يتطلب سوى حضور أغلبية النواب إلى جلسة البرلمان وموافقة أغلبية الحاضرين) ، فيصدر القانون بموافقة ربع النواب كحد أدنى من المجموع ، وهذا يعد شيئاً خطيراً بالنسبة لقانون الجنسية ، إذ من الممكن بواسطة هذه الأغلبية تعديل القانون أو إلغاؤه أو تغييره عن مساره الصحيح . كما يجوز لنائب واحد حق إقتراح تعديل القانون في حين أن تعديل الدستور لا يتم إلا بإقتراح مقدم من ثلث النواب مع بيان أسباب التعديل وشرح مبرراته . وبما أننا في بلد أنتهكت فيه سيادة القانون وإستقلال القضاء طبقاً لدستور عام 1970 م وما سبقه ، وإن العراق حديث العهد بالحرية ، لا بد أن يكون دستوره الجديد أكثر تفصيلا ً وتشعباً ومتناولا ً لعدة أمور بحيث تتضمن أكثر المسائل التي تتعلق بالبيئة الإجتماعية للمجتمع العراقي . وهناك ضمانات متعلقة بالجنسية يجب إدخالها ضمن باب الحريات والحقوق العامة داخل الدستور الدائم بالشكل الآتي:-
1- يكفل لكل عراقي حق المواطنة والجنسية على قدم المساواة مع الآخرين دون تفريق بسبب الجنس أو الأصل أو العرق أو المعتقد.
2- يعد عراقياً كل شخص مقيم في العراق إذا توفرت فيه إحدى الشروط الآتية:
أ- أن يكون قد ولد في العراق
ب- أن يكون أحد أبويه قد ولد في العراق
ج- أن يكون قد أقام في العراق إقامة عادية لمدة يحددها القانون
3- يعتبر عراقياً من كان أحد أبويه عراقياً ودون الحاجة للشروط المبينة في الفقرة أعلاه.
4- لا يجوز لأي سلطة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية إسقاط الجنسية العراقية عن أي مواطن عراقي ولأي سبب كان.
5- يتمتع العراقي في خارج البلاد بحماية الحكومة العراقية وفقاً للأصول الدولية.
6- لا يجوز سحب الجنسية عن المتجنس إلا في حالة ثبوت إدانته بالخيانة العظمى وبقرار قضائي ، ويجوز لمن فقد تجنسه حق التظلم أمام القضاء المختص والمطالبة بإسترداد جنسيته وفق الإجراءات المبينة في القانون.
7- يكفل القانون منح تسهيلات خاصة للمغتربين العراقيين وأبنائهم وأحفادهم ولمواطني الأقطار الإقليمية المجاورة من ذوي الأصول العراقية.
8- يحق لكل مواطن أن يستعيد جنسيته العراقية التي أسقطت عنه.
9- يجوز للأجانب الذين أقاموا في العراق إقامة عادية وما زالوا مستمرين فيها حق طلب إكتساب الجنسية العراقية خلال مدة يحددها القانون.
10- يحق للمتجنس الإسهام في الحياة السياسية العامة بمرور مدة محددة قانوناً من تاريخ تجنسه.
11- لا يجوز مطلقاً إبعاد أي مواطن عراقي أو نفيه إلى خارج البلاد أو منعه من العودة إليها.
12- يحدد الوضع الحقوقي والقانوني للأجانب المقيمين في العراق وفقاً للقوانين والأعراف الدولية.
13- يعاد كافة المهجرين والمبعدين وخاصة الكورد الفيليين وتعاد إليهم جنسيتهم العراقية وعقاراتهم وأموالهم وحقوقهم المغتصبة والكشف عن مصير أبنائهم المفقودين وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار جسيمة تعويضاً عادلا ً (ضمن باب الأحكام الإنتقالية والختامية من الدستور الدائم).
خامساً : أن يؤكد الدستور الدائم على دعم إستقلال القضاء ، ولا سلطان عليهم في قضائهم غير القانون ولا يجوز لأي سلطة التدخل في سير القضاء ، وسيادة القانون أساس الحكم وخضوع الدولة للقانون ، وتشكيل مجلس أعلى للقضاء ومحكمة دستورية عليا ، وحظر أي نوع من المحاكم الخاصة أو العسكرية أو الإستثنائية وبكل أشكالها ، وتفعيل دور القضاء الإداري والسلطة الرابعة المتمثلة بهيئات حقوق الإنسان والصحافة ووسائل الإعلام وبالتالي ينعكس بشكل إيجابي على موضوع الجنسية والرقابة على تشريعاتها دستورياً وقضائياً وحتى شعبياً.
وبذلك نضمن لأنفسنا كعراقيين على حد سواء قيام المجتمع المدني ومؤسساته الحرة في ظل حكم الدستور وسيادة القانون وعدل القضاء من أجل بناء عراق ديمقراطي فدرالي تعددي.

الدور السياسي للكورد الفيليين

تعرض الكورد الفيليون إلى مظالم ومحن ونكبات كثيرة ومتنوعة تقف خلفها أسباب وعوامل أثنية قومية ومذهبية دينية ، لكن السبب الرئيس الذي يقف في مقدمة الأسباب هو دورهم الوطني المثير والبارز الذي اضطلعوا به من الإنتفاضات والحركات السياسية الكوردية والوطنية على مسرح النضال الوطني بوجه القوى الظلامية المعادية للشعب العراقي وتطلعاته في الحرية والتقدم . ويشكل نضالهم جزءاً من نضال القوى الوطنية لنيل الحرية والإستقلال. وإقامة النظام الديمقراطي التعددي للمجتمع العراقي.
أدى الكورد الفيليين بوصفهم جزءاً من الشعب الكوردي في العراق دوراً مهماً في النضال التحرري الكوردي في سبيل نيل الحقوق القومية المشروعة. حيث شاركوا في تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني الدعامة الأساسية للشعب الكوردي، وإنتخاب الدكتور جعفر محمد كريم والسيد ملا حكيم خانقيني عضوين في اللجنة المركزية في المؤتمر التأسيسي الذي انعقد في بغداد في (16 آب 1946) ومثل السيد حبيب محمد كريم الذي أصبح فيما بعد سكرتيراً عاماً للحزب الحزب الديمقراطي الكوردستاني في جبهة الإتحاد الوطني التي تشكلت في آذار 1957 مع الحزب الشيوعي العراقي في جبهة ثنائية بسبب. رفض حزبي البعث والإستقلال إنضمام الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلى جبهة الإتحاد الوطني، كما لعبو دوراً ريادياً في الحزب خلال مسيرة نضاله على كل الأصعدة.
كما أستطاعت المرأة الكوردية الفيلية جراء مساهمتها الفاعلة في النضال التحرري الكوردي من الوصول إلى المراكز القيادية مثل السيدة زكية إسماعيل حقي التي كانت رئيسة لإتحاد نساء كوردستان ثاني إمرأة كوردية عضوة في اللجنة المركزية في الحزب وبهذا تكون سابقة تاريخية في العالم حيث لم يسبق أن تقلدت إمرأة كوردية قبل هذا التاريخ منصباً قيادياً في الأحزاب السياسية الكوردستانية مما يدل على عمق الوعي الثقافي والفكري للمرأة الكوردستانية .
وتعد المناضلة ليلى قاسم التي أعدمها النظام في 13 / 5 / 1975 أول إمرأة عراقية وكوردية ينفذ فيها حكم الإعدام لأسباب سياسية.
ولم تقتصر مساهمة الكورد الفيليين على الممارسة السياسية في مؤسسات الحزب وقواعده الجماهيرية وأدواته السياسية الأخرى ، وإنما كانوا جبهة صلدة في الكفاح المسلح الذي فرضته الظروف التاريخية العصيبة التي مرت على الشعب الكوردي من أجل نيل حقوقه القومية المشروعة، بعد تصاعد سياسات القمع خاصة بعد اندلاع ثورة أيلول المباركة . وإلى جانب نضالهم المميز في الحزب ساهموا أيضاً مساهمة فعالة مادياً ومعنوياً ، وقد دفعت تلك التضحيات إلى احتلالهم مكانة خاصة في عقل وضمير قائد الأمة الكوردية الخالد مصطفى البارزاني . وكتب الزعيم الكوردي مسعود البارزاني في كتابه (البارزاني والحركة التحررية الكوردية) عن دورهم :(لقد كان اقبال الكورد الفيليين شديداً مع الانضواء في عضوية البارتي بدوافع وطنية خالصة وكان بينهم من أرتقى مناصب قيادية في الحزب) . ومن بين الشخصيات المعروفة من الكورد الفيليين في الحركة الوطنية العراقية سواء في حركة التحرر الكوردية أو في غيرها (جليل فيلي ، عبد الحسين الفيلي ، علي باباخان ، حميد شفي ، ويد الله فيلي، سامي باقر الفيلي) وعديدون غيرهم. وفي هذا الصدد يورد الزعيم الكوردي مسعود البارزاني : (إن قلمي يقف عاجزاً عن تسجيل بطولات وتضحيات هذا القطاع المجاهد وأولها استشهاد ليلى قاسم ورفاقها) . وإلى ذلك لعب الكورد الفيليين دوراً وطنياً على ساحة النضال السياسي المتطلع لفجر الحرية في العراق ضد كل أشكال الحكم الاستبدادي والدكتاتوري في العهدين الملكي والجمهوري ، فقد انخرطوا في صفوف الحزب الشيوعي العراقي الذي كان أبرز قوة سياسية وتنظيمية في بغداد والمدن العراقية الأخرى لا سيما الوسط والجنوب بإعتباره المعبر الوطني لقيادة النضال للتحرر من التبعية الإستعمارية وإحراز الإستقلال الناجز وبناء الديمقراطية في البلاد . كما كان للكورد الفيليين دوراً فاعلاً ونشطاً في وثبة كانون عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث وفي انتفاضتي تشرين الثاني عام 1952 وتشرين الثاني عام 1954 وفي إنتفاضة خريف عام 1956 ضد العدوان الثلاثي على مصر. وقدم فيها العديد من الشهداء فضلاً عن مشاركتهم الفاعلة في إنتفاضة مدين الحي المعروفة بإنتفاضة الحي ونتج عنها شهداء وجرحى ولوحت الحكومة لهم بالاسلوب القذر المتعارف عليه وهو التهجير والإبعاد وبالفعل فقد جرى تهجير 250 عائلة إنتقاماً لمواقفهم الوطنية تلك. وإنضم قسم آخر من الشباب الفيلي للحزب الوطني الديمقراطي والحركات السياسية الأخرى والنقابات المهنية حيث ظهرت بينهم أسماء لامعة في الحركة الوطنية وتاريخ العراق السياسي أمثال (عزيز الحاج علي حيدر المعروف باسم عزيز الحاج وعلي شكر رئيس اتحاد نقابات العمال، كامل كرم الكادر الشيوعي المعروف وصباح أحمد حسين (صباح منيجة) وصادق جعفر (أبو هوشيار) وغيرهم كثير). كما كان لهم الدور الكبير في صيانة ثورة 14 تموز ومكاسبها الوطنية والوقوف بصلابة بوجه انقلابيي 8 شباط 1963 الأسود حيث تعد مقاومتهم الأسطورية في منطقة (عكد الأكراد) والتي عدت آخر جيوب المقاومة ، التي دامت لأربعة أيام بلياليها ولم تستكين إلا بعد أستخدام السلطات المدفعية والراجمات ، مما أدى إلى مقتل أكثر من ستمائة منهم في نفس المنطقة وبسبب تلك المقاومة أصدر البعث قانون الجنسية لعام 1963 والذي أستهدفهم بها . ومع العودة الثانية للبعث في إنقلاب 1968 أصبحت إستراتيجيته تصفية الوجود القومي للكورد عبر مراحل متعددة. ولتشابك الوضع السياسي في العراق ولعدم ترسخ سلطة النظام ولخوفه ، أقدم على سياسة القضم التدريجي لكل القوى السياسية العراقية ، فلجأ إلى اتفاقية تكتيكية (إتفاقية آذار 1970) مع الحركة التحررية الكوردية، وقد خرقها بعد عام من قيامها من خلال قيام النظام بمحاولة اغتيال قائد الحركة التحررية الكوردية البارزاني الخالد في 29 أيلول عام 1971 . وما أن تعزز موقعه بعد عمليات التأميم وأمتلاك مفاتيح الثروة ليصل طريق الحوار مع حركة التحرر الكوردستانية إلى طريق مسدود ، ثم يشن حربه المسعورة ضد الكورد وكوردستان التي أنتهت باتفاقية الجزائر سيئة الصيت والتي منح فيها النظام نصف شط العرب إلى شاه إيران من أجل خنق الثورة الكوردستانية ثم ليستخدمها فيما بعد في عام 1980 كحجة واهية لقيام حرب كارثية ضروس ضد إيران كلفت أنهاراً من الدم والثروات كانت كفيلة بامتلاك العراق ناصية العلم والتقدم والتكنلوجيا ، فكان أن ذبح أبناء البلد في محرقة الموت وليعيد إنتاج الاتفاقية من جديد بعد خراب البلد . بعد أن أستمرت اللعبة وشملت قوى سياسية أخرى كالحزب الشيوعي العراقي. ومع مطلع الثمانينات بدأت المرحلة الأولى لتنفيذ تصفية الوجود القومي الكوردي ، لتبدأ بالكورد الفيليين في أوسع عمليات تهجير قذرة شملت نصف مليون مواطن كوردي فيلي ، حيث تم وضعهم في شاحنات مكشوفة والانطلاق بهم نحو الحدود مع إيران لإلقائهم وسط حقول الألغام. فيما تم احتجاز الشباب من أبناء المهجرين في السجون الرهيبة في عمق الصحراء والذين طالتهم يد الغدر وتمت تصفيتهم جسدياً بعد قضائهم سنين طويلة في سجون النظام. فيما تم مصادرة كل أموالهم وممتلكاتهم وعقاراتهم ولم يسمح لهم بأخذ أكثر من الملابس التي يرتدونها ، أما من تبقى منهم فقد جرى ترحيلهم من مدنهم عبر التهجير القسري إلى وسط وجنوب العراق إلى مدن الرمادي والسماوة والكوت والحلة ، فيما محقت أسماء مدنهم وقراهم وقصباتهم وشطبت أسماؤهم من سجلات النفوس لعام 1957 وأتخذ التعريب صفة رسمية من خلال توزيع استمارات تصحيح الهوية التي شملت مدن (خانقين ، مندلي ، جلولاء ، السعدية ، بدرة ، الكميت) وغيرها , وبذل النظام جهوداً كبيرة من أجل ترسيخ جملة من المفاهيم والأفكار العدوانية في ذهنية المجتمع من خلال العديد من البرامج الاعلامية والفكرية والإصدارات التي أشرف عليها وأدارها حملة الأفكار النازية الجدد الذين أرتضوا لإنفسهم تزييف وعي الجماهير كما زيفوا الحقائق التاريخية.
(2) المرحلة الثانية ابتدأت بين عامي 1980-1981 حيث أرتكب فيها النظام أبشع الجرائم التي يندى لها الجبين الإنساني ، تمثل بتهجير نصف مليون كوردي ما بين شيخ وطفل وامرأة دون ذنب أقترفوه سوى إنهم كورداً بعد مصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة وجميع حاجياتهم وأشيائهم ووثائقهم وحجز أبنائهم بين الفئات العمرية (15-45) في أقبية سجونه الرهيبة ، حيث كشفت ملفاته التي أستولي عليها بعد سقوطه عن إعدامهم . وفي عام 1980 أصدر الطاغية العديد من القرارات الظالمة بحقهم، وهذه القرارات (180 ، 200 ، 373 ، 666 /اسقاط الجنسية ، 1468 ، 2884 الخاص بحجز الشباب من الكورد الفيليين) . وتعد جرائم التسفيرات بداية جرائم الأنفال بحق الكورد ، حيث أقدم النظام الفاشي لاحقاً أي في عام 1988 على ترحيل وتعريب وتشويه البنية التحتية لكوردستان ووسع نطاقها بحملات الأنفال السيئة الصيت ، والتي بدأها في 14 / 4 / 1988 التي أستهدف إخلاء كوردستان من الكورد ، وبعدها عمليات القصف الكيمياوي التي أستهدف فيها مدينة حلبجه التي راح ضحيتها أكثر من (5000) شهيد ما بين طفل وشيخ وأمراة من الأبرياء العزل . وقد طرح النظام في مؤتمر القمة المنعقد في الرباط عام 1989 خطة تقضي بتوطين الكورد في مناطق متفرقة من الدول العربية وجلب ملايين من العرب والفلسطينيين خاصة لتوطينهم في كوردستان . وقد وقف الرؤساء العرب موقفاً سلبياً من هذا المشروع العنصري وعارضه الرؤساء: السوري حافظ الأسد والليبي معمر القذافي والفلسطيني ياسر عرفات بشدة . فيما تواصلت سياساته الشوفينية العنصرية بتعريب المدن الكوردية وترحيل أبنائها ومحق اسمائها ومحاولة التغيير الديموغرافي بوتائر أعلى وبوسائل مختلفة ، ولم تتوقف إلا مع سقوط (هبل) رمز النظام في 9 نيسان 2003.