الكورد الفيليون بين الماضي والحاضر
احمد ناصر الفيلي
المقدمة
الفيليون كورد أصلاء، عانوا أهوالاً ومحناً قاسية وسر تعرضهم لأبشع أنواع الإضطهادات من قبل السلطات العراقية المتعاقبة تكمن في قوميتهم الكوردية وإعتناقهم المذهب الشيعي. وبرغم الدور الكبير الذي لعبوه على المسرح السياسي سواء في نضالهم ومشاركتهم التأسيسية للأحزاب والحركات الكوردية التي إنبثقت مع النصف الأول من القرن المنصرم خاصة الحزب الديمقراطي الكوردستاني (حدك) الذي برز كقوة تنظيمية متقدمة وموحدة ولاحقاً المشاركة في ثورة أيلول التاريخية والمساهمة الفعالة بها مادياً ومعنوياً..، أو في صفوف الأحزاب الوطنية التقدمية، كالحزب الشيوعي العراقي الذي وصلوا فيه إلى مراكز قيادية متقدمة وكانوا مادة أساس في العديد من الإنتفاضات كإنتفاضة الحي. وقد دفعوا ثمن تلك التضحيات الوطنية الجسام من دمائهم ودماء أبنائهم وأموالهم التي صودرت والتشريد الواسع النطاق الذي واجهوه ، لأن القتل والقمع بكل أشكاله كان حصة الوطنيين الشرفاء بوجه الحكام المستبدين الطغاة.
إلا أن أحداً لم يفكر في أن يدون ذلك النضال كشهادة للتاريخ سواء في كتاباتهم التاريخية المتعلقة بالأوضاع العراقية العامة والمختلفة أو في سيرهم الذاتية أو في كتابة مذكراتهم، الأمر الذي جعل مع قلة المدونات في الشأن الفيلي واحدة من أصعب الأمور. إن محاولتنا المتواضعة هذه جاءت لطلب العديد من الأخوة في منظمات المجتمع المدني الكوردية بضرورة وضع كراس حول الكورد الفيليين وأصولهم التاريخية الأولى ودورهم في ظل الدولة العراقية كتعريف بهم والحقيقة أن قلة المدونات واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الباحث في هذا المجال، صحيح قد تكون هناك بعض الإصدارات قد صدرت في المنافي من قبل بعضهم إلا أن عدم وصولها إلى أيدي القراء بسبب بطش النظام الاستبدادي المقبور أو لأسباب أخرى، مما حال أن تبقى الحاجة المعرفية
في تزايد مستمر. والحقيقة أن هذا الكراس بشكله الحالي ما كان له أن يحوي هذا الكم من القرارات والتعليمات الصادرة بحقهم لولا مساهمة السيد رياض جاسم محمد الفيلي الذي وضع ملفاً قانونياً كاملاً تحت تصرفنا وكذلك مساهمة السيد جمال حسن المندلاوي الذي كان لملاحظاته حول مدلولات الأسم محلياً أثر كبير في توسع البحث في هذا المجال.
أخيراً وليس آخراً.. نأمل أن نكون قد وفقنا في تقديم كراس يسد شاغراً في هذا المجال. وبالمناسبة نتوجه بالشكر الجزيل إلى مؤسسة شفق هذه المؤسسة الثقافية الفتية التي أخذت على عاتقها النهوض بالوعي القومي والاجتماعي لهذه الشريحة من خلال قنواتها الاعلامية المختلفة المقروءة والمسموعة وباللهجة الكوردية الفيلية ولأول مرة، مما يبشر بولادة جديدة يسهم فيه الجميع ببناء عراق فدرالي ديمقراطي تعددي برلماني جديد.
نظرة تاريخية حول الأصول الأولى
للأمة الكوردي
يتفق المؤرخون والعلماء الاركيولوجيون بمختلف انتماءاتهم وجنسياتهم على ان الاقوام او القبائل الزاكروسية هم الاصول الاولى للأمة الكوردية وتعد الاقوام اللولوية والكاشية والعيلامية الجزء الاساسي والمهم من تلك القبائل وقد قطنت تلك القبائل المناطق الممتدة من الكميت وبدرة وحتى خانقين وكلار وصولاً الى حلبجة وبنجوين جنوباً وحتى اقاصي مناطق كرمانشاه وايلام ولورستان وبختياري وخوزستان في ايران ولايخلو من فائدة في هذا المجال تناول هذه الاقوام بشيء من الاختصار والايجاز.
اللولوين
مجموعة من القبائل الزاكروسية سكنت المنطقة الممتدة بين كرمانشاه وبغداد فيما يعدها بعض المؤرخين الى مناطق (زهاو ، سليمانية ، شهرزوز) ويرى مؤرخون اخرون بأن موطن اللولوين ابعد من ذلك ليضيف اليها منطقةسنندج وسميت مناطقهم (لولويوم) وتعد وطن اللولو . وقد دفعت التنقيبات والتحقيقات الاثرية التي اجراها العالم الأثري الدكتور (سبايزر) الى القول بان من الثابت تاريخياً بان عدداً من الملوك والحكام الآشوريين في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ( ق. م) كانوا من اللولوين . كما يعتقد بأن فروعاً من هذه القبائل تقطن سوريا الحالية.
ومن الاسانيد التاريخية القديمة التي ورد فيها ذكر اللولوين وثيقة يرجع تاريخها الى 28 قرناً (ق. م) وقد عثر عليها (الميجر ادمونز) في مضيق كاور في جبل ( قره داغ ) وترتبط تاريخياً بفترة ( نارام سين ) الملك الاكدي ومن الاسانيد الاخرى وثيقة يرجع تاريخها الى 37 قرناً (ق.م) وهي بهيئة مخطوطة وصورة للملك اللولوي الذائع الصيت (آنو بايخاني) محفورة على صخرة في منطقة (سربيل زهاو) وتظهر صورة الملك وهو يضع قدمه اليسرى على صدر احد اعدائه كما يضع يده اليسرى على صدره امام الآله (ني ني) تعبيراً على الاحترام فيما تبين الملك يمسك بيده الممتدة نحو الملك اللولوي لكلامه للدلالة على السلطة والقوة ويمسك بيده الاخرى طرف حبل شد فيه ثمانية اسرى يقف اثنان منهم خلف الاله ويقف الستة الآخرون في اسفل الصورة الاولى وقد كتبت بجانب الصورة المنحوتة العبارة :- (آنوباني ملك لولو القدير قد حفر صورته وصورة الآله – ني ني في جبل بافير وكل من يمحو هذه الصورة ستنزل عليه لعنة الاله – آنوو – آنونوم ، بل ، بليت رامان ، عشتار ، سين وشمس – ويبتلى نسله بالغناء).
وبلغ خوف البابليين من هذا الملك حداَ جعلهم يصورونه بهيئة حيوان ضخم مخيف بجانبه صورة عمود النصر – تاردوني ، الذي كما يظهر هو الآخر كان ملكاً من ملوك اللولويين ايضاً. أما لوحة (نارام سين) فهي تمثل الانتصار الذي حققه هذا الملك الاكدي على القبائل اللولوية ذلك الانتصار الذي مكنه من احتلال بلادهم . ومنذ الحدث الاخير لم يرد ذكر هذه القبائل إلا كشريكة للكاشيين والكوتيين في الحروب التي خاضوها لاحتلال بابل وبقية المناطق التي خضعت للامبراطورية الكاردونياشية.
ومن ناحية لغتهم فأنها توصف ضمن عائلة اللغات العيلامية بحسب التنقيبات والتحقيقات التي تؤكدها والتي اجراها غاليبة المؤرخين والمستشرقين كالمستشرق هورنيك فيما يعتبر البروفسور سبايزر بأن (اللولويين السلالة الاولى لاجداد اللور) وقد اظهرت الكتابات التي ترجع الى عهد الملك الاشوري (آشورناصر بال الثاني) حوالي القرن التاسع ق0 م ان مناطق اللولوين عامرة ومزدهرة وتتمتع بالتقدم في النواحي الثقافية والصناعية والفنية الامر الذي دفع الملك الاشوري المذكور الى نقل مجاميع منهم الى بلاده ليسهموا في تطوير الصناعة والفنون ، ويؤكد البروفسور سبايزر ويشاطره مجموعة اخرى من المؤرخين بأن اللولوين والكوتيين قد شاركوا بقيادة الملك الكاشي (كانديش) في فتح بابل عام 1741 ق 0 م.
الكاشيون
يقطن الكاشيون المنطقة الممتدة من كرمانشاه وبشتكوه الحالية وحتى الضفاف الشرقية لنهر دجلة . وقد عرفوا بأسماء متعددة فقد أطلق عليها الساميون (كاشي ، كيشي ، كوشو) وسماهم الكتاب المقدس (كوش) فيما يطلق عليهم المؤرخون وعلماء الآثار (كاسي ، كاساي ، كاسيت) ، وتمتاز هذه القبائل بالبسالة والقوة وصعوبة المراس وروح القتال العالية . وقد دفعت صفاتهم بالملك البابلي (امي زادوكا) وهو الملك الرابع بعد حمورابي الملك الشهير الى عقد اتفاقية دفاعية مع العيلامين عام 1977ق.م-1956 ق. م ليتمكن من صد هجماتهم (واستناداً الى بعض الادلة كأستعمال الخيول التي لم يكن استخدامها معروفاً في بابل قبل دخول الكاشيين اليها وهي عادة خاصة بالاقوام الارية وكذلك وجود جذور ارية لاسماء ملوكهم مثل (اركاته ، شوترنه ، توشرته) بالاضافة الى تسمية الهتهم بأسماء الهة الاريين فأن قسماً كبيراً من المؤرخين والمستشرقين يعتقدون بأنهم من الموجات الاولى للآريين).
ويورد عنهم كل من الاستاذ ايرج افشار السستاني في كتابه التاريخي (الكاشيون كانوا من اكثر الشعوب المعاصرة لهم تمدنا – العيلاميون ، البابليون ، المصريون ، الساميون والاشورين – وقد اختلط هذا الشعب مع البابليين واشتبكوا مع الحيثيين في قتال فدحروهم شر اندحار واستعادوا منهم الاصنام والالهة البابلية التي كان هؤلاء قد نهبوها فيما مضى)(1). ويقطن الكاشيون المناطق المسماة فيما بعد بأقاليم الجبال الممتدة الى الضفاف الشرقية لنهر دجلة قبل ان يستولوا على بابل وقد أرتبط الكاشيون بعلاقات سياسية وتجارية مع فراعنة مصر دلت عليها الألواح الاثرية التي عثر عليها والمكتوبة باللغة المسمارية (البابلية والهيروغليفية المصرية) في منطقة آثار و (خرائب تل العمارنة) ومنها ماهو موجود الى يومنا في المتاحف المصرية . ويؤكد المؤرخون بأن بقايا المدينة الكاشية المعروفة بأسم (عقرقوف) التي تقع إلى الغرب من بغداد والتي بناها احد ملوكهم عام 1410 ق0 م وقد تم العثور على الكثير من الآلات والألواح من آثار الحضارة الكاشية بين اطلال المدينة إلا أن النظام العراقي ابقاها طي الكتمان.
وتعد سلسلة حكومات الكاشيين السلالة الثالثة لحكومات العصر القديم بموجب التصنيف التاريخي لتلك الحكومات . فالسلالة الاولى حكمت للفترة 2225 ق0م وحتى 1926 ق0م وتعد الحكومات المحلية المستقلة التي نشأت وحكمت بابل منذ عام 1927 ق 0 م وحتى ماقبل بداية الحكم الكاشي للسلالة الثانية . والسلالة الثالثة تبدأ بسيطرة الكاشيين بقيادة كانديش مع مقاليد الحكم وبالإستناد الى الجدول الموضوع من قبل السيد سدني سميث فان عدد ملوك الكاشيين يصل الى 26 ملكاً.
العيلاميون
تعددت الآراء حول بداية موطن العيلاميين في مناطقهم فمن الآراء مايدل بأنهم سكنوا مناطقهم منذ أقدم العصور وهناك رأي اخريعتقد بأنهم ومنذ حوالي 4000عام ق . م هاجروا من المرتفعات والجبال الى السهول الجنوبية الغربية من ايران وسكنوا المنطقة الممتدة من اصفهان شرقاً ومن الضفاف الشرقية لنهر دجلة غرباً والخليج الفارسي جنوباً والطريق الموصلة بين بابل وهمدان شمالاً. وتعكس هذه الحدود للمناطق التي يقطنها العيلاميين، الاعتقاد السائد لدى بعض المؤرخين الذين يدمجون بلاد الكاشيين مع بلاد العيلاميين بناء على التشابه الموجود بينهما من جهة اللهجة اللغوية والمعتقدات الدينية . والواقع الجغرافي يبين بان بلاد العيلاميين تشمل محافظتي خوزستان والبختياري في كوردستان إيران وامتدادتها الى داخل الأراضي العراقية اما بقية المناطق الداخلة ضمن الحدود اعلاه فهي موطن القبائل الكاشية . وإن اشهر المدن العيلامية هي (سوسا) حيث كانت العاصمة ومدينة (آوان) الواقعة على نهر الكارخة ومدينة (بارسوماش) المسماة بمسجد سليمان الآن . ولم تكن دولة عيلام قوية حتى عهد الملك (شوتروك ناخونته) اذ كانت تابعة للاشوريين او السومرين او الكاشيين وقي فترات متباينة كانت تتمتع بالحرية والاستقلال وفي فترات الاحتلال الاشوري او السومري كانت تتعرض العاصمة (سوسا) للتدمير كل مرة كما يتعرض الاهالي الى القتل بالمئات والاستيلاء على الآلهة حيث ينقلونها مع الاموال والحلي المستولى عليها الى بلادهم.
لنهر دجلة غرباً والخليج الفارسي جنوباً والطريق الموصلة بين بابل وهمدان شمالاً . وتعكس هذه الحدود لسكن العلاميين الاعتقاد السائد لدى بعض المؤرخين الذين يدمجون بلاد الكاشيين مع بلاد العيلاميين بناء على التشابه الموجود بينهما من جهة اللهجة اللغوية والمعتقدات الدينية . والواقع الجغرافي يبين بان بلاد العيلاميين تشمل محافظتي خوزستان والبختياري في كوردستان إيران وامتدادتها الى داخل الأراضي العراقية اما بقية المناطق الداخلة ضمن الحدود اعلاه فهي موطن القبائل الكاشية . وإن اشهر المدن العيلامية هي (سوسا) حيث كانت العاصمة ومدينة (آوان) الواقعة على نهر الكارخة ومدينة (بارسوماش) المسماة بمسجد سليمان الآن . ولم تكن دولة عيلام قوية حتى عهد الملك (شوتروك ناخونته) اذ كانت تابعة للاشوريين او السومرين او الكاشيين وقي فترات متباينة كانت تتمتع بالحرية والاستقلال وفي فترات الاحتلال الاشوري او السومري كانت تتعرض العاصمة (سوسا) للتدمير كل مرة كما يتعرض الاهالي الى القتل بالمئات والاستيلاء على الآلهة حيث ينقلونها مع الاموال والحلي المستولى عليها الى بلادهم.
يقول حزقيال في سفره بهذا الصدد مانصه :- (هذه هي عيلام وجميع اهاليها في القبور المحيطة بها ، جميعهم قتلوا وقد قطعت السيوف اعناقهم) (2) . فجر عهد الملك (شوتروك ناخوتنه) تغيرت اوضاع العيلاميين اذ استطاع هذا الملك من الاستيلاء على بابل وانهاء الحكم الكاشي ونصب ابنه (كوشير ناخوته) ملكاً على بابل كما نقل تمثال الآله مردوك ومسلة حمورابي الى (سوسا) وفرض ضرائب مالية باهضة على سكان بابل وفي زمن الملك (شيلخاك – انيشوشبناك) الابن الثاني لشوتروك ناخونته الاول شهد الجيش العيلامي فتوحاته الواسعة حيث اجتاز نهر ديالى ووصل الى آراباخ (كركوك) وتمكن من مطاردة الاشوريين شمالا ًوالسيطرة على سهول نهر دجلة وضفاف الخليج جنوباً وسلسلة جبال زاكروس ومناطق ايران الغربية وتمكن هذا الملك من انشاء امبراطورية قوية في هذه المناطق الواسعة. والى جانب فتوحاته الواسعة فقد عمل هذا الملك على التخلص من الثقافات التي كانت مفروضة على العيلاميين من قبل السومرين والاشوريين واستعمال اللغة والخط العيلامي في المراسلات الرسمية والدواوين . ونتيجة اعماله الكبيرة عظمت منزلته لدى العيلاميين حيث عُدّ إلهاً قومياً.
الفيليون : آراء في أصل التسمي
إختلفت الأراء في معنى كلمة (فيلي) التي تطلق على جمهرة واسعة من الكورد . فهي تعني عند بعض الباحثين (الثورة) وعند آخرين قد تعني (المتمرد والعاصي) على تقارب المعنيين فيما أورد باحثون آخرون الكلمة على أنها تعني (الشجاع والفدائي الثائر) وقد نسب الرحالة (هوكوكروته) الكورد الفيليين بأنهم من سلالة العيلاميين ليس بسبب إن موطنهم هو نفسه موطن العيلاميين بل أستند إلى أسباب بيولوجية من تشايه الوجه على سبيل المثال وليس الحصر ويرى بعض الباحثين إن أصل تسميتهم بالفيلي مأخوذة من أسم الملك بيلي (peli) الذي أسس سلالة عيلامية أمتد حكمها من 2220 ق.م وحتى عهد آخر ملوكها (يوزور أينشو سيناك) 2670 ق.م وقديماً تتلفظ الفاء باء وتحول الإسم مع تقادم الأزمنة إلى كلمة (فيلي) على غرار تحول الإسم الفارسي القديم (بارس) إلى (فارس) الحالية. على أن المؤرخين تناولوا شؤون تلك السلالة العيلامية في أبحاثهم وكتبهم بإسم سلالة (أوان) نسبة إلى مدينتهم (أوان) العيلامية . ويرى آخرون إن الملك بيلي أقام أول مرة في مدينة شوش في العام 2220 ق.م كالبروفيسور (جورج كامرون) (3). وأكتشف إسم الملك بيلي على قطعة أثرية في معبد كيريريشا تعود إلى 2250 ق.م وقد أوردها (والتر هينتس) في كتابه الموسوم (دنيا ئي لام الضائعة) فيما أورد إسم الملك بيلي أيضاً المحقق يوسف مجيد زاده في كتابه (تاريخ وتمدن إيلام) ومن الباحثين من يرى إن كلمة (فيلي) أشتقت من كلمة (فهلة، بهلة، بهلو) (4) برغم التقارب اللفظي الموجود بين هذه الكلمات وكلمة (فيلي) إلا أنه ليس هناك أية علاقة في المعنى والمبنى بينهما من ناحية التفسير حيث لم يطالعنا التاريخ على مثل هذه بحيث تكشف أي نوع من الرابطة بينهما فضلاً عن عدم معرفة ماهية القصد هنا وراء الإسم (فيلي) وهناك رأي آخر يعد كلمة (فيلي) ببعد جغرافي عبر ربط الإسم بأسماء (بهلة ، بهلي) وهي أسماء لمنطقة في (زرين آباد) ويرى باحثون آخرون إن لقب (الفيلي) كان يطلق على والي لورستان التي كانت عاصمته (خرم آباد) في زمن الوالي حسين قولي خان أحد أشهر الأمراء الفيليين والذي تمتع بإستقلال شبه تام عن إيران وكان يطلق على عاصمته (خرم آباد) تسمية (خرم آباد فيلي) (5) . كما أطلق ولاة بشتكو على أنفسهم لقب الفيلي وأطلقوها بدورهم على رعاياهم وما خضع لنفوذهم من عشائر كوردية أخرى بعيدة الصلة بهم أتت من مناطق كوردستان الأخرى وأندمجت معهم منذ عام 1585 م وحتى عام 1929 م عهد آخر الولاة اللور الفيليين غلام رضا (6). ويعتقد البعض إن الإسم (فيلي) أنحدر من كلمة (فيل) لأن الساكنين في منطقة (بشتكوه) كانوا يدربون الفيلة وإن الفيل الأبيض الذي دهس القائد الأسلامي أبو عبيد قائد الجيش الإسلامي في معركة الجسر كان مدربه من سكان المنطقة بل وحتى الفيل الذي دهس ملكاً لقوم منهم وهذا الرأي خاطئ بلا ريب للأسباب التاريخية واللغوية التي تدحضه نظراً للفاصل الزمني البعيد بين أصل الفيليين القديم وتاريخ معركة الجسر الحديث أولاً ولفظة (فيلي) ليست عربية الأصل لكي تندرج ضمن مفاهيم مفردات اللغة العربية . ثانياً فضلاً عن ظهور الكورد ومنهم الشريحة الفيلية إلى الوجود قبل ظهو رالعرب في التاريخ إستناداً إلى إبن خلدون في (تاريخه) وجعفر خيتال في مجموعة آرائه . ووصف (شوبرل) الفيليين بأنهم قبائل كوردية متعددة إستوطنت المناطق الجبلية مابين تركيا وإيران ولم يورد ذكر إسم العراق هنا لأنه كان جزءاً من الدولة العثمانية. وقد وردت قبيلة اللر (باللر الفيلية) في مباحث المستشرق الدنماركي (أس.جي.فيلبرك) والبروفسور (جن راف كارتويت) والدكتور جواد صفي والمحامي عباس العزاوي الذي أكد وجود عشيرة (دوزارده) الكوردية في مدينة العمارة التي ربما كانت تسمى بإسم تلك العشيرة قبل تسميتها الحالية حيث يقول : (العمارة هذه البلدة بنيت في عام 1278 هـ 1861 م وكانت تسكنها عشيرة دوزاده من اللر الفيلية ومجموعات قبلية أخرى) (7) . وعلى تباين وتنوع اللهجات والمظاهر الإجتماعية قسمت الشرف نامه الكورد إلى أربع مجاميع وهي (الكرمانج ، اللر ، الكلهر ، الكوران) فيما أورد العلامة الكوردي محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ الكورد وكوردستان) وصفاً للمؤرخ الجغرافي الشهير ياقوت الحموي يصف فيه (اللر) بأنهم كورد يسكنون الجبال الواقعة مابين إقليم خوزستان وإقليم أصفهان . وتسمى بلادهم ببلاد اللر أو اللرستان وروى المسعودي عن مملكة فيلان شاه المتأسسة بعد الفتح الإسلامي لإيران حيث أقيمت هذه المملكة في غربها وكانت تسمى (مملكة صاحبة السرير) ومن ذرية بهرام كور حيث يشرح قائلاً (سميت صاحبة السرير لأن يزدكر الساساني عند هزيمته ترك سريره الذهبي وخزانته وأمواله مع رجل من ولد بهرام جور ليسير بها إلى هذه المملكة فيحرزه هناك إلى وقت موافاته فقطن الرجل في هذه المملكة وأستولى عليها وصلب الملك من عقده فسمي صاحب السرير ودار مملكته تعرف بالجمرج وله إثنا عشر ألف قرية . خشن منيع وهو يغير على الخزر مستظهراً عليهم لأنهم في سهل وهو في جبل وفيلان شاه هو الإسم الأعم لسائر ملوك السرير) (8). وقد ورد ذكر ملك فيلان شاه في مباحث كل من الدكتور محمد جواد مشكور ومحمد حسن خان (9) . وفي عام 1184م برزت الدولة الأتابكية الخورشيدية الفيلية غرب إيران والتي أستمر حكمها حتى عام 1598م حيث سقطت على يد شاه الصفوي عباس الأول باشر بعدهم حكم ولاة الفيليين الذين دام حكمهم حتى عهد بهلوي رضا خان التي شهدت تجزئة المنطقة الفيلية إلى ثلاثة أقاليم هي (لورستان وبشتكو وإيلام) وأستطاع الفيليون تأسيس حكومة لهم في العراق للفترة مابين 1524م و1533م برئاسة (ذو الفقار نخود) وهو رئيس عشيرة موصللو الكلهرية، حيث احتل بغداد بعد مقتل ابراهيم سلطان خان والى بغداد من قبل اسماعيل الصفوي وقد استقرت الاوضاع في عهده وبسط حكمه على بقية المدن العراقيةالتي لم تدم طويلاً إذ أسقطها شاه طهماسب الأول، وفي نهاية عهد شاه عباس تأسست الحكومة الديرية الفيلية في البصرة على يد أفراسياب باشاه وأستطاع كريم خان زند، وهو من عشيرة الزند احدى عشائر اللور الاصلية (الفيلية) التي كانت تسكن منطقتي بيدي وكمازان التابعتين لملاير في القرن الثامن عشر الميلادي من إقامة الحكومة الفيلية الزندية في إيران والبصرة والتي أسقطها القاجار. ومن الجدير بالذكر إن الأمير جابر بن مرداوه إتخذ اللقب الفيلي وسمى أتباعه بالفيلية بل وسمى إمارته (إمارة كعب الفيلية) وأطلق على أرضه المثلثة الشكل بين كارون وشط العرب بعد أن جعلها مدينة عامرة وإتخذها عاصمة ثانية له بأرض الفيلية والتي وجدت فيها قوات عسكرية من أبناء الكورد الفيليين أرسلهم الوالي حيدر خان عرفاناً بالجميل الذي أسداه إليه الوالي الفيلي حيدر خان والي بشتكوه حين طلب الشيخ منه المساعدة وذلك أثناء الحملة الأتكليزية التي قام بها السير جيمس أوترام على المحمرة (إمارة كعب في الأهواز) في 6 آذار عام 1857م في زمن الشاه الإيراني ناصرالدين شاه الذي حكم بين (1896م-1848م) نتيجة لقيام الجيش الإيراني بالهجوم على بعض المؤسسات البريطانية في بلاد الأفغان مما جعلت ذريعة لإشعال الحرب بين الدولتين. وسارت القوة الأنكليزية وتعدادها ستة الآلاف جندي في شط العرب وجزيرة أم الرصاص في جانب العراق وقصفت مدينة المحمرة تمهيداً للإستيلاء عليها في 26 آذار 1857 م والذي تم بعد ذلك وقد التزم ولده الشيخ خزعل باللقب الفيلي وأطلق هو الآخر على رعاياه إمتناناً منه لتلك المساعدة التاريخية (10) . وحدود بلاد الفيليين تشتمل على كرمانشاه وكركوك شمالاً ونهر دجلة والخليج جنوباً ومناطق للورستان وبختياري وأقساماً من فارس شرقاً وكوردستان والعراق العربي ونهر دجلة غرباً ولم يكن الزعيم عبد الكريم قاسم ليجانب الحقيقة بقوله أمام الوفد الفيلي الذي زاره في 14 / 10 / 1958 لتهنئته (إن المناطق التي تبدأ من الضفاف الشرقية لنهر دجلة هي موطن الكورد الفيليين منذ القدم) وقد ورد في مجلة المجمع العلمي الكوردي (اللور ولورستان) للباحث علي سيدو الكوراني نص للرحالة اللورد كرزون جاء فيها (لورستان ولاية عاصمتها خرم آباد ويحدها شرقاً أصفهان ولاية فارس وشمالاً كرمانشاه وهمدان وجنوباً خوزستان وغرباً كوردستان والعراق العربي) (11) ويتألف سكانها من فيلية وبختيارية وطوائف الكوكيلو ومماساني ويطلق على الجميع إسم (لر) وتنقسم هذه الولاية إلى ثلاثة أقاليم:-
1- لوري كوجك (اللور الصغرى).
2- لوري بزرك (اللور الكبرى).
ويفصل آب ديز أي نهر ديزفول بين هذين الإقليمين ، يقطن الإقليم الأول الفيليون والإقليم الثاني البختيارية أما الإقليم الثالث فيمتد من حدود خوزستان ويقطنه قبائل (الكوك يلو) والمامساني وتمتد بلادهم إلى حدود الخليج والبصرة وملتقى دجلة والفرات ، وفقاً للجغرافية السكانية وينتشر الفيليون في مناطق كرمانشاه وإيلام كهكيلوية ، وبوير أحمد ومامساني وبختياري ، وجهار محل وأصفهان وشيراز وأهواز وخراسان وكرمان وكيلان وقزوين وغيرها من المدن وهذا في النواحي الإيرانية أما في النواحي العراقية فينتشرون في خانقين ومندلي والسليمانية وكركوك والتون كوبري وبغداد وشهربان وجلولاء والسعدية والعمارة والبصرة والكوت وبدرة وحي علي الغربي والديوانية والشامية والحلة والكوفة والأنبار. وقد أنقسمت لورستان في العهد المغولي إلى اللور الكبرى واللور الصغرى حيث شملت اللورالكبرى مناطق بختياري وكيوكيلو وتبدلت في القرن السادس عشر من لور الصغرى إلى لورستان الفيلية التي إنقسمت مع إطلالة القرن التاسع عشر إلى:-
1- بيشكوه وتعني (أمام الجبل) وتقع إلى الشرق من جبال كبير كوه.
2- بيشتكيوه وتعني (خلف الجبل) وتقع إلى الغرب من جبال كبير كوه . واللهجة اللورية تتكون من لهجة لور الكبرى السائدة بين ممساني وكيوكيلو وبختياري ولهجة لور الصغرى السائدة في بلاد الفيلي وتسود لهجة الكرمانج منطقة بيشتكيوه وقد جاء في كتاب (خلاصة تاريخ الكورد وكوردستان) إن هناك أبحاثاً مهمة للمستشرقين في هذا المجال وخاصة أبحاث الدكتور الفريج المطبوعة من قبل المجمع العلمي الشرقي في برلين وبإسم (كورديلر) حيث ورد ما نصه :(إن اللور هم من أهم أقسام البلاد حيث أن الكورد في تلك البلاد ينقسمون إلى قسمين عظيمين من جهة اللهجة واللسان الناطقين بالكوردية والناطقين باللورية فضلاً عن إن هناك روابط قوية بين هاتين الطائفتين في اللهجة والأخلاق والطبائع والتقاليد والعادات.
وتتكون الشريحة الفيلية من قبائل متعددة أهمها (لك ، لر ، كرد علي (كرداللي) ، ملك شاه ، علي شيروان ، قيتول ، أركواز ، بولي ، كلاواي ، شوهان ، ماليمان ، زنكه نه ، كلهر ، بختياري ، زند ، سورميري ، ممساني ، جنكي ، بابي ، بوبرا أحمد ، كهكليوية ، ميشخاص ، حسنوند ، كاكه وند ، قاضي ، قره لوس ، اليوي ، مافي ، ريزوند ، امراتي ، زركوش ، طولابي، سليوزوري ، قائد رحمة ، كاكا)
المعاني والدلالات للمفهوم الكوردي للتسمية
ومعاني (اللر) والفيلي
يذهب جلّ اللغويين الكورد في العراق ان تسمية (فيلي) تطلق على الكورد المتداولين الكوردية اللرية كافة والتي تسمى مجازاً في احيان اخرى بالكوردية الكرمنشاهية (12) وحسب رأينا إن هذه التسمية غير صائبة لأن لهجاتها الفرعية هي (اللكية ، الكلهرية) اللرية الفيلية وقد سميت (اللرية الفيلية) بهذا الأسم لأن الكوردية اللرية تنقسم قسمين مهمين هما:-
1- (لوري فيلي) ومنهم من يطلق عليها (لوري اصلي) وتسمى مناطقهم باللور الصغير (لوري كوجك) وكذلك في منطقة بشتكوه او لورستان الصغرى وتعد مدينة (خرم آباد) العاصمة الادارية الفعلية للر الفيلية حتى عام 1929م عهد الولاية الكوردية الفيلية الأخيرة بأمرة غلام رضا خان (13) هذا فيما يخص الأجزاء الكوردية الفيلية في كوردستان ايران.
2- (لوري بختياري) ومنهم من يسميها بلهجة اللور البختيارية وتسمى مناطقهم باللور الكبرى (لوري بزرك) وتنتشر ما بين دزفول شمالاً حتى شيراز جنوباً واصفهان شرقاً واقليم الأهواز محافظة خوزستان غرباً . وتعد مدينة مال مير (ايزج) التاريخية بالقرب من مسجد سليمان في محافظة خوزستان مركزاً لكبار امرائهم (14) ويورد الاستاذ عبد الجليل الفيلي في كتابة الموسوم ( الفيليون في الماضي والحاضر) (15) مانصه : – (ويؤكد الاستاذ ايرج افشار السيستاني) هذه الحقيقة في كتابه (مقدمة في العشائر والطوائف الايرانية) بقوله (اللر الصغير منذ القرن السادس عشر الميلادي عرف باللور الفيلي) وعلى وجه العموم فأن تاريخ القرن السادس عشر وان كانت السنة غير محددة لدى ايرج السيستاني الا انها مطابقة مع التاريخ الذي ذكره علي سيدرو الكوراني في بحثه (16) الذي جاء فيه (عام 1585 م وهو عام تولي حسين خان الحاكم الثالث والعشرين من حكام الدولة الخورشيدية في لورستان الصغرى) وتختلف التسميتين (لوري) و( فيلي) من حيث شموليتها او تفرعها في جهة العراق وجهة ايران فالتسمية (لوري) نادر التداول بين الكورد الفيليين في العراق واذا ما اطلقت التسمية لدى البعض (لوري) فأنها تعني الانتماء القبلي الى قبيلة صغيرة من بين صفوف الفيليين في العراق تعرف بأسم (لر) حيث ان التسمية (فيلي) محصورة في كوردستان الملحقة بالجانب الايراني في منطقة بشتكوه حيث تسمى بهذا الاسم ولاة هذه المنطقة وأطلقوها بدورهم على رعاياهم ومن هو تحت نفوذهم، ففي ايران يسمى الكورد الفيليين بأسماء عشائرهم المحلية ومناطقهم فهناك إقليم لورستان الذي يسمى بها الكثيرون فضلا عن اسماء قبائلهم المحلية مثل البختياري واللك والممساني وغيرها في حين تطلق تسمية (فيلي) في العراق على الناطقين بالكوردية اللرية وتفرعاتها، وتعد تسمية شاملة لهم، وهذا يعني ان اللور تسمية عامة شاملة في كوردستان ايران وان فيلي لقب فرعي والحالة هذه في العراق معكوسة حيث ان (لوري) يعد اسماً خاصاً وهنا لابد من التمييز الواضح بين اقليم لورستان في اجزاء ايران كونها شيء ووجود شريحة الكورد الفيليين في كوردستان المتحد مع العراق شيء آخر، حيث ان تسمية (فيلي) التي تطلق على الكورد القاطنين شرق دجلة والعاصمة بغداد وبقية المدن من وسط وجنوبي العراق نتيجة موجات الترحيل القسرية وعمليات التطهير العرقي التي طالتهم في محاولات صهرهم قومياً وخاصة في العهد المقبور لايعني بالضرورة انهم من اقليم لورستان او منطقة بشتكوه في كوردستان إيران . كما ان اللر واللر الفيلي لاتعني بالضرورة انهم من كوردستان المتحد مع العراق.
وهناك قبائل من الكورد الفيليين من لايقرون بلقب (فيلي) مثل قبيلتي أركوازي وقره لوس وقبائل اخرى في مناطق مندلي وخانقين كما ان هناك قبائل تقطن كوردستان الجنوبي / كوردستان العراق ترجع بأصولها الى الكلهر ، والك ، اللر ومن هذه القبائل شيخ بزيني والشرف بياني والدلو. (17) ويظهر مماتقدم ان مدلول كلمة الفيلي وفي معناه العام ودلالته الاصطلاحية يشمل جميع القبائل الكوردية التي تقيم في الاجزاء الجنوبية من كوردستان على الجانب الايراني المسمى إقليميا لورستان، وتشمل تحديداً محافظتي ايلام وكرماشان والتي قسمت في السنوات الاخيرة الى محافظات عيلام ، لورستان ، جوار محل ، شهر كورد وفي الجانب العراقي المناطق التي أشرنا إليه سابقاً.
ومن الجدير بالذكر ان انعدام محافظة او اقليم بأسم لورستان في العراق قد ساهم في بروز تسمية (فيلي) واندثار كلمة (لوري) الا في حدود ماذكرناه، وفي هذا المجال يورد الاستاذ محمد توفيق وردي (18) مايلي :- (الفيلي كلمة حديثة لاتطلق على اخوتنا الكورد في منطقة (بشتكوه) وطنهم الاصلي بل هي اصطلاح عراقي صرف لأن الاسم العلمي والتاريخي الذي اطلق على اخوتنا الكورد هو (لر الصغرى) و (لر الكبرى) فليست هناك فيلي في ايران بل لكل قبيلة اسمها) ورغم ان الاستاذ محمد توفيق وردي يبالغ في الغاء كلمة (فيلي) في ايران من جهة ويتوهم في كون اصطلاح الفيلي حديث لأن السبب الذي يكمن وراء تصوراته اختلاف دلالة وتسمية (فيلي) في العراق عنها في ايران كونها تسمية شاملة لهم في كوردستان العراق وتسمية فرعية في كوردستان إيران وحصراً بمنطقة بشتكوه ، ان من الاسباب التي جعلت تفسير مفهوم الفيلي بهذا الشكل في كل من العراق وايران كلمة (فيل) (بفتح الفاء وتسكين الياء واللام) حيث تعني في الكوردية اللرية (السهل) وترادف في العربية الفصيحة كلمة (فلاة) و(فله) في اللهجة الشعبية الدارجة (كلفظ ثاني مرادف للمعنى) وبهذا الصدد يورد الاستاذ عبد الجليل الفيلي (19) (الاستاذ جرجيس فتح الله ذكرلي بان الكاتب والناقد المعروف (نوري ثابت) كتب في جريدة حبزبوز الساخرة في حينه يقول :- ان الاصل في اطلاقها على الكورد الفلاوية ثم صححت الى فويلي وان الكلمة مأخوذة من كلمة فلاة- فلوات العربية وهو تخريج منا في الواقع حيث ان كلمة فلوات العربية تعني الارض المنبسطة او البطحاء القليلة الكلأ والماء حين ان المناطق التي يسكنها الكورد الفيليون تشتمل على السهول والجبال وتتميز بوفرة الكلا والمياه والمراعي وتنتشر فيها الانهار الكبيرة (الوند وكله نكير وسيروان وصيمرة وكنجياجيه م كما تكثر فيها العيون والجداول . كما ان الشاعر الكوردي المعروف عبد الله كوران (20) اطلق على الفيليين في قصيدته التي القاها بمناسبة زيارة نادي الكرة الرياضي الى السليمانية عام 1961 (ابناء كوردستان الذين يقيمون هناك في السهول) وفي بيت آخر من شعره (وكان علي ان لاأرتوي من كبدي البعيد الساكن في السهول) وهناك من يعتقد بأن الفيليين الموجودين في المناطق الجبلية في ايران أنما كانوا في الاصل من كورد في العراق وقد لجأوا الى تلك الانحاء مضطرين بسبب تعرض مناطقهم الى الغزوات والفتوحات التي قام بها العرب للمناطق السهلية شرق دجلة (مناطق الكورد الفيليين التقليدية في العراق) أيام الفتوحات الاسلامية وغاية هذا الاعتقاد احكام صلة الاسم (فيلي) بالفيول (اي السهول وهو اعتقاد يقترب من الحقيقة ويكاد ان يكون مسلماً به لولا ان اعداداً من اللور الفيليين القاطنين في المناطق الجبلية في ايران بالاضافة الى كون الفيليين اصحاب امارة قوية في الماضي هم اكبر بكثير من حيث العدد والنفوس من اخوانهم وانسابهم في العراق وسهوله كما ان تواجد قسم منهم في المناطق الجبلية المتفرقة من كوردستان الجنوبي / كوردستان العراق . يبعد هذا المعنى (معنى السهل والسهول) وتسمية (فيلي) تعني (والي) وهي بلفظها تذكرنا بأصطلاحي (فرهي ، فلهي) في اللغة الفارسية القديمة (بفتح الفاء في الكلمتين وتسكين باقي الحروف) والتي تعني : رئيس ، زعيم ، شيخ (21) كما ان اصطلاح فيلار وفيلارك (22) لدى اليونانيين ايام السلوقين (خلفاء الاسكندر وقائده سلوقس) وايام البيزنطينين تعني المعنى نفسه زعيم ، رئيس ومن الجدير بالذكر ان اطلاق التسميات بهذا الشكل امر معتاد ووارد فقديماً سمى الكورد القاطنون في السليمانية (ولاية شهرزور) بالكورد البابانيين نسبة الى (بابه- بهبه) (23) وتعني الاب (الروحي – الاعتباري) وهي كنيسة دينية اكثر منها (رسمية او دنيوية) وهو لقب امراء وشيوخ الكورد في شهرزور والسليمانية قديماً فيما نسمي الكورد القاطنين في اربيل ايضا بالكورد السورانيين نسبة الى (سور) (24) وتعني الاحمر وهي الكنية الشعبية للأمراء المحليين في اربيل وماجاورها قديماً.
ان اتخاذ تسمية فيلي صفة الشمولية واعتبار اللور لقباً خاصاً في العراق يعد من الناحية العلمية الاكثر موضوعية وتطابقاً مع الحقائق التاريخية لأن كلمة (فيلي) او (بيلي) القديمة مرخصة من لقب (فهلوي – بهلوي) الاسم القديم الذي رافق الشعب الكوردي منذ العصور الوسطى وايام الساسانيين ثم العرب المسلمين قديماً المعاصرين لأيام الرسول (ص) والخلفاء الراشدين والدولتين الاموية والعباسية . يقول زبير بلال اسماعيل في تاريخ اللغة الكوردية (25) مانصه :- (وكذلك الحال بالنسبة الى اللهجة الفيلية لأن كلمة فيلي التي اصبح فيها الباء فاءً ، والهاء ياءً وفق قواعد تبديل الاصوات في اللغات الايرانية اصبحت اسماً (اللور) الفيلي وقد اشتقت (به بلي – به رتي) (26) القديمة وهي اسم البارتين الاشكانيين وهذا ما تقوله نفسه.. العالمة اللغوية باكيزة رفيق حلمي في بحثها المنشور عام 1973 (27) والثابت في امر اللغة البهلويه ان اسمها جاء من اقدم نص ورد في الكتب الفارسية (28) على صورة (برتوه) (بفتح الباء المثلثة تشبه في لفظها حرف p في اللغة الانكليزية) وسكون الراء وفتح الفاء والواو وقد حدثت تطورات لفظية كثيرة طرأت على كلمة (برتوه ) وبمرور الوقت ونتيجة لتداولها بين شعوب وامم مختلفة صارت تلفظ بشكل (بهلوسرتو) (29) وكلمة سرتو او سرتي هو اللفظ الذي عرف به الشعب الكوردي لدى الفرس الاخمينين مما يدل على ان البهلويين اقروا بكورديتهم بادىء ذي بدء ثم تطورت الى (بهلوي ثم فهلوي) (30) والتي شاعت زمن اليونانيين المعاصرين او البارث الى زمن الدولة الساسانية وحتى الفتح الاسلامي والى فترات متأخرة من الفتح الاسلامي (31).
وقلب التسمية الكوردية (فيلوي) من لفظه الى (فيلي) قد جاء تكريراً للكلمة المرادفة لكلمة (فهلوي) وهي (فهلي) وتؤكد المصادر الاسلامية القديمة من ان (فهلوي اسم منسوب الى فهلة) فمن الناس من لفظة (فهلة) عند التسبب بشكل (فهلي) كما لفظ اسم فهلة بشكل فهلوي بأضافة الواو والياء كما في الاسماء العراقية (موصلي / مصلاوي ، حلي / حلاوي ، بصري / بصراوي ، بدري /بدراوي) فأن نطق (فيلوي) بلفظ (فيلي) جاء تكراراً للكلمة المرادفة لكلمة (فهلوي) وهي (فهلي) اي تكريرها بشكل (فيلي) بتحويل الهاء في (فهلي) الى ياء في (فيلي) ومنذ اواخر العصر العباسي بدأ الفظ (فهلي) يحل محل (فهلوي) ويدلنا على ذلك ياقوت الحموي وفي معجمه (32) في حدود سنة 625 هـ / 1227 م وهي السنة التي وضع فيها الكتاب الذي اهداه بخط يده الى خزانة الوزير القفطي (33) حيث ذكر ياقوت الحموي عن لفظة (فهلوي)( 34 ) مانصه :- (فهلو : بالفتح ثم سكون ولام ويقال فهلة) نرى من هذا المقتطف ان الناس في ذلك الوقت كانت تعلم لاسيما مثقفوهم بأن (فهلوي) منسوب الى (فهلة) وبدلاً من (فهلوي) يقال (فهلة) (35) ان الكورد بعكس الفرس لفظوها (فيلي) بقلب الهاء في (فهلي) الى ياء (فيلي) لأن حرف الهاء في اللغة الكوردية نادر التداول ويستعيض عنها لفظاً بحرف الباء واسم (بلاد فهلة) اطلق على الجهات التي انتشر ولايزال ينتشر فيها الكورد وهو ماذكره ايضاً ياقوت الحموي حيث قال :- (شيرويه بن شهردار بلاد الفهلويين سبعة).
ومن خلال هذا النص يتضح بأن ياقوت الحموي قد استند الى تحديد الجهات التي يطلق عليها (فهلة / فهلوي) الى اهل البلاد ذاتها والتي يطلق عليها (فهلة) كـ (شيروان بن شهردار) فأن كان شيرويه كوردياً فإننا نعلم يقيناً بأن الكورد في عصر ياقوت قد حددوا دلالات ومفهوم كلمة (فهلة / فهلوي) بالأرجاء والانحاء التي نزلها الكورد في ذلك الوقت واذ كان شيرويه فارسياً لعلمنا من مصدر فارسي من عصر ياقوت بأن (فهلة / فهلوي) غير مخصوصة بالمناطق التي يقيم بها الفرس ويقصد هذا الرأي نفسه خسرو الجاف (36) من ذلك يتضح ان (فهلي / فهلوي) المتطورة الى صيغة (فيلي) اسم قديم لبلاد الكورد ومن الجدير ذكره من ان لاعلاقة بين الاسم (بهلوي) الاصل الاول لكلمة فهلي القديم والقاب شاهات ايران المتأخرين في تاريخ ايران المعاصر وخاصة الشاه الايراني (رضا خان بهلوي) يرجع بنسبة لقب بهلوي الى عشيرة بالاني (الباء الفارسية تشبه حرف الانكليزي p ) من حيث النطق والتهجئة وهي احدى العشائر الفارسية التي أقامت في منطقة (مازندران) وبالتحديد منطقة (سواركوه) (جبل الفرسان) ولاتوجد اية علاقة عرقية او سلالية (واقعية) بين لفظ بالاني (بالاني) مسمى العشيرة الاصلية التي يعني اسمها (الاجلال) وهي جمع لكلمة (جلة) التي تعني ما يوضع تحت سرج الخيول من قماش أو سواه بقصد منع الخدوش والجروح الناجمة عن الإحتكاك على ظهور الخيول ولاضفاء شيء من الجمال والهيبة لمظهر الجياد وهذا هو المعنى في كلمة بالان – بالاني التي تأتي للنسب والانتساب ليس اكثر ، غير ان المتزلفين للبيت الايراني المالك حاولوا ارجاع نسب الاسرة المالكة الى اسرة حكمت ايام الساسانيين بأسم (بايندي الهلواني او باواني بهلواني) ليضيفوا نفحة كاذبة من الابهة الفارغة وهالة من العظمة الزائفة على عراقة الاصل لقد تم الخلط بين لفظ (بالاني) من قبل المصادر شبه الرسمية في ايران (37) في العقد العشرين ، ولفظ البهلوي ، وكان ذلك بطبيعة الحال على حساب الحقيقة التاريخية التي تشوه ماهية هذا الاصطلاح (اي البهلوي) ودلالته اللغوية والعرقية فضلاً عن ان الفروق العرقية والحضارية بين (الفريسيين) او (البهلوانيين) والفرس القدماء واضحة منذ القدم حيث يورد المؤرخ طه باقر في كتابه الموسوم (مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة) (38) حيث جاء مانصه : – (وكانت الفروق بين الفريقين وبين الاقسام المتحضرة من ايران فروقاً واسعة بحيث لم تستطيع تسويتها فترة الحكم الغربي بعد مرور ازمان طويلة وكثير ما كان الإيرانيون يظهرون العداء ازاء الحكم الفرثي و(يقصد طه باقر بالفرثيين اي الفهلويون) او البهلويون لفظ اسمهم لدى الاقوام الاخرى المعاصرة ومنهم الارمن على سبيل بحيث انهم لم يعتمدوا ابان الازمات على مساعدة بلاد فارس . ومن أجل إلقاء مزيد من الضوء حول أصل الكورد الفيليين نورد ما جاء في كتاب القائد المغولي تيمور لنك الذي يقول عنهم في كتابه (أنا تيمور فاتح العالم) ص120 ((وصلتني أنباء تفيد بأن مجموعة من الخيالين (الفرسان) وكان عددهم 150 مسلحاً أثناء عبورهم من لورستان طلب منهم أتابك لورستان أن يدفعوا له جزية عن مرورهم من المنطقة وعند رفض الخيالين دفع الجزية أمر تقبلهم جميعاً فهيأت قواتي وتوجهت لتأديب الأتابك المذكور وكنت أثناء زحف جيشي أسأل سكان المناطق التي أمر بها عبر لورستان ، فكان الجميع ينصحوني بعدم الذهاب إلى هناك وكانوا يقولون لي بأن محل الأتابك هو (بشتكوه) وأي قوة تدخل هذه المنطقة ستباد عن آخرها ، فبامكان مئة من جنود الأتابك أن يبيدوا ألفاً من جنودك)) . ويصف تيمورلنك اللور الكورد في مكان آخر من كتابه ويقول (كل مسلحي الأتابك كانوا طوال القامة وذوي لحايا طويلة ، كانت لحايا بعضهم بيضاء وكان يظهر من الشكل الذي يتقدمون به نحونا بأنهم لا يعرفون معنى للخوف … جنود أتابك لورستان كانوا مسلحين بالسيوف والهراوات والفؤوس ، كانوا يجيدون القتال ولم يخافوا من مواجهتنا قطعاً). ويقول عنهم المستشرق (بارتولد) في مؤلفه (الجغرافية التاريخية لإيران) (لقد حافظ اللور الفيليون الذين يسكنون بشتكوه على نقاوة أصولهم وعاداتهم الكوردية الفيلية أكثر من الآخرين ، والرئيس العام لهم يشغل منصب الوالي المعين من قبل الحاكم الإيراني ألا أنه في الواقع مستقل ولا يطيع الحكومة الإيرانية لدرجة لا يدفع لها الضرائب المالية).
ويعد المؤرخ الكوردي محمد أمين زكي الكاشيين بإعتبارهم الأصول الأولى للكورد الفيليين حيث يورد في كتابه (خلاصة الكورد وكوردستان) (في أواسط القرن الثاني عشر قبل الميلاد استولى هؤلاء الكاشيون على بابل وأسسوا في بلاد سومر وأكد، حكومة قوية كانت تدعى كاردونياش دامت زهاء ستة قرون في تلك البلدان … وقد عادت العشائر الكاشية بعد زوال حكومتها هذه إلى جبال زاكروس (لورستان الحالية) حيث أغار سنحاريب في أوائل القرن السابع قبل الميلاد على بلادهم فقاتلوه قتالا ً شديداً) . ويضيف (في عهد الحكومة الأخمنية توثقت الصلات بين عشائر الكاساي وبين الحكومة الإيرانية المذكورة فكانت هذه العشائر تقبض كل عام إتاوة كبيرة نظير حرية المرور عن طريق بابل (إكباتانا الشهيرة) . وقد حاربهم الإسكندر الكبير محاربة شديدة ، ووصف هيرودوت أبناء هذه المنطقة في مؤلفه، بالشجاعة والبسالة وتأصل الروح القتالية فيهم . ومن استقراء التاريخ وحوادثه بما يتعلق بمناطق الكورد الفيليين يتجلى لنا بوضوح تأصل الشجاعة وروح التمرد والبسالة في هذه الشريحة الكوردية منذ سقوط حكومة كاردونياش الكاشية ولحد اليوم وهي تخوض صراعاً مستديماً لا هوادة فيه ضد الظلم والعدوان من أجل الحفاظ على وجودها وحقها في الحياة الحرة وما سكتوا وما إستكانوا رغم طول المعاناة وقساوة الظروف ووحشية الأعداء القدامى منهم والجدد) . وقد أكد الأستاذ رايكا في صفة الفيلي ما نراه مطابقاً للواقع التاريخي والذي بين أن صفة الفيلي التي أطلقت على هذه الشريحة والتي جاءت من المخطوطات السومرية التي أشار إليها الخبير الأثري الأستاذ شاه محمد الصيواني وما ذكره المستشرقان (كرزون وهنري فيلد) ألا وهي الثائر والشجاع.