الرئيسية » مقالات » إنحراف حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي عن شعاراته-وحدة و حرية واشتراكية

إنحراف حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي عن شعاراته-وحدة و حرية واشتراكية

جاء حزب البعث العربي الإشتراكي مع القوميين العرب في الثامن من شهر شباط المشؤوم عام 1963 بقطار أنجلو أمريكي إلى الحكم في العراق ، كما صرح رئيس وزرائه على صالح السعدي قائلا : جئنا إلى الحكم بقطار أمريكي .

” وفي شـهـر ديــســمــبـر من عام 1962 حدثت مأســاة عـنـدمـا اجـتـمـع خـلـيـط مـن مـمـثـلـي حـزب الـبــعـث العراقي و أفراد من المحافظين الـعـراقـيـيـن مـع أعـضـاء شــركـة الـنـفـط الـعـراقـيـة IPC و مـنـدوبي وكـالـة الـمـخـابـرات الأمـريـكـيــة CIA و الـمـخـابـرات الـبـريــطـانـيـة فـي الـبـحـريــن لـمـبـاحـثـات تـفـصـيـلات الإنـقـلاب الـقـادم في العراق و تحديد سـاعـة الـصـفـر . وفي الأيام الأولى مـن شــهـر شــبـاط قـامت مجموعة من الجيش العراقي ضد الزعيم عبد الكريم قـاسـم يسـانـدهـا خليط غير متلائم من عناصر حزب البعث و الناصريين و الوحدويين و المتطرفين اليميـنـيـيـن و الإقـطاعـيـيـن من أنصأر نـوري الـســعـيــد.
كانت الأسـلـحـة و الأمـوال تـتـدفـق مـن شــركة الـنـفـط الـعـراقـيـة و الـولايات الـمـتـحـدة الأمـريــكــيـة. وبـعـد قـتـا ل عـنـيـف دام ثلاثة أيام تـم الـقـضـاء عـلـى ( الشهيد المرحوم ) الزعـيـم عـبـد الـكـريـم قـاسـم و المقربين الـمـؤيـديـن لـه. رفض الـمـتـآمـرون و على رأسهم عبد السلام عارف الـعـفـو عـنـهـم ، إلا أنهم أمروا برمي الزعيم عبد الكريم قاسم أمام كامرات التلفزيون وبهذا الفعـل الشنيع إنتـقـمـوا لحركة الموصل الـدمـويـة ( المترجم : دون محاكمة عادلة ).

وبعد ذلك تحول الإضراب الطلابي الى مذابح صحراوية ، حيث تسلم حزب البعث زمام الأمور و قام بتسليح آلاف التلاميـذ و الطلاب الجامعيين لـمـلاحـقـة و صيد الضباط المحايدين و الموظفين و عمال النقابات و أعضاء الأحزاب الأخرى . وقام البعثيون في الأيام الخمـسـة الأولى بـقـتـل على الأقل ثلاثة آلاف من مؤيدي عبد الكريم قاسم . لكن تـقـديـرات المصادر الأخرى تقول بأن عدد المقتولين يزيد عن ثمانية آلاف شهيد في أيام الإنقلاب الخمسة إضافة إلى نفس العدد قام البعثيون في الليل و تحت جنح الظلام باختطاف الشباب و الشابات في بغداد و ضواحيها و قتلهم بحجة أنهم ينتمون الى الحزب الشيوعي العراقي. إلا أن المصادر الأخرى تشيرالى أن بعض أعضاء الحزب الشيوعي قد اختفوا الأمر الذي أدى الى سقوط ضحايا من الأحزاب الأخرى اليسارية و التقدمية الديمقراطية . وفي مداخل بغداد و الموصل قامت مظاهرات عنيفة لـلـذ ود عن عبد الكريم قاسم و مكاسب ثورة 14 تموز إلا أنهم قتلوا تباعا الواحد بعد الآخر. يتضح الآن أن عبد الكريم قاسم أخطأ كثيرا عندما سحب الأسلحة من المقاومة الشعبية التي كانت القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن ثورة 14 تموز المجيدة و مكاسبها .
دامت المعارك لمدة ثلاثة أسابيع . و قد تم إلقاء القبض على القوى القيادية على الأقل 12 الف شخص . و تم تعيين عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية ”

( راجع : كتاب الكـاتـب الـرومـانـي هـانـس هـنـلـه Hans Henle عام 1966 بعـنـون : الـشــرق الأدنـى الـجـديــد

ثـم قـام كورت أولـريش بمراجعة الكـتـا ب و إضافـة الأحـداث التي حدثت في الشرق الأدنى لـغـايـة سـنـة 1971 . وصدرت الطبعة الـمـنـقـحـة عام 1972 باللغة الألمانية عن دار النشر سـوركامب كالأتي:

Hans Henle: Der neue Nahe Osten, durchgesehen und ergänzt von
Curt Ullerich, 1. Auflage 1972, Suhrkamp,
( صفحة 105 – 106


إستخدم حزب البعث سياسة الترغيب و التهديد لكسب المؤيدين له فمن لا ينتمي إلى الحزب يعتبر عدوا له ولا يحصل على مقعد دراسي أو عمل أو وظيفة أو أنه يعدم .
رفع الحزب شعارا مكتوبا على باب كلية القانون و السياسة التابعة لجامعة بغداد و على أبواب كليات أخرى يشير إلى بيت شعر هزيل لشاعر هزيل يقول :
حزب تشيده الجماجم و الدم تتحطم الدنيا ولا يتحطم
( راجع كتاب حسن العلوي : العراق دولة المنظمة السرية ، صفحة 77 ) .
وبذلك انحرف عن مبادئه الثلاثة وحدة و حرية و اشتراكية
نحاول بإيجاز شرح ذلك :

وحدة : إستغل الحزب هذا الشعار لإقناع البسطاء من الشباب و الشابات الذين كانوا طيبين على فطرتهم . من لا يحب أن يتوحد عالمنا العربي و تتحد الدول العربية تحت قائد واحد و توحد كلمتها أمام دول العالم الأخرى .
حكم هذا الحزب النازي ما يقارب 40 سنة و كانت لديه كل العوامل و الأموال لتشكيل الوحدة العربية بالطرق السلمية ، إلا أنه انعزل عن الدول العربية و قام بتهديدها و ترويعها أثناء غزوه لدولة الكويت الشقيقة في الثاني من آب 1990 تحت شعار تحرير القدس يتم عن تطريق تحرير الكويت . وقد حاولت قوات الجيش العراقي إحتلال آبار النفط الغنية في السعودية حيث تصدت لها قوات الجيس السعودي الباسلة في معركة الخفجي و طردتها من أراضيها شر طردة .

وفي حوادث أيلول الأسود عام 1970 كانت القطعات العسكرية العراقية مرابطة في الأردن في منطقة الزرقاء و تحت قيادة وإمرة حزب البعث العربي الإشتراكي العراقي ، إلا أن القوات العراقية وقفت متفرجة على ذبح أكثر من ثلاثين ألف نسمة من الفلسطينيين ، فلم يتوسط قائد الجيش العراقي لدى الراحل الملك حسين لإيقاف نزيف الدم الفلسطيني . قام وفد كويتي رفيع المستوى برئاسة الشيخ سعد العبد الله الصباح بزيارة الأردن و توسط لدى المغفور له الملك حسين و توقفت العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين . ولدى عودة الوفد الكويتي إلى الكويت هرّبوا معهم الراحل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بزي كويتي و أنقذوه من الإعدام .

حرية : لا يوجد شخص على وجه المعمورة لا يحب التمتع بالحرية :
لا تكن عبداَ لغيرك فقد خلقك الله حرا .

حرية التعبير عن الأراء : لم يتمتع الشعب العراقي بحرية الرأي و كان الآلاف المواطنين العراقيين يتعرضون إلى قص ألسنتهم و آذانهم بمجرد قول كلمة واحدة ضد النظام أو إشتكو من الوضع الإقتصادي و الصحي في العراق.
و حتى رفاق صدام الحزبيين من وزراء و شخصيات وطنية عسكرية قد تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب ثم الإعدامات بالجملة و بأشكال سادستية وحشية مثل أن يجتمع الحزبيون لمشاهدة كيف تقوم كلاب صدام بافتراس رفيقهم و هو حي .
وذات يوم وجه وزير الصحة رياض حسين نصيحة لصدام في إجتماع مع القيادة القطرية فقام صدام و أطلق بمسدسه رصاصة في فم الدكتور رياض حسين فأرداه قتيلا أمام رفاقة .

حرية السفر : منع العراقيون من السفر لسنوات طويلة و إذا سمح لأحد كان عليه أن يدفع مبالغ طائلة للسفر .

حرية التنقل من مدينة إلى أخرى في العراق : وضعت نقاط تفتيش أمام حدود كل مدينة فمن أراد السفر مثلا من كربلاء إلى بغداد العاصمة يمر بنقطة تفتيش في كربلاء و على المسافر أن يبرز هويته أو شهادة جنسيته أو جواز سفره أو بطاقته الشخصية و بعد مضي ثلاثين كيلومترا تصل سيارة الركاب إلى نقطة تفتيش في المسيب و بعد الخروج من المسيب نقطة تفتيش أخري ثم يصل إلى الإسكندرية كذلك نقطة تفتيش و ثم إلى مدينة المحمودية نقطتين تفتيش ثم يصل إلى منطقة الدورة نقطة تفتيش و هكذا إلى أن يصل بغداد بطلاع الروح فكأن المسافر يغادر من دولة إلى أخرى . وضع النظام الفاشي الشعب العراقي في سجن كبير طوال أكثر من 35 سنة لم يتخذ حزب البعث أي إجراء ضد تلك الأوضاع .

عمليات الإبادة الجماعية المنظمة :

فبدلا من أن يستمع صدام و حزبه البغيض إلى مطاليب الشعب العراقي و الإخوة الأكراد قام بعمليات تهجير و اغتصاب و إبادة لا يتصورها العقل البشري ، حيث قتل من الشعب العراقي في السجون و المعتقلات و الحروب أكثر من ثلاثة ملايين و نصف شخصا . ففي عمليات الأنفال الوحشية قتل 182 ألف نسمة من الأكراد و في حلبجة قتل أكثر من خمسة آلاف كردية و كردي أغلبهم من الأطفال و النساء و الشيوخ و العجزة بقنابل الغازات السامة .و اختطف أكثر من عغشرة آلاف شاب دون العشرين سنة من الإخوة الأكراد الفيلية لم يعرف ذويهم لحد هذه اللحظة شيئا عن مصيرهم .
وفي وسط و جنوب العراق قتلت قوات صدام المجرمة بعد تحرير الكويت الشقيق و في الإنتفاضة الشعبانية في يوم واحد أكثر من 350 ألف نسمة ، كما قام النظام الفاشي بتسميم الأهوار بمادة سيانيد البوتاسيوم و غيرها حيث قتل الآلاف من البشر و الحيوانات و الطيور و أطنان من السمك و الزرع و أشجار القصب البردي ، حيث كان يطلق على منطقة الأهوار بجنة عدن منذ آلاف السنين .
أما على جوانب شط العرب فقد أحرق النظام البائد مئات الآلاف من النخيل بحجة رؤية العدو الإيراني ، الأمر الذي أدى إلى قطع أرزاق الفلاحين و عوائلهم .كما قام بتهجير مئات الآلاف من العوائل . فعلى الحكومة العراقية الحالية تعويض عوائل الشهداء بالأضرار الناجمة عن قتل أبنائهم أو آبائهم و تعويض خسائرهم المادية من جراء تدمير أو مصادرة منازلهم .

حرية التجارة : كان عدي و عائلة صدام و رفاقه الحزبيين يتمتعون بكافة إمتيازات التجارة و السيطرة على السوق التجارية ، حيث قامت هذه الفئة الضالة بحرمان المواطنين التجار و أصحاب المحلات التجارية من التمتع بإجازات إستيراد البضائع و السلع الأجنبية إلا بعد أن يعطوا حصة الأسد لعدي و غيره .

إشتراكية : الإشتراكية تعني بأن يتمتع ابناء الشعب العراقي بموارد الدولة بصورة عادلة و متساوية دون التمييز بين المواطنين . كان من واجبات الدولة العراقية تطبيق قانون الضمان الإجتماعي و محاربة البطالة و تخصيص رواتب شهرية للعوائل التي ليست لها دخل شهري دون منة من عائدات النفط كما على الدولة بناء دور السكن و رياض الأطفال و المدارس و المستشفيات و العناية بمرضى المو اطنين العراقيين و توفير لهم الأدوية و الأغذية بالإضافة إلى تشغيل الأيادي العاطلة بمشاريع متعددة كبناء الشوارع و الجسور و المدن و المصانع و المعامل .
لقد نهب النظام الفاشي و بطانته أموال الدولة فأصبحت خزينة الدولة ملكا لصدام و عائلته و حرسه الجمهوري و حراسه أمثال حسين كامل و غيره . وفي سنوات الحصار الإقتصادي الجائر على الشعب العراقي كان يموت سنويا آلاف الأطفال بسبب نقص الغذاء و الدواء و قد خصصت هيئة الأمم المتحدة و منظمات حقوق الإنسان برنامجا للغذاء والدواء وكانت معظم الأغذية و الأدوية تصادر من قبل رجال صدام و تباع تلك الأدوية و الحليب باسعار غالية على المواطنين على الرغم من أنها كانت مهداة إلى أطفال العراق . و في الوقت ذاته كان نفط العراق يهرب بطرق ملتوية عبر الشاحنات النقالة على الخط السريع الذي يربط بغداد بالأردن الشقيق أو عبر المراكب و السفن الشراعية . وكان النظام يتمتع بأرباح طائلة خيالية و يوزع كوبونات النفط على مؤيديه و عملائه من الكتاب العرب و الفضائية العربية و على الشخصيات السياسية العربية و الأجنبية و حتى رؤساء بعض الدول ، حيث نشرت صحيفة المدى قائمة طويلة بهذا الخصوص . فبدلا من أن تصرف تلك الملايين على الشعب العراقي قدمها هدية لأولئك الذين ليست لهم ضمائر حية أبدا ، لأن تلك الأموال قطعت من حليب أطفال العراق من أجل الدعاية و الإعلام له .
وفي الحرب العراقية الإيرانية أصدرت وزارة الإعلام فلما بعنوان قادسية صدام كلف الدولة الملايين من الدولارات ، حيث خدع الطاغية الشعوب العربية و خاصة شعوب دول الخليج الشقيقة بأنه حامي البوابة الشرقية من الفرس المجوس . و مما يدعو إلى الأسف أن كثيرا من العوائل الخليجية قد أسمت أولااده بصدام ، و لكن عندما غزا صدام الكويت غيرت أسماء بعض الأولاد ، و قد قرأت ذلك في الصحف العربية .
و للمزيد عن جرائم صدام و البعثيين يرجى قراءة كتابي المؤرخ الكبير الأستاذ حسن العلوي الذي كان بعثيا لمدة ربع قرن :

1 – حسن العلوي : العراق دولة المنظمة السرية ، طبع بمطابع شركة المدينة للطباعة و النشر – جدة ، نشرته الشركة السعودية للأبحاث و النشر

2 – حسن العلوي : دولة الإستعارة القومية – من فيصل الأول إلى صدام حسين ، الطبعة الأولى 1993 ، دار الزوراء – لندن

فعلى الدول العربية الشقيقة التي شاركت في مؤتمر بغداد أن تعيد النظر في مواقفها من أتباع مثل هذا النظام البعثي الفاشستي الذي أحرق الحرث و النسل في العراق و الكويت و إيران ، إذ لا عودة للنازيين بعد آلاف الجرائم و الإبادات الجماعية إلى الحكم في العراق . فعلى الحكومات العربية أن تضع نصب أعينها الجرائم التي حلت بالشعب العراقي سنة و شيعة و أكرادا و تركمانا و غيرهم و أن تحترم قرار الشعب العراقي في تشكيل الحكم الفيدرالي الديمقراطي التعددي و فق مواد الدستور العراقي ، و الله ولي التوفيق .

ألمانيا في 14 / 3 / 2007