مستشارة شؤون المرأة والاسرة والطفل
القسم الاول
تمهيد
لعل ما لفت نظري وانا اهم بكتابة ورقتي هذه، بعض من الافكار تناثرت هنا وهناك حاولت اتخاذها منطلقا لموضوعي تمثلت بالتعداد السكاني للعراق للعام 1997 الذي يعد مؤشرا اساسيا عن المرأة العراقية اذ بلغ عدد النساء (الاناث) فيه (11.58.922) امرأة يشكلن نسبة 50.2% من مجموع السكان البالغ (22.017.982) نسمة وتمثلت باستطلاعات الرأي فضمن استطلاعات للراي العام هذه تساؤلات عن دور المرأة العراقية في المجتمع المدني، والتشريعات التي تمس حقوقها وحرياتها وما يعنيني من استطلاعات الرأي هذه هو ما يتعلق بالمرأة العراقية وقانون الاحوال الشخصية العراقية الصادر على وفق الدستور النافذ في حينه، وبترابط جدلي مع تطبيق الرؤى الدينية الطائفية المذهبية الضيقة على المرأة العراقية فيما يمس وجودها وحياتها وقرارها واختيارها بتهميشها مقدمة وتغييبها نتيجة عبر استطلاع عينة عشوائية تتباين في الجنس والعمر والحالة الاجتماعية والمهنة والتحصيل العلمي.
ومن هذه الاستطلاعات فيما يتعلق بحقوق المرأة في تقرير شؤونها كالتعليم والزواج والعمل، جاء استطلاع الرأي بنعم 94.11% ولا 5.88% واستطلاع الراي عن دور المرأة في المجتمع كان على ان تبقى المرأة محدودة الدور جاء بنسبة 37.25%؛ وما يتعلق بدور المرأة في المجتمع الجديد الى جانب الرجل.. كانت نتيجة استطلاع الرأي ان يمارس كل منهما دوره الذي حدده المجتمع 80.39%. ان يمارس كل منهما دوره الذي حدده الدين 88.23% ان يمارس كل منهما دوره الذي حدده الدين والمجتمع 82.35%. وجاء استطلاع الرأي بضرورة تطبيق الشريعة الاسلامية بنسبة 64.7%.
حقوق المرأة العراقية بين
مفارقة الشريعة والتطبيق
لعل المفارقة بصدد حقوق المرأة العراقية لا تكمن في تطبيق الشريعة الاسلامية كما يجسدها قانون الاحوال الشخصية، ولكنها تكمن في الواقع في النظرة الذكورية التي تقرأ الشريعة الاسلامية قراءة ضيقة متعصبة منغلقة فردية وتسعى الى ترسيخها بوصفها هي النظرة الصحيحة، وهو ما ينطبق على قراءة قانون الاحوال الشخصية النافذ والجهود من اجل الغائه.
اذن لا ينبغي اهمال قضية حقوق المرأة عموما وقانون الاحوال الشخصية خصوصا، بل لا بد من بدء النظر الى حقوق المرأة واحوالها الشخصية بصورة جدية، بمعنى لا يجوز تناولها باستخفاف او على نحو يهدف الى استرضاء الاخرين من هذا المذهب او تلك الطائفة ونبرر قلة اهتمامنا بقضايا المرأة بسبب افتقارنا للديمقراطية.
ولعل الاكتفاء بالنقد والحوار والنقاش والرفض او الوقوف موقف الحياد او المشاهدة لن يحقق للمرأة العراقية ما تريد من حقوق قانونية واجتماعية وفكرية وثقافية وانسانية، ومن تعديلات لقانون الاحوال الشخصية يضمن حقوق المرأة وليس بالغاء القانون. اذ لابد من الاعتبار الى رأي المرأة لدى الغاء او اصدار او تعديل اي قانون يمس المرأة في عراقنا المعاصر، وتغيير النظام الابوي او النزعة الذكورية الذي يلحق الضرر على وفق نهجه الاستبدادي في نظرته للمرأة الذي يحاول البعض اقحامه على الشريعة الاسلامية بحجة فهمها.
ولترسيخ ما تصبو اليه المرأة العراقية من حقوق لابد من تغيير اشكال الوعي بربط التشريعات والنصوص القانونية للمرأة بالتحول الاجتماعي والحقوقي والقانوني والثقافي والسياسي والاقتصادي للمجتمع ربطأ جدليا قابلا للتطبيق في الواقع.
وهنا لابد من الاقرار من جانب على ان الثقافة والتعليم الديني يعدان اساسين في تشكيل والفرد والعقل في مجتمعنا ومن هنا يبدو تاثير التيار الديني المتشدد واضحا في عصرنا فهيمن على التفكير والتعليم والثقافة والسلوك ويحاول ان يطال المرأة العراقية ايضا عبر اطلاق مسائل الحجاب بمعنى (احتجاب المرأة) دون النظر لما للاسلام من مواقف ومبادئ تنتصر للعقل وللحقوق وللاختيار وترفض التسلط والاتباع والانقياد.
فهكذا خطاب زيف وعي المرأة العراقية وغيب ما انجزته عبر تأريخها العراقي والغى دورها ومشاركتها في مسيرة مجتمعها العراقي.
ويبدو من جدلية الدين والمجتمع الدور في تشكيل الوعي للمرأة العراقية على وجه الخصوص وللانسان العراقي على وجه العموم. في مقابل توثيق العلم المعاصر لكون المرأة مساوية للرجل عقلا، ومع ذلك يرفض التيار المحافظ المتشدد تغيير فكرهم بما يتفق وهذه الحقيقة فسعى لتكبيل المرأة العراقية بقيود واغلال اضافية هذا من جانب؛ ومن جانب اخر فان الرجوع الى الدليل الشرعي والفقه الاسلامي الذي يؤسس عليه قانون الاحوال الشخصية يستند الى بعدين: ديني وثقافي تغلغلت من خلاله بعض الافتراضات الاجتماعية والسياسية السائدة وفق النظرة الاستبدادية الابوية كافضل ما يقال عنها اليوم وهذا النمط لم يقر المرأة فحسب بل الحق الضرر ايضا بكل ما اعتمد من الفقه الابوي على المرأة بوصفها غير قادرة على التحكم في مصيرها وتفنيدها تفنيدا فقهيا صحيحا وعلى الرغم من كون النظام الابوي قد ابعد المرأة عن ميدان الفقه الاسلامي الحقيقي لكي لا تدرك مديات التشويه الذي احدثه الفقه الابوي ضمن اطار التقاليد والمعتقدات المتوارثة ليس على المرأة حسب ولكن على المجتمع ايضا مما الغى صوت المرأة في هذا المجال، وغدا قانون الاحوال الشخصية قانونا شرعيا في ظاهره ولكنه يتسق مع النظام الابوي الذي ينطبق على مجتمعنا العراقي وثقافته وتقاليده ونظرته الى المرأة دون الاعتماد على بعض المبادئ الاساسية كمبدأ تجنب الحاق الضرر ( لا ضرر ولا ضرار) ومبدأ الصالح العام ومبدأ العلة والظرفية التي تعكس وجهة النظر الرجالية البحتة ووجهة نظر السلطة السياسية حتى مع تعارض التكيف القانوني مع النص القرآني والدليل الشرعي مما يدل بشكل لا لبس فيه على مبدأ التحيز عبر اقرار تفسيرات الفكر الابوي على الفقه الاسلامي وهذا الاتجاه المؤسف موجود بتصاعد ويظهر بأجلى صوره في قانون الاحوال الشخصية الذي يقتضي تعديله لا الغاؤه فيجب الا يتصرف الرجل بمنطق الوصاية على المرأة والا تتصرف المرأة بمنطق الحاجة الى وصاية الرجل.
التشريعات النافذة حقوق للمرأة العراقية..
لعل دستور العراق النافذ اقر حقوق المرأة وحرياتها وفق المنظور الاجتماعي والسياسي وفق حقوق المواطنةوفق ما يتضح من المراجعة لمواده وفقراته وبنوده وربما بما فيها الحماية القانونية للمرأة. من جانب؛ ومن جانب اخر فكل ما يصدر من تشريعات وقرارات تتعلق بالمرأة فهي تصدر وفقا لاحكام الدستور وتستمد قوتها وشرعيتها منه.
وعليه فان الاقرار بمبدأ المساواة بين المرأة والرجل بقاعدة دستورية يعني بالضرورة حظر كل تصرف مخالف لهذه القاعدة.
وقد تعززت هذه القاعدة بأنضمام العراق الى الاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان كالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المعلن في 25/1/1971 والساري المفعول في 23/1/1976 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعلن في 25/1/1971 والساري المفعول في 23/3/1976 والتي شكلت اطر المشروع الاجتماعي للاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية وتفعيل دورها في الحياة الاجتماعية والمدنية والثقافية والسياسية والقانونية وتعزيز صكوك حقوق الانسان للمرأة خصوصا.
وبموجب ما تقدم وتأسيسا عليه صدرت تشريعات وقرارات عدة تعزز الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية وتعد تتويجا للحقوق الممنوحة للمرأة العراقية كقانون التعديل الثاني لقانون الاحوال الشخصية رقم (21) لسنة 1978 وقانون حق الزوجة المطلقة في السكن رقم (77) لسنة 1983 المعدل في القانون رقم (2) لسنة 1994 والقرار المرقم (127) في 1999 والقاضي باستيفاء المرأة لمهرها المؤجل في حالة الطلاق مقوما بالذهب وقانون رعاية القاصرين رقم (87) لسنة 1980.
وجدير بالذكر فان الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة العراقية كانت تتضمت ما يخص الحق التشريعي والقانوني اذ بلغت على سبيل المثال نسبة النساء في مواقع اتخاذ القرار في العراق 15.1% وتشغل المرأة في القضاء ونيابة الادعاء العام 7% وكتاب عدول 30% ومنفذي عدول 30% .وقياسا لما تقدم فان كل خرق لحقوق الانسان للمرأة العراقية يعد منافيا لمبدأ عدم التمييز ضدها على وفق ما جاء في الاتفاقية التي اعتمدت من الجمعية العامة بقرارها 34/ 180 في كانون الاول/ ديسمبر 1979 والنافذ في ايلول/ سبتمبر 1981 والذي اعلن العراق انضمامه الى هذه الاتفاقية في 13/8/1986 وبدأ بتطبيقها في 12/9/1986 لكونه ينال من انسانيتها وشخصيتها وكرامتها واخلاقياتها وحياتها.
الاتحاد