الرئيسية » التاريخ » القبائل الكردية بين الهوية والتأريخ

القبائل الكردية بين الهوية والتأريخ

هذا واحد من بين الكتب المهمة تناول جوانب من حياة الكرد،التي تجهلها أعداد غفيرة من القراء. وعلى الرغم من غلبة النزعة الاستعراضيةالتي لاتلاحق الكثير من التفاصيل التي نظنها مهمة، الا أننا أمام محاولة جادة أقرب ماتكون إلى التشريح الأناسي. ولا يقلل من شأنها وأهميتها أي من كتاب واسع وضعه ويليام إيغلتون بعنوان (مدخل إلى السجاد الكردي ومنسوجات أخرى)، وهذان البابان ـ الفصلان يتحدثان حول الشعب الكردي وتأريخه. وبالنظر الى هذا فإن إيغلتون يكون قد سلك عوامل مكونات هذا الجمال، ونقصد تلك العوامل التي تختفي عادة وراء أدق التضاعيف التي ترتبط بالميثولوجيا والمكون الثقافي على حد سواء.

تتوزع موضوعات الكتاب على فصول هي بالترتيب: الشعب والتأريخ، تأريخ الشعب الكردي، القبائل الكردية في إيران، القبائل الكردية في العراق، القبائل الكردية في تركيا وسوريا. وعلى رغم أن كتابات عديدة تناولت كل ماسبقت الإشارة إلية، أو بعضه، إلا أن منهج إيغلتون في البحث، يسعفه في تقديم الكثير مما يوضح للقاريء كيفية نشوء الهوية الكردية، وأصل الكرد، وموطنهم الذي قسمته المؤامرة الدولية إلى أجزاء كما قسمت الشعب نفسه إلى أجزاء تحاول البلدان إما التهامها وابتلاعها، أو تغييبها عن الحياة كمخلوقات لها خصائص اجتماعية وثقافية محددة، ودوركبير في إغناء البنية الذهنية والحضارية لهذه المنطقة من العالم. صحيح أن الباحثين توصلوا إلى نتائج مختلفة حول أصل الكرد، ألا أنهم وتحت أي مسمى كان، دخلوا التأريخ كشعب جبلي، يتوزع لأسباب طارئة بين عدة بلدان ويمتاز بالشجاعة التي لايستطيع نكرانها حتى الأعداء. وإذا كنا نميل إلى الاعتقاد بصواب الرأي الذي يربط الكرد المعاصرين بالميديين، فإننا لانرى سببا يمنعنا من القول بأن اللغة الكردية تعد واحدة من اللغات الهندوـ أوروبية، وأنها تشتمل على لهجات كثيرة، يصل الاختلاف أحيانا بينها إلى حد كبير،كما هي الحال في الاختلاف الذي نراه بين السورانية ولهجة الكلهور القريبة من الفارسية. وعموما يمكن القول بأن النظام الاجتماعي الكردي قد تشكل على أساس قبلي وإقطاعي، وعلى أساس الولاء الديني، وليس لكل القبائل نظام متماثل، وفي القبائل الأضخم عددا تصبح العلاقات أكثر تعقيدا. و حينما تتنافس فروع القبيلة على السيادة، فقد تبقى النتيجة غير محسومة، وفي حالات كثيرة تتركز المنافسة بين فرعين متضادين، ينتهي الصراع بينهما، بانتصار أحدهما على الأخر، بعد أن يكون قد استمر فترة طويلة. والحقيقة أن القليل من القبائل الكردية تمارس الحياة الرعوية بشكل كلي طوال العام،والارتحال من مكان إلى آخر، في حين استقرت الغالبية من القبائل غير الرعوية في قرى ومدن عصرية، وهذا مما يوضح تطور البنية الاجتماعية ورقيها.
الأمر اللافت للانتباه في منهج إيغلتون، أنه يقدم توصيفا دقيقا للبيت الكردي، والأسرة، ولنمط الحياة الاجتماعية، بما فيها من عادات وتقاليد ومظاهرترتبط بالمكون الحياتي.وهذا مما يجعل الكتاب ممتعا ومثيرا للفضول على حد سواء.ومما يجلب المتعة كذلك، الحديث عن الدين وموقعه في المجتمع الكردي، وهو حديث رجل عاش في وسط الكرد، وتمكن مهنة الكشف عن الكثير من المستور، الذي ربما لايستطيع اكتشافه إلا من كان صاحب نظرة ثاقبة. لذا فإننا نراه يتحدث عن مذاهبهم، وعن اختلاف ديانتهم، وعن الطرق الصوفية التي انتشرت بينهم كالقادرية والنقشبندية وسواهما من الطرق.
ومما يراه إيغلتون أن اسم الكرد قد دخل التاريخ متزامنا مع ظهور الإسلام، وهو في هذا يخالف الواقع الذي يشير إلى أنهم كان لهم وجودهم في مسرح الأحداث منذ سنوات موغلة في القدم وحتى قبل ميلاد المسيح، بل أن السومريين في كتاباتهم استخدموا كلمة (الكرد) في حدود ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، للدلالة على سكان جبال كردستان. ومما تجدر الإشارة إليه، أن الكرد كانوا دوما عنصرا فعالا ومشاركا في صنع الأحداث التاريخية لمنطقة الشرق الأوسط خلال القرون التي سبقت ظهور تاريخهم ورقي بنيتهم الذهنية، أنهم تجاوزوا المرحلة الوثنية من الديانة، قبل الميلاد بخمسة قرون على أقل تقدير، ومعنى ذلك أنهم عندما ظهر الإسلام لم يكونوا وثنيين. وإلى هذا الظهور المهم أيضا، فإن تاريخ الكرد اعتبارا من القرن التاسع عشر، شهد العديد من الثورات والحركات المهمة، التي تركت بصماتها على حياتهم في البلدان التي قسمتهم المؤامرة بينها. ويبقى الأهم عند البحث في دوافع هذه الثورات ونتائجها، أنها ساعدت على تشكيل الهوية القومية الكردية. ومن المهم أن نذكرهنا، بأنه ثمة في التاريخ الكردي، ما هو أعظم من العصيان المدني، ونقصد إسهام الكرد في كل من ايران والعراق وتركيا في التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تحقق بسرعة في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الاولى، وثمة من الكرد كما يذكر المؤلف، علماء ورجال قانون وأطباء ومهندسون ورجال دولة تركوا بصماتهم في دولهم التي ينتمون إليها وفي مجالات أعمالهم.
وفي تناول إيغلتون للقبائل الكردية، فإنه يقسمها إلى قبائل صغيرة (أقل من خمسة آلاف نسمة) ومتوسطة يصل عدد أفرادها إلى (عشرين ألف نسمة) وكبيرة يصل أفرادها إلى (خمسين ألف نسمة). ونراه يذهب بنا إلى هذه القبائل في كل من إيران (الكلهور، كوران، الجاف، سنجابي، منكور، شكاك، هركي، ومنكوروجلالى) وآذربيجان (جلالى، شكاك، هركي، منكور) والعراق (الجاف، دزه يى، برزنجي، طالباني، داودي، وخوشناو) وفي كل من تركيا وسوريا كذلك.
أخيرا فإن هذا الكتاب لاغنى عنه للمهتمين بالشأن الكردي ليس في جوانبه الإحصائية أو البيانية المجردة، كما قد يتوهم بعض القراء، وإنما في جوانبه الثقافية والأجتماعية كذلك. ذلك لأن مافيه من معلومات يفيد الباحثين في مجال التشريح الأناسي واكتشاف آلية تاريخ الكرد، وحركة هذا التاريخ صعودا أو نزولا، للوصول إلى مانراه اليوم شاخصا أمام الأنظار.

*ناقد فلسطيني مقيم في كردستان العراق
الاتحاد