الرئيسية » التاريخ » الفيليــون فــي عراقنـــا الفيدرالـــي الموحــد

الفيليــون فــي عراقنـــا الفيدرالـــي الموحــد

لئن كان الرئيس الأمريكي (جورج دبليو بوش) وأركان ادارته والحاكم المدني السابق في العراق (بريمر)،يجهلون من هم (الفيليون) وهم معذورون في ذلك لحد ما، فلا أظن ان بين العراقيين، من يجهلهم ، اللهم الا إذا كانوا من الغرباء الطارئين على العراق والمنطقة بأسرها اصلاً ، ومن اتباع السياسات التي تداولت الحكم على العراق، لا سيما تلك التى تولت مقاليد السلطة منذ الثامن من شباط المشؤوم سنة 1963 وسيطرة الحزب العنصري (الشوفيني) الطائفي الدموي على مرافق الدولة ومؤسساتها كافة. واسقطت عن مئات الألوف الجنسية العراقية من مستحقيها المواطنين الأصليين وأغلبيتهم من الكرد الفيليين وذلك لسببين رئيسين وأخرى ثانوية:-
السبب الأول: لكونهم ينتمون لقومية غير عربية وإنما للقومية الكردية.

السبب الثاني: لكون الغالبية العظمى منهم يعتنقون المذهب الشيعي… وهذان السببان يمثلان شوكتين مغروستين في عيون الفئة المتطرفة الباغيه التي استخدمت مختلف الطرق والأساليب الماكرة والوحشية بغية التخلص من هاتين الشوكتين سواء بالاجتثاث والأبادة الجماعية بالنسبة للشباب الذين تتراوح اعمارهم بين سن السادسة عشرة حتى سن الأربعين او بالسلب والنهب والتجريد من الأموال وانتزاع الأملاك التي كونوها وشيدوها بجهودهم وعرقهم وكدهم واجتهادهم لسنوات طويلة، بالنسبة لكبار السن منهم..أما الأسباب الثانوية فهي عديدة، إلا أن أهمها هو العامل الاقتصادي، فقد خرجت عيونهم من محاجرها عندما لاحظوا سيطرة التجار الكرد على الحركة التجارية وسيطرتهم شبه الكاملة على أسواق بغداد، لا سيما بعد هجرة التجار اليهود الى اسرائيل والغرب. الأمر الذي اثار حفيظة الحاقدين من الفئة التي اعمتها العصبية القبلية وأوغرت صدورها سموم الطائفية وعلى رأسهم عميدهم صدام حسين المقبور بصفته مثلهم الأعلى في السرقة والسطو والأستيلاء وغصب اموال الآخرين، وثمة عامل اجتماعي او (ديموغرافي) آخر، إذ سعى صدام حسين المقبور ومن ورائه الفلسفة العنصرية التي تبناها حزب البعث لأجتثاث هذه الشريحة الوطنية الأصيلة من التربة العراقية الطيبة والقضاء على كل ما هو أصيل بغية إحلال شرائح مستوردة غريبة محلهم، فيتحقق له تشويه الوجه الناصع الأصيل للشعب العراقي النبيل وبالتالي تغيير ميزان القوى الشعبية لصالحه بغية ضمان استمرار جثومه على صدور العراقيين عامة والمناوئين لحكمه والساعين للحلول محله لزعامة العراق، إضافة لما راود ذهنه المريض من مشاريع إجرامية لأذلال المواطنين وقهرهم وأبادة من يعارضه منهم والأعتداء الأثم على جيراننا كما حدث بالنسبة لأيران والكويت. اذ وجد في الدخلاء خير عون وسند له للتجسس لحسابه أو لأستخدامهم كمعاول للبطش والتعذيب ضد المواطنين الشرفاء، وللزعيق والتظاهر والتصفيق والهتاف لكل ما يعلن عنه. لا خلاف في ان (الفيلية) يعتبرون من لباب الأمة الكردية التي لم يكن تمثيلها في مجلس الحكم كما ينبغي وكذلك في الحكومات المؤقتة والدائمة بشكل لا يتناسب مع حجمهم السكاني الحقيقي.
واذا ما طرحنا التضحيات الجسام للفيلية جانباً وما كابدوه من الام مريرة وأضطهاد غاشم على أيدي النظام المقبور، فأننا نجد أن للكرد ثلاث لهجات رئيسة:
اللهجة السورانية: ومركزها بالنسبة لكرد العراق محافظة السليمانية.
واللهجة البادينانية: ومركزها محافظة دهوك.
واللهجة الفيلية أو اللورية: ومركزها جميع محافظات العراق ذات الأغلبية الشيعية عموماً، ومحافظتا ديالى و واسط بصفة خاصة. هذا بالأضافة الى محافظة بغداد حيث يقيم فيها كبار التجار والكسبة والصناعيين واصحاب المعامل إضافة لبعض الشخصيات البارزة من المثقفين والسياسيين والكتاب والأدباء والشعراء وعدد يسير من الموظفين وضباط الجيش والشرطة برز معظمهم أبان العهد الملكي ولفترة قصيرة لحكم الشهيد عبدالكريم قاسم.
وأراني لست بحاجة للبحث والتنقيب عن تأريخهم المشرف بغية إعطاء فكرة للقارئ بعد أن أثراه عدد من كتابنا ومفكرينا الأفاضل، لا سيما في الآونة الأخيرة وفي مقدمتهم القاضي الأستاذ زهير كاظم عبود، الدكتور منذر الفضل، الدكتور علي ثويني، الدكتور غسان الربيعي، الدكتور عزيز الحاج، وهذا الأخير من الكرد الفيليين ، عشيرة ملك شاهي، وغيرهم كثيرون من المنصفين الشرفاء. ولربما يكفي ان اشير الى انهم كانوا يقطنون منطقتهم الحالية الواقعة غربي ايران وشمال شرقي العراق، إمتدادا من جبال (زاطروس) وجبال حمرين و (بشتكوه) و (كه وره كويه) بممراتها العصية الوعرة المنيعة الا لأقدامهم وعزيمتهم وقوة شكيمتهم، كممر (به رد به ل) و(دكالان) و (بوينه) و(مهانه كه) و (ده سه وش) والتي يختال عبرها متهاديا نهر (سه يمه ره) اي نهر سومر. ولم ينزحوا لهذه المناطق من بلاد أخرى نائية وغريبة عن المنطقة، أسوة بالكثير من الأقوام والأمم التي استوطنت مناطق الشرقين الأدنى والأوسط، بل كانت هي أرضهم منذ فجر التأريخ. كما لم يفدوا اليها غازين أو غاصبين. وأن كان لنا أن نتحدث عن بعض صفاتهم والحديث عن الأغلبية طبعاً كمعيار عام، فأننا نذكر منها: الذكاء الحاد، والطيبة المتناهية والصدق في التعامل والأمانة والاخلاص والتفاني من أجل الحق والوطن هذا بالأضافة للأباء والحفاظ على معاني الشرف والرجولة والشجاعة النادرة التي عرف بها العراقي الأصيل من أحفاد سومر و (طل طامش)، دونما إعتداء أو غيلة فمن أقوالهم المأثورة بهذا الصدد (ياقضاء لاتأت ، ويا بلاء لا تأت، فأن أتيت فاْهلاًبك) وهو هنا يهدد القضاء والقدر ونوائب الدهر ان تبتعد عنه ويحذرها مغبة التحرش به لأنها سوف تلاقي الويل والثبور على يديه إن هي أقدمت على إرتكاب هذا الخطأ الفاحش لأنها تلاقي من هو أشد منها قوة وبأساً ومضاءً.
ولعل من المناسب ان اذكر بعضاً من رموزهم في الأقدام والشجاعة، من الذين لم تلن قناتهم تحت وطأة الظلم الرهيب والتعذيب الوحشي، فأنني أذكر خير مثال لهم الشهيد المرحوم لطيف الحاج الذي حاول جلاوزة البعث المجرمين إثر إنقلاب شباط 63 إنتزاع إعترافه وذلك بالتدريج في تقطيع بعض أعضائه جزءاً جزءاً ثم يسألونه إن كان يعترف على رفاقه كي يخلوا سبيله بيد أنه كان يرد عليهم كلما قطعوا عضوا من جسده الطاهر بالنفي مكتفياً بأشارة من رأسه لعجزه عن الكلام من شدة الألم الذي كان فوق طاقته. كما حدثنا أباؤنا وكبار السن فينا كيف كان بعض الشباب من الكرد الفيليين يتصدون للجندرمة أبان الحكم العثماني الجائر وبعده للأحتلال البريطاني بما كان يتيسر لديهم من أسلحة بسيطة آنذاك، أذكر منهم كلا من: (علي مامط) الذي دوخ القوات البريطانية حتى تمكنوا من إلقاء القبض عليه حيث أخذوا يتفنون في تعذيبه وذلك بتقييد يديه ورجليه بالأصفاد الحديدية الثقيلة ورميه عارياً تحت ماء البحر المثلج في زمهرير الشتاء بمنطقة الفاو بغية إرغامه على الأعتراف على رفاقه من أفراد المقاومة السرية، حيث كانوا يخرجونه من تحت الماء قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة لتشتغل عليه العصى الغليظة من الخيزران ثم يبدأ المترجم العراقي بسؤاله قائلاً: على مامك .. قر .. أي أعترف، وذلك باللهجة العامية الدارجة، فكان يلقى ثانية وثالثة أملاً في أعترافه ولكن دون جدوى، مكتفياً بالسخرية والتهكم منهم، متسائلاً إياهم: بم تريدونني ان أقر؟ ها أنني أقر .. قررر، قررر. وقد أصر على عدم الأعتراف رغم ذلك التعذيب الرهيب مع العلم أن خاله (شعبان كاظم) وهومن عشيرة الموسي فخذ مراوه ني كان هو الآخر من أفراد المقاومة السرية حتى تم تشكيل أول مجموعة من رجال الشرطة العراقية فكان ممن أمكن إقناعه بالأنخراط في مسلكه لحين إحالته على التقاعد سنة 1947. ومن ينسى (موزر) في محافظة ديالى الذي كان أسمه يبعث الرعب في نفوس أعتى رجال الشرطة، و(ابراهيم عبدكه) في محافظة بغداد وبابل، وغيرهم كثيرون في العهد الملكي.
بيد أنه لا مناص من التساؤل الذي يطرح نفسه، أنه: هل هناك من تعرض لعمليات المق الأبادة والتنكيل والأبتزاز والسلب والغصب مثلما تعرض له الكرد الفيليين؟ ..فقد غصبت أملاكهم وسلبت أموالهم وأنتهكت أعراضهم وأعتقل خيرة شبابهم ثم استخدموهم لأجراء التجارب بالأسلحة الكيمياوية والبايولوجية عليهم حتى آخر قطرة من دمائهم الزكية الطاهرة، كما تم إلقاء الشيوخ والأطفال والعجزة منهم بين حقول الألغام على الحدود العراقية الأيرانية، دونما ذنب إرتكبوه أو جرم يسألون عنه، أللهم إلا كونهم مسلمين إختار اجدادهم مذهب أهل بيت نبيهم، فأصبحوا شيعة، وأنحدروا من أصول أقدم أمة حتى تم تهجيرهم من ديارهم. فاذا في الجانب الأيراني يعتبرهم عربا، وفي الجانب العراقي يعتبرهم عجما كما يقول الشاعر الكردي الفيلي باللهجة اللورستانية:
نه موسيمن و نه بــــاوه خدا ولمانه وكردكه له ى ناوه
وترجمته:
نحن الأكراد الفيلية لاموسيه ولا باويه وضيعنا الله بالوسطيه
ويقصد بالموسية عشائر (الموسى) التي كان بعض افرادها يتخذون لقب الأوسي نسبة لعشيرة (أوس) العربية ويرتدون الغترة البيضاء والعقال تفادياً لتسفيرهم من قبل السلطات الغاشمة بعد سحب جناسيهم العراقية أو اسقاطها. أما الباوية فنسبه الى عشيرة (باوة) التي تقطن مناطق محافظة ديالى وواسط وخاصة قضاء الخالص. ويقال أنهم من السادة الذين يرجع نسبهم الى الرسول رغم انها تعتبر عشيرة كردية.
فهل هناك من يدعي أنه تعرض للظلم والأضطهاد والأبادة الجماعية مثلما تعرض له الكرد الفيليين. رغم شدة اخلاصهم لهذا الوطن وتفانيهم في سبيل الدفاع عن كل ذرة من ترابه بدماء خيرة أبنائهم الطاهرة. فهل يجزون هكذا بالأهمال والتنحية والأبعاد عن حقهم المشروع في خدمة البلاد بصدقهم و ولائهم وتضحياتهم الجسام وتفانيهم وإخلاصهم وغيرتهم على مصلحة الوطن والشعب بكل أطيافه وأعراقه دونما تمييز أو تفرقه وكان لك واضحاً حيث انخرط الكثيرون منهم في الاحزاب الوطنية العراقية وقدموا الكثير والكثير جداً من الشهداء والتضحيات.
هل ينسى امثال هؤلاء الأخيار الشرفاء الطيبين؟.. إننا جميعاً كعراقيين بحاجة ماسة اليهم لبناء الوطن وبث الروح الطيبة فيه من جديد مما يتطلب سرعة اعادة المهجرين منهم والأسراع بأعادتهم الى الوطن، وإعادة الجنسية العراقية لمن اسقطت عنه او سحبت منه ظلماً وعدواناً وإعادة املاكهم وعقاراتهم وأموالهم اليهم أو تعويضهم عنها مادياً ومعنوياً، وإعادة الموظفين منهم الى وظائفهم في دوائرهم السابقة بعد احتساب الفترة التي إنصرمت على ترحيلهم لأغراض العلاوة والترفيع والتقاعد.كما يسهموا في بناء عراقنا الفدرالي الديمقراطي الموحد…
الاتحاد